خطبة الجمعة (73)15 جمادى الثاني 1423هـ – 23-8-2002م

مواضيع الخطبة:

الإخلاص لله سبحانه   –   ضرب العراق – العام الدراسي الجديد والسياسة التربوية

يبلغني الضمور في مستوى الحضور في صلوات الجماعة في بعض المناطق التي تقام فيها صلاة الجماعة وهو نذير خطير، وتراجع مؤلم، لا بد من تدارك أمره و إلا وقعت الفاجعة.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي تفرَّد بالأُلوهية، واختصّ بالربوبيَّة، وخضعت له الأشياءُ كلُّها بالعبودية.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله. أخلص العبودية لبارئه، واستغنى به سبحانه عمّن سواه، وكان في الله جهاده، وإلى مرضاته سعيُه. صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.

عباد الله أوصيكم ونفسي الهلوعة من النار بتقوى الله، وأن نقنع من الدنيا بحلالها، ونفرّ بأنفسنا عن حرامها، فما تراءى من ضيقٍ في الحلال فمآله السّعة، وما تراءى من سَعةٍ في الحرام فنتيجته الضيق، وما نهى الله سبحانه عمَّا للإنسان فيه صلاحُه، وما أحلّ إلا طيِّبا، وما حرَّم إلا خبيثاً، فمن عدل عمَّا اختاره الله له بعلمه ولطفه ورحمته وحكمته من الحلال الطيّب، إلى ما ظنّه هو خيراً له بجهله وسفهه إنما يسعى لشقائه برجله، ويُهلك نفسه بيده. أعاذنا الله من قبح المصير، وسوء العاقبة.

أما بعد فإن ما يبقى منّا هو أرواحُنا وعقولنا وقلوبنا التي تحتضن الحقّ أو الباطل وعياً، والخير أو الشر شعوراً ونية وعزماً، والهدى نوراً وأنساً، أو الضلال حيرة ووحشة.

أما الأجسام فهي في تبدّل دائمٍ في هذه الحياة، وإلى تبعثرٍ وتبددٍ بعيد في الكون العريض بعد الوفاة. وقيمة ما يفنى، أو يذهب شتاتاً، وذراتٍ تائهةً في الكون، لا يُقاس بقيمة ما يدوم، والجسم طريق تلذّذ أو عذاب لا يضرّ بقيمة اللذة وثقل العذاب يُتلقيان من المرء أن يتبدّل، ما دامت الروح هي الروح، وهي التي تستقبل اللذة أو ينصبُّ عليها العذاب.

فإذا رأيت أن تعتنيَ بجسدك كثيراً، فلتكن عنايتك بروحك أكثر، وإذا وجدت أنّ عليك أن تنميَه، وتكافح عوائق نموّه وتحميَه، فإن عليك بدرجة أكبر وأكبر أن تطلب لروحك النمو، وتترصد لما يُعيق حركتها الصاعدة، وتحميَها من أسباب التوقف وأسباب الهبوط.

ولن تجد سبيلاً إلى السمو بروحك ما لم تعرف الله، وتنشدَّ إليه طاعةً وعبادة، وخضوعاً وخلوصاً، ولا عبادة لجسمٍ ما لم تكن وراءَها عبادة قلب وروح؛ فحركات الأجسام وسكناتها في صلاة أو حج أو صوم مثلاً لا تعرج بقلب غافل أو روح سادرة. فالعبادات كلها إنما تكتسب قيمتها في بناء الذات، والسمو بالمعنى وإن قامت في صورتها الخارجية على الجُهد الجسدي بحضور القلب، ومشاركة الروح، ويقظة العقل.

والقُرب الإلهي عند العبد إنما يكون بقدر إخلاصه العبادةَ لله، وخلوصها من الشوب؛ شوب الرياء والعجب وما كان لغير الله العظيم. وهذه نصوص في الإخلاص نستنير

بهداها في هذا الحديث المقتضب:
بعد المنزلة:
الإخلاص له منزلة بعيدة لا ينالها إلا الخاصة من عباد الله، هذه المنزلة التي يكون المرء فيها في كنف الله وعنايته الخاصة، التي تحميه من أن يفترس قلبه مفترس، ومن أن ينغش شعوره، ومن أن يهرب قلبه عن الله، ومن أن يسطو عليه الشيطان، إنه في حمى الله الكامل، وفي سياج تام، وقلعة متينة من عناية الله وحراسته وكلائته.

“.. قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المُخلَصين” 83/ص والإخلاص طريق أن يُخْلَصَ الإنسان لله، أَخلِص تُخلَص، أخلص لله عملك يُخلِصْك الله سبحانه وتعالى له بحيث لا يبقي فيك شعوراً بغيره، ولا إكباراً لغير عظمته، ولا يدعك لغير عنايته.

“إياك نعبد وإياك نستعين” فالعبادة لله وحده، والإستعانة بالله وحده، ولا حاجة للمرء وهو يعبد الله وحده أن يستعين بغيره، وليس من خلق المرء الذي وفقه الله لإخلاص العبادة ولا مما ينسجم مع تكوينه الذي انتهى به إيمانه إليه أن يعتمد على غير الله.

“الإخلاص أشرف نهاية”، “الإخلاص غاية الدين”. كل العبادة وكل الجهاد وكل المرابطة والمصابرة من أجل أن تصل بك إلى منزلة الإخلاص فإن وصلت بك العبادة قلت أو كثرت إلى درجة الإخلاص فقد بلغت المراد، وإن لم تبلغ بأحدنا عبادته وإن طالت ومكثت كثيراً إلى درجة الإخلاص فلم يحقق شيئاً، وإذا كان هذا المرء قد حقق شيئاً فهو الشيء دون الغاية البعيدة، ودون الهدف الكبير الذي وجد من أجله هذا الإنسان فالإنسان وجد من أجل أن يكون صورة من أخلاق الله عز وجل وهو لا يكون كذلك إلا بأن ينشد كملا إلى الله.

مجاهدة صعبة:
إنها مجاهدة صعبة، وجهاد شاق، ودربٌ طويل حتى يصل المرء مع التوفيق إلى الإخلاص.
“تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية عن الفساد أشد على العاملين من طول الجهاد”. أي تكليف من التكاليف مهما تصورت ثقله، وليكن الثبات أمام الزحف، تعريض النفس إلى الشهادة، إقتحام مواقع الشهادة بإرادة وتصميم، كل ذلك لن يكون كبيراً حتى يكون العمل خالصاً لله سبحانه وتعالى. وجهاد النفس على أن تخلص العمل إلى الله أصعب من جهاد النفس أن تثبت القدم في مواقع الجهاد وفي مواقع الشهادة وإن عظمت وخطر شأنها.
انظروا وأنا في هذا العمر قد صليت كثيراً وصمت كثيراً وكانت لي أعمال من فرائض الإسلام لكن لا أدري بعد صبري على الصوم، وعلى الصلاة وعلى الحج وعلى أعمال أخرى هي من الفرائض أني أخلصت عبادة واحدة أم لم أخلص، أخلصت في ركعة واحدة أم لم أخلص، ولو راجع أحدكم نفسه لكان مثله مثلي.
إنه لا يدري أنه أخلص لله يوماً ما في عبادة من العبادات أم لم يخلص، والله هو العالم الشهيد على الأنفس والمطلع عليها وعلمه أدق من علمي وعلمك وهو أعرف بك وبي مما نعرف به أنفسنا.

الإخلاص أهم من الكثرة:
كثرة العبادة مطلوبة، وكثرة العبادة تعني كثرة الثواب، ولكن إذا تردد الأمر بين أن تكثر العبادة من المرء، أو يخلص في العبادة مقتصراً على الفريضة كان الإخلاص أهم لأنه المطلوب الأول؛ ذلك – أخوتي – لأن الإخلاص صناعة القلب، لأن الإخلاص حركة القلب إلى الله حركة صاعدة في اتجاه الباري سبحانه وتعالى. حركة الركوع، وحركة السجود حركتان خارجيتان من حركات الجسد. والذات هي الروح والعقل والقلب فما لم تكن حركة صاعدة من الذات إلى الله لا تنبني الذات، إنما يبني الذات أن تتحرك هذه الذات في اتجاه الكمال، والذات المتمثلة في الروح وما يترشح عنها من مشاعر، ومن عقل وإدراك، لا تنبني إلا في ظل حركتها الذاتية، لا أن يتحرك الجسد من غير حركة الروح فتنبني الروح.

“أخلص قلبك يكفك القليل من العمل” عن الرسول (ص)
وليس المعنى أن يهمل أحدنا فريضة بحجة هذا الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما الحديث يقول لك ابلغ ما تبلغ من كثرة العبادة فحيث لا تكون حركة روح صاعدة لا عبادة. عبادة الجوارح التي لا تمس الجوانح، ولا تعني حركة روح وقلب وعقل هي عبادة شكلية. مطلوب أن تكثر العبادة لكنها عبادة يشارك فيها العقل والقلب وتصعد من خلالها الروح، ويكون للروح حضورها، وللقلب حضوره، وللعقل حضوره في هذه العبادة. أما إذا نازعتك نفسك بين أن تكثر العبادة بلا حضور، بأن تضيف إلى الفريضة النوافل، أو أن تقتصر على الفريضة مع الحضور فاقتصر على الفريضة على أنه يجب علينا أن نجاهد النفس حتى ترتفع في مستواها لتلتذ بأن تأتي بالفريضة وتأتي بالنافلة.

المهم نمو الذات:
“إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً لأنه لا يقبل من عباده الأعمال إلا ما كان خالصاً…” عنه (ص). هو سبحانه يقبل ذاتك أو يرفض ذاتك، ذاتك متى تكون مقبولة لله؟ الذات المقبولة لله هي الذات المستقية من كماله كمالا، المتخلّقة بأخلاقه، التي نمت وسمت من خلال التعلّق بالله، والعبادة تعلُّق بالله، العبادة انشدادٌ إلى الله، العبادة اقترابٌ بصفات النفس من صفات الله، وهو اقتراب محدود حتى عند رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
“ليست الصلاة قيامَك وقعودَك، إنما الصلاة إخلاصُك وأن تريد بها وجه الله” عنه (ص). لا بد من قيام ولا بد من قعود وليست هناك صلاة يشرعها العبد لتكون مبتدعة في الإسلام. الصلاة هي الصلاة التي شرّعها الله، وفيها حركة ركوع، وفيها حركة سجود، وحركة قيام، وحركة قعود، ولكنّ وراء هذه الحركات حركات قلب، وحركات عقل، وحركات روح، حركات خاضعة لله عزّ وجل مستجيبة لإرادته. لحظة أن تركع وراء ركوعك حركة صاعدة إلى الله عزّ وجل من قلبك، تكبّره وتعظّمه وتجلّه من دون أن ترى معه كبيراً أو عظيماً أو جليلاً.

اعرف إخلاصك لله:
كيف نعرف إخلاصنا لله عزّ وجل وفي العبادة؟
“إن لكل حق حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحب أن يحمد على شيء من عمل لله” عنه (ص). نحن في مستوى نفرح أن يرانا الناس على طاعة، وأن يرانا نحسن العبادة، والمخلصون لله سبحانه وتعالى يستوحشون أن تُرى منهم الطاعة الحسنة لله، يفرّون عن العباد بنوافلهم، وبصدقاتهم إلا ما كان المطلوب فيه الإعلان، يفرون بذلك عن نظر المخلوقين لئلا يقع على عبادتهم إلا نظر الخالق؛ لأنهم لا يرجون من العباد شيئاً، لا يرون لغير الله عز وجل وزناً في قبال وزن ربهم عزّ وجل، يرون كل الأيدي من دون يد الله القادرة ضعيفة وخاوية وصفراء لا تستطيع عطاء، فلم يتملّقون إلى العباد؟! وكيف يكون لهم رجاء في العباد؟! وعلى أي أساس يطلبون التقرب إلى العباد والعباد على صعيد واحد معهم فقراً وفاقة، وضعفاً وعدماً ذاتياً؟!

“لا يكون العابد عابداً لله حق عبادته حتّى ينقطع عن الخلق كلّه إليه فحينئذ يقول هذا خالصٌ لي فيتقبَّلُه بكرمه” عن الباقر (ع)

الطريق للإخلاص:
وهناك طريق للإخلاص وهو في هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: “سبب الإخلاص اليقين”. ولليقين طريق مفتوح للإنسان فإن الإنسان لم يكلف ما لم يطق، ولا كلام لي الآن عن طريق اليقين.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد وارزقنا يقين المعرفة، وصدق القول، وحسن العمل، وإخلاص النية، والانقطاع إليك، والتوكّل عليك واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وجيراننا وذوي الحقوق الخاصّة علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ولجميع أهل الإيمان والإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم.
(قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي علا شأنه فلا تطاله العقول ، وتعاظمت آلاؤه فلا ينالها الشكر ، ودقّت حكمته فلا يسبرها الفهم .
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ظاهر لا يجارى في ظهوره ، باطن لا يضارع في بطونه ، لا يغيب عن شيء ، و لا يحده شيء ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله اصطفاه وأيّده وكفاه وحماه وبلّغه مناه . صلى الله عليه وآله وزادهم جميعاً تحية وسلاماً .

عباد الله أوصيكم ونفسي الغافلة بتقوى الله ، وأن لا نشتغل بفاعلية شيء من فيضه عن فاعليته، وبقوة لأي أحد من فضله ، وبملكٍ بتقدير من تقديره عن ملكه ، وأن يكون لجأنا إليه ، واعتمادنا عليه ، وعبادتنا خالصةً لوجهه الكريم ، فقد خاب من اتخذ من دونه إلاهاً ، وهلك من طلب من دونه ملجأ .

اللهم يا من لا هادي سواه ، اهدنا بهداك ، ويا من لا حمى من غيره احمنا بحماك ، وصل وسلم على حبيبك المصطفى الصادق الأمين محمد وآله الطاهرين. اللهم صلّ وسلّم على إمام المتقين عليٍ أمير المؤمنين . اللهم صل وسلم على أمتك الزكية فاطمة النقية. اللهم صل وسلم على الإمامين الرضيين عبديك الحسن بن علي بن أبي طالب وأخيه الحسين .اللهم صل وسلم على الأئمة الراكعين الساجدين علي بن الحسين زين العابدين ومحمد علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا و محمد بن علي الجواد و علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الهداة المهديين .

اللهم صل وسلم على إمام العصر ، والموعود بالنصر ، إمامنا الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر. اللهم عجّل فرجه وسهل مخرجه ، وأظهره على أعدائه ، وأعز به أولياءه وبارك في ثورته ، وثبت أركان دولته يا كريم. اللهم الموالي له ، الآخذ بمنهجه ، الممهد لدولته ، انصره نصراً عزيزاً ، وأيّده ، وسدد خطاه ، بلّغه في الخير مناه ، والفقهاء الصلحاء الأخيار ادفع عنهم كيد الكفار والأشرار ، واحفظهم في آناء الليل والنهار ، واجعلهم حصن الإسلام ، وقلعة الإيمان ، والمجاهدين والمرابطين في سبيلك ، وعلماء الإسلام المخلصين احفظهم وادرأ عنهم وكد لهم وأظهرهم على مناوئيهم يا قوي يا عزيز يا قدير .

أما بعد أيُّها المؤمنون والمؤمنات..
فهذه بعض أمور أتناولها بالحديث لا على مكث:

أولاً: تقول لنا الحياة والأحداث بأن لا إرادة مطلقة لغير الله ، وأنّ كل المتعملقين والفراعنة ليس لهم أن يقولوا للشيء كن فيكون كما لله سبحانه ، فإرادة المخلوقين تبقى في أحسن ظروفها محدودة لا تعمل في حرية مطلقة ومن غير شروط مفروضة من الخارج ، فكثيراً ما تريد أمريكا وغير أمريكا ولكن الطريق ليس مفتوحاً دائماً أمام ما تريد. ويظل البحث عندها قائماً، والمقارنات مستمرة إلى مدة تقصر أو تطول في ما يرتبط بما تريد الإقدام عليه من حيث توفر الشروط، وتأتِّي الأسباب، وما يمكن أن يؤول إليه الفعل من ربح أو خسارة من غير أن تكون جازمة في قرارها منذ الخاطرة الأولى للفعل ، ولا متأكدة تماماً في الكثير من مراحل الفعل أحياناً بما عليه النتيجة .

وما تريده هذه الدولة المسماة بالقوة العظمى في العالم من غزو العراق مثال لما عليه التردد البشري والمحدودية البشرية ، وضبابية الرؤية عند البشر ، وحاجته للتوسل في طريق غايته بوسائل وأسباب لا يملكها وعليه أن يبحث عنها هنا وهناك ، ويتحايل في الحصول عليها ، وقد يجبره اجتماع الصغار على خلاف إرادته وكسر قراره على التراجع عما يريد .

وبالفعل فإن الدول الإسلامية فضلاً عن دول العالم لا تفقد القدرة على إجبار أمريكا بأن تراجع نفسها كثيراً في الإقدام على تدمير العراق والاستمرار في شنّ عدوانها على العالم بلداً فبلداً إذا اجتمعت على مواجهة القرار الأمريكي، وحتى على عدم التعاون معه.

وعليه فإن الدول العربية والإسلامية تتحمل قسطاً وافراً من مسؤولية إنجاح القرار الأمريكي الظالم على الأرض بتدمير البلاد الإسلامية، وأسر الأمة وكسر هيبتها وسقوط الكيانات القائمة واحداً تلو الآخر لتنخلق فوضى عارمة في العالم العربي والإسلامي وذلك من خلال ما يعنيه انكارها الجاد للإرادة الأمريكية الظالمة في هذا الأمر، وعدم إبداء أي لون من التعاون في إنجاح حربها الغازية من سلبية عملية واضحة تفرض نفسها وضغطها على جدية القرار الأمريكي وفاعليته وجازميته والاستمرار عليه لو كان .

الأمة لم تتحول بالكامل إلى صفر إن لها قوى، وعليها أن تعرف قواها، وإن لها وزناً وعليها أن تعترف أولاً هي وبالذات بوزنها.

وإن عدم الإنكار على سياسة البطش الأمريكي فضلاً عن دعمها يوقع غداً حتماً الداعم والمتفرج تحت طائلة هذه السياسة، وينشر الفوضى في العالم كله، ويأتي على مكتسباته الحضارية فضلاً عن أمنه واستقراره وتقدمه.

وإن الحكمة قاضية بتضامن العالم الإسلامي ، بل العالم كله في مواجهة أمريكا بالتحذير من سياسية البطش والرعب والغطرسة، والعالم كله مسؤول بأن يمتنع عن دعم هذه السياسة وتشجيعها.
وروح الأنا التي تقف وراء السياسة الأمريكية قد تبتدئ بضرب من تسميه عدواً ، ولكنها في الأخير لا تعرف أخوة ولا صداقة و لا وعداً ولا عهداً ، ولا يقف أمامها شيء من ذلك عن تحقيق مطامعها الذاتية المتمددة .

وإن القوة المادية الهائلة بيد أمريكا – وهي محدودة على كل حال ومحكومة لقدر الله – لتغريها بأن تنسى حاجة العالم إلى الأمن والسلام، وأنها هي من هذا العالم الذي لا يتجزأ سلامه وأمانه بعد تقاربه واتصاله ، وأن القوة الضاربة لا تُعْفِي منطلقها من الاحتراق بنار الحرب التي تشعلها ملتهبة طاحنة شاملة .
وهل تتذكر أمريكا بأن حرب الأمم تمتد أجيالاً ، وتتوقد جمرتها في النفوس على المدى الطويل لتحصد وتدمر وتعاود الاشتعال وتزلزل ما تحت الأقدام ، وتقطّع الأواصر البشرية ، وتصرف الإنسان لتدمير حياة أخيه الإنسان. لعل غرور القوة وغطرسة السلاح النووي والأسلحة الفتاكة الأخرى تُنسي أمريكا كل ذلك ولكن ليس للعالم أن يشارك أمريكا هذا النسيان القاتل. وهكذا كل مغرور مخمور لا يفيق على الحقيقة إلا بعد فوات الأوان .

ومسكين هو الشعب العراقي الذي لا يريد له المستكبرون أن يخرج من محنة إلا ليدخل في محنة مثلها ، ولا يفلت من يد سفاح إلا ليقع تحت قبضة سفاح آخر ، ولا ينتهي امتهانه على يد طاغية إلا ليبتدئ إمتهانه على يد طاغية ربما كان أسوأ .. ولكن متى أشفق المستكبرون على شعب من شعوب الأرض وهم بين اصطراع على استعبادها ، أو اقتسام تضطرهم إليه الظروف لخيراتها؟!

ثانياً: هناك حياة فردية للإسلام، وحياة اجتماعية، أو قل حضور للإسلام في حياة الفرد، وحضور له في حياة المجتمع، والمسلم يتحمل مسؤولية إسلامية جدية في إعطاء الإسلام الحضور الفاعل في حياته الشخصية والأسرية وفي الأفق الاجتماعي العام. وما نفعله نحن المسلمين في الأغلب اليوم قليل في البعد الشخصي من حياتنا، وأقلّ منه في البعد الأسري، وما هو الأكثر قلة في أفق الاجتماع الأعم.
إن مجتمعاتنا الإسلامية تقترب يوميَّاً من الحضارة الأجنبية وتبتعد بنفس مسافة هذا القرب من حضارة الإسلام ونمط حياته الاجتماعية المتميّزة. وما بيد الجمهور المسلم من إعطاء التواجد والفاعلية للإسلام في ساحة الاجتماع ليس بالكثير، وهو يفرِّط كثيراً في ما يملكه من ذلك، وأكتفي بالتنبيه على أن صلاة الجماعة من آخر ما يستطيع المسلمون من خلاله أن يذكّروا أنفسهم بأن الإسلام دين الجماعة والاجتماع كما هو دين الفرد. ويبلغني الضمور في مستوى الحضور في صلوات الجماعة في بعض المناطق التي تقام فيها صلاة الجماعة وهو نذير خطير، وتراجع مؤلم، لا بد من تدارك أمره و إلا وقعت الفاجعة.

ثالثاً: ها قد اقترب موعد العام الدراسي الجديد وحشودٌ من الطلاب والطالبات تضمهم المدارس والمعاهد والجامعات، وعلى وزارة التربية والتعليم وكل المعنيين أن يراجعوا الأمر بشأن الواقع والمسؤولية ، فكم يقترب واقع بعض المناهج وأجواء المدرسة والمعهد والجامعة، والتخطيط الإداري ونوع الأساتذة ، والتوجيهات والأنشطة ، والسياسة التربوية بالأجيال الشابة من الخط الحضاري الإسلامي وكم يبتعد ؟ إلى أي حدٍّ يساعد كل ذلك على ارتفاع مستوى الخلق والعفة والشرف في نفس الفتى والفتاة أو هبوطه ؟ كم يُحدث من غربة ثقافية أو إلتصاق بالثقافية الإسلامية الحية الواعية الفاعلة ؟ هل يستهدف الواقع –ذلك الواقع الذي ذكرت- رفع مستوى الشعور بالعزة والكرامة والأصالة ؟ أو هل يستهدف الحط من قيمة الإنسان في نفسه؟ يريد هذا الواقع أن يحطم روح الإيمان والإلتزام أو يشيدها ويعلي منها ؟ فلتراجع الوزارة وكل المسؤولين أنفسهم في ذلك كله، وليحكِّموا كلمة الله في الأمر، ويعرفوا قدر هذا الشعب، ويعرفوا انتماءهم هم والشعب كله للخط الحضاري الإسلامي الأصيل الذي ترخص من أجله الدماء.

أطفالنا وطفلاتنا ، شبابنا وشاباتنا بدن وعقل وروح ، وأسمى ما في الإنسان روحه ، فلا بناء يتقدم على بناء الروح ، ولا بناء يُضحَّى من أجله ببناء الروح . ولا تهافت في الأبعاد الثلاثة في تربية الإسلام، فكلها يمكن أن تشهد في ظل التربية الرشيدة التقدم والنمو والزكاة والنشاط منسجمة متكاملة متناسقة .

اللهم صلّ على محمد وآل محمد واهدنا كما هديت محمداً وآل محمد واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، ولكل ذي حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا كريم .

{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}.

زر الذهاب إلى الأعلى