خطبة الجمعة (59) 4 ربيع الأول 1423هـ – 17-5-2002م

مواضيع الخطبة:

الإسلام والمرأة (1)-انتخابات المجالس البلدية

يقرأ النَّاس كتابات تقول في وقت أن الكلّ مسلمون ومواطنون ثم يطفح الهلع في أجواء الصحافة لنجاح بعض هؤلاء المسلمين المواطنيين ، وكأن البحرين سيأتي عليها زلزال مدمر ، أو سيبتلعها عدو شرس بنجاح هؤلاء .

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جلّت عظمته، وتنزّهت أسماؤه، وعظمت آلاؤه، وعمّت نعمه، الحمد لله مصدر الخير كلّه، الحمد لله أهل الحمد، وكلّ الحمد راجع إليه. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله التي تنقذ من السوء، وتحمي من السقوط، وتُعلي القدْر، وتُعظم الأجر، وتقتلع الشرور، وتذهب بالغرور، وبها تأمن السبل، وتُحفظ الأعراض، وتحترم الأموال، وتُصان الحرمات، ويُنال خيرٍ الدنيا والآخرة.
وتمام التقوى بأمرين: بالانفصال عن أعداء الله قلباً وعملاً، والاستسلام لمنهج الله كَملا “يا أيّها النبيّ اتقّ الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إنّ الله كان عليماً حكيماً. واتبع ما يُوحى إليك من ربّك إنّ الله كان بما تعملون خبيراً” 1-2 /الأحزاب. ولا يكبر الصمودُ والمعاندةُ لرغبة الكفّار والمنافقين في استسلام المؤمن وانقياده لحاكمية الهوى فيهم على إرادة من كان على الله توكّله، وبه ثقته “وتوكّل على الله وكفى به وكيلاً” 3/الأحزاب.

أما بعد فكثيراً ما يُسأل عن موقف الإسلام من المرأة، والإسلام من بعد أساسه العقيدي فيه رؤى ومفاهيم، وتشريعات وآداب وتوجيهات وتربية وإعداد. وتشريعه في ما يتصل بأي موضوع من الموضوعات الرئيسة يسبقه تقديم رؤية دقيقة وافية عن ذلك الموضوع، وإعطاءُ النّاس التصورَ الذي يُريهم من حقيقة ذلك الموضوع ما يستطيعون، ويقرّبُهم إلى فهمه قدر ما تتسع له مداركهم.
والمرأة والرجل موضوع واحد مشترك للأحكام التشريعية التي تنظم حياة الإنسان وتعدّه إعداداً ربّانياً حكيماً لبلوغ غايته حيث إن كلاً منهما حصّة من حقيقة واحدة هي حقيقة الإنسان. ولذلك يأخذ الفقهاء المسلمون بقاعدة الاشتراك في الأحكام بين الرجل والمرأة إلا ما قام الدليل على خلافه. فخطابات الشريعة وتكاليفها محمولة عندهم قاعدة على أنها خطابات لكلّ من الرجل والمرأة. وهذه الخطابات المشتركة تقوم على أساس من الحقيقة المشتركة بينهما وهي إنسانية الإنسان.
وتجد وفرةً من النصوص قرآناً وسنّةً في موضوع الإنسان وتقديم تصور إسلامي واضح عنه. وتعطي المطالعة لكلّ من التصور الإسلامي للإنسان، والأحكام التشريعية المتعلّقة به صورة جليّة عن التناسب الدقيق بين ما هو التصور الإسلامي لهذا الكائن، وبين الأحكام المتمشيّة مع مسار هذا التصور.
وإذا كانت القاعدة في المرأة والرجل هي الاشتراك في الأحكام للاشتراك في الإنسانية فإنّه يوجد من بين الأحكام وهو قليل ما يخصّ الرجل وحده، أو يخصّ المرأة وحدها، ووراء هذا الإختلاف، اختلاف بين الإثنين لا يمسّ جوهر إنسانيّتهما ولا ينال من قيمة هذا أو ذاك في ما هو المهم من واقعهما الكبير وهو تلك الإنسانية نفسها.
وكما يقدّم الإسلام رؤية واضحة للإنسان بما هو إنسان رجلاً كان أو امرأة ليدلّ على طبيعة هذا الكائن، وطبيعة الأحكام التي تتسّق مع واقعه؛ يقدَّم تصوُّراً لطبيعة المرأة التي قد شكّكت حضارات وأمم في حقيقتها، وأنّها إنسان أو لا، وإذا كانت إنساناً فهي متوفرة على إنسانية كاملة كالرجل أو أنّ إنسانيتها ناقصة مما يجعلها في المرتبة الثانية من الإنسان. (1).
وتركز النصوص القرآنية على اتحاد المرأة والرجل في حقيقتهما الواحدة وأنّهما من مستوى واحد في هذه الحقيقة، وقيمتُهما من هذه الجهة لا تتأثر بفارق الذكورة والأنوثة، وأنّ السبْق في المضمار الإنساني على المستوى الفعلي كما يمكن أن يكون للرجل بالقياس إلى المرأة، يمكن أن يكون للمرأة بالقياس إلى الرجل، بعد أن كان التأهيل لذات كلٍّ منهما بحسب الفطرة وبفيض الله سبحانه يُعطي قابلية هذا السبق لهذا أو ذاك.
ويلوّن فارق الذكورة والأنوثة الاستعداد والتناسب بين كلّ من الرجل والمرأة والدور الوظيفي في بعض المجالات بحسب ما عليه تكوينهما من حيث هذا البعد السطحي الذي لا يلامس عمق ما هو إنسانيتهما الواحدة.
وبهذا يتوقع طبيعيّاً ومنطقياً من التشريع الاسلامي أن تكون القاعدة فيه الاشتراك في الأحكام بين الرجل والمرأة، مع الاختصاص الوظيفي في بعض الموارد.
ودراسة أيّ تشريع في دَّقته وقيمته لا يمكن أن تكون صحيحة إلا في ضوء ملاحظته بالقياس إلى عدد من الأبعاد؛ وهذا بالنسبة للأنظمة التشريعية التي تنطلق من نظرة كونية محدّدة، وتحديدات للموضوعات الرئيسة المتّصلة بعملية التشريع كموضوع الإنسان، والحياة والآخرة، والفرد، والمجتمع، والحرية المطلقة للإنسان وسيادته الكاملة على نفسه، والهدف من هذه الحياة ، وما هو المهم والأهم في الإنسان. (2)
والمثل الحي لهذا النوع من الأنظمة التشريعية هو النظام التشريعي الاسلامي. وأما الأنظمة التشريعية السطحية السائدة فهي تتجاوز كثيراً من هذه الأسئلة، وتشتغل بملاحظة الحالة السطحية لواقع الاجتماع في مقطع زمني قصير المدى، وتهدف إلى ضبط العلاقات الاجتماعية بما يتناسب مع هذا الواقع أو بما يتماشى مع رغبة مصادر الحكم في المجتمعات، وتستند إلى الأعراف الغالبة ودساتير مختلفة لم تقم على نظرة كونية متكاملة.

إنّ التأصيل للتشريع بنظرة فلسفية للكون والحياة والآخرة والإنسان والهدف الأقصى له، ومدى سيادته على نفسه، وما يمكن أن تناله معرفته، ومدى حاجاته، وما عليه خصائص ذاته إما أن يكون مهملاً تماماً عند المشرّع الأرضي وإمّا منقوصاً، أو مضطرباً، أو مستعاراً من هنا وهناك، وهو في كلّ الأحوال لا يمكن أن يمتلك الدقّة والاستيعاب والمعرفة الصائبة بالكامل من إنسان علمه محدود متغيّر لا يثبت على حال.
أما خالق الكون والإنسان فهو خبير بما أبدعته يداه، محيط علماً بكلّ ما خلق، فتشريعاته لا يتخلّلها قصور ولا نقص على أيّ مستوى من المستويات. (3)
وإنّ القرآن الكريم والسنة المطهَّرة يسبق فيهما التشريع للإنسان تقديمُ تصوّر متكامل عن تكوينه ودوافعه وهواجسه وقواه، وواقع الحياة الدنيا التي يعيشها، وطبيعة الآخرة التي يستقبلها، والهدف الذي كان من أجله الإنسان، وكانت من أجله الحياة، وكلّ ذلك معلوم لله سبحانه على حقيقته بما لا يتوفّر للإنسان ولا لأيّ مخلوق آخر. وتأتي التشريعات الإلهية لهذا المخلوق متناسبة مع الحجم الحقيقي لهذه الأمور وغيرها مما له دخل في موضوع التشريع، وما تهدف إليه تربية الإنسان مما تدعو إليه فطرته ويحقّق سعادته. فالتشريع الإلهي مقاس على قدْر الإنسان وطاقاته وحاجاته واستعداداته وغايته. (4)
ويتحدث المصدران الإسلاميان العظيمان الكتاب والسنة عن المرأة الإنسان، ويقدّمان عنها تصوراً يؤكّد على اخوّتها للرجل، والتقائها معه في أصل واحد وحقيقة واحدة، وعلى قيمتهما المشتركة تعزيزاً لموقعها الإنساني في المجتمع الذي يعمل على صياغته، ودفعاً لتوهم الفارق في الحقيقة حين يختلف الدور الوظيفي بين الاثنين في بعض الموارد مما يقتضيه الفرق بين طبيعة الذكورة والأنوثة، وهو أمر آخر لا علاقة له بمستوى إنسانية الإنسان، وإنما هو من باب التفاوتات الحاصلة في صفّ الرجال نفسه، أو في صفّ النساء نفسه مما يفاوت بين رجل وأخر، وامرأة وأخرى في تفصيلات الأدوار الوظيفية المختلفة.
أصل واحد:-
نقرأ هذه الآيات الكريمة في انطلاق الرجل والمرأة من أصل واحد من حيث التكوين “يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبير” 13/الحجرات. (5).

فأنتم أخوة من حقيقة واحدة، وأصل واحد، وانقسامكم إلى ذكر وأنثى وتعدُّدكم شعوباً وقبائل لا للفُرقة والتناحر، وإنما للتعارف والتكامل (6). أما القيمة الفعلية من الناحية الأهم ومن حيث المعنى الكبير والانسانية الواحدة للذكر والأنثى، لهذا الشعب أو ذاك، لهذه الأمة أو تلك، لهذا الفرد أو لأخيه الفرد الآخرفميزانها التقوى ومدى الانشداد إلى الله وتكوينُ الشخصية في ضوء أسمائه الحسنى.
“والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً” 72/النحل.
أزواج الرجال من النساء، وأزواج النساء من الرجال ليست من طبيعتين مختلفتين من حيث الإنسانية وعدمها، أو من مرتبتين مرتبة إنسانية كاملة، وأخرى ناقصة، إنهما ذكر وأنثى من مرتبة إنسانية واحدة بتأهيل يهيؤهما لاختصاصين وظيفيين متكاملين، تحتاجهما حياتهما وتصان بها مصلحة إنسانيتهما.
“فَجَعَلَ منه الزوجين الذكر والأنثى” 39/ القيامة.
فالأصل الواحد، والذكورة والأنوثة، كلّ ذلك من أجل زوجية مترابطة متكاملة ينجذب فيها كلّ طرف إلى الآخر من موقع الفطرة والتكوين، ومن منطلق الحقيقة الجامعة، وحاجة كلّ شطر فيها إلى الآخر.
ويقوم على هذا الاتحاد في الأصل والإنسانية حكم الإسلام بالاشتراك في المسؤولية والتكليف في المساحة الواسعة من فعل الرجل والمرأة، والمساواةُ في الجزاء مثوبة وعقوبة كما يشهد بذلك النظام التشريعي والجزائي في الإسلام في عموم مواردهما إلا ما استثني مما هو قليل جدّاً وله فلسفته الخاصة به، والنابعة من طبيعة الذكورة والأنوثة، والدور الوظيفي المناسب لكلّ منهما، وما يقتضيه هذا الدور. فمن حيث التكاليف يشترك الاثنان في كلّ الواجبات والمحرّمات ويختص الرجل بالتكليف في مورد الجهاد الابتدائي، ومن حيث الجزاء في المورد الذي تقطع فيه يد أحدهما تقطع يد الآخر لو ارتكب ماارتكبه صاحبه، وكذا مورد الجلد والرجم وكلّ الحدود والقصاص، وفي مورد تقتل فيه المرأة الرجل يقتص منه قتلاً إذا دفع أهلها نصف ديته. وهنا اختلاف بين الاثنين مرجعه ليس الاختلاف في الانسانية التي لا تشترى بمال أبداً، وإنما قد يكون مرجعه الاختلاف في القوة النوعية الانتاجية، وفارق التكاليف المالية التي أُنيطت بالرجل دون المرأة في نظام الأسرة في الاسلام.
اللهم صلّ على محمّد وآل محمد وافعل بنا ما أنت أهله وتولّنا برحمتك وارزقنا عافيتك ومغفرتك واغفر لإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولوالدينا وأرحامنا ومن له حقّ خاص علينا يا رحيم يا كريم.
“بسم الله الرحمن الرحيم.
(والعصر إنّ الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر)”

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا تغيّره الدهور ، ولا تشتبه عليه الأمور . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . كلّ قويّ أمامه ضعيف ، وكل غني أمامه فقير ، وكلّ عزيز عند عزّه ذليل . فوق كل شيء ، وليس فوقه شيء ، ولا مثله شيء ، وهو العليّ العظيم . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، نبي لا نبي بعده ، ورسولٌ لا رسول يخلفه صلى الله عليه وآله وزادهم شرفاً وكرامةً ، ورفعهم درجة ومقاماً .
عباد الله ألا فاتقوا الله ، وكونوا من غضبه على حذر ، وفي رحمته على طمع . وأقيموا للعمر وزنه ، وللأيام قيمتها ، فإن في كلّ نَفَس رصيداً ضخماً ، وفي كل ثانية فرصة كبيرة لمن وظّف وقته في طاعة الله ، وطلب بدقات قلبه علوّ الدرجات عنده ، وأعرض عن جهل الجاهل ، وسفه السفيه منصرفاً بوجهه إلى سبيل الله ، ميّمماً صوب رحمته ، راغباً في ما وعد به الصالحين من عباده . ألا وإنّ للمؤمن حرمة لا يهتكها إلا فاجراً أو جاهل ، فلنرع حرمات المؤمنين قولاً وعملاً ، ولا نعرض لحرمة مؤمن أو مؤمنة بسوء أو عدوان . ولتكن من صيانتك لعرضك صيانتك لعرض أخيك ، وليكن من دفاعك عن شرفك دفاعك عن شرفه . ولتعفّ عن أعراض الآخرين ليعفّ الآخرون عن عرضك ، ومقتضى أخوة الإيمان الحماية والنصر ، لا الهتك والفتك ، و لا اللامبالاة والتخلي .
اللهم صلّ وسلّم على المصطفى الأمجد ، عبدك ورسولك أبي القاسم محمد . اللهم صلّ وسلّم على إمام المتقين علي امير المؤمنين وأول الوصيين . اللهم صل وسلم على الهادية المهدية ، الرشيدة الرضية ، فاطمة الزكية . اللهم صل وسلم على سبطي الرسول ، وقرة عين البتول الحسن الزكي والحسين الشهيد ابني سيف الله المسلول . اللهم صلّ وسلم على القادة الأولياء والأئمة الأصفياء علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن عليّ الجواد وعليّ بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري العابدين الأتقياء .
اللهم صلّ وسلم على إمام العصر ، والمبشر بالنصر ، المقوض للظلم ، المقيم للعدل ، الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المنتظر . اللهم أرنا طلعته الرشيدة ، واقم فينا دولته المجيدة ، وأشركنا في أمره ، واجعلنا من المرضيين عنده . اللهم عجّل فرجه وسهل مخرجه يا كريم .
اللهم انصر ناصره وايده وسدده ووفقه لخير العمل ، واهده أقوم السبل ، وانصر وأيد وسدد جميع فقهاء الإسلام لما تحب وترضى وادفع عنهم وعن المجاهدين عن حمى دينك وساحة شريعتك ، والمدافعين عن ثغور بلاد الإسلام يا قوي يا شديد يا علي يا عظيم .

أما بعد فإنه لدواع مختلفة قد يجد الناس رغبة في الاطلاع على الكتابات الصحافية ، والمادة الصحافية قد يكثر فيها الضار ويقل النافع ، والمؤمن العاقل الذي لا يرضى لحياته أن تذهب سدى ، وأن تنفق في توافه الأمور وسطحيات الحياة التي يكثر فيها الزبد الجفاء ويقل منها ما ينفع الناس إنما يأخذ من الصحافة عند الحاجة بقدرها، دون أن يغنيه ذلك عن صناعة ذاته وصياغتها صناعة وصياغة فكرية رصينة ، روحية وخلقية قويمة .
وأن يتوفر على الخبرات الجيدة ، والمعارف البنّاءة ، ويستسقى من فكر القرآن وهدى السنة ما يعمق رؤيته للكون والإنسان والحياة ، ويبلور له حقيقة وجوده ، وحجم مسئوليته ، وسمو غايته ، وقيمة دوره ، وما يتحمله من أمانات ضخام يُسأل عنها بين يدي ربه العليّ القدير العزيز الجبار . ولن يُنجي أحدنا أن يتوفر على علوم أهل الدنيا كلها ويلقى ربه غداً جاهلاً بأمور دينه ، وما يصلح به نفسه ، ويصونه دينه ، وإن فطاحل علماء الأمة عندما تعاملوا مع الكنوز الثرة لثقافة القرآن والسنة وجدوا أنفسهم على عظمة مواهبهم وكثير ما أعطت أقلامهم الماهرة للأمة والانسانية جمعاء لم يستقوا من محيط هذه الثقافة إلا النزر القليل .
فإذا كان لك من المواهب الفكرية ، وصفاء الذهن ، وحدّة الذكاء حظ جيّد ، وكانت لك ارادة البحث ، والصبر على طريق المعرفة فلتشتغل بسد ثغرة مما تعانيه الساحة الإسلامية من فراغات من خلال إلتحامك بالثقافة القرآنية، والتعاطي معها بجد لترتفع بمستواك وتثرى قلمك وتشارك في إنقاذ أمتك .
وبتعّمقك في الثقافة الاسلاميّة وبنائك عقلية علميَّة مدققة سينكشف لك أين هو الزبد الجفاء وأين هو ما ينفع النّاس ممّا يدفع به إلى سوق القراءة من ملايين الكتب والمطبوعات ، وأنّ الحق دائماً في ما التقى مع ثقافة القرآن أو جاراها ، دون ما تصادم معها وعاداها.
وعن الأمور الجارية في الساحة المحليََّة مما يتصل بانتخابات المجالس البلدية توجد تساؤلات وملاحظات :-
1- لم توجد أيّ ضجة اعلامية على ما كان من التوزيع غير العادل للدوائر الانتخابية ؛ فحينذاك لا كلام عن العدالة والديمقراطية ولاهم يحزنون . والضجة كلّ الضجة عندما حقق عدد من المرشحين الاسلاميين فوزاً ما في الانتخابات … فكيف يفوز هؤلاء الاسلاميون في انتخابات تجري في باريس ، أو نيويورك ؟! (1) أليست الانتخابات في بلد الاسلام والإيمان ؟!
2- يقرأ النَّاس كتابات تقول في وقت أن الكلّ مسلمون ومواطنون ثم يطفح الهلع في أجواء الصحافة لنجاح بعض هؤلاء المسلمين المواطنيين ، وكأن البحرين سيأتي عليها زلزال مدمر ، أو سيبتلعها عدو شرس بنجاح هؤلاء . وكأن البحرين لا سلامة لها ولا أمن ولا تقدم إذا وصلت رائحة الإسلام بعض المواقع الصغيرة التي لا تتمتع باستقلالية القرار ولا تنظر في أمهات المسائل. (2)
3-يسألون لماذا لم يساعد الإسلاميون على انتخاب غيرهم ؟ ونسأل لماذا لم يساعد غيرهم على انتخابهم ، وطاردهم مطاردة ، وانزعج جداً من فوزهم ؟

4-مشاركة الاسلاميين في المجالس البلدية تعني بذل الرأي والجهد بإخلاص في بناء وطن الجمال والالتزام ، (3) والمحبة والإخاء ، والعدل والتعاون في الخير والمنفعة العامة . (4)
5-تجربة المجالس البلدية بدل أن تتحول إلى مادة إعلامية تشغل الساحة وتستقطبها عن هموم حقيقيَّة كثيرة تتصل بتقدم المواطن ورعاية إنسانه ، وبتقدم الأمة ورفعة شأنها ينبغي أن توفّر من الخدمات العامة ما ييسر حياة المواطنين ، ومن النظافة المادية للبيئة وجمالها الحلال ما يساعد على الصحة البدنية والراحة النفسية ، ومن النظافة المعنوية للمشاريع والخدمات ما يجعلها أدوات بناء لا هدم روحي ، واستباحة خلقية ، ومتاجرة بالقيم الكريمة والآداب الرفيعة .
اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمد وأدخلنا في كل خير أدخلت فيه محمداً وآل محمد ، وأخرجنا من كل سوء أخرجت منه محمداً وآل محمد واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وذوي الحقوق الخاصة علينا ولجميع أهل الإيمان الإسلام يا أرحم الراحمين وخير الغافرين .

{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} النحل/90

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حواشي الخطبة الأولى
(1)نعم، هناك حضارات بحثت هذا الأمر وقرّر بعضها أنّ المرأة ليست بإنسان، وقرّر الآخر بأنّ المرأة وإن كانت إنساناً إلا أنها من مرتبة دونية والرجل فوق مرتبتها. أما القرآن فهو غير ذلك.
(2)التشريعات الأصيلة يسبق فيها التشريع نظرة فلسفية للكون والحياة والإنسان، النظم التشريعية التي تحترم أنفسها لا تكتفي بالنظرة السطحية للواقع المعاش، وإنما لا بد أن تفرغ من قبل أن تبتدأ التشريع أو تلامس مساحته أيّ ملامسة من تأصيل نظرة كونية متجذرة تتناول الكون ابتداءه والكون انتهاءه، والإنسان وموقعه، والإنسان في هذه الدنيا وهل تستقبل الإنسان حياة أخرى؟، ما هي حقيقة الإنسان؟ ما طاقاته، ما مواهبه، ما هي استعداداته، ما هو الهدف المناسب له، أهو سيد مطلق في هذا الكون؟ أو أنه حر بحرية محدودة؟ ما لم يفرغ النظام التشريعي الأصيل من الأجوبة الحاسمة على كلّ هذه الأسئلة لا يعطي لنفسه حق التشريع للإنسان وأنتم تعرفون خفَّة كلّ الأنظمة التشريعية في الأرض التي لا تتناول هذه الأسئلة بجدية وبعضها قد يتلقى الأجوبة على هذه الأسئلة من فيلسوف يتغير رأيه يوماً بعد يوم. ودراسة أيّ تشريع في دقته وقيمته لا يمكن أن تكون صحيحة إلا بما ذكرنا.

(3)وأؤكد أن فهم الإنسان لفلسفة أحكام الله ليس مقياسا لصحة تلك الأحكام أساساً، لأنّ الأمر هكذا “وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.
(4)بالدقة بالكامل وبصورة مائة في المئائة.
(5)أنت يا أحمد، أنتِ يا زينب، أنت يا صنف أحمد أنتِ يا صنف زينب، خلقتم من ذكر وأنثى فأنتم من أصل واحد.
ليس أحمد وزينب فقط إنما زينب السوداء وزينب البيضاء وأحمد الأسود وأحمد الأبيض كلّكم جئتم من ذكر وأنثى.

6) وهي وظيفة انحرفت بها الحضارة المادية إلى درجة مائة وثمانين لتتخذ من اختلاف الناس إلى ذكر وأنثى وإلى شعوب وقبائل أداة تمزيق وتخريب وإفساد. فهناك حروب تثار باسم المرأة، و باسم العنصرية، وهناك حروب تثار باسم الوطنية، وباسم القبيلية، وكلها حروب لا يعترف بها الإسلام، وينظر إليها كاستغلال بشع جاهلي ترتكبه الحضارة الجاهلية لإقلاق حياة الإنسان، واستغلال الإنسان نفسه.ِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حواشي الخطبة الثانية
1.لأنّ المنامة في نظر هؤلاء هي نيويورك أو باريس.
2.حذار حذار من الإسلام، ونحن مسلمون، يرفعون عقيرتهم بأننا مسلمون ولا فرق بين مسلم ومسلم فما لكم تصنفوننا إلى إسلاميين وغير إسلاميين؟ ثم إذا ما أحسّوا بأن الإسلام يمتلك جزئيا موقعا صغيرا لا استقلالية للقرار فيه ولا ينظر في المسائل المهمة فزعوا وهلعوا، ولك أن تحكم على جديَّة مثل هذا الإسلام.
3.نحن نجمع بين الجمال والالتزام.
4.ولا لهدر القيم، ولا لإسقاط الأخلاق، ولا لفوضى الجنس، ولا للابتسار.

زر الذهاب إلى الأعلى