خطبة الجمعة (101) 4 محرم 1424هـ – 7-3-2003م
مواضيع الخطبة:
كربلاء والواقع – الحرب العدوانية على العراق
الدعوة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والحوار الواعي الهادف القوي هو المقدَّم دائماً. والحسين عليه السلام ظل يحاور عمر بن سعد حتى ليلة العاشر كما يذكر التاريخ، وقد مارس عدد من صحبه الكرام التذكير والوعظ والحوار مع الطرف الآخر.
الخطبة الأولى
الحمد لله؛ له الأوليَّةُ الأزليَّة، وليست لأحدٍ غيرِه، والآخريَّةُ الأبديَّةُ وليست لأحدٍ سواه. عليٌّ عظيم، عزيز حكيم، قدير لا يعجزه شيء، عليم محيط بكل شيء، خبير بصير لا يخفى عليه شيء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الواقعة في الغفلة بتقوى الله، والحساب ليوم الساعة التي قال عنها سبحانه ” اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ” 1/القمر، وأن نخرج من الغفلة والتساهل المفضي إلى الإعراض عن آيات الله، والتكذيب بالحق “وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ. وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ” 2-3/ القمر. ويومُ الساعة يوم ملتقىً محتوم “بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ” 46/ القمر، والمجرمُ في الساعة معذَّب محقّر؛ مذموم مغموم “إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ” 47، 48/ القمر. فاطلبوا عباد الله طاعة الله راغبين، وفرّوا من معصيته راهبين. وليس كالله المالكِ القادر العظيم مرغوبٌ، ومرهوبٌ، ولا يرغب في عطاء أحد إلا بما أعطاه الله، ولا يُرهب من أخذ أحد إلا بما ملّكه الله، والله بكل شيء محيط.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، ولا تجعل لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات رغبةً إلا من رغبة أوليائك، ولا رهبة إلا من رهبة أصفيائك، ولا سعياً إلا في رضاك يا أرحم الراحمين.
أمَّا بعد فهذه ذكرى عاشوراء قد وافتنا في عام جديد، والحديث عن هذه الذكرى والمصاب الجلل هنا تحت هذا العنوان:
كربلاء والواقع.
وكربلاء بمن تقابلا فيها سِجلٌّ حافل بمواقف الحق والباطل، وشاهد صدق وحق على عظمة الدين وأهله، وخسة الفُسق وأهله. وهي ساحة غنية بالدروس لمن أراد أن يتعلم الحياةَ على ضوء الإيمان، ويدخل في الخالدين ممن يُخصبون الحياة، ويقيموا عوجها، وينيروا الدرب ما بقوا وبعد الرحيل. وكربلاء تجيبنا على الأهم من أسئلةٍ الواقع، وتضعنا على الطريق الصحيح، وتبعثنا أحياءً إرادة وضميراً، وعزة وكرامة، وصموداً بعد الموت.
والواقع عند الرساليين وأمّةِ الإيمان ينشد إلى الماضي الحجة فيما هو المطلق والكليُّ من الأحكام، والرؤى، والمفاهيم، ودلالات المواقف، ولا يتحرك منفلتاً في هذه المجالات عن المسار الواحد الذي يربط بين كل حلقات التاريخ الإيماني، ويحقق لها تواصلها، وانتظامها على طريق الهدف الكبير.
يُصاغ الواقع دائماً عند الأمة الأصيلة البريء ماضيها عن اعتناق الخرافة، والساقط من الفكر والسلوك، والإعتساف على ضوء ثوابت الماضي الطليقة من حدود الزمان والمكان، وبالاجتهاد في دائرة المتغيرات التي تختلف من زمن إلى زمن، ومن مكان إلى مكان. والماضي الذي بنته يد المعصومين عليهم السلام هو ماض قدوةٌ في ثوابته وضوابطه وكليَّاته، ما مسَّه جهل ولا شيطان ولا هوى ولا قصورٌ ولا ضلال، أمّا المتغير فهو على عصمته على أيديهم عليهم السلام لم يُقدِّموه حجة مطلقة لا تختلف مع الزمان والمكان في التغيرات والتحولات العارضة عليهما، ولذلك يبقى محلاً لتجديد الرأي والاجتهاد.
ومن يصوغون الامتداد الصحيح للإسلام في الأزمنة المختلفة في غياب المعصوم عليه السلام هم المسلمون عقيدة، وفقها، وتقوى من أهل الخبرة بتغيرات المكان والزمان، والعارفون بفرق الثابت والمتغير، القادرون على التنظير للواقع على خط الإسلام في ضوء كلِّ معطياته.
وإحياء عاشوراء ليس مجرد عملية تعبدية محضة غير منظور فيها مدى ونوعيةَ التأثير على الواقع، لذلك لا بد من التناسب بين أساليبها وآلياتها مع أجواء الواقع ومقتضياته ومتطلباته لتعطي التأثير المطلوب نوعاً وكمّاً، من دون أن تتسبب في انعكاسات سلبية تضر بأهداف المناسبة، فيجب أن يركّز كثيراً على نقاء الأسلوب، وفاعلية الآلية، والتقائهما مع الموافقة الشرعية، واستبعاد ما لا يعطي دوراً نافعاً للإسلام والقضايا الإسلامية، فضلاً عما يشغل عن الاهتمامات الرسالية كالطبول والموسيقا حتى على تقدير إباحة شيء من ذلك، أو يُسيءُ إلى صورة الذكرى عند الآخرين ويحمِّلها ما لا تحتمل من غير أن تكون في هذه الممارسة أهميّةٌ ترجحُ ذلك الضرر.
ومن ثابت كربلاء الذي لا بد أن يستهدي الحاضر به، ولا يمكن له الانفصال عنه:-
1. تحمل مسؤولية الإصلاح والتغيير للواقع الفاسد في الأمة وعدم التنصُّل عنها، ويشهد لذلك السيرة المستمرة من المعصومين عليهم السلام بما يتجاوز في النظر الدقيق الدلالة الاستحبابية لاشتراك كل المعصومين في هذه السيرة وعدم وجود موقف مضاد واحد في سيرتهم عليهم السلام. وأكثر من ذلك دلالة على الوجوب النصوص المتواترة كتاباً وسنّة. وقد انصبّت كلمات الإمام الحسين عليه السلام ومواقفه على هذا الاتجاه بصورة مركّزة وقدّم أبلغ الدروس في هذا المجال قولاً وعملاً.
2. المستهدَف دائماً هو الإصلاح الشامل للإنسان والحياة بكل أبعادهما، والإصلاحات الجزئية مقدِّمة له، ولا يصح أن تشغل عنه، أو تؤثر على هوية الأمة وانتمائها. ونستهدي هنا بما جاء عن الإمام الحسين عليه السلام “…. وإنما خرجت لطلب للإصلاح في أمة جدي”، فهو إصلاح مطلق وليس لحيثية معينة، ولا لعلاج مشكلة خاصة فحسب. وإذا كان التصدي في موقفه عليه السلام للانحراف السياسي، فإنما كان بهدف المقدمية من أجل الإصلاح الشامل الكامل.
3. إسلامية المنطلق والشعار والآلية والمعالجة “رضا الله رضانا أهل البيت”.
4. الإسلام فوق كل شيء، وقبل أيّ شخصية، وأيّ بيت؛ فالمتقدم لإنقاذ الإسلام في كربلاء بدمه وأهله هو الحسين عليه السلام سبطُ رسول الله (ص) الذي لا ثانيَ معه على الأرض، وهو الإمام المعصوم محلُّ حاجة العالم كله، والبيت الذي تعرض للأذى والترويع والسبي من أجل الإسلام هو أكرم بيت في الدنيا وأطهر بيت.
5. النصر الذي يُضحَّى من أجله لا يكون دائماً من النصر القريب والماديّ “من لحق بنا استشهد، ومن لم يلحق بنا لم يدرك الفتح” فمن الثابت من دروس كربلاء وحدة الأمة ومسؤولية الحاضر عن المستقبل ولو البعيد.
6. الدعوة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والحوار الواعي الهادف القوي هو المقدَّم دائماً. والحسين عليه السلام ظل يحاور عمر بن سعد حتى ليلة العاشر كما يذكر التاريخ، وقد مارس عدد من صحبه الكرام التذكير والوعظ والحوار مع الطرف الآخر.
7. لا يصح للمسلمين في أي زمن أن يسكتوا على الفساد السياسي لأنه من الناحية العملية رأس كل فساد، ولا إسلام حقا إذا استشرى الفساد السياسي. “إذا كان الوالي مثل يزيد فعلى الإسلام السلام”.
8. لا يكفي للدخول في أي معارضة أنها تواجه مفسداً ما، وتتحرك ضده، فلو كانت تستبدل فسادا جديدا بفساد قديم لم تكن المعارضةَ المطلوبة، ولا يصح متابعتها، وإنما معارضة الفساد التي تستحق المناصرة هي التي تأخذ بالأوضاع إلى الصلاح بعد فسادها. “لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا” فكلما كانت معارضة يزيد بيزيد مثله أو أخس لم تكن شرعية، ولا يتأدى بها الواجب، ولا تستحق المتابعة.
وإذا كانت مسؤولية الإصلاح ثابتة دائمةً فإن أساليبها وآلياتها وخصائصها المكانية والزمانية وما تقتضيه هذه الخصائص؛ من المتغير الذي يتطلب نظراً جديداً، ودراسة موضوعية خاصةً به. وهذا لم يورث من المعصوم عليه السلام إلا في حدود ضوابطه الكلية العامة.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، وأدخلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين في زمرتهم، وأخرجنا من عدوهم، واجمع بيننا وبينهم في رحمتك يوم نلقاك، واغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حقٌّ خاص علينا منهم يا كريم يا رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يمنع من قضائه مانع، ولا من قدره ممانع، ولا تُعطِّل حكمه العوالم، كل قضاء مقهور لقضائه، وكل تقدير محكوم لتقديره، وكل حكم موقوف على إذنه،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله الأطياب الأطهار، وضاعف عليهم صلواته وبركاته.
عباد الله اتقوا الله فلا نجاة إلا في تقاته، ومن يتق الله لا يضل، وفي تقواه حمىً من مشايعة الشيطان “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ” الأعراف201
وبها تكفَّر السيئات، ويعظُم الأجر،وتنال الدرجات “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ” 5/ الطلاق. ولو اتقينا الله عز وجل لهدتنا تقاتُه، وكفانا بها الله الشر العظيم، فعن الإمام الجواد عليه السلام “إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله، ويجلِّي بالتقوى عماه وجهله، وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة، وصالح ومن معه من الصاعقة، وبالتقوى فاز الصابرون، ونجت تلك العصب من المهالك…….”(1).
اللهم صل على محمد وآل محمد، واحمنا وإحواننا المؤمنين والمؤمنات، ولا تجعل للشيطان علينا سلطانا، ولا لغوايته لنا سبيلا، ولا لأوليائه لأذانا طريقا، واكفنا بكفايتك، وتولنا برعايتك، واكلأنا بكلائتك، يا أحفظ من استحفظ، وأكرم من سئل، وأقدر من أجاب.
اللهم صل على البشير النذير، والسراج المنير، نبيك الكريم، ورحمتك للعالمين محمد وآله الطاهرين.
اللهم صل وسلم على علي أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صل وسلم على أمتك المهدية فاطمة الزاكية المرضية.
اللهم صل على الإمامين الهاديين، والسبطين الكريمين، الحسن بن علي ابن أبي طالب وأخيه الحسين.
اللهم صل وسلم على أوليائك الصالحين، وعبادك المتقين، أئمة الدنيا والدين علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري الهاديين المهديين.
اللهم صل وسلم على العبد الصالح، والولي الخالص، الإمام المنصور، المنتظر والمؤتمن، قائم آل محمد، محمد بن الحسن.
اللهم عجل فرجه، وسهل محرجه وانصره نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، وضاعف عليه التحية والسلام، والبركة والإنعام ياكريم.
اللهم الموالي له، السائر على هداه، المعد لنصرته، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء والمجاهدين في سبيلك، والعاملين لخدمة دينك أيدهم ووفقهم لمراضيك وادرأ عنهم شر أعدائك يا قوي يا عزيز.
أما بعد فمن حديث هذا اليوم الحرب العدوانية على العراق وأكثر ما يؤلم فيها أن أمريكا تنتصر بالمسلمين على المسلمين، وبالأراضي المستضيفة من بلاد الإسلام، والقواعد المتمركزة فيها على استلاب أراض جديدة، وثروات هائلة، وعلى أسر الأمة واستعبادها، وإلغاء هويتها.
أفهل نحن أمم يُستعدى بعضها على بعض، ويستظهر بالبعض منها على الآخر؟ أم هل نحن وجود واحد، وأمة واحدة هانت على نفسها حتى غدت تستجيب لإرادة الآخر بإهلاك ذاتها؟ أم بلغ الضعف بهذه الأمة ما بلغ، وصارت من خوفها من العدو تنتحر بلا روية؟!
لك أن تقول بالأول لاختلاف المصالح بتعدد الكيانات، وبرودة الانتماء إلى مكونات الوجود الكبير العملاق، ولك أن تقول بالثاني لأن هذه الأمة ما اعتزت بشيء مثل ما اعتزت بالإسلام، فعندما يهون عليها لا بد أن تهون على نفسها، وتعيش حالة الشعور بالحقارة، وإن تقل بالثالث فأنت صادق لأن درجة الضعف والرهب من الغرب بعد نسيان الله سبحانه، وقيمة الانتماء المجيد صارت بحيث لا يستبعد معها هذا الانتحار.
ومن هوان المسلمين عند حكومات منهم أن تباع قضاياهم وأراضيهم ومواقفهم ومقدساتهم في المزاد العلني بالدولار، ولا يكون اختلاف بين البائع والمشتري إلا على الكم منه ومما يشبهه مما يدخل في حساب المقايضات.
وهل رأيت يوما في تاريخ الإسلام الحديث أصعب على الإسلام وأهله من هذا اليوم الذي تصطاد فيه الأجهزة الأمنية في الحكومات المسلمة من تصطاد من المسلمين كالأرانب لتسلمهم إلى يد الجلاد والجزار الأمريكي الذي يأخذ بهم بعيداً عن قوانين بلده التي تُعطي احتراماً للإنسان في جنبة من الجنبات فراراً من أي محاسبة هناك لعمليات التفنن في التعذيب والذبح والسلخ التي يمارسها مع ضحاياه من المسلمين؟!
هذا هو الواقع. والخطأ الفادح أن تكون محاولات التصحيح من شرائحَ من أبناء الأمة بهروب أكبر من الإسلام، وركض أشد وراء الغرب. تعلموا أن لا تركضوا وراء الغرب، وأن لا تهربوا من الإسلام، تعلموا أن يكون ركضكم في اتجاه الإسلام وللالتحام به التحاماً شديدا أكيدا.
وما معنى أن تعلن أمريكا أنَّها ستغيّر خريطة المنطقة، وتعيد رسمها من جديد من جهة، وأنها تعطي التطمينات الكافية للبعض من جهة أخرى بأن التغيير لن يطال حدوده ولا تركيبته؟
لا أحد في الأرض يمكن أن تأخذ التطمينات الأمريكية موقعاً في نفسه من منطلق تقديرها للأخلاق، ووفائها بالعهود، ولكن ما يمكن أن يُحصِّل الاطمئنان في النفس هو العزم الثابت من الطرف الآخر على الاستجابة للرغبة الأمريكية على الإطلاق، والمحافظة الأمينة الكاملة على مصالحها.
ولقد انعقدت قمتان عربية وإسلامية بشأن قضية الحرب الظالمة، وعدد ممن يراد له أن يشارك في قرار الإنقاذ له مشاركة في صنع الحرب. والنتيجة هي التوصياتُ غير الملزمة، والفاقدة لآلية التفعيل المؤثرة. وقد سمِعت الأمة من عدد من القادة الرسميين قبل انعقاد القمتين ما يركِّز على الشعور باليأس والتيئيس من أي أثر إيجابي لمحاولات إيقاف الحرب، لكنك تسمع من أجهزة الإعلام الرسمي في عقب كلِّ قمّة أنها أنتجت الكثير، وإن لم تجد من هذا الكثير على الأرض شيئاً.
أحسن الاحتمالات سواء صدّقه الواقع أم لم يصدقه هو أن مجموع الأنظمة الرسمية في الأمة عاجز عن أن ينفعها في قضية فلسطين والعراق وأفغانستان وفي أي قضية من قضاياها وهو احتمال مشكل ومؤلم ولا يمثّل عذراً كافياً أبداً لأنه يأتي السؤال على هذا الفرض: لماذا هذا العجز والتقصير في الإعداد على المدى الطويل؟! ولماذا كُبتت طاقات الأمة وعُطلت كفاءاتها وعزلت عن المشاركة في اتخاذ القرار وصناعة المصير؟! ولماذا الاستمرار في الطريق الذي سبَّب هذا العجز كله، وعدمُ التفكير الجدي في بداية التغيير، وإنهاء حالة التبعية للغير، وإقصاءُ جماهير الأمة ونخبها وتهميشها؟!
ولماذا مواصلة الإيمان بالغرب ووعوده وعهوده، والتنكرُ للإسلام من الكثير من الأنظمة ومحاربتُه؟!
ومن حديث هذا اليوم ما تنقله الصحف المحلية من تصاعد وتيرة الجريمة في هذا البلد الإيماني الأصيل، وكثرة حوادث القتل والسرقة والسطو والاغتصاب، مع بروز ظاهرة الجنس الثالث المنكوس للعيان؛ من صبية تستورد من الخارج، أو تنتجها جاليات الخارج مما يؤثر سلبا على الصبي في الداخل. فلا بد أن يسأل ما منبع هذا كله، وأسبابُه الموضوعية؟ وما مسؤولية السياسة القائمة في تولده وانتشاره، وما هي العلاجات المطروحة لاستئصاله؟ انه ليطلب اعتماد كل الوزارات المسؤولة خططا عملية واضحة تتصدى لحل هذه المشاكل ودرأ خطرها الداهم عن المجتمع. ودور الكلمة إذا لم يسنده المشروع العملي دور فاقد للتأثير الكبير المطلوب، أما مع معاكسته له اتجاها فإنه محبط لنتائجه بصورة تكاد تكون ساحقة.
وشأن القوانين التي تسن لحماية الأخلاق ولا تجد لها تطبيقا على الأرض شان الأمنيات الباردة الكاذبة، وهو شيء من اللعب على الذقون، قد تمارسه بعض الدوائر.
وما يسمى بالإرهاب هو المسألة الثالثة في هذا الحديث:-
والعدوانية الدموية في الإطلاق الصحيح – لا ما يسمونه بالإرهاب بقصد سياسي ماكر ليشمل الدفاع عن النفس – إما أن تكون ابتدائية أو جزائية، وعلى مستوى رد الفعل. والمنظور لهذا الحديث هو أسباب الظاهرة التي قد تكون ابتدائية بحيث لا يكون الشخص أو الجهة قد تعرض لظلم الغير، ومع ذلك ينطلق في أعمال إرهابية عدوانية دموية تفزع حياة الآخرين. ويدخل في هذا الحروب الاستكبارية الطاحنة، والممارسات الطاغوتية لبعض الحكومات المتعطشة للدماء والدمار، وممارسات بعض الأحزاب السرية والعلنية في التنكيل بالآخرين، والولوغ في الدماء إلى حد الاستهتار كما كانت عليه أساليب الشيوعية.
وتنطلق هذه العدوانية من أسباب:-
1- منها الروح المادية الجشعة المتنكرة للقيم المعنوية الكريمة الدينية والإنسانية.(2)
2- روح الطاغوتية والاستكبار التي قد تتفاقم في بعض النفوس بما يبرر لها أن ترتكب ِكل شيء في سبيل السيطرة الظالمة على الآخرين.
3- التربية المتعصبة عن عمى وجهل قومية كانت هذه التربية أو طنية أو دينية إذا كان الدين مختلقا، أو أسيء فهمه من معتنقيه.
4-كلما غابت القيم السماوية الطاهرة من حياة المجتمعات كلما انفتحت الأبواب على مصراعيها على الحالة الهمجية العدوانية الإرهابية بصورة أكبر وأخطر.
وهناك الإرهاب العدواني من موقع رد الفعل على ظلم الآخرين وتعديهم، بحيث لا يقف عند حد الجزاء العادل، وإنما يتحول إلى عملية استهتارية عابثة، لا تقيم وزنا لأي حرمة من الحرمات، ولا تلتفت إلى أي قيد من القيود ما أمكن لها أن تفسد وتخرب وتنهب وتقتل وترعب.
والدين الحق وفهمه السليم بريء من هذه العدوانية والبهيمية الشرسة والتعطش للدماء والدمار كان ذلك على مستوى الفعل القبيح ابتداء، أو رد الفعل من النوع السيء المتجاوز.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا وإخواتنا المؤمنين والمؤمنات ممن لا يتعدى حدودك، ولا يتجاوز ما قضى به دينك وعدلك، واغفر لنا ولهم ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا ومن كان له حق خاص علينا يا كريم.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (90) النحل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الحكمة ج10 ص 635 عن /فروع/ج 8/ ص52
2- والتي تعشعش في داخل البعض وتحكم كل حياته.