خطبة الجمعة (64) 10 ربيع الثاني 1423 هـ – 21-6-2002 م
مواضيع الخطبة:
الذات والعمل الصالح – الأمن والسلام العالمي – قوافل الزيارة –
لجمعيات المهنية – الجنسية المزدوجة
من حق المجتمع أن يطالب مسئولي القوافل باعتماد شروط واتخاذ ضمانات واحتياطات وإجراءات كافية للحفاظ على الناحية الخلقية، وإيقاف هذا العائد السيئ عن مواصلة تعكيره للمناخات الإيمانية والخلقية في البلد
الخطبة الأولى
الحمد لله من أول الدنيا إلى فنائها، ومن أول الآخرة إلى بقائها، الحمد لله الذي لا يضلّ علمه، ولا تختلّ حكمته، ولا يخطئ تقديره. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، لا خلق إلاّ خلقه، ولا شيء إلاّ من تكوينه، ولا حياة إلاّ من فيضه، ولا أثر لشيء إلاّ بقدرته، ويمتنع أن يكون وجود أو حياة من غير جهته، لأنه حقّ الوجود ومحض الوجود الذي لا يقبل التكثّر والتعدّد، فليس من دونه إلاّ العدم، أو وجود مفاض على الممكنات في محدوديتها ومراتبها المتنزلة التي لا يمكن أن تبلغ كماله ولا أن يتبدل فقرها الذاتي إلى الغني بالذات، ولا محدوديتها إلى الإطلاق. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، استقام على الطريقة التي ارتضاها له، وأدّى الأمانة التي حمّله إياها، ودلّ الأمم على هداها صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله.. اتقوا الله واطلبوا هداكم من منهجه تهتدوا، وقدوتكم في رسله وأوليائه تفلحوا، وسعادتكم في التمسك بحبله، ودوام طاعته تبلغوا. ألا وان كل حبل واهن، وكلّ حبل يبلى، وكل حبل ينقطع، وحبل الله وحده متين لا يهن، قديم جديد لا يبلى، قوي شديد لا ينقطع أبداً. ألا وان كل طريق يزيغ بصاحبه عن الغاية، وينتهي به إلى شر نهاية، وصراط الله وحده لا يضلّ سالكه، ولا يقف به دون النجح، ولا ينتهي به دون الفوز والفلاح.
اللهم صل وسلم على البشير النذير والسراج المنير، حبيب القلوب المؤمنة محمد وآله البررة، واهدنا سواء السبيل.
أما بعد .. فإننا نعيش في الدنيا ونخرج منها ذواتاً من حجم ما نوت وما كسبت، ومن جنس نيتها وعملها، فليس يزيد أحدنا في فعليات ذاته ولا ينقص عن حجم ما نوى وما عمل، ولا يختلف عن جنس هذه النية والعمل “اعلم أن لكل ظاهر باطناً على مثاله، فما طاب ظاهره طاب باطنه، وما خبث ظاهره خبث باطنه….” مروي من جهتهم (ع).
فليس من ذات صالحة فعلاً وأعمالها سيئة، و نياتها سوداء، نعم يمكن أن يكون مع سوئها الفعلي شأنية صلاح، فينتظر منها بعد السوء أن تعمل صالحاً حيث تصح في داخلها وتستقيم، أما أن تجتمع أعمالها السيئة وقبائح نياتها مع صلاحها الفعلي فلا. وقد يكون للذات صلاح جزئي بالفعل، فيظهر ذلك منها فعلاً حسناً، ونية سليمة بقدر ما هي عليه من صلاح حقاًّ، كما يظهر ما هي عليه من طلاح وبقدره نيةً سيئةً، وعملاً قبيحاً يسوء مرآه. وأما إذا كانت الذات سيئة كلّها فلا يأتي عملها إلاّ سيّئاً، وإذا كانت صالحة كلّها فلا يأتي عملها إلاّ صالحاً. فالنية والعمل من جنس الذات، و الذات من جنس النية والعمل، فمن لم يحدث على يديه إلاّ سيئ العمل، كشف ذلك عن أنّ ذاته كلّها كانت سيئة، ومن لم يحدث منه عمل سوء واحد برهن على أن ذاته كانت كلّها حسنة.
فالعمل وما وراءه من نية مرآة الذات لصاحبها، لا تخدعه ولا تغشه في تعرّفه على نفسه، وطبيعة ذاته، وحجم واقعه. ولولا ما يحتمله الآخرون من المخادعة في الفعل والقصد لكان ذلك المرآةَ الصادقةَ لهم عمّا عليه الشخص من وزن الذات وجنسها. وعلى كل حال ليست لنا وسيلة يعرف بها أحدنا غير ما نرى من نعمله و نحدس من نيته، والله وحده هو علاّم الغيوب ولا علم إلاّ بأذنه.
هذا وان مجاهدة النفس على عمل الخير، و مجانبة الشر مجاهدة لها على الصحة والاستقامة في ذاتها، وهي مجاهدة تتحول بها إلى الصراط المستقيم، وتحدث فيها بإذن ربها نقلة من الظلمات إلى النور. ويقابل ذلك أن الغفلة عن الذات، والتسامح معها في ما قد تلمّ به من سوء فعل أو قصد، يأخذ بها إلى انحدار، ويؤول بها إذا استمر إلى سقوط وخسارة وزن، وتبدّل جنس.
ولابد من نصوص بها الاهتداء والبصيرة من نصوص الكتاب المجيد، ومما عن الصادقين من أولياء الله عليهم السلام في موضوع العمل:-
العمل الصالح يرتفع بمستوى الذات
ولنقرأ في هذا هذه النصوص المباركة (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) 97 النحل. نجد في الآية الكريمة مولداً لحياة جديدة ومرتبة روحية مستجدة. الإنسان مراتب في حياته وليست حياة الإنسان على مرتبة واحدة. إحساسك بأكلك، بشربك، بما تلمس، بما ترى وراءه مرتبة من الحياة، شعورك بالألم النفسي، شعورك بالغبطة النفسية، بالغبطة الروحية وراءه مرتبة من الحياة ليست هي الأولى، وليست معها على صعيد واحد، تجاوزك للمحسوس لدائرة الكون الوسيع، النقلة التي تحدث في ذاتك إلى التفكير في عظمة المخلوق تقف من خلالها على عظمة الخالق، تفكيرك في المبدأ، تفكيرك في المصير وراءه مرتبة من الروح، وهي مرتبة ليست مع مرتبة الحس في مستوى، وليست منها في صعيد.
وهناك مراتب أخرى لهذا الإنسان على مستوى الروح، ومن مراتب الروح ما لا يبلغه الإنسان إلاّ بالإيمان والعمل الصالح، (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة).
من جمع بين الإيمان والعمل الصالح يتلقى حياة جديدة، وهذه الحياة الجديدة إنما تغنى بها روح جديدة، وليست الروح الحيوانية تقبل أن تحيا حياة طيبة فوق ما كانت تجد من استعداد، وهي لا يمكن أن تجد إلاّ لذة حس، و إلاّ معرفة حسية، أما المعارف الكبرى، أما الرؤية الكونية الحقيقية التي تستقر في النفس وتضيء كل أقطارها وجنباتها، أما معرفة الله والخلوص إليه فيحتاج إلى روح غير الروح الحيوانية، وغير الروح الفكرية الرياضية، إنها روح أكثر بلورة وأكثر شفافية وأقدر على الانطلاق والانفتاح، وهي على مراتب وكل مرتبة يمكن لك أن تطلق عليها روحاً جديدة، (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) موقعك في الجنة يتبع أكبر مرتبة روحية تصل إليها، وأطيب حياة تستعد روحك إليها. الروح الحيوانية، الروح الشيطانية، هذه لا يمكن أن تتلقى من فيوضات الله ما تتلقاه الأرواح الطاهرة، والقلوب الزكية، والنفوس التي بنتها معرفة الله وأضاء كل زاوية منها ذكر الله.
نحن هنا نصنع أنفسنا، نصنع ذواتنا. أمامنا أن نكتسب روحاً جديدة، أمامنا أن نرقى في مستوياتنا الروحية، أمامنا أن نبلغ مستوى الملائكة وأن نتجاوز مستوى الملائكة. الله أكبر ما أكثر الأوقات التي ننفقها على طريق الانحدار، والحياة فرصة للسمو وفرصة للصعود وفرصة لأن تكبر هذه الذات لا أقول مليون مرة وإنما ملايين المرات. ولا ريب في مولد حياة جديدة ومرتبة حياة مستجدة في العمل الصالح النابت على قاعدة الإيمان وليس من وقت يسمح بالشرح وانما هي خطوط عريضة.
الآية تعطي أيضاً أنّ مراتب من الحياة في عالم الروح طريقها العمل الصالح والإيمان فحسب، (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) وما من طريق آخر إلى الحياة الطيبة غير طريق الله، وطريق الله هو في الإيمان والعمل الصالح.
وكلما كانت مرتبة حياة راقية كلما كانت نعم ولذائذ راقية، الذين يبلغون عشق المعرفة، ينتهون إلى ضرب من اللذة لا يعرفه العالم كله، وفيما أتذكر من جامع السعادات في الأكثر أن أحدهم يقول: بأنه قرأ القرآن عشرين سنة مكابدة، يتحامل على نفسه ويأخذ بها على الطريق وان كرهته، يقرأ القرآن بلا لذة بلا عشق بلا انفعال كاف بلا تناغم ولكنه في منتهى العشرين وعلى درب طويل من الترويض، وعلى درب طويل من التربية، وعلى درب طويل من تلقي الهدايات صار من عشاق القرآن وصار يجد في القرآن أنسه، ويجد فيه راحته من كل متاعب الحياة، وعند القرآن تفارقه كل الهموم إلاّ الطموح الكبير والهمّ الكبير: المزيد من معرفة الله، المزيد من قربه إلى الله.
(ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) 75 طه. تأكيد لما سبق فان الذات الحقيرة غير صالحة، ولا مؤهلة لتلقي النعم الكبيرة. أترى حشرة صغيرة تلتذ بصلاتك التي تصليها أنت بفهمك بروحيتك التي لا تملكها هي؟! أتراني أنا ألتذ بالصلاة بروحي العادية التذاذَ أمير المؤمنين (ع) بروحه العالية؟! أترى أحدنا حين يتصدق يشعر بالسمو واستنارة الذات كما يكون لأحد الأولياء الكبار وأحد السادة المعصومين (ع)؟! أترى في نفس أحدنا من معرفة الله ومن حب الله ومن الالتذاذ بذكر الله، والشعور بالقرب من الله، ما يجعله ينسى كل مشاكله وكل همومه ولا يكترث أن فارقه صديق، أو اشتد عليه عدو؟! إنها اللذة التي كان يعرفها رسول الله (ص) وكان يعرفها المعصومون (ع) من بعده. إن لكل مرتبة من الوجود والحياة قابليتها الخاصة لاستقبال فيض الكرامات والنعم بما تختلف به عما دونها.
مرتبة الدرجات العلى هي مرتبة حياة مكتسبة بالإيمان والعمل الصالح (ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى) هؤلاء هم الذين اكتسبوا روحاً تؤهلهم إلى الدرجات العلى. أنت تؤذيك الحشرة التي تعيش معك فتطارد الصرصور مطاردة لأنك لا ترتاح إليه. أنبياء الله ورسله أهل الروح النقية الطاهرة المنشدّة إلى الله، الزخارة بمعرفة الله لو عاش معهم أحد شياطين الأرض ومستكبري العالم وأهل الفسق والفجور تهنأ لهم الجنة؟! من هناءة الجنة أن ليس فيها إلاّ النظيف الطاهر النقي الذاكر لله، فلابد من روح عالية تدخل بها الجنة، أدنى درجات الجنة تحتاج إلى روح سامية رفيعة مترفعة عن الدنايا.
تقول كلمتهم عليهم السلام “من يعمل يزدد قوة، من يقصّر يزدد فترة” أقول مزيد القوة من مزيد الحياة، والفترة والتعطل في الذات لتوقف مستوى الحياة. وأقول استنارة بالكلمة فلا طريق للنمو في الذات وكسب مراتب جديدة من مراتب الحياة، إلاّ أن نعمل صالحاً ونقصد صالحا، والعمل الصالح لا يكون أبداً مع نية سوء.
الموقع من جنس العمل:
موقع الذات عند الله من جنس عملها: ومن حجم عملها “دعا الله الناس في الدنيا بآبائهم ليتعافوا، – فلان ابن فلان – وفي الآخرة بأعمالهم ليجازوا” فقيمتك عملك. تسقط كل عناوينك: لا تنادى بعلمك، لا تنادى بجاهك، لا تنادى بعشيرتك، بثروتك، بموقعك السياسي، بأي شيء آخر، فقال (يا أيها الذين آمنوا) ( يا أيها الذين كفروا) عنوانان يوم القيامة (يا أيها الذين آمنوا) أنا فيهم أو لا؟ ( يا أيها الذين كفرا) أنا فيهم أو لا؟ وليس من شيء آخر.
هذا النداء هذا العنوان هو قاعدة الجزاء هو موضوع الجزاء، كل ما عداه أنت لست مسئولاً عنه، أنت مسئول عن إيمان وكفر، إيمان بمقتضياته، وكفر بمقتضياته، إيمان بما يقوم عليه من نية وعمل، وكفر بما يقوم عليه من نية وعمل، والكفر لا يفرز إلا قبيحا، والإيمان لا يترشَّح عنه إلا الحسن، و ذاتك إما حسنة بإيمانك وعملك الصالح، أو قبيحة بكفرك -أعاذك الله- وعملك الطالح.
(يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها الذين كفروا) كل عباد الله من جن وإنس داخلون في هذا النداء أو ذاك. فخذ صفك يا أخي خذ جبهتك. هؤلاء الذين في المسجد الآن وأنا واحد منكم لنحرص على أن تنتهي بنا الحياة ونحن آحاد ممن يدخلون تحت نداء ( يا أيها الذين آمنوا) ولنحذر عن أن تنتهي بنا الحياة ونحن مصاديق داخلون تحت نداء (يا أيها الذين كفروا) فمأوى الذين كفروا النار، ومأوى الذين آمنوا الجنة .
“ان أحبكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملاً، وان أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم في ما عند الله رغبة” عن فروع الكافي ج 8 ص 68 عن زين العابدين، نيتك إلى أين؟ عملك الصالح وراءه أي خلفية من النية؟ نية تتجه إلى الله الكامل؟ أو نية تنحدر إلى الأرض؟ العمل الذي من شأنه أن يكون صالحاً زكاة كان أو صوماً أو حجاً أو جهاداً، إذا كانت الخلفية والدافع وراءه من نية السوء انحدر بصاحبه إلى الأرض، ولم يتجه به إلى الله سبحانه وتعالى. العمل الذي يتجه بصاحبه على طريق الله ويرفعه، هو عمل له قابلية وشأنية الصلاح، وأن تكون وراءه نية حسنة.
“كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار” فاجر روحيته فاسدة، قلبه موبوء، نيته رديئة لو مكث في الأرض الأبد لما كان إلا سيئاً، لما كان إلاّ مفسدا، هذا الفاجر كيف يستفيد من مرتبة الأبرار؟ المسألة ليست مسألة جزاءات اعتبارية، مسألة موضوع وحكم بينهما علاقة تكوينية. ذات راقية ترقى نعمها، تستطيع أن تستفيد من النعمة الراقية، تستطيع أن تعيش الهناءة الحقيقية. ذات ساقطة لا يعرف صاحبها كل حياته إلا لذة إلا لذة الحشرات؛ كيف لهذه الذات أن تهنأ بما يهنأ به ملائكة الله ورسله، ممكن!؟ أدخل غنمة مدرسة روحية ممكن لها أن تتلذذ بدروس الروح والمعارف الإلهية؟ لا لماذا؟ لأنها لا تملك الذات القابلة، والذين أسقطوا قيمة ذواتهم في الحياة الدنيا سيخرجون بنفس هذه الذوات التي سقطت قيمتها، فكيف لهم أن يعيشوا حالة الجنة، وأن يعيشوا أجواء الجنة، ويستفيدوا من أجواء الجنة؟!
“كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الفجار منازل الأبرار – ذواتهم لا تقبل تكويناً أن تنزل منازل الأبرار الرفيعة، وكذلك لا ينزلون تلك المنازل بحكم الله وتقديره وحكمته. وتتمة الحديث “فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم ورد على أهله” الكنز 43677
نتعلم من الحديث بتمامه أنّ:
1. كل العناوين والخلفيات لا تمثل يوم الجزاء شيئاً فموضوعه واحد فقط، والنداء بالذين آمنوا، والذين كفروا إعلان بسقوط القيم الدنيوية في التقديم والتأخير والجزاء. أساس الجزاء أصلاً هو العمل، وتفاوت المراتب راجع إلى العمل. وقيمة العمل الصالح في نيته الصالحة، والنية الصالحة لا تكون إلاّ حيث يكون متعلّقها صالحا، إذا كان الإنسان على علم والتفات.
2. الفجور أرضية وضيعة لا تؤهل للمنازل الكبيرة والنعم العظيمة، والبر مرتبة رفيعة وأهليتها للنعم الكبيرة عالية ومتوفرة. وطريق النار لا تكذب أصحابها، وطريق الجنة لا تكذب أصحابها فسالك طريق النار، هذا الطريق لا يعدل به عن النار إلى الجنة، وسالك طريق الجنة طريقه لا يعدل به عن الجنة إلى النار. ولكل امرئ غاية ينتهي به طريقه إليها، وله أهل يجد نفسه غداً فيهم إذا سلكها، وهم إمّا أهل جنة واما أهل النار.
اللهم صلّ وسلم على محمد وآل محمد واسلك بنا إليك، وأخلص نياتنا لك، وارفعنا بالعمل الصالح والنية الحسنة عندك واجعل أهلنا يوم نلقاك الزمرة التي تحف بمحمد وآل محمد، ومأوانا مأواهم ومنقلبنا منقلبهم يا كريم واغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين ومن كان له حق خاص علينا منهم يا جزيل العطاء يا رحمن يا رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى سيصلى ناراً ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد)
الخطبة الثانية
الحمد لله بجميع محامده كلِّها على نعمه الجليلة كلها، له الأسماء الحسنى، وله الآخرة والأولى، أحاط بكلّ شيء علما، ووسع كلّ شيء رحمة ونَعماء. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، أجزل به النعم، ودفع به النقم، صلى الله عليه وآله قادة العرب والعَجَم.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله العليِّ العظيم الذي لا نجاة بعمل – وإن صلح في ظاهره – بغير تقواه، ولا ينفع أحداَ رضى الخلق من دون رضاه، وأن نكون من هوى النفس على حذر، ومن هواها هذا الحبُّ المسرف في الظهور، ونيلِ موافقة النَّاس، والنظرُ إلى رضى المخلوق قبل النظر إلى رضا الخالق.
اللهم اجعل همَّنا رضاك، وسعينا إليك، وأخذنا بدينك، وتعبُّدَنا بحُكمك. اللهمّ صلّ وسلّم على رحمتك في العالمين عبدك الحقّ، ورسولك المصطفى محمد وآله الطاهرين. اللهمّ صلِّ وسلّم على إمام المحراب، والشديد في الجهاد، عبدك المرتضى علي بن أبي طالب أبي الأئمة الأمجاد. اللهمّ صلّ وسلّم على كريمة رسولك، وزوج وليّك الطاهرة التقية، فاطمة الزهراء الزكيّة. اللهمّ صلّ وسلّم على سبطي الرسول، وقرة عين البتول الإمامين الزكيين الحسن بن علي وأخيه الحسين. اللهمّ صلّ وسلّم على بدور الدُجى، وأعلام الهدى، وأئمة الورى علي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري معادن العلم والتقوى. اللهمّ صلّ وسلّم على الرحمة من السماء، والأمان للأرض، والمنقذ من البلوى، سيد أهل التقوى، المرتضى والمؤتمن، إمام العصر محمد بن الحسن. اللهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه والمُمْ به شعث المؤمنين، وارتُقْ فتقهم، وحقّق في الحق وحدتهم، وأخرجهم إلى العزِّ من ذلِّتهم يا قويّ يا عزيز.
اللهم عبدك الممهّد لوليك، المقتدي به، السائر على هداه أوله من رعايتك وكفايتك وكِلاءتك ما يكفيه ويحميه ويسدّده، ومن تأييدك ومددك ما يعزّه وينصره ويعلي قدره ويرفع شأنه، اللهمّ وانصر وأيّد وسدّد فقهاء الأمة من أهل الإيمان والصلاح، والمجاهدين في سبيلك يا علي يا عظيم يا رحمن يا رحيم.
أمّا بعد فالحديث يتناول عدداَ من المحاور:-
أولاً: إنّ النظام العالمي اليوم وهو يطرح قضية الأمن العالمي والسلام العالمي ليسلك عن علم وعمد الدرب الذي ينتهي بالعالم إلى الفوضى الشاملة، والتمزق والرعب في كلّ الأرض. فإنّ طالب الأمن والسلم لا يسلك إلا طريق الحقّ والعدل والإخاء والمساواة، وإذا جازت الحرب طريقاً إلى السلم والاستقرار فإنما هي الحرب التي تعترف بالخلُق القويم، والقيم الرفيعة، وحقّ الشعوب في العزّة والكرامة والحرية الراقية، وفي الاستفادة من ثرواتها وإمكاناتها مما يصلحها ويراعي مصلحتها ومصلحة العالم، وفي تسيير شؤونها على يد الأكفاء المخلصين من أبنائها لا على يد العملاء للغازي المستغل المستعبد المعادي لمصلحة الأمة وكرامتها وتقدمها.
أما الحروب التدميرية التي تستهدف حرق الأخضر واليابس وتصفية الشعوب تصفية جسدية ومعنوية ووضع اليد الباغية على مقدُرات الأمة ومقدّراتها وبدون حساب للقيم فلا يمكن أن تقود هذا العالم إلا إلى الهاوية، ولا أن تنتهي به إلا إلى الرعب الشامل.
وهذه إسرائيل العدوانية لم تستطع ولن تستطيع آلة القمع العملاقة التي تفتك فاعليتها الهائلة بالشعب المسلم في فلسطين أن توفر لها الأمن في يوم من الأيام، وهذه هي أمريكا وجبهتها المتغطرسة في أفغانستان تعلمها الأيام أنّ الشعوب لا يركِّعها الحديد والنار ما دامت صحوة وشعور بالعزة والكرامة. وعلى الشعوب أن تتمسك بالشعور بالعزة والكرامة فإنه مادام لها هذا الشعور فإنّ باب النصر مفتوح، وإذا ذهب منها هذا الشعور انسدّت كلّ أبواب النصر وانفتحت كلّ أبواب الهزيمة.
ونصيب كلِّ بلد وكل دولة في هذا العالم هو الفوضى وعدم الاستقرار والاقتتال والرعب المشترك إذا اختار سياسة البطش والسحق، وألغى قيم الحق والعدل والإخاء والمساواة في تعامله مع الآخرين في الداخل أو الخارج. إنه ينبغي التأكيد والتذكير والتذكُّر بأن السلام والأمن والتقدم في العدل لا الحرب، وفي سياسة الإخاء لا سياسة العداوة. هناك أمران ينتهيان بالبلدان إلى الفوضى: أن تحاربني علناً، أن تمكر بي سرّاً.
ثانياَ: سيبدأ نشاط قوافل الزيارة والسياحة قريباً وقد صارت هذه القوافل ذات عائد سيء من ناحية أخلاقية في عدد من حالاتها. ومن حق المجتمع أن يطالب مسئولي القوافل باعتماد شروط واتخاذ ضمانات واحتياطات وإجراءات كافية للحفاظ على الناحية الخلقية، وإيقاف هذا العائد السيئ عن مواصلة تعكيره للمناخات الإيمانية والخلقية في البلد، والتي تتعرض لكثير من التلوث والتسمم، شأنها في ذلك شأن أي بلد إسلامي آخر، إذ كلّ البلاد الإسلاميَّة مستهدفة عملاَ بالتخريب والتغريب.
وإنّ الأهل من آباء وأمهات وإخوان وأقارب ليتحملون جميعاً مسؤولية الأبناء والبنات والزوجات من استغلال المتصيدين من لا يهمهم الفتك بالمجتمعات إذا التقى ذلك ومآربهم الدنيئة. إنّ سفر كثير من الفتيات والنساء من غير محرم من شأنه أن يسبب مشكلات عملية لا تخفى، وإنّ المحرم الذي يكون برفقة محارمه من النساء إذا كان في وادٍ وهن في واد آخر حالة السفر كانت هذه الرفقة وجودها وعدمها يكاد يكونان سواء. ويتحمل العلماء دوراً أيضاً ليس في التبليغ والتبصير والتذكير فقط وإنما في إيقاف أيّ رئيس قافلة يُعرف عنه الاستغلال السيئ وأيّ مرشد يسيء إلى علمية الإرشاد.
ثالثاً: لقد انفتح الباب على مصراعيه للمجمعيات المهنية وغداً ربما انفتح كذلك للنقابات وهذه الجمعيات يتسابق على شغل مواقع القرار فيها وعلى تكثيف الوجود وزيادة العدد المؤثر على سياستها مختلف الاتجاهات والتوجهات غير الإسلامية.
ويقف الإسلاميون – مع الأسف الشديد – إزاء هذا الواقع موقف اللامسؤول وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، بينما تمثل حالة التخلي عن المسؤولية في هذا المجال خطراً بالغاً جدّاً حيث يستعان بهذه المؤسسات عند انحرافها على تنفيذ كثير من المشاريع الضارة والسياسات المنحرفة، وستستغل معامل لتفريخ جيل متنكر لقيم الإسلام ومفاهيمه وتعاليمه وحتى على مستوى ركائزه الأساس. وهناك من الجمعيات التي يمثل قطاعها قطاعاً واسعاً جداً يبلغ خمسة وعشرين ألفاً أو يزيدون، الجمعية في هذا الحقل أعضاؤها لا تزيد على المئات.
إنها المسؤولية الإسلامية الواضحة التي تفرض نفسها على من يهمه أمر الإسلام من طالب ومعلم ومهندس وطبيب وعامل وغيرهم، وتقضي عليه باللحاق الهادف بهذه الجمعيات والمؤسسات لأداء دوره الفاعل النافع في خدمة وطنه، وبنائه البناء السليم الذي يحافظ على ركائز هذا المجتمع المؤمن واخلاقيته وقيمه الإسلامية الرفيعة.
فكيف يختار مسلم غيور أن يقف متفرجاً من صناعة الحاضر والمستقبل لبلد من بلدان الإسلام ووطن عزيز من الوطن الإسلامي الكبير بطرق وأهداف مستوردة يؤمن بها هذا الاتجاه أو ذاك من الاتجاهات المتغربة لتنفصل بالوطن عن الإسلام، وتجند أبناء الإسلام ضده بينما يمكن لهذا المسلم المتفرج أن يدخل على الخطِّ ليقوِّم ويرشِّد بل ويقود؟!
رابعاً: كلمات نقلتها مجلة الحياة حرفياً فيما يظهر لوزير الإعلام في البحرين، بشأن الجنسية المزدوجة في بلداننا الخليجية الشقيقة وهو يظهر وحدويّا جداً، وداعية بحرارة جداً إلى الوحدة، رامياً لآخرين بمعاداتهم للوحدة من منطلقات انعزالية وترتبط بأفكار خارجية عن توجهات الخليج العربي كما يذكر. انظر (الأحد_5 ربيع الثاني 1423هـ _ العدد14332) وفيما يتعلق بهذا الأمر تطرح كلمات تنظر إلى جملة ما نقلته الحياة في عددها المذكور عن الوزير المسئول:
1. إن الوحدة الخليجية، والوحدة العربية، والوحدة الإسلامية الكبرى في ظل قيم الأمة وعلى خط دينها مطلب كل الشعوب الإسلامية، وما يمنع من هذه الوحدة بركائزها الإسلامية الثابتة إنما هو اختلاف المصالح السياسيَّة للأنظمة الحاكمة، وليس التهافت بين مصالح الشعوب. ولكنّ هذا شيء، وأن يصوّت شعب على مصير شعب آخر لا يعيش معاناته، ولا ينكوي بمشكلاته وإنما يحمل جنسية اسمية فقط شيء آخر. فإن هذه الجنسية الاسمية ستسمح لعدد هائل من شعب أن يصوّت عن طريق سفارة دولة أخرى في بلده على مصير أبناء تلك الدولة. وإن لم يحضر يوما واحدا من بعد أخذ الجنسية إلى تلك البلد. والضوابط التي تمنع من قانونية هذا الفرض وأشباهه غير مضمونة. وقانون الجنسية خضع قبلُ للتعديل الذي يخدم أغراضاً انتخابية مشابهة كما هو معلوم.
2. من المؤسف أنه يحدث في بعض الحالات للأنظمة الرسمية أن تعرقل الخطوة الوحدوية بين المسلمين داخل الشعب الواحد فضلاً عن أن تكون بين شعبين، وذلك بدافع الحسابات السياسية المعينة. ومن هنا يعذر من يشكك في جدّية التوجهات الوحدوية الرسمية وصدق شعاراتها وحرصها على مصالح الشعوب المشتركة. وهو هنا يحتاج إلى تطمينات كافية.
3. يصعب على المواطن الخليجي وهو يقف عند حدود البلد الآخر من البلدان الخليجيَّة قبل أن يُسمح له بالدخول أكثر مما يقف غير العربي وغير المسلم أن يطمئن بأن شعار الوحدة لتوحيد الشعوب وخدمة مصالحها المشتركة. وتقدميّة الشِعار وسلامته الظاهرية لا تعني بالضرورة تقدمية المضمون وسلامته، والشعار يدرس دائماً في ضوء سياقات الواقع واقتراناته المكانية والزمانية والحدثية ومؤشرات الخارج.
4. إلى زمان قريب كان يذكر على ألسنة عدد من المواطنين أن اتفاقاً رسميا شفهياً على الأقل كان يمنع من مساواة الأجور بين المواطن الخليجي الذي يعمل في بلد من البلدان الخليجية من غير بلده وأجور المواطنين لذلك البلد، فكيف لهؤلاء أن يصدّقوا بأن شعار الوحدة يستهدف تحقيق مصالحهم؟!
5. كان الأنسب بوزير الإعلام أن يتعرض لقانون الجنسية الحالي وما سيطرأ عليه من تغييرات إلى جنب القبول بازدواج الجنسية الأمر الذي كان ممنوعاً. ويثور هنا سؤال: (سؤال لوزير الإعلام وهو يسجل الخيانة ويسجل الشعور المعادي للوحدة الخليجية على من يناقش مسألة ازدواج الجنسية، هنا يتوجه إليه سؤال) هل كانت الأنظمة الرسمية يا وزير الإعلام عندما لم تكن تقبل ازدواج الجنسية – قبل أيام فقط – رافضة للوحدة وساعية إلى زعزعة كل توجه نحوها وهي كما تعتقد أنت منطلقات انعزالية، وترتبط بأفكار خارجة عن توجهات الخليج العربي كما حكمت بذلك على من يبدي وجهة نظر في مسألة ازدواج الجنسية؟ وهل لم تبرأ الأنظمة من كل هذه العيوب الخطيرة إلا قبل أيام فقط؟! هذه بعض الملاحظات على عبارات قليلة جداً نقلتها تلك المجلة.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد ووحّد قلوب المسلمين على التقوى، وصفوفهم على البر والعمل الصالح، وأصلح لنا شأننا كله، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، ولوالدينا وأرحامنا، ومن كان له حقٌّ خاص علينا من أهل الإيمان والإسلام يا رحيم يا رحمن.
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} النحل (90).