خطبة الجمعة (100) 26 ذي الحجة 1423هـ – 27-2-2003م
واضيع الخطبة:
النميمة – الحرب الأمريكية للعراق – كيف نتعامل مع موسم عاشوراء
شعراء الموكب ينبغي لهم أن يعطوا اهتماماً كبيراً للإنتاج الجيد شكلاً ومضموناً، والبعيدِ عن السطحية والغموض معاً، الغنيّ بالمضمون الثّرّ والوضوح جميعاً، ومن المناسب أن يكون هناك إشراف فكري وفني على الناتج في هذا الحقل من النخبة من أبنائه، وغيرهم
الخطبة الأولى
الحمد لله ستَّار العيوب، كشَّاف الكروب، غفَّار الذنوب، كثير الخيرات، منزل البركات، عدله أتمُّ عدل، وإحسانه فوق كلِّ إحسان، وعطاؤه متجاوزٌ كلَّ عطاء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، ولا خُلف لقوله ولا تبديل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فبها تكون الكرامة عند أكرم كريم، الخبير العليم، العزيز الحكيم “… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”(1) وإنه “.. لا فضل لعربي على عَجَمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى”(2).
ومن اتقى لم يكن من همّه أن يفرِّق بين الصفوف المتراصة المؤمنة، والقلوب الخيّرة المؤتلفة، والأُسَرِ المتحابة الآمنة، وأن يهدم كل بناء طيب، وجسر واصل بين قلبين خيِّرين. وما أبعد ما بين التقوى، وبين هذا الخلق الذميم، والدور السيء المتمثل في السعي بالنميمة ونقل الحديث بما يفسد القلوب في علاقاتها، ويحوّل الصداقة إلى عداوة، والمحبة إلى بغضاء، ويشعل الفتن، ويهدم الأسر، ويمزق الصفوف.
التقوى تزكي النفوس، وتوحد القلوب على الخير، وتَشِفُّ بها المشاعر، والنمَّام يسؤوه أن تطهر النفوس وتلتقي القلوب وتصفو المشاعر، ولا يُحب إلا أن يرى الناس أشتاتاً، فلا يقوم بناء طيب في أسرة، أو في مجتمع فيه تعاون على الخير، واجتماع للأيدي على العمل الصالح، إلا وسعى في هدمه بالنميمة، وما صفا جوٌّ بين اثنين إلا وجدَّ في تعكيره بنقل الحديث صدقاً وكذباً.
والإسلام عدوٌّ لكل خلق ذميم، ولكل منقصة في النفس والسلوك، ونقرأ عن موقف الإسلام من داء النميمة هذه النصوص:
“وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ…”(3)
النميْم النميمة، والنص القرآني الكريم يسقط قيمة النمام في نقله، ولا يجعله في موقع الثقة والتصديق. هولا يؤخذ بنصحه ورأيه، فكثيرا ما يكون رأيه في الناس قائماً على الإضرار، وعلى النظرة السوداء، ولأنه صاحب شعور تخريبي دائماً حيث يسعى للتفريق, وتفتيت صفوف المؤمنين.
“إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة، وتُبعِّد عن الله وعن الناس”(4)
انظر ماذا يزرع الخيّرون، وماذا يزرع الأشرار من نمامين وأمثالهم؛ الخيرون يزرعون الحب، ويزرعون الأمن والسلام، والأشرار يزرعون في الأرض خوفاً وقلقاً واضطرابا، ويزرعون أحقاداً وضغائن في القلوب، فبئس ما يزرعون، بئس ما يزرع هؤلاء من نمّامين وغيرهم من أمثالهم واشباههم، وبئس ما يكشف عنه هذا الزرع، فإنه يكشف عن نفوس خبيثة، وطويات سيئة، وقلوب مظلمَّة.
وانظر ما تفعل النميمة بصاحبها،ماتفعله به: بُعدٌ عن الله، وبُعدٌ عن النّاس.
هذا الذي من همّه أن يباعد بين الناس بعضهم مع بعض يبعده الله من الناس، ويكون من نصيبه الشكّ فيه، والريبة والإبعاد والطرد.
“إن من أكبر السحر النميمة يُفرّق بها بين المتحابين، ويُجلب العداوة على المتصافين، ويُسفك بها الدماء، ويُهدم الدور، ويُكشف بها الستور، والنمام أشر من وطأ على الأرض بقدم”(5)
آثارٌ مدمّرة… وعملية تخريبية واسعة تتمّ عن طريق النميمة، وتنقل الحال من الحب إلى الحرب، ومن التعاون إلى التخاصم، وتهدم كل بناء خيّر، وكل علاقة متينة في الناس تستهدف الخير. وهذا كله لا يصدر إلا عن نفس مقيتة، وقلب يعشعش فيه الشيطان، ونفس لا تعرف ذكر الله.
“ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة المفرّقون بين الأحبة، الباغون للبِراء العيبَ”(6)
يمعن الشخص في النميمة، ويولع بها حتى يصير إلى الكذب يستعين به على تخريب العلاقات، ويهدم به جسور المودة والمحبة بين الناس، “ألا أخبركم بشراركم؟…” هناك أشرارٌ، في الناس، والنمّام من بين مَنْ هو أكثر شرّاً فيهم. والنمام من بين هؤلاء الأكثر شرّاً.
“لا تعجلنّ بتصديق واشٍ وإنْ تشبَّه بالناصحين”(7) الواشي هو الساعي بالنميمة، المخرّب بين الناس بما ينقله لشخص من سوء قاله فيه صاحبه.
وكأن النص يركِّزُ على صفة في النمام الواشي، وهو أنه لا يأتيك إلا بلسان الصديق والمشفق والمحب، حتى تدخل كلمته في قلبك، ويصل إلى غرضه من هدم العلاقة بينك وبين زوجك، بينك وبين أخيك المؤمن، بينك وبين من تثق فيه.
النمامون دائماً يبدون المحبة والحرص على المصلحة ولكنهم مع ذلك ليسوا مؤهلين للثقة.
” شر الناس المثلِّث، قيل يا رسول الله. وما المثلث؟ قال الذي يسعى بأخيه إلى السلطان فيُهلكُ نفسه، ويُهلك أخاه، ويُهلك السلطان”(8)
هذا ضرب خاص من النميمة قد يكون أبلغ ضروب النميمة فحشا، وأسوأها أثرا، النمام عند السلطان، ومن يُصطلح عليه اليوم بالمخبر، هذا يهلك ثلاثة؛ أول الثلاثة الذين يهلكهم نفسه، يهلك نفسه حيث يعرّضها لغضب الله، وللعار الاجتماعي. وماذا يساوي العار الاجتماعي من عذاب الله! ماذا يساوي أمام ضغطة من ضغطات القبر! أمام زجرة من زجرات منكر ونكير! ماذا يساوي السقوط الاجتماعي أمام السقوط عند الله سبحانه وتعالى؟ وماذا تملك الدنيا من حرمان؟ وماذا تملك من عذاب ومن مضايقات؟ كل ذلك لا يساوي شيئاً يوم يقوم الحساب. ويهلك أخاه الذي سعى به إلى السلطان، ويهلك السلطان. إهلاكه لأخيه بتعريضه للخطر الدنيوي، وإهلاكه للسلطان بأن يفرق القلوب عنه في الدنيا، وبأن يزيد عذابه عذابا يوم الآخرة بما يرتكب من ظلم بالنسبة لهذا أو ذاك لإخبار مخبر قد يصدق وقد لا يصدق، وفي الكثير لا يصدق لولا المراقبة، وذلك لأن في كذبه مصلحة دنياه في ما يرى.
“رفع رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام كتاباً فيه سِعاية فنظر إليه أمير المؤمنين ثم قال: يا هذا إن كنت صادقاً مقتناك – أنت الساعي بأخيك والواشي به عندنا إن كنت صادقا مقتناك – أي أبغضناك -، مع صدقك أنت مبغوض عند أمير المؤمنين عليه السلام-، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن أحسنت القَيْلة أقلناك – إحسان القَيْلة أن يستقيل من عثرته، وأن يستقيم على التوبة منها (9)-. قال بل تقيلني يا أمير المؤمنين”(10)
اللهم صل على محمد وآل محمد، وأخرجنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من سوء الخُلق إلى حسن الخلق وأفضلِه، واجعل سعينا بالخير لا الشر، وارزقنا طهر القلب، ونقاء النفس، وسلامة النيَّة، ولا تجري على جارحة من جوارحنا ما فيه غضبك، وما يباعدنا عنك، وما يهدم حقَّاً ويقيم باطلاً، واغفر لنا ولإخواننا من أهل الإيمان والإسلام ولوالدينا وأرحامنا ومن كان له حق خاص علينا من أهل ملتك يا رحمن يا رحيم، يا تواب يا كريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4))
الخطبة الثانية
الحمد الله الجبَّار القهَّار، عالم الأسرار، مدبر الليل والنهار، لايناله وهمٌ ولا تدركه الأبصار، ربّ الجنة والنَّار، مجزي الأخيار والأشرار، مقلِّب الأحوال، والمنقذِ من الأهوال.
أشهد أن لا اله إلاَّ الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وزادهم تحيةً وسلاماً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله، وأن لا ترضوا لأنفسكم، ولمن أُوصيتم به من الأهل والولد، ومن كان تحت تربيتكم ومن تحبون غير صراطه المستقيم “وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”(11)، ولا تقوى لصاحب دنياً أغرقه هواه فيها فعن أمير المؤمنين عليه السلام “حرام على كل قلب متولِّه بالدنيا أن تسكنه التقوى”(12).
ولن يخرج أحد من هذه الدنيا بخير إلا المتقون، فمن لم يتق خرج إلى الآخرة وَجَناه من حياته عارٌ وشقاء وجحيم.
اللهم أعذنا من أن ننفق حياتنا في غضبك، ورضا من دونَك، وأن يكون جَنانا من هذه الدنيا النار. اللهم صلى على البشير النذير، والسراج المنير محمد نبيك الكريم، ورسولك الأمين وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على عليٍّ أمير المؤمنين، وإمام المتقين. اللهم صلّ وسلّم على فاطمة بنت رسول الله، وزوج عليٍّ ولي الله.
اللهم صلّ وسلّم على الحسنين الهاديين المهديين، والإمامين الزكيين. اللهم صلّ وسلّم على أئمة الهدى، وأعلام الورى، والأدلة على جنة المأوى علي بن الحسين السجّاد، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري أهل الطاعة والزلفى.
اللهم صلّ وسلّم على العبد الصالح، والإمام العادل، محيي الكتاب والسنة، سليل الأئمة، والطريق إلى الجنّة القائم المنتظر.
اللهم عجّل فرجه، وسهِّل مخرجه، وانصره نصراً قريباً، وافتح له فتحاً مبيناً، ومكّن له في الأرض تمكيناً.
اللهم الموالي له، السائر على نهجه، الممهد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الأخيار، والمجاهدين الأبرار، وكل العاملين في سبيلك وفّقهم وسدّدهم، وادفع عنهم، وأعزّ شأنهم، وبارك سعيهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد فإنه إذا كان الاحتمال جدّيّاً فضلاً عن كون الأمر محقَّقاً بأن الحرب الأمريكية للعراق تعني انتزاع بلد إسلامي من الدائرة الإسلامية، وحكمه من قبل أمريكا مباشرة وبصورة مكشوفة حكماً عسكريّاً ثم حكماً مدنياً؛ فإنه يتحتم على جميع المسلمين أن يرفعوا صوت الاستنكار والشجب في الوقت الذي تتخلى فيه الأنظمة الرسمية عن واجب الدفاع بأيّ صورة من الصور المقدورة لها، ولا يسع الشعوب المسلمة أن تشارك الأنظمة صمتها أو الدور المعادي للأمة والذي قد يمارسه بعضها، بل عليها أن تخاطب الضمير العالمي، وتُسمعَ الأنظمة الرسمية وجهة نظرها الرافضة للحرب.
وإذا كان من المحتمل عقلائياً أن الدول الخليجية ستحترق بنار الحرب وآثارها التدميرية مباشرة كان الشجب والاستنكار والمسيرات المضادة للعدوان شيئاً من الدفاع عن النفس، والذي لا يصح التفريط به.
فمن لم يكن له حسٌّ إسلامي، أو إنساني يدفعه لاستنكار العدوان فليكن له حرص ذاتي على حياته وحياة ذويه يدفعه للاستنكار والاستنجاد، وإلا كان ممن يشارك في قتل نفسه.
ومن هنا فإن علينا جميعاً أن نقول لا للحرب الأمريكية العدوانية الجشعة على العراق. كما علينا أن نقول لا لاستمرار مأساة الشعب العراقي الشقيق المعذَّب والتي يفرضها عليه نظامه الرسمي الذي لا زال ولا يزال ينكِّل به، ويتفنن في تعذيبه؛ ذلك إذا كنا نحيا حسَّ الأخوة الإيمانية، أو نتمتع بشعور إنساني سويٍّ، وفطرة سليمة.
من جهة أخرى قد قرب موسم المحرَّم فلنسأل كيف نتعامل مع هذا الموسم؟
وقبل الدخول في الإجابة على هذا السؤال علينا أولاً إذا أردنا أن نحيي هذا الموسم بما يليق به أن نضع الحسين المعصوم عليه السلام وعيَه، هدفه، فدائيته، تضحيته، أخلاقيته، إخلاصه، شفقته على العباد، حرصه على وحدة المؤمنين والمسلمين، مثاليته، واقعيته، عفته، تنزهه، غيرته، تمسكه بالعبادة، تقديمه للأهم على المهم، سياسته، حكمته، إصلاحه، حواراته، إعلامه، سمو أساليبه، صبره، صموده، رباطة جأشه، همّه الكبير، نظره البعيد، نصب أعيننا لنتحرك على هداه، وننسجم معه في كل خطواتنا.
ويمكن لإحياء عاشوراء على خط الإمام الحسين عليه السلام أن نلتزم الآتي:
1. أن نتخذ الخطابة والموكب فرصة للتوعية الإسلامية، ورفع المستوى الخلقي والتربية الإيمانية الشاملة، وأن تكون المسيرات العزائية لعرض الأفكار النقية، وطرح الشعارات المربية، والتوجهات المبدئية الصادقة، والتوجيهات العملية الهادية، لا أن تكون للطبل والموسيقا والصخب المؤذي، والاستعراض الفارغ من الأهداف الكريمة والمعاني النبيلة الجليلة.
2. خلق تجمعات إيمانية ضخمة في الحسينية والموكب من أجل إيجاد حالة اجتماعية تتحرك في إطار الإسلام، والامتدادِ بالإسلام إلى البعد الاجتماعي إضافة إلى البعد الشخصي. وليس المطلوب أن نبكيَ الحسين عليه السلام في بيوتنا أو ننشدَّ إليه في حياتنا الشخصية فحسب، إنما علينا أن نبكي الحسين عليه السلام في الوسط الاجتماعي كذلك، ونحقق حالة اجتماعية حسينية، ونُعطي للحسين عليه السلام حضوره الفاعل في المجتمع، وذلك لا يتمُّ إلا بأن يكون إحياء عاشوراء إحياءً موجَّهاً، وفي صورة تجمعات بشرية ضخمةٍ تؤكد على الحالة الاجتماعية الحسينية. أؤكد لكم أن الإحياء الذي يريده الحسين عليه السلام وينسجم مع أهدافه الكبيرة لا يتأدى بالإحياء الفردي، ولا يبلغ غايته إلا بأن يكون إحياء في صورة اجتماعية مكثّفة.
إذن لا يكفي أبداً في إحياء عاشوراء أن نبقى عند التلفاز أو أي قناة أخرى من قنوات البثِّ والتوصيل لنستمع الخطيب أو المحاضر الحسيني، أو نشاهد صورة عن الموكب العزائي في البلد أو في بلد آخر. إنه لا بد من الحضور المكثَّف في الحسينية والموكب ليتم الإحياء بصورته المطلوبة فينبغي الحرص على ذلك. وأشدِّدُ مرة بعد أخرى على هذا المطلب المهم الضروري.
3. يتطلب الدورُ المشارك في الموكب إظهارَ التحزّن، الرزانة، الانضباط، الوقار، والجديَّة، وليس المطلوب أن يُعنَفَ بالجسد أو يعذّب. واللطم المتعقل إنما هو لإظهار الحزن أو التحزُّن والانفعال بالمناسبة، وما نذكِّر به أنفسنا والآخرين من مآسٍ حلَّت بالإسلام والمسلمين، وعلى رأسهم بيت النبوة والرسالة.
4. يُتخذ موسم عاشوراء فرصة تآلف وتعاون أكبر في سبيل الخير، وخدمة الدين، والرقي بأوضاع المؤمنين، وحل مشكلاتهم، ووحدتهم، وغسل القلوب من كل ما قد يَعلَقُ بها من أدران وعداوات على حد ما فعلته كربلاء من الجمع بين الحرّ والعبد، والأبيض والأسود، على خط الإيمان، والتضحية في سبيل الله. وهذا يتطلب تبني خطط عملية للتقارب والتوحُّد والتخلص من كل المعوّقات على هذا الطريق. وكان ذكر شيء من هذا في اللقاء مع رؤساء المآتم في مسجد الإمام الصادق عليه السلام الأسبوع المنتهي.
5. يطلب من الخطباء الأعزاء المحترمين أن يتناولوا الموضوعات الأخلاقية والاجتماعية والفكرية والسياسية الحية بالمعالجة الكفؤؤة وعلى ضوء الإسلام ورؤيته الصائبة، وأن لايميلوا إلى المصطلحات المستوردة بما هي عليه من ضبابية وخداع قد ينكشف بعد التسويق عن أضرار ثقافية بالغة، وهو مؤدٍّ حتماً بدرجة وأخرى إلى غربة للغة القرآن والحديث والتاريخ. وهذا لا يعني أن نتحدث مع النَّاس بما لا يفهمون، أو نعمل على فقد اللغة لحيويتها. وكيف يكون الرجوع إلى لغة القرآن والسنة فيه قضاء على اللغة العربية، والقرآنُ والسنةُ المرجعان الأمينان لهذه اللغة؟!
6. ينبغي لرؤساء الحسينيَّات وإداراتها الابتعاد عن التفرُّد بالرأي وترك المشورة فيما يتصل بأمر الحسينية والخطيب والموكب، والتحلي بروح التفاهم، والتشاور والصبر سدّاً لباب التمزقات، وتوصلاً إلى ما هو أنفع في القرارات المتخذة، والمواقف المتبناة.
7. الإطعام في الموسم فعل جميل وله أثره الطيب على أن يبتعد عن ظاهرة السرف وإلقاء الأطعمة لزيادتها، أو التساهل في طريقة إعدادها.
8. تقع على عاتق الجميع مواجهة ظاهرة التبذل والتفسخ الخُلقي التي تتحرك بقوة لتشويه الموسم، وتخريب أجوائه، وانتزاعه من يد الحسين عليه السلام، واستغلاله لأغراض شيطانية ساقطة. وهذا أمر محوريٌّ جدّاً التفريط به لا يفرِّغ الموسم من أهدافه العالية فقط بل يحوِّلها إلى البديل المناهض.
9. لا بد للأخوة الخطباء من انتقاء المقطوعة الشعرية واختيار ما كان جيداً من حيث ما يثيره من فكر وشعور، ويركز عليه من توجّهات، واستبعاد الرديء مما يعاني من تشويش فكري، أو خطأ في تصوير القضايا وأدوار الشخصيات الكربلائية، أو يثير مشاعر لا ترتقي والأفق الرفيع للإسلام، وثورة كربلاء ورموزها العالية.
10. شعراء الموكب ينبغي لهم أن يعطوا اهتماماً كبيراً للإنتاج الجيد شكلاً ومضموناً، والبعيدِ عن السطحية والغموض معاً، الغنيّ بالمضمون الثّرّ والوضوح جميعاً، ومن المناسب أن يكون هناك إشراف فكري وفني على الناتج في هذا الحقل من النخبة من أبنائه، وغيرهم.
11. الأخوة المحترمون المخرجون صوتيّاً للمدائح والأناشيد والمردَّدات الحسينيَّة ممن أخذوا في الأوساط العامة اسم الرواديد يُطلب لهم أن يَظهر على أدائهم الجدّيَّةُ والتأثر بالمأساة، وأن يتزيّنوا كما هو حال عدد منهم – بارك الله فيهم – بروح الرجولة والرساليّة، وأن ينأوا عن الحالة الغنائية، والتشبه في أدائهم بألحان أهل الفسق والفجور، ليكونوا دعاة حسينيين بحق.
12. مسألة التطبير لا ينبغي أن تكون مثار فتنة بين المؤمنين، فبرغم أني لستُ معها وأنصح بعدمها إلا أنه من غير الصحيح أبداً أن يتخذها المؤمنون الرافضون لها مبرر انقسامات خطيرة أثرها السيء يفوق ما يراد تلافيه من إيقافها. وكذلك ليس صحيحاً أبداً أن يتخذها الأخوة المؤمنون ممن يرضونها، ضرورة دينية تبيح مواجهة من يرفضها أو يحرِّمها من الفقهاء وغيرهم من سائر المؤمنين.
فالمؤمنون من مؤيدٍ ومعارضٍ يتحملون مسؤولية محتَّمة في الحفاظ على الأُخوَّة الإيمانية وعدم التسبب لتصدُّع الصف وبعثرة الوجود.
13. المواكب المركزيَّة عليها أن لا تدخل في حالة من التنافس البغيض غير الرسالي لكون ذلك من عبادة الشيطان ولأنه سينهي حتماً قضية المركزية بسبب ما قد يحدث من تسابق من البعض على هذا العنوان وأمثاله طلباً للأغراض الدنيوية.
14. تُثمن محاضرات العلماءُ والمثقفين العامّين من غيرهم ودراساتهم التحليلية وتنظيراتهم واستنتاجاتهم المتصلة بالشأن الحسيني وثورةِ كربلاء عالياً، ولكن برغم ذلك تقضي المصلحة الدينية جدّاً من أجل بقاء صفة الجماهيرية الواسعة المستوعبة لإحياء عاشوراء وعطاءاتها الكبيرة، واستمرار الحيوية المتدفقة مع الأجيال لموسم كربلاء المحرَّم بأن لا نطرح في هذا الموسم المتمثل في عشرة عاشوراء بديلاً عن الحالة القائمة من شأنه أن يفصلَ الجمهور الواسع عن القضية ويجعلَها قضية نخبة خاصة تحياها ببعدها الفكري الدراسي فقط، ويمكن أن تنتهي منها بعد حين، وتتحول على يديها سريعاً إلى قضية باردة تعيش في أروقة الجدل والترف الفكري، ولا تفعل كثيراً في الحياة، ولا تشارك بقوة في صناعة الأمة.
اللهم صلّ على عبدك المصطفى وآله الشرفاء، واكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، واجعلنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين في درعك الحصينة التي لا يخترقها سوء أبداً، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وكل من كان له حق خاص علينا منهم يا رحيم يا كريم.
“إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)” النحل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 13/ الحجرات.
2- عن الرسول (ص). ميزان الحكمة ج10 ص128 عن كنز خ 5655.
3- 10،11 القلم.
4- ميزان الحكمة ج10 ص201. عن غُرر الحِكَم.
5- المصدر عن بح ج63 ص 21. الصادق (ع).
6- المصدر عن البحار ج75 ص264. عن زين العابدين (ع).
7- المصدر عن غرر الحكم.
8- المصدر ص198 عن بح. ج75 ص269.
9- بل الظاهر أنه إذا أقيل وعفي عنه لم يعد لمثل ما فعل.
10- المصدر عن بح ج75 ص269
11- 153/ الأنعام.
12- ميزان الحكمة. ج10 ص643 عن الغرر. وفي المصدر الثانوي متولد والظاهر متولِّه.