خطبةالجمعة (67) 1 جمادي الأولى 1423 هـ – 12-7-2002م

مواضيع الخطبة:

حضارة (العقل والقلب ،الفرج والبطن) –  مستقبل الفتاة  –  الطائفية  –  ازدواج الجنسية  –  عملاء أمريكا

الفتاة مسؤولة أن تعي قيمتها، أن تعي دورها، أن تقدِّر عظيم مستقبلها، وأن تقف موقف الإحتراز من كل الذين يريدون أن يصطادوا عرضها وعفافها.

الخطبة الأولى

الحمد لله حمداً لا يعدله حمد، ولا يجوز لغيره حمدٌ مثله، مبدأ كلّ نعمة، ومنتهى كلّ حسنة، ومرجع كلِّ فضل. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل، ولا خُلف لقوله ولا تبديل، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، تفضّل به على العباد، وجعله دليلاً على الهدى والرشاد. صلَّى الله عليه وآله وبارك عليهم كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي المقصِّرةَ بتقوى الله والتزيّن بطاعته، والتخلص من قبيح معصيته، فما زان نفساً كتقوى الله وطاعته، وما شانها كالتمرد عليه سبحانه ومعصيته، وما ربحت حياة الناس يوماً -أفراداً ومجتمعاتٍ- إلا بمقدار الأخذ بمنهجه، وما ساءت الأحوال وعمَّ الفساد إلا بمفارقة دينه، ومجانبة شريعته. ولقد تكشّف للبصائر أنّ الكفر والفسوق طريق الويلات الاجتماعية في هذه الحياة، واهتزاز قواعد العدل والإحسان والرحمة والمحبة والإخاء، وباعث أَثَرَةٍ سيئة، وعدوانية خبيثة، ومتاعبَ نفسيَّة وموضوعية وعقدٍ تقلق حياة الفرد والمجموع.
ومن لقي الآخرة من مؤمن وكافر وجد يقيناً أنّ الكفر هوالشقاء، وأنّ الإيمان هو السعادة، وأن لا خير في معصية الله، وأنّ الطريق إلى السعادة في طاعته.
ولينظر الناظر إلى أوضاع النفوس، وكلّ الأوضاع خارجها بعين فاحصة، فإنه لن يجد خيراً في أي موطن من المواطن، وأيّ ساحة من الساحات لا ينشأ على أرضية الإيمان، وينشأ على أرضية الكفر، ولا شرَّاً يمكن أن يكون منبته الإيمان. وإنما الإيمان منبع الخير لا يترشح إلا عنه، والكفر منبع الشر لا يرشح الناس دنيا وآخرة بشيء سواه.
فاطلبوا -عباد الله- ما تطمحون إليه من خير الدنيا وسعادة الآخرة عند الله وعلى طريق طاعته فإنكم لن تخطئوه، ومن طلب الخير عند الشيطان وجنده فإن أولياء الشيطان مثلُه في خسار.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واعصمنا بعصمتك، ولا تجعل لأفئدتنا قبلة تنحرف بها عنك، وتحرم بها رضاك.

أما بعد فحضارتان تتنازعان، وتقتسمان النَّاس في الأرض: حضارة العقل والقلب، وحضارة البطن و الفرج.

حضارة البطن والفرج:-

هذه حضارة لها مواصفات والحضارة الأخرى أيضاً لها مواصفات، حضارة البطن والفرج من مواصفاتها أنها تنطلق من تفسير الكون تفسيراً مادياً بحتاً مخالفة للعقل والفطرة، أو أنها تهمل النظر في سرّ الكون وسرّ الخلق، وتبني على الشك، وغريب أن تنطلق حضارة عملاقة في الأرض من منطلق الشك والريبة، والشك لا يمكن أن يعطي الإستقرار، والشك لا يمكن أن يعطي الثقة في الطريق، والشك حين يكون هو المنطلق يصبغ حياة الإنسان كلّها، يصبغ فكره، ونفسيته، مشاعره، خطواته ،علاقاته، ويبقى ضائعاً تائهاً لا يضع يده على هدف، ولا يكاد يمسك بطريق عن ثقة، هذا هو المنطلق، منطلق الإنكار على خلاف الدليل، أو منطلق الإهمال في النظر في المبدأ والمصير، الإنطلاق مع الشك من أول الطريق إلى آخر الطريق وهو شك يلف حياة الإنسان بكاملها، ويقف وراء اهتزازها من الأعماق ووراء قلقها وابتسارها، والوصف الآخر الملازم لهذه الحضارة أنها تحصر سعادة الإنسان في الإشباع المادي، وترى أنه كلما توفر الإنسان على أكبر قدر من المادة كانت سعادته أكبر، وكلما انغمر في الشهوات وفي لذائذ الحياة المادية كان أكثر هناءة من غيره، والواقع أمامكم يشهد على بطلان ذلك، وأنّ كثيراً ممن يجمعون أكبر أرقام المادة هم أتعس الناس حياة، وأكثرهم قلقاً، وأنّ اللذائذ إذا ما بولغ فيها قتلت الإنسان ووقفت به في ربع الطريق من عمره، لا يستطيع أن يلتذّ بهذه الحياة ولا يستطيع أن يعطي نتاجاً كالآخرين، الحياة تتحول شقاءً مرّاً من خلال السّرف في لذائذها، وشهواتها ولو في مقتبل العمر. فلا ربّ ، ولا حياة أخرى ، ولا قيم، وتحصر سعادة الإنسان في الإشباع المادي… وتجعل أسفل الإنسان هدفاً، وأعلاه وسيلة. وأعلى الإنسان عقله وقلبه وروحه، يمكن أن تنشّط الحضارة المادية وتعطيها الإنطلاقة ولكن على خط المادة من أجل إنتاج مادي أكثر فقط، ومن أجل تبدخ مادي للبعض على حساب المجموع. إنّ وسيلة العقل، ووسيلة التفكير وسيلة من وسائل الحضارة المادية، وآلة من آلات الإشباع المادي، وحتى الدين يُمكن أن يُركب للذّة، وتلك هي فلسفة أمريكا التي ترى الدين مركباً من مراكب المصلحة والمنفعة المادية، وقد تُشجّع الدين في وطن دون آخر وعلى مستوىً من المستويات، وبالصياغة التي تخدم مصالحها، وقد تحارب الدين حين لا يخدم المصلحة أو يعارضها.
نعم، أمريكا في فلسفتها لا تعادي الدين دائماً وإنما تدجنه وقد تشجعه ولكن بالطريقة التي تخدم مصالحها، فهي يوماً تحارب الشيوعية، ويوماً تشجعها، ويوماً تحارب الدين ويوماً تشجعه، تحاربه في هذا البلد الذي يعني فيه الدين المواجهة للظلم والفساد، وتشجعه في البلد الآخر الذي استطاعت أن تلونه فيه ليكون خادم مصالحها، فالحضارة المادية من أوصافها الرئيسة أنها تجعل أسفل الإنسان هدفاً، وأعلاه وسيلة، مقياس التفاضل في هذه الحضارة هو الظفر والناب، وكثرة المال. الأرقام المادية الهائلة تعني أنك كبيرٌ، وكلما تضاءل رقم المادة في يدك كلما ضئلت وزناً وقيمة في المجتمع الذي تصوغه الحضارة المادية. كن العالم الكبير، وكن الفيلسوف وكن المفكر ما لم يكن لك إنتاج مادي وما لم تكن آلة من آلات الطغاة والمستكبرين التي تدرُّ بالمال الكبير في جيوبهم فأنت لا قيمة لك.

الإفرازات:-

تفرز هذه الحضارة:
1. حركة علمية مادية وعملية نشطة ولكن لتطوير المادة وتطوير الأوضاع المادية التي تخدم حاجات الجسد وتلبي مطالبه على مستوى اللذة والشهوة.
2. الإسراف في الإشباع المادي والولع بالمادة إلى حدّ التهالك. مما تفرزه هذه الحضارة أنّ الإنسان- وهو يرى قيمة وجوده، وملخص معناه في اللذة- فهو من خلال هذه النظرة ينطلق في حالة من السرف البشع للتوفر على المادة ولإشباع الشهوات المادية بما يقوده على خط النهاية.
3. هذه النظرة التي تقدس المادة، وتري الإنسان نفسه من خلالها، وقيمته فيها تنطلق به على خط الصراع اللاهب على المادة، على خط النهب والإستعباد والإستغلال والإستئثار وشنّ الحروب التدميرية من أجل التبذّخ، وحياة الترف، والسباق على الشرف المادي.
4. هذه الحضارة تترشّح عنها استباحة التخريب البيئي، والإخلال بالثروة الطبيعية إذا كان في ذلك إشباع النهم المادي لهذا الطاغية أو لهذه الدولة على حساب الدول الأخرى. لا يكون هناك تورع أصلاً و لا حساب للآخرين أصلاً فليكن التلوث البيئي الذي يستتبعه إنتاج السلاح النووي يقتل الملايين، ولينتشر مرض الإيدز ليحصد الملايين ما دام في ذلك فائدة مادية لجهة من جهات الإستكبار وطاغية من الطغاة. استباحة التخريب البيئي، والإخلال بالثروة الطبيعية إخلالاً فاحشاً يسيء إلى حياة الملايين، ويؤثر على المستقبل البشري ناتجٌ من ما تنتجه حضارة المادة. إذا كانت المادة هي قيمتي، وكان وزني من المادة دائماً فأنا صغيرٌ في نظر نفسي، حين يكلّ ما في يدي فلا بد أن أفزع، ولا بد أن أقلق، ولا بد أن أذل للآخرين، ولا بد أن أستكين، وما الذي يعالج فيّ أمراضي النفسية، وعقدي النفسية والعصبية، إذا كنت لا أجد لهذه الحياة ربّاً رحيماً، ولا أجد من وراءها جزاءً أخروياً، إنما أجد الحياة في مساحتها المحدودة فقط، وأنّ السعادة والقيمة تتمثّل بما في اليد، وإذا كان الشرف كلّ الشرف أن أتفوّق على الآخرين في المادة، والسبيل أمامي للنموّ المادي مقطوعٌ، إما من خلال علة داخلية، نقص في قواي، أو من خلال الظروف القهرية الخارجية فأنا لا بدّ أن أسقط في نفسي، وأنا لا بد أن أمرض نفسياً، ولا بد أن أتمزق في الداخل. وهكذا حتى أصحاب الأرقام المالية الضخمة الكبيرة مصابون بالأمراض النفسية حين يقيسون أرقامهم إلى أرقام الآخرين لتتضاءل أمامها على ضخامتها في داخلها، والأمراض النفسية تستتبع أمراضاً جسدية كثراً وما أكثر الأمراض الجسدية المعاشة الآن، والتي تجد منبعها من أمرض النفس.

فوضى الجنس والإيدز:-

فوضى الجنس ناتج ومترشح من مترشحات هذه الحضارة، وهذا الداء نقف أمام بعض الارقام التي تسمعونها هذه الأيام في الإذاعات عن حالة أفريقيا والإيدز:
أفريقيا: (8000 ضحية يوميَّاً لهذا المرض– 6000 إصابة عدو يوميَّاً فاحسب في مدار السنة كم يكون– 28 مليون مصاب والعلاج لثلاثين ألفاً فقط. يستطيعون أن يوردوا الداء، أن يصدروا الداء، ولا يستطيعون أن يصدروا الدواء، وإذا عالجوا لا يحاولون أن يسدوا منبع الداء الذي يدرُّ عليهم بالأرباح الطائلة، إنما يحاولون أن ينشروا الداء لِما يدرّ عليهم من أرباح في مقدماتها، وأن يوجدوا أسواقاً لبيع الدواء كذلك. العلاج بالعقاقير التي تعالج بعض مظاهر هذا الداء، وليس أصل الداء، ولا يحاولون أن يسدوا المنبع الخبيث الصديدي وهو الزنا.
6. فقد الأمن عطاءٌ واضح من عطاءات الحضارة المادية لأنها تولد التهارش على المادة، والسباق المحموم، والصراع المفصول عن القيم فلا بد أن تقلق الدنيا كلها، فلا يأمن أحد على ما في يده، ثم لا يأمن على نفسه، وحتى الكبار يعمهم الخوف والقلق لسياسة الغصب والنهب والسرقة والإستغلال والإستعباد.

حضارة العقل والقلب:-

ففيها نظرتان: النظرة المعطلة، وتتمثل في بعض المذاهب الصوفية التي تفصل الإنسان عن حركة الحياة، وتعطل فيه الفاعلية المنتجة، وهذه النظرة لا تتلائم مع الاسلام، والإسلام يرفضها رفضاً واضحاً، ولذلك نتجاوزها – نظرة أخرى هي النظرة المحرِّكة، النظرة الفاعلة. حضارة العقل والقلب في النظرة المحركة لها، لها مواصفات
تنطلق من تفسير الكون تفسيراً عميقاً ينطلق من الفطرة والعقل، هذا الإنسان أمامه حالة كونية هائلة، لا تسمح له فطرته، ولا يرضى عنه عقله حين يعطي للفطرة أن تتحدث، وحين يعطي للعقل أن يفكر لا ترضى منه فطرته، ولا يرضى منه عقله أن يقف عند الظاهرة من دون أن يبحث عن علّتها، هذه الحضارة لا تهدأ في نفس صاحبها حتى يقف على سر الكون، وهو لا يحتاج إلى بحث كثير في هذا المجال فإنّ فطرته نفسها تحدّثه لأنّ هذا الكون الذي كان لا شيء والذي كان في يوم من الأيام مواتاً لا بد أن تكون وراءه قدرة مبدعة غير محدودة هي التي أبدته، وإلا لو كان المحدود لم يكن المبدع الأول وإنما كان محتاجاً إلى مبدع. هذه الحضارة تنطلق من تفسير كوني شامل دقيق تحمل إشعاعاته الفطرة، وتتحدث به الفطرة لصاحبها، وينطق به العلم، ويزيده العلم تركيزاً، هذه الحضارة تتوسع في حاجات الإنسان ومقتضى سعادته، وأنّ سعادة الإنسان لا تتلخص في التوفر على كم من الشهوات وإنما سعادة الإنسان أكثر ما يتوفر عليها حين يشعر بسموّ ذاته، حين تتجلى له ذاته سامية رفيعة قابلة للخلود، ذات معنى كبير، لا يتهدده العدم، ولا تقيده الحدود الزمنية والمكانية الخانقة وإنما هو الوجود القابل على الإنقراض مع الأبد، الإنطلاق مع الكون كل الكون حتى ليتجاوز الكون المادي كله، وهو إنما يشعر بالذات الرفيعة الممتدة العالية في ظل رؤية الله سبحانه وتعالى. سموّ الذات والشعور بهذا السمو رفعة الذات، والإيمان الأكيد في الداخل بهذه الرفعة هو سر الشعور بالسعادة المفعمة للذات، الإنسان ما توفر على الكثير من المادة في يده وهو يرى نفسه المذلّ الزائل السريع الزوال، والوجود الضئيل المحدود المخنوق في قوقعة لحظات الزمن، وفي قوقعة المكان، يشع؟ فكيف يشعر بالدونية؟ وكيف يشعر بالضياع؟ وكيف يشعر بالموقع المتخلف؟ بنفسه بأنه دوني وبأنه صغير، وبأنه تافه، ولا يمكن أن يغنى داخله بالسعادة، والإنسان يكون صفر اليدين وهو يشعر بسمو الذات وبالإمتداد وبأنه شعاع لا ينقطع منبع الإشعاع عنه، ويبقى دائماً متصلا بمنبع الإشعاع يشعر بالسعادة، ويشعر بالمعنى الكبير، ويشعر بالقيمة الذاتية العالية. أبو ذر لم يمر عليه يوم من الأيام في فقره يشعر بالشقاء، ويشعر بالدونية، ويشعر بالتفاهة، أبو ذر وفي كلّ لحظات فقره المادي كان يشعر بأنه أقوى من كل الملوك، وكان يشعر بأنه أكبر من كلّ الفلاسفة، ويشعر بأنه أكبر من كلّ أصحاب الأرقام المالية الخيالية، لأنه يشعر بذات إيمانية موصولة بالله سبحانه وتعالى يشعر بالامتداد الأبدي يشعر برضا الخالق العظيم الكامل سبحانه عنه، وما دام هذا العبد ممدوداً دائماً من الكامل الرب الكامل فكيف يشعر بالنقص، وكيف يشعر بالدونية، وكيف يشعر بالضياع، وكيف يشعر بالموقع المتخلف. نعم، وهذه الحضارة تجعل أعلى الإنسان هدفاً وأسفله وسيلة، إنها لا تهمل الأسفلين، ولا تهمل المادة ولكنّ المادة في يد الإنسان المؤمن وسيلة، وقد سُخِّر له الكون ليكون من بعد الله وفي طول سيادة الله تبارك وتعالى السيادة المطلقة سيداً لكثير من أشياء هذا الكون، ولمساحة هائلة من هذا الكون.
مقياس التفاضل في هذه الحضارة هو مستوى إنسانية الإنسان، والتي تتمثل في مدى قربه من الله، مدى تلألأ إنسانية الإنسان، مدى تبلور إنسانية الإنسان، ما استطاع الإنسان أن يحقق لإنسانيته في هذه الحياة من تقدم ومن تبلور ومن صفاء ومن نقاء، مدى صحة رؤيته، وثبات هذه الرؤية، نظافة مشاعره، مدى نظافة مشاعره، نياته، طموحاته، أخلاقياته، هذا المستوى الإنساني المتقدم هو مقياس التقدم في نظر حضارة العقل والقلب.

النتائج:
هذه الحضارة لها نتائج ومترشحات، أيضاً حضارة القلب و العقل تبعث على:
1) حركة علمية وعملية نشطة لكنها لا تتجمد عند حدّ المادة إنما تتقدم بالمادة وتطوّر الأوضاع المادية وتسمو بالإنسان، وتلبي حاجات كلّ الأبعاد في وجوده.
2) الإعتدال في الإنفاق والتناول من المادة. حيث أنّ الإنسان المؤمن وهو لا يرى قيمته في المادة لا يسرف فيها، من أسرف في المادة من نقص في نظرته لقيمة ذاته، ومن نسيان لعظمة ربّه سبحانه وتعالى.
3) تعاون في الإنتاج وعدل في التوزيع وبذل هادف بنّاء للغير. الإنفاق على الذات هادف، الإنفاق على الغير هادف، والهدف دائماً هوالبناء، والهدف دائماً هو التقدم بإنسانية الإنسان.
4) تحمل أمانة السلامة البيئية والحفاظ على تدفق الثروة الطبيعية من خلال نظرة الخلافة في الأرض، التي تجد أرضيتها في حضارة العقل والقلب.
5) الإنضباط الخلقي الذي يُخلّص من كثير من الكوارث المرضية التي يسببها التلوث البيئي وانتشار المحرَّمات.
6) تركز أجواء الإطمئنان القلبي والراحة النفسية.
اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد، واهدنا إلى أقوم الطرق إليك، وأوصلها إلى رضوانك واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وذوي مودتنا ومن كان له حق خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا كريم يا رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
(قل هو الله أحد. الله الصمد. لم يلد ولم يولد. ولم يكن له كفواً أحد)

الخطبة الثانية

الحمد لله الغني فيما وسّع وضيًّق، الكريم فيما أعطى ومنع، القدير فيما عجًّل به من العقوبة وأجًّل، الحكيم فيما بادر أو أمهل. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, ولا معبود سواه، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله أرسله بالملّة النوراء، والشريعة السمحاء، والمنهج الذي لا يكبو، والنور الذي لا يخبو. اللهم صلِّ وسلّم عليه وآله وسلّمِ تسليما كثيراً.
عباد الله اتقوا الله الذي لا إله إلا هو، ولا بديل عنه في نعمته، ولا مفزع لأحد من أخذه، وفرّوا إليه من ذنوبكم دفعاً لشرّ الدنيا وعذاب الآخرة يقول سبحانه ” قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يَِلْبسكم شيعاً ويُذيق بعضَكُم بأس بعض انظر كيف نُصّرِفُ الآيات لعلّهم يفقهون” 65/الأنعام. ويقول عزّ من قائل ” اعلموا أنّ الله شديد العقاب وأنّ الله غفور رحيم” 98/ المائدة .
فللعذاب عند الله بابه وهو الذنب والاصرار عليه، وللجنّة بابها وهو الطاعة وإدامتها، والتوبة من المعصية و إخلاصها، فكونوا إلى الله تائبين، وعن معصيتة مقلعين، وعلى طاعته مقبلين وليكن جَنَى أيديكم ما تَقَرُّ به الأفئدة وتطمئن النفوس.
اللهم صلّ وسلم على وسلم على رسولك للعالمين، وحبيبك المصطفى الأمين محمد خاتم النبيين والمرسلين، اللهم صلّ وسلّم على إمام المتقين علي أمير المؤمنين، اللهم صلّ وسلّم على زوجه الطاهرة فاطمة العابدة الصابرة، اللهم صلّ وسلّم على نجليه المهديين، والوليين الصالحين، والإمامين المطاعين أبي محمد الحسن، وأبي عبد الله الحسين. اللهم صلّ وسلّم على خزائن علم الوحي، ومفاتح أسرار الكتاب علي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري أبوب الفلاح والرشاد. اللهم صلّ وسلّم على الإمام الثاني عشر، والمنقذ من الضلال والشرّ والبطر محمد بن الحسن الإمام المنتظر. اللهم عجّل فرجه، وسهّل مخرجه وانصره نصراً عزيزاً وافتح له مبيناً. اللهم أرنا طلعته الرشيدة، وشرّفنا بدولته المجيدة، ومتّعنا بأيامها السعيدة يا أكرم الأكرمين ويا أجود الأجودين.
اللهم عبدك الموالي له، الممهد لدولته، الخادم لخطِّه أيِّده وسدِّده وانصره ووفّقه للخيرات واجعل عمله مقبولاً، وسعيه مشكوراً، والفقهاء الصلحاء والمجاهدين المخلصين شُدّ أزرهم، وادرأ عنهم، وثبِّت أقدامهم على صراطك القويم يا رحمن رحيم.

أما بعد فهذه كلمات تلامس بعض قضايا الحياة.

أولاً : مستقبل الفتاة بين مسؤوليتها ومسؤولية الأهل ومسؤولية الآخرين. نداء إلى الفتاة وهي في مقتبل العمر، وهي تستقبل الحياة بأملٍ باسم، وهي تحرص على مستقبلها الكبير، وهي تؤمِّل في هذه الحياة خيراً كثيراً:

‌أ- لاتحركي مستقبليك بيدك- لك مستقبلان: مستقبل في هذه الحياة، وهو -على أهميته- صغير، ومستقبل من بعد هذه الحياة وليس من مثله في الوزن من مستقبل. مستقبلك في الحياة: أنتِ تطمحين أن تكوني المرأة الشريفة، المرأة الفاعلة في هذه الحياة إيجاباً، الزوجة التي تمتلك احتراماً وتقديراً من الزوج، والأم التي تمتلك احتراماً وتقديراً من الولد، المنجبة التي تعطي لهذه الحياة جيلاً يغير من سوءها، ويدفع بها على خط التقدم إلى الأمام، تأملين أن تكوني رقما صعبا في المجتمع الرجالي والنسائي على مستوى الفكر، وعلى مستوى الروح وعلى مستوى الدور الفاعل الكبير في حياة الناس، الدور الهادي، الدور الرشيد، الدور الذي يعطي لك الخلود، الخلود هنا في الدنيا ما بقيت وفي الآخرة التي لا انتهاء لها.
أنت تأملين في هذه الحياة موقعاً اجتماعياً كريماً، وموقعاً أسرياً كريماً، وتتمنين أن توجد منك ومن زوجك الأسرة التي تكون محل إشعاع في المجتمع الإنساني كلّه، تتمنين أن يأتي منك النسل الذي يدفع هذه الحياة دفعةً كبيرة على الخط الإيجابي على الخط الصحيح، إذا كنت تأملين ذلك كله وما هو أكثر فلا تحرقي هذا المستقبل بيديك مبكراً، وذلك بأن تغفل الفتاة، وتستجيب لابتسامة ساحرة كاذبة من شاب غوي، فتقع في فخّ قد لا تكون لها نجاة منه، ولا قدرة على التفلّت، والفتاة هنا تخسر كلّ ذلك الطموح، وكل ذلك الأمل من خلال هذه السقطة التي لا تبقي عليها ولا تذر، هناك ثعالب ماكرة أيتها الفتاة، يتصيدون لشرفك، ينصبون الحبائل لعرضك، يسترقون قلبك بابتسامة كاذبة، وبوعد معسول زائف، فإذا كنت الفتاة النابهة فأنت لن تنخدعي بكل الإبتسامات التي تريد أن تشتري منك عرضك وعفافك وشرفك وإنسانيتك، احذري أن تقعي في فخ هؤلاء، فإن هؤلاء أعداء في صورة أصدقاء، كلمات حبّ، وكلمات إخلاص، وليست تنطوي هذه الكلمات إلا على سم العقارب والحيات. الفتاة مسؤولة أن تعي قيمتها، أن تعي دورها، أن تقدِّر عظيم مستقبلها، وأن تقف موقف الإحتراز من كل الذين يريدون أن يصطادوا عرضها وعفافها.
هناك صديقة عدوة هي رسول شر، وفخ للشيطان يمكن أن يكون الفخ المنصوب لكِ هو من خلال فتاة صديقة، تزيّن لك الرذيلة، والدخول في محادثة الشباب، وفي الإتصال الهاتفي بهم، والإقتراب من حياة الإختلاط حتى لا تجدي نفسك من بعد ذلك إلا وقد وقعت من حيث لا تحتسبين.

‌ب- أيها الأهل لاتخونوا أماناتكم التي تسألون عنها. والفتاة في التاسعة، في العاشرة، في الرابعة عشرة، قبل ذلك بعد ذلك، حتى يتمكن الرشد من داخلها، أمانة تحتاج إلى رعاية، وتحتاج إلى ملاحظة، وتحتاج إلى أن يذاد عنها الأعداء، وإلى أن تحمى من شرّ الأشرار، وغداً ما أصعب السؤال، وما أكبر المسؤولية لأبٍ فرّط في أمر بنته و ولده، وربما دخل منا الكثير النار لأنه قد أدخل النار بنته وولده بإهماله التربوي.

‌ج- ويا أيها المجتمع لا تقطعوا على الناس طريق التوبة، ولا تقطعوا علىالمغرّر بهم العودة إلى الرشد وصفوف الصالحين. وقفت على سقطة من فتاة في ميعة الصبا، وقبل الرشد لو سترت عليها لربما آبت ورجعت إلى الله، وأحسنت السيرة أحسن منك ألف مرة، وأكثر من ألف مرة، فلا تقف شيطاناً في طريق عودتها إلى الله بأن تفضح أمرها، فلنتق الله في أعراض الناس.

ثانياً: الطائفية البغيظة:

‌أ- نشر العداوة بين الطائفتين المسلمتين الكبيرتين هدم لكيان المسلمين وتمكين لأعداء الله منهم، لا يفعل تأجيج هذه العداوة وإشعال نارها إلا غافل أو مجرم.
وهناك صنّاع للطائفية، أتحدث عن بعضهم، على مستوى العناوين فقط.

‌ب- صناع الطائفية:

1. شخص جاهل أسرته – هذا الشخص الجاهل، ومن يقابله قد يكون عالماً، وقد يكون مثقفا بالثقافة الغير الفقهية، وقد يكون زعيماً سياسياً، وقد يكون غير ذلك – النظرة الخانقة. فهو ينظر للإسلام نظرة خانقة، مجزوءة، ليست له النظرة التي يستطيع من خلالها أن يرى أين تكمن مصلحة المسلمين، وأين تكمن مصلحة الحقّ، إذا كان المذهب السنيّ هو الحقّ فهل تكمن مصلحة المذهب السني في أن يشنّ حرباً على التشيّع؟ وهو يلتقي معه في مساحة كبرى من الإسلام؟ وإذا كان الحقّ كلّ الحق في التشيع فهل من صالح التشيع أن يشنّ حرباً على التسنّن في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية والسنّة تلتقي مع الشيعة في كثير من القضايا؟ وهل أنّ الفكر الشيعي الصافي الأصيل، وما قدّمه الأئمة عليهم السلام من دروس نظرية وعملية في هذا المجال، تبعث على شنّ حرب من هذا النوع؟ أو أنّ الأئمة عليهم السلام يرفضون أن تخلق حالة من العداوة، وأن تضرم نار العداوة بين المسلمين، وأنه إذا كانت هناك دعوة ولتكن فإنما هي دعوة على منوال ما أوصى به الكتاب الكريم (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة) وعندنا (جادلهم بالتي هي أحسن).

2. غزارة الحقد الذي قد يغزو القلب والإنسانُ في سنيّه الأولى، جدّة غافلة، أب غافل، أمّة غافلة، بدل أن توضح حدود الحقّ وتميز الحق عن غيره، وما ينبغي أن يكون عليه التعامل بين المسلمين من الخلق الرفيع، والتراحم والتعاون على الخير، ورفع حاجة المحتاج، وعوز المعوز، شيعياً كان أو سنياً، هذه الجدة أو تلك الأم أو ذلك الأب يزرع الحقد على الشيعة والتشيع، أو على السنة والتسنن، ليس مطلوباً منا أبداً أن نزرع هذا الحقد في نفوس أبنائنا، مطلوب جداً جداً أن نقدم لهم الرؤية الدينية الصافية والمدرسة الحق وهي مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وعلينا مع ذلك أن نزرع في نفوسهم الخلق الإسلامي وكيفية التعامل الصحيح مع المسلمين.

3. عالم لا ورع له أو أيّ شخص ، شخص لا ورع له يبحث عن جمهور من طائفة سنية أو شيعية لأغراض دنيوية.

4. شخص يعمل على التفريق بين المسلمين بالوكالة عن عدوهم، ويتقاضى أضخم الأجور على هذه العمالة.

5. حاكم يعتمد في تثبيت حكمه ووضعه على إضعاف الأمة بالفُرقة.

ج- ولقد كان دور الدولتين الأموية والعباسية في التفريق بين المسلمين واضحاً جداً حتى أُبعد مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وأُسقطت صحة التعبّد به وهو أصل المذاهب.

د- وهنا الدعوة تتوجه للنخبة من الشيعة والسنة، ولكل المهتمين حقاً وصدقاً بشأن الإسلام بأن يوحدوا الصف في مواجهة دعوات التفريق والتخريب الذي يستهدف صفوف المسلمين.

ثالثاً : أزدواج الجنسيّة:-

‌أ- هناك عدد من المناقشات الجزئية في هذا الموضوع لا أريد الوقوف عندها.

‌ب- والذي يهم أنه بعد كل الذي قيل لتبرير ازدواج الجنسية من طرف واحد فإنه يقال لايمكن أن تبرر روابط الأخوة الاسلامية والعربية وأخوةُ الجوار أن تفتح البلد الأضيق مساحة والأكثر حاجة أبوابها لمزيد من السكان بما يتطلب خدمات مكلفة في الوقت الذي يشكو أبنائها من الأزمات في حين تغلق أخواتها الباب أمام هذا الأمر بالنسبة لهم، ولو كان العكس لكان له وجه مبرِّر معقول وهو المنسجم جداً مع مقتضيات الأخوة.
ولوكان أي بلد عربي أو مسلم يعيش حالة من الطوارئ لكان جميلاً بل واجباً أن تؤثر البحرين على نفسها ويستضيف أبناؤها إخوانهم من تلك البلد. وكم كان رائعاً حينما استضافت البحرين إخوة لنا من الكويت وقت أزمتها؟!
ويثير الدهشة تصريح نقلته بعض الإذاعات عن وزير الخارجية العماني فإنه بعد ما رحب بالوحدة الخليجية وأثنى على مبادرة البحرين في مسألة ازدواج الجنسية ركز على أن البحرين لها ظروفها الخاصة التي تدعو إلى هذه المبادرة … وهذا كلام لا نملك له تعليلا وحدويا أخويا. والظروف المشار إليها في الصريح بعد أن لم يمكن تفسيرها بظروف السعة الجغرافية والرخاء الاقتصادي المتميز تثير القلق جداً وخاصة والاشارة من مسؤول خليجي كبير له اطلاع.
وعلى كل التقادير أن ازدواج الجنسية الذي يمكن أن يصوت له البحرينيون هو ما إذا كان مشتركاً على مستوى الدول الخليجية بكاملها، أما ما كان من طرف البحرين وحدها فهو مرفوض شعبيا لا طائفيا ولا يفهم له تعليل مقبول أصلاً.

رابعاً: واخجلتاه:-
أكاديميون أوربيون يهبّون لمقاطعة جامعات اسرائيلية، وأكاديميون اسرائيليون يطردون من مطبوعات بريطانية كما هو أخبار الخليج وحكومات عربية تحارب المقاطعة وتهرول على طريق التطبيع الذليل.

خامساً: أمريكا تبحث دائما في بلاد المسلمين عن الأكثر فاعلية والأقدر على خدمتها ليكون الحاكم وليكون الكاتب والعالم والمفكر العربي والمفكر الإسلامي، والمثقف القدير والمنظر الشهير ، والخيار العربي والخيار الإسلامي في أكثر البلدان تابع للخيار الأمريكي مع الأسف الشديد. وأمريكا وغيرها لا يشترون من العملاء إلا الأوفر حظاً من نعم الله عز وجل والمستعدّ لأن يخون نفسه ويجحد تلك النعم كلها . وهناك سفهاء جاهلون يبيعون نعم الله الكبيرة عندهم بثمن بخس يُعقبهم السقوط في الدنيا والعذاب في الآخرة، وأمريكا الآن مشغولة جداً بالتفتيش عن الحكام الأكثر قدرة على العمال وعلى الوفاء بشروط العمالة، وكلما تقادم عميل، وكلما كبر به السن، وعجز عن العطاء المطلوب بالدرجة الفائقة كلما أُلقي به في مزبلة الدنيا وهو ملقى عند الله قبل في مزبلة التاريخ والمزبلة التي تبعد الإنسانية كل البعد.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد وأرنا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلاً فنتجنبه واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا ومن كان له حقّ خاصّ علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وجميع أهل الإيمان والإسلام إنك غفور رحيم تواب كريم.

(إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون).

زر الذهاب إلى الأعلى