عاشوراء – كلمة يوم عاشر عصراً 1424هـ

أيها الأخوة.. خذوا الدنيا ممرا، واتخذوا من
الآخرة مقرا، وقدروا إنسانيتكم، وقدروا إنتماءك الكبير للإسلام، وكونوا مع الحق،
وعلى الباطل، كونوا صرخة مدوية في وجه إسرائيل، في وجه أمريكا، في وجه كل باطل،
كونوا طلاب حق، كونوا مصلحين، وكونوا دائما على طريق الإمام الحسين عليه السلام

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أعوذ بالله السميع العليم، من الشيطان الغوي الرجيم، اللهم إنّا نؤمن بك، ونتوكل عليك، ونستهديك، ونسترشدك.

الحمد لله وإن عظم المصاب، وجلّت الرزية بفقدك يا أبا عبد الله الحسين.

يقول عليه السلام كما روي عنه:”الناس عبيد الدنيا، والدين لُعْق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قلّ الديانون”.

وُجدْنا قابلين لأن نكبر وأن نصغر، لأن ننتصر ولأن ننهزم، لأن نتقدم أو أن نتأخر، لأن نتفوق على الملائكة، أو نسقط عن منزلة الحيوان، في ظل تربية الإمام الحسين عليه السلام تكبر الإنسانية وتتعملق، ويكون الإنسان سيد الدنيا، وفي ظل تربية يزيد يسقط الإنسان، يضعف، يصغر، يكون عبد الدنيا، التوحيد يجعلك أقوى من كلّ شيء، الخط الآخر يجعلك رخيصا في نفسك، تنظر إليها ساقطة رخيصة، تشتريها السيارة، يشتريها البيت، يشتريها المنصب، تشتريها الأشياء الصغيرة، اللعب الطفولية المكبّرة.

يوم أن تسود تربية الشرك، التربية المادية، الأرضية تحوّلنا إلى أطفال في أجسام كبار، ود نكون كبارا أيضا في تفكيرنا الرياضي والفلسفي، ولكننا نكون صغارا في حكمتنا، نكون أطفالا في خياراتنا، نكون أطفالا في مشتهياتنا، نكون مغلوبين للأشياء كما يغلب الطفل للأشياء الصغيرة، أما في ظل التوحيد فلصبي قبل أن يبلغ يكون الكبير الأبي، يكون الإنسان العزيز، يكون النفس العالية، يكون الشخص الذي تعجز الدنيا عن أن تقدم ثمنا لذاته. لن تكون كبيرا بأن تكون فيلسوفا، ولن تكون كبيرا بأن تكون طيارا، ولن تكون كبيرا بأن تكون أي اختصاص آخر متقدماً، ولن تكون كبيرا حين تكون بوش بإمكانياته المادية الضخمة، بوش بإمكانياته الضخمة يلعب به شعوره، تغلبه نفسه، كل دنيا الحكمة، كل دنيا الهداية، كل دنيا العدل تشجب الحرب، وشعوره الاستكباري يدفعه للإصرار على الحرب، إنه مغلوب لشهوة الانتصار المادي، إنه مغلوب للشعور بالعظمة الزائفة، إنه مأسور للشعور بالقوة المادية.

تستطيعون أن تكونوا أكبر من في الدنيا موقعا ماديا، موقعا عسكريا، موقعا اجتماعيا، وأن تكونوا أكبر من كل الدنيا نفسية وفكراً وحكمة حين يكون دربكم درب الإمام الحسين عليه السلام. ودرب الإمام الحسين عليه السلام ليس ثورة عسكرية في يوم واحد. درب الإمام الحسين عليه السلام ثورة على النفس، ثورة على ضعف الذات في كل لحظة، ثورة على البغي في داخل الذات، ثورة على المشتهيات الرخيصة في داخل النفس، ثورة على أي تردد في التزام طريق الحق، والدربِ الصاعد إلى الله سبحانه وتعالى.

ثورة كربلاء ثورة في يوم عاشوراء جاءت لتكشف أن الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الكرام كانوا في كل يوم ثورة، وكانوا في كل موقف ثورة، وكانوا في كل شعور ثورة، وكانوا في كل فكر ثورة.([1])

ما لم تكن الثورة الدائمة على الذات لن تستطيع أن تقف موقفا من طبيعة موقف الإمام الحسين عليه السلام. تحرروا من الدنيا، تحرروا من شهواتها، تحرروا من وساوسها، تحرروا من الشعور بالعظمة والأنانية الكاذبة، تكونوا كبارا حقا، تكونوا كبارا وعظاما من نوع عظمة الإمام الحسين عليه السلام.

“الناس عبيد الدنيا..” خلقنا قابلين أن نكون عبيد الدنيا، لأن نخسر إنسانيتنا أمامها، نخسر كبريائنا الإيماني أمامها، وخلقنا قابلين لأن نكبر، لأن نصعد والطريق للصعود هو خط الإمام الحسين عليه السلام، خط التوحيد.

“الدين لعق على ألسنتهم”، شيء على طرف اللسان، لم يتعمق داخل الذات، لم يتركز في أعماق الذات. الدين في ظل تربية معيّنة، ولأنه محل حاجة فطرية يبقى كلمة لسان، وهذه الكلمة يخسرها صاحبها، يتمرد صاحبها على مدلولها بصراحة وبصورة مكشوفة عند الابتلاء، هناك دول ترفع كلمة لا إله إلا الله في مآذنها، وتذيع إذاعاتها القرآن الكريم، وله توجيهاتها الإسلامية، ولها مناهجها الإسلامية ولكن إذا محص البلاء، إذا جاءت الفتنة، إذا عظم موج الفتنة ذهب إسلام هذه الدول، ووقفت مع أمريكا موقفا صريحا أو موقفا مبطّنا.

“والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم” الدين إذا كان مركب مصالح، الدين إذا كان طريق ربح مادي فإنه مطلوب حتى لأمريكا. أمريكا تتخذ من الدين سفينة من أجل الوصول إلى استعباد الشعوب. مقبول هذا الدين عند أمريكا كما هو مقبول عند كثير من الدول الإسلامية، ولكن الدين الذي يمثل رؤية الحياة، ويمثل مسلك الحياة، ويمثل في شعوره الإنسان ارتباطه بقدره، وبمصيره، ويختاره على أنه المصير، وعلى أنه قدره المطلوب هو الدين الذي يستطيع أن يصنع لك حاضرك، ويصنع لك مستقبلك، ويصنع لك كل أوضاعك.([2])

هنا سؤال: كيف يمكننا التخلص من العبودية للدنيا؟ كيف نستطيع التحرر، التمرد على هذه الآلهة الكاذبة في أنفسنا؛ آلهة الدنيا؟

فكّر في البداية، كيف كنت؟ من أين كنت؟ كيف بدأت؟ انظر إلى ذاتك في بداية خلقك في الرحم، وفكر في مصيرك، وإلى أين ستنتهي، وبماذا ستخرج من هذه الدنيا؟ اطرحوا على أنفسكم الأسئلة الكبيرة. الإعلام الماديَّ دائما يجرّنا إلى الأسئلة الصغيرة، كيف أضيف إلى بيتي لونا آخر؟ كيف أصل إلى تبديل سيارتي؟ كيف أصل إلى موقع فلان المادي؟ أسئلة لك أن تسألها، لك أن تطرحها على نفسك من أجل أن تطور مستواك المادي، ولكن هناك أسئلة كبرى، يرتبط بها مصيرك، يرتبط بها مستواك الإنساني، يرتبط بها مستوى أمتك، هذه الأسئلة الكبيرة الإعلام المادي، والإعلام العالمي الاستكباري دائما يهرب بنا عن طرحها، وعن مواجهتها، وعن طلب الإجابة عليها.

أسئلة مصيرية كبيرة كالسؤال عن البداية، السؤال عن المصير، السؤال عن قيمتي كإنسان، السؤال عن دوري الذي جئت من أجله في هذه الحياة، السؤال عن مستوى أمتي وفي أي موقع هي؟ ما هو تاريخي؟ من هم رموزي وقادتي؟ ما هو المنهج الحق الذي يجب أن أتبعه في هذه الحياة؟ أسئلة كبيرة لا بد أن تطرحها على ذاتك، لا بد أن تربط ولدك منذ نعومة أظفاره بهذه الأسئلة، تفتح واعيته عليها، على أهميتها. إذا لم تتحدد أجوبة واضحة عندنا على هذه الأسئلة الكبيرة فنحن لن نعرف المنطلق، ولن نعرف الهدف، ولن نعرف المنهج، وسنكون رخاصا، وسنكون ألعوبة بيد الأمم الأخرى، وبيد أي مثقف منحرف، وهو يستطيع أن يصوغنا الصياغة التي يريدها. أجوبة هذه الأسئلة الضخمة ومن رحمة الله سبحانه وتعالى جعلها الله لا تحتاج إلى فلسفة كثيرة، ولا تحتاج إلى علم غزير، ولا تحتاج إلى تأمّلات كبيرة، يكفيك فقط تأمل يسير لتعرف ما أنت، ما قيمتك، وأن قيمتك ليست في بيتك، وليست في سيارتك، وليست فيما تلبس، ثوبك هذا ستخلعه بعد حين، كل أشيائك ستغادرها، إذن ما أنت بعد أن تغادر هذه الأشياء؟ هل أنت الإنسان السوي؟ أم يتحول أحدنا إلى أخس مما عليه مستوى الحشرات؟! الأسئلة الكبيرة الجذرية وهي مطروحة من داخل النفس، تمتلك ذات النفس أجوبتها بالفطرة، فلو استطعنا أن نهرب بذواتنا عن تأثير الإعلام المادي لوجدنا الأجوبة على هذه الأسئلة الكبيرة الضخمة مخزونة في ذواتنا، وجدنا فطرتنا تتحدث لنا عن صلتنا بالله، وعن عبوديتنا لله، وعن ربوبية الله لنا، وعن اليوم الآخر، وأن المنهج الحق هو منهج العدل، ومنهج الصدق، ومنهج التوحيد، وأن الدور المناسب للإنسان هنا ليس دور الحشرة والقرد والحمار، إنما هو دور أن يبني ذاته لتتقدس، يبني ذاته للتنور، لأن يبني ذاته لأن تصعد إلى الله عز وجل، إلى أن تقرب بمستواها بل تتجاوز مستوى ملائكة الله.

أيها الأخوة.. خذوا الدنيا ممرا، واتخذوا من الآخرة مقرا، وقدروا إنسانيتكم، وقدروا إنتماءك الكبير للإسلام، وكونوا مع الحق، وعلى الباطل، كونوا صرخة مدوية في وجه إسرائيل، في وجه أمريكا، في وجه كل باطل، كونوا طلاب حق، كونوا مصلحين، وكونوا دائما على طريق الإمام الحسين عليه السلام لا تسلك قدمه خطوة إلا على طريق الكمال، ولا يميل شعرة عن طريق الحق، كونوا جنوداً لكربلاء، كونوا جنودا لعاشوراء، في بيوتكم، في قريتكم، في مدينتكم، في بحرينكم، في كل العالم.([3]) تستطيع اليوم أن تنطلق بصوتك المجلجل بالحق من قريتك الصغيرة ليصل إلى العالم كله ليضيء شمعة في هذا العالم المظلم الذي كلما تحكمت الجاهلية فيه ازداد ظلمة وبغياً وجورا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

——————————————————————————–

[1] – ومن كان منهم في غير جبهة الحسين عليه السلام إنما شدَّه إليها في أقسى اللحظات رصيد من تربية النفس ربما شابته شبهة أو شيء من دخيل غريب لم يكن قد استولى على النفس وحجبها تماماً عن النور. فالعودة للحق وتقديم الحياة من أجله لا يكون عن فراغ.

[2] – وحاضر، ومستقبل وأوضاع يصنعها الدين الحق لابد أن قويمة كبيرة رابحة.

[3] – وجنود عاشوراء لكل خير، وضد كل شر، همُّهم أن ينيروا هذا العالم بأنوار الهدى وأن يردّوه دائماً إلى طريق الصلاح والأمن والسلام.

زر الذهاب إلى الأعلى