خطبة الجمعة (56) 13 صفر 1423هـ – 26-4-2002
مواضيع الخطبة:
الأجل في الإسلام – دور الناخب في الانتخابات البلدية
يا جماهير أمتنا المؤمنة أدخلي عنصر المقاطعة لكلّ ما يمكن من السلع الأمريكية والإسرائيلية سلاحاً في المعركة التي تستهدف هزيمة الأمة، وليشجعكم على ذلك كثيراً ما تحاوله إذاعة لندن وغيرها من التقليل من أهمية المقاطعة
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا تمتلئ أكف السائلين بالعطاء الجزيل إلاّ من عنده، ولا يردّ على المظلوم حقّه مثل عدله، ولا يروي ظمأ القلوب مثل معرفته، ولا يسكّن النفوس المضطربة مثل ذكره. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له ملك السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اصطفاه على عباده، وأكرمه برسالته، ورفع بخالص الطاعة له سبحانه درجته. صلى الله عليه وعلى آله وزادهم شرفاً ورفعهم مقاما.
عباد الله .. أوصيكم ونفسي التي ما برحت خاطئة مقصّرة بتقوى الله والجدّ في طاعته، والفرار الدائم من معصيته، والاشتغال بالنظر إلى الغاية، والسعي حثيثاً على طريقها، والاهتمام بالآخرة، وبذل الجهد المتصل في إعمارها، فإننا والموت على موعد يقين، وإننا غداً لمن المحاسبين، وان جهنم للعاصين بالمرصاد، والجنة تحتاج إلى زاد، وان خير الزاد التقوى.
أيها الأخوة المؤمنون والمؤمنات ..
لقد ذكّر الإسلام كثيراً بالآخرة، ونبّه بقوة على محدودية الأجل، وهو لا يريد بذلك أن يشلّ حركة الحياة أو يوقف مسيرتها، بل يبتغي من ذلك أن ينشّطها ويرشّدها، كما أنه لا يريد أن يخنق الأمل في نفس الإنسان، ويثير في داخله اليأس، وانما يستهدف أن يعدل بالنفوس عن الآمال الكاذبة التي لابد أن تنقلب إلى يأس، ويحي في داخلها صادق الأمل، والوعد غير المكذوب من وعد الآخرة، مِمَن لا يخلف وعده، ولا تتخلّف إرادته. ولا يريد الإسلام من تذكيره وتنبيهه على الأجل أن يشحن حياة الناس بالقلق المدمّر، والخوف المفزع، ولكنه يريد أن يواجههم بالحقيقة التي لابد منها، ولابد من الاستعداد لها ليوظّفوا حياتهم لغايتها، ويستثمروا حاضر وجودهم المنصرم لمستقبله الدائم. وانهم إن يغفلوا عن تلك الحقيقة، وينسوا الأجل، ويهملوا الآخرة ذهبت حياتهم سدى، واستقبلهم فيما بعدها البلاء. ولأن الإسلام لا يريد بتذكيره بالأجل أن تمرض النفوس يذكّر بقيمة الآخرة وأنها الحياة الحقيقية (وما هذه الحياة الدنيا إلاّ لهو ولعب وانّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) العنكبوت، وأن أهل الطاعة ينتقلون إليها من النصب إلى الراحة، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن الضيق إلى السعة. ولأنه لا يريد بهذا التذكير أن يحطّم الحياة، أو يعرقل مسيرتها أو يصرف عنها، يجعل ميدان السباق إلى الآخرة ونعيمها العمل الصالح في الدنيا، الذي يتناول كل خير مما ينفع الناس في الدنيا والدين، ويصلحهم من حيث الروح والبدن.
وتعالوا مع هذه النصوص في الموضوع:-
آجال متفاوتة :
2) (وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلاّ في كتاب) 11 فاطر
(وخلق الآجال فأطالها وقصّرها، وقدّمها وأخّرها، ووصل بالموت أسبابها) ميزان الحكمة ج1 ص 26.
واقع تفاوت الأعمار وألا يدري أحدنا أنّ يومه قريب أو بعيد يجعل الإنسان بين حذر وأمل، وهذا الحذر وذاك الأمل كل منهما للعمل حذرك يدفعك للعمل الصالح، أملك يستثير فيك النشاط لتبني لكن على طريق العمل الصالح، أملك في البقاء يرفع من همة العمل، ويزيد من قوة النشاط من غير أن تنسى الآخرة، لأن الدنيا مهما طالت فانها قصيرة، ولأنك معبأ بروح الإيمان في ظل التربية الإسلامية التي تشدّك دائماً الى ذكر الله سبحانه وتعالى، فأنت تعمل وتنشط في الدنيا ولكن على طريق بناء الآخرة، لا تبني قصراً إلا ما كان يبني لك في الآخرة قصرا، ولا تشيد بناءً الا بأن يشيد لك بناءً هناك، ولا تزرع هنا الا بأن يكون في هذا الزرع زرع للآخرة، هكذا هو المؤمن. هذا وكل خطوة حياة، خطوة في اتجاه الوفاة، وكل نفس وهو بقاء، يمثّل لحظة انقضاء (نفس المرء خطاه إلى أجله) المصدر السابق. كل نفس خطوة في اتجاه النهاية، فكل نفس يحمل قيمة، قيمة كبيرة، ووزناً ضخماً لو فكّر هذا الإنسان ولا يفرحنا أن يطول نفس إذا كان في ذات النفس لقاء جهنم.
لا تهلع ولا تجبن:
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجّلاً ) 45 آل عمران.
(كفى بالأجل حارساً)، (الأجل حصن حصين). فلا تصب بالرعدة ولا ترتجف وأنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ولا يعطّلك الخوف عن العمل الصالح، فان قدر أمرك، وقدر عمرك بيد الله سبحانه وتعالى، ولا راد لما قضى به الله سبحانه وتعالى، ولا قاضي بما لم يرد الله عزّ وجل.
من أجل الجدّ:
(من راقب أجله اغتنم مهله). الأجل العمر، والأجل نهاية العمر. هذا الأجل، هذا العمر، فسحة زمنية محدودة وهذه الفسحة الزمنية المحدودة منقسمة الى آجال ومهل صغيرة، كل نََفَس مهلة، وكل ساعة مهلة وكل يوم في العمر مهلة، وهذه المهل لايعود ما فات منها، والمطلوب أن نراقب الأجل أي نحسب حسابنا للأجل وأننا لسنا للبقاء وانما نحن للرحيل، فحين ندرك من أنفسنا ومن واقعنا أننا على طريق رحلة لا ندري بالضبط ماهو توقيتها، فهنا يزداد اهتمامنا بكل لحظة وبكل نفس وبكل يوم؛ لتعبأ مهلات العمر بما هو مفيد، وبما هو بنّاء، وبما يكسبك حياة السعادة الأبدية يوم أن ننقلب من هذه الحياة. وقد ننقلب من هذه الحياة على خسران مبين، وقد ننقلب مفلحين، فلا يفوتن أحدنا أن يبني حياته لكي لا ينقلب من هذه الحياة الا مفلحاً ناجحا.
أجلان:
(قضى أجلاً وأجل مسمىً عنده) 2 الأيتام.
في الرواية الأجل الذي غير مسمى، موقوف يقدّم منه ما شاء، ويؤخر منه ما شاء، وأمّا الأجل المسمّى فهو الذي ينزّل مما يريد أن يكون من ليلة القدر إلى مثلها من قابل، فذلك قول الله، (إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). أجل موقوف في تحديده على عمل صالح يكتسبه الفرد، أو عمل طالح تجنيه يداه، فمن جنت يداه عملآً طالحاً ربما قصّر عمره، ومن كسبت يداه عملاً صالحاً ربما مدّ بذلك في عمره، والحديث يقول: (يعيش الناس باحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم، فقد يكون العمر بلا الشرط هو عشرين سنة، والعمر بشرط العمل الصالح الخاص أربعين سنة. حين توفق لهذا العمل الخاص ينضاف الى رصيد عمرك عشرون سنة، وحين لا تفلح ولا توفق لهذا العمل يبقى الحدّ كما هو عشرين سنة، لأن شرط الامتداد مفقود، فالامتداد أيضاً يكون مفقوداً، فكثير من الأعمار التي تطول، تطول للعمل الصالح، وكثير من الأعمار التي تقصر، تقصر للعمل الطالح. من هذه الأعمال التي تطيل، صلة الرحم والصدقة، وقطيعة الرحم تبتر العمر، فهناك أعمال تمدّ في العمر، وهناك أعمال تنقص من العمر.”ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم” وللكلمة أيضاً معنىً آخر، يمكن أن تقصد اليه، وهو أن قيمة العمر في العمل الصالح. العمر وان قصر فهو كبير وضخم بالعمل الصالح، والعمر وان طال فهو تافه ووباء ووبال بالعمل الطالح. “يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم”؛ مئة وعشرون سنة، وينتهي صاحبها جيفة على مستوى البدن، وروحاً شيطانيةً سيئة على مستوى المعنى، وينقلب حجراً وقوداً في جهنم. عشرون سنة من العمر قد تكون شيئاً كبيراَ وذخراَ ثميناَ. عمر علي الأكبر، عمر القاسم، عمر المضحين المجاهدين في سبيل الله وان كان عمر الثمان عشرة، أو عمر الست عشرة فهو عمر كبير يحلّق بصاحبه بعيداً في الكمال، فإذاً يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم. قد أموت وأنا في الحياة، وقد أحيا بعد الممات، أو أبقى حياً بعد الممات. الشهيد يبقى حياًّ بعد الممات والطالحون الظالمون المسيئون الباغون يعيشون حالة من التصفية الروحية، يفقدون روحهم الإنسانية هنا في الحياة، صحيح أنهم أحياء ولكن على مستوى روح الحيوان، وفي الحقيقة أنهم أموات على مستوى المرتبة العليا من الروح؛ مرتبة الإنسان الكريم.
ونقرأ هذا الحديث في سبب من أسباب مدِّ العمر “بالصدقة تفسح الآجال.
عمر الأمم:
وكما للأفراد أعمار فان للأمم أعماراً، ولأعمار الأفراد أسباب في امتدادها أو قصرها، ولأعمار الأمم أسباب وعوامل حين تمتد أو تقصر كذلك، ولكل أجل كتاب هناك آجال محتومة، وهناك آجال مخرومة، هناك آجال ممدودة، هناك آجال منقوصة، (لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) 34 الأعراف، لن تبقى أمريكا، لن يبقى الاستكبار العالمي. حالة تداول، والتداول يقوم على أسباب موضوعية، تعطي القوة أو تعطي الضعف، فهذه الأمة المستهدفة اليوم -الأمة الاسلامية- تستطيع أن تكتسب الجولة، حين تبني نفسها وحين تأخذ بسنن الله سبحانه وتعالى في حياة الاجتماع (وما أهلكنا من قرية إلاّ ولها كتاب معلوم، ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) 5 الحجر.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد واجعل عمرنا بذلة في طاعتك، ولا تدخلنا في أهل معصيتك، واجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، واغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وأهلينا، ومن عفا عنا، وأحسن إلينا، واخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين يا رحيم يا كريم.
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يُغني عنه رضى شيءٍ، ورضاه يُغني عن كلّ شيء، ولا يُنقِذُ من غضبه شيء، وهو ينقذ من كلّ شيء، ولا يقهره شيء، وهو القهّار لكلّ شيء، صانع الأشياء ومدبّرها وهو قبل كلّ شيء وبعد كلّ شيء. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم تسليما كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله وأن نجاهد للدّخول فيمن عنى بقوله سبحانه “… ومن يتق الله يجعل له مخرجاً. ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه…”، وقوله عزّ من قائل “… ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً” وقوله تبارك وتعالى “…. ومن يتق الله يكفِّر عنه سيئاته ويعظم له أجراً” وليس كالمتاجرة مع الله متاجرة، ولا مثل الفوز عنده من فوز.
اللهم صلّ وسلّم على من اصطفيته لرسالتك، وأقمته دليلاً على طاعتك، وجعلته قائداً إلى جنّتك ورضوانك؛ الأمجد الأحمد أبي القاسم محمد. اللهم صلّ وسلّم على الصادق في ولايتك، والذائد عن حمى شريعتك، والمختار لإمامة دينك، المتهجّد المجاهد، علي بن أبي طالب. اللهم صلّ وسلّم على كريمة الرسول، العالمة بالفروع والأصول، أمَتِكَ الزهراء البتول. اللهمّ صلّ وسلّم على حمى الرسالة، المعروفين بالشهامة والبسالة، سبطي رسول الله، وحبيبي أولياء الله الحسن الزكي والحسين الشهيد ابني علي ولي الله. اللهمّ صلّ وسلّم على الهداة الميامين والأئمة بالحقّ المبين؛ علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن عليّ الجواد وعليّ بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري رؤساء الدنيا والدين. اللهم صلّ وسلّم على بقية الله الأعظم والمنقذ من الضُّرّ والإثم، القاضي على الطغيان والظلم، الغوث والأمان، صاحب العصر والزمان. اللهمّ انصره نصراً عزيزاً، وافتح له فتحاً قريباً، وأظهره على أعدائك، ومكِّن له في بلادك، واكشف به الكربَ عن أوليائك، وانتقم به من شرار أعدائك يا قويّ يا عزيز يا شديد يا جبّار.
اللهمّ الموالي له، المعادي لأعدائه، المناصر لأوليائه، الممهّد لدولته انصره وسدّده وأيّده وادفع عنه، والفقهاء الصلحاء والمجاهدين الأوفياء أعزّ جانبهم وقوِّ جبهتهم، واشدد عزيمتهم وبارك جهدهم وجهادهم يا رحيم يا كريم.
أيّها المؤمنون والمؤمنات إنّه مهما يكن من أمر الصراع بين الكفر والإسلام في الساحات المختلفة من فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير وكلّ البلاد الإسلامية فلن يجد الكفر في يوم من الأيام الفراغ من هذا الصراع، واستقرار الأرض تحت قدميه ليفرض إرادة الباطل والفسق والفجور على الساحة الإسلامية العامة؛ فالمقاومة مستمرة، وأجيال الجهاد متدفّقة، وروح الإصرار متنامية، والزحف قادم، وبلاد الكفر فضلاً عن بلاد الإسلام لا بدّ أن يعمّها عدل الإيمان ورشدُه وهداه وأطروحته المنقذة.
وإنّ الأنظمة المتخاذلة لا تُمثِّل مستوى الأمة؛ وليس لها إرادتها ولا إيمانها وصلابتها، ولا رؤيتها وهمُّها وتطلعها، وقداسة هدفها، واعتزازها بذاتها، فإذا انتكست الأنظمة وسجّلت على نفسها الهزيمة بعد الهزيمة، والإنسحاب بعد الإنسحاب، فلا يعني هذا أبداً انهزام الأمة، وانسحاق الشعوب، وانسحاب المجاهدين من أبناء الإيمان والقرآن من سوح الجهاد والمنازلة.
ولولا ما ينعكس به الواقع الرّسمي المتردّي داخل الأمة على مجمل حركتها من عوامل العرقلة والشلل، والبعثرة والوئد للحركة والإنطلاق، وقابليّات الصنع والإبداع لما أمكن لأعداء الله ومردة الكفر أن يجدوا موطئ قدم في بلاد الإسلام في يوم من الأيام .
ولهذه الحقيقة التي ينطق بها تأريخ المجد الإسلامي، وواقعُ الإنسان المسلم الحقّ ينصبُّ الاهتمام من كلّ القوى المعادية من الخارج والداخل في دائرة الأمة على محاصرة الإرادة الإسلامية والفكر الإسلامي، والصحوة الإسلامية في نفوس أبناء الأمة ويزداد التّفنّن في مختلف الخطط والمشاريع لمطاردة الإسلام وأخلاقيّته وفاعليّته في كلّ ميدان من ميادين النفس، وفي كلّ ميدان من ميادين الحياة النابضة في الخارج.
إنّ الأمة بشعوبها الحيّة وأبنائها الأماجد وروح الأصالة والعزّة والكرامة الإيمانية، التي تسري في عروقهم لتبرأ من واقع التبعية الذليل الذي يغوص كثيرٌ من الأنظمة الرسمية في وحله، وحالة المهانة والسقوط، وفقد الهوية التي يعاني منها مسؤلوا هذه الأنظمة إلى الحدّ الذي تفرض التعبير عن ذاتها على ألسنة البعض بالصورة الرسمية بطرح مقايضة بين الدم والمال… بين نصرة الأمة وقبض ثمن مالي مقدّم باهض منها، بل بالبراءة من نصرتها مطلقاً، والإنفصال عنها، والنأي بعيداً بالنفس عن لهب النار التي يراد لها أن تحرقها على يدي العدو الذي قد يراه هذا البعض عدوّاً لا بدّ أن يُركع له، ويتمرّغ على قدميه تودّدا وخنوعاً من أجل بقاء الموقع – والموقع كُلّ الأمنية، والموقع كلّ الحياة، والموقع كلّ المقدسات، وكلّ الشرف والكرامة – قد يراه صديقاً يُطلب قربه، ويعترف لجميل دولاره ودعمه لكرسي الحكم الذي لا يجد له أرضية مستقرة إلا بهذا الدعم، لأنّه لا يقوم على رضى شعب ولا مراعاة مصالحه، ولا احترام مقدّساته. ولعلّ هذا هو الاحتمال الأرجح الذي يقضي النظر إلى واقع الأمور التي تتحدث بلغة الأرقام، وبيان أفصح من بيان اللسان.
وإنّ الأمة لمسؤولة أن تجنِّد كلّ طاقاتها في معركتها المصيرية التي يشتدّ أوارها هذه الأيام في أكثر من أرض من أرض الإسلام وخاصة في أرض المقدسات فلسطين، وهي تمتد لتشمل بعدوانيتها الإسرائيلية الأمريكية كلّ شبر من الوطن الإسلامي الكبير. مسؤولة أمتنا ألا تدّخر وسعاً في دحر العدو، والدفاع عن المصير والكرامة، والأرض والإنسان، والثروة والقيم، والأصالة والتأريخ، والحاضر والمستقبل، وفي سبيل منع الكارثة الكبرى مما يستهدفه العدو الشرس الباغي من تسجيل هزيمة فادحة تسحق وجود الأمة، وتغوص إلى أعماق إنسانها.
المعركة التي دمّرت أفغانستان، وسجّلت كلّ البشاعات القذرة على يد الصهاينة في أرض الرسالات، وهي في طريقها إلى سحق العراق، لتتواصل في شوط بعيد المدى حتى لا تترك مسلماً ولا إسلاماً إلّا ألحقت به الأذى، ولا شعباً ولا حكومة تنتصر للدين والأرض والنفس والكرامة، إلّا وأذاقتها الهوان، ولا بلداً من بلدان الإيمان إلّا وأذلّته، ولا ثروة للمسلمين إلا وضعت يد الباغي عليها…. هذه المعركة أيُتوانى أمامها؟! أيشتغل عنها بلعب الكرة، ومسابقات الجِمال والليالي الساهرة العابثة الرخيصة، وكثير من اللهو والمجون الذي يأكل شعور الأمة بالعزّة والمجد والكرامة، ويأكل رجولتها وقدرتها على المواقف المشرّفة الخالدة؟! وأهنئ جماهير أمتنا المؤمنة في مقاطعتها للبضائع الأمريكية بكلّ ما تستطيع وبكلّ ما يفسح لها المجال لأنّه فيما يبدو من حملات التضليل الإعلامي التي تقلّل من أهمية هذه المقاطعة على ألسنة الإذاعات الذليلة التابعة للمعسكر الظالم أنّ الضربة موجعة وأنّ المقاطعة بدأت تأخذ تأثيرها الضار على العدو فلا بدّ من مواصلة الطريق . والمقاطعة لن تدخل أثرها المطلوب على الجبهة المعادية حتى تتواصل وتستمر بإصرار وجد، حتى تتحول عبادة في فهمنا وفي شعورنا ، ونصرة في سبيل الله ، وسلاحاً نواجه به العدو .
((((((((يا جماهير أمتنا المؤمنة أدخلي عنصر المقاطعة لكلّ ما يمكن من السلع الأمريكية والإسرائيلية سلاحاً في المعركة التي تستهدف هزيمة الأمة، وليشجعكم على ذلك كثيراً ما تحاوله إذاعة لندن وغيرها من التقليل من أهمية المقاطعة.)))))
ولنأت للحديث عن الانتخابات البلدية وما يتصل بدور الناخب في هذا المجال:-
1. البلديات في مجالسها لها صلة بالمصلحة الدنيوية والأخروية بإعمار البيئة المادّية : بنظافتها ، بصحتها ، بجمالها ، بتناسقها، ولها صلة بالبيئة المعنوية وسلامة هذه البيئة وصحّتها. فحين تأخذ المشاريع الترفيهية بلغتها التي تحمل معنى التعارض مع الخلق القويم ومع الأحكام الشرعية امتدادها في ساحتنا فإنها ستفسد الكثير من شبابنا وشاباتنا وستدخل بالأثر السيء على كثير من النفوس، وبالعكس فيما لو جاءت المشاريع جمالية وجاءت تحمل روح الخلق وتحمل روح الإيمان ، وتلبي الحاجة إلى الحسّ الجمالي المادي ، كما تغذي الحسّ الجمال المعنوي والروحي . حين تأتي هذه المشاريع ملتزمة وجمالية تكون قد أدّت دورا إيجابيا، وحين تأتي جمالاً ماديّاً لتفتك ستار الروح ولتدخل بالقبح عليها فإنّها في بيئتنا مرفوضة وإنها شين وليست زينا، البلديات لها هذان الأثران، فإذاً لا يصحّ أن نستهين بشأنها وعلينا أن نعطي الاهتمام البالغ في أمرها وإن كانت الفسحة للمجالس البلدية كما تقدم لا تكاد تكون فسحة ولكن برغم ذلك المجلس البلدي يستطيع أن يواصل الضغط في ظلّ توجه صحيح حتى يكون الشيء الإيجابي.
2. الناخب شريك في الثواب والعقاب للمرشّح. مرشّحك الذي تنتخبه وأنت لا تحرز فيه كفاءة ولا دينا كافيين إذا خان خُنت، وإذا تحمل الأمانة بصدق كنت له شريكاً في تحمّله الأمانة، وإذا ارتشى ارتشيت، وإذا ظلم الناس ظلمت، وإذا تساهل في كلمة الحقّ تساهلت، فله الغرم وعليك الغرم، يعني هو قد يخرج بنتيجة مادية في الحقّ لا تساوي شيئا أمام عقاب الله، ولكنّ هذا الناخب وبلا فائدة مادية أيضاً سيحمل على نفسه حطباً للنار فلنلتفت. أخوك لن ينقذك من النار، صديقك لن ينقذك من النار، قرابة العشيرة وقرابة الصداقة وأيّ لحمة أخرى لن تنقذك أيّها الناخب من النار يوم أن تعطي صوتك لمن لا يُصلح وقد يُفسد.
3. الانتخاب امتحان لعقل الناخب ورشده وحكمته ودينه وصلته بالله وبُعده عنه. المرشح الذي تنتخبه ، رسولك في مسألة اجتماعية، رسولك في ما يتصل بحقّ المسلمين، فيما يمكن أن يؤدي إلى عدل أو ظلم لهذا المجتمع، هو رسولك، ورسولك دليل عقلك، دليل رشدك، من اختار سفيهاً فهو سفيه، من اختار ظالماً فهو ظالم، من اختار جاهلاً فهو جاهل، من اختار مؤمنا كفؤاً فهو مؤمن كفوؤ. ستبرز بكلّ دينك، وبكلّ حجمك من حيث العقل، ومن حيث الحكمة، ومن حيث الروية حين تعطي صوتك، من تعطيه صوتك . هو دليل عقلك، ودليل دينك، ودليل حكمتك. اعرف نفسك تماما أنك بعيد عن الله أو قريب إليه، يوم أن تعطي صوتك لأخيك من أمك وأبيك وأنت لا تعرف فيه الكفاءة فاقرأ نفسك بعيداً عن الله، ويوم أن تحرم أخاك من أمك وأبيك صوتك الانتخابي لله، فاحمد الله عزّ وجل على أنك مؤمن وعلى أنك مرضي عند الله.
4. التقييم لأيّ مرشح لا يقوم على وعوده بل يقوم على ملاحظة سجّل حياته الطويل في حالات الخوف والأمن والشدّة والرخاء ومن حيث علاقاته وانتماؤه، ومشاركته للناس في صعوباتهم ومدى وعيه وصلابة إرادته وصدقه مع الله في مختلف أدواره. المرشح تاريخ وليس لحظة دعاية ، لا تقرأ المرشح من خلال لحظة دعايته وسعة دعايته، اقرأه من خلال سجّل حياته الطويل.
5. حرمة المؤمن لا تُجرح قاعدة وحرمة الدين أكبر. ليس لأحد باسم الانتخابات أن يهدم شخصية الآخرين. الغيبة حرام، الكذب حرام، أذى المؤمن حرام، وقد يؤذى المؤمن في ماله، قد يؤذى في بدنه، قد يؤذى في شرفه وسمعته وهو الأشد، ولو على بعض النفوس، كلّ ذلك حرام قاعدةً، ولكن لو أنّ واحداً أعرفه بأنّه معادٍ لدين الله، يريد سوءاً بالمؤمنين، والناس لا يعرفونه هل تجوز لي غيبته؟ نعم وبكلّ تأكيد إذا لم تكن فتنة أكبر، نعم وبكلّ تأكيد حماية لدين الله . لا تسلم حرمة لمؤمن ولا مسلم ولا إنسان في الأرض إذا ذهبت حرمة الدين. من أين تحفظ الحرم؟ كلّ الحرمات إنما تحفظ بحفظ حرمة الدين. أرأيت أكبر من حرمة النفس، وحرمة النفس تسقط عند حرمة الدين، هل أكبر من حرمة نفوس الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام؟ الحسين عليه السلام وهو يعرف حرمة ذاته المعصومة، إلا أنه وبحكم عصمته ودينه رأى أنّ حرمة الدين أكبر ففدى بالذي هو أقل من أجل الذي هو أعظم – دين الله- . والحسين عليه السلام من دين الله . فهذه حرمات ولا يصح أبداً أن تهتك إلا في ظلّ الاستثناء الشرعي وهذا يحتاج إلى فهم فقهي.
6. شخصياً لم أدخل ولن أدخل ما لم تكن ضرورة شرعية في تزكية أحد أو شجب أحد .
7. من نقص هذه التجربة الانتخابية المنع من تبنّي الجهات والمؤسسات لقوائم محدّدة من المرشّحين، وهذا المنع فيما أراه له خلفيّته السياسيّة المعيّنة. فتزكية الجهات والمؤسسات الإسلامية يعني ضوءاً أخضر لنجاح مرشّح هذه الجهات. فلو كان هناك إذن بتبني لقوائم المرشحين لنجحت قوائم الإسلاميين على حساب القوائم الاخرى، وربما كان من أجل هذا جاء قرار عدم إعطاء حق تبني قوائم مرشحين، والله أعلم.
8. عند تعدّد المؤمنين الأكفاء في أيّ دائرة من الدوائر يركّز على الأكفأ والأكثر جدارة من كلّ الجهات من جهة الخبرة، ومن جهة الجرأة قول الحق ومن جهة الدين. وإلا انفتح الطريق لخسارة هؤلاء جميعاً وفوز من لا يرضاه الجميع.
9. إذا فزت أيّها المرشّح في الانتخاب فاحمل همّ ما أقدمت عليه من تحمّل الأمانة، حذاري أن تفرح فغداً عند الله سبحانه يثقل السؤال ، وتصعب الإجابة على مظلمة اشتركت فيها أو قصّرت في ردّها؛ مظلمة تضرّ بدنيا النّاس أو بما هو أعظم؛ وذلك دينهم الكريم. واحذر عزيزي كلّ الحذر أن يكون فوزُ الانتخاب، بداية طريقك إلى النار. ففوزك يعني أنّ النّاس قلّدوك الأمانة وهي أمانة دنيا ودين، وهم غداً يطالبونك بين يدي العدل الحكيم، عن الكبير والصغير مما حمّلوك أمانته. بالفوز في الانتخاب يفرح الجاهل، يهلع العاقل، وفرح الأول بدنياه، ويهلع الثاني على عاقبته.
اللهمّ صلّ على عبدك المصطفى محمّد وآله الشرفاء واغفر لنا وتب علينا ولا تتوفنا إلّا على دينك وحبّك وحبّ أوليائك والعمل بأحكام كتابك وشريعة نبيّك نبي الرحمة واغفر لوالدينا وأرحامنا وأهلينا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين أحياء وأمواتا ومن كان له حقّ خاص علينا منهم يا كريم يا رحيم. اللهم انصر الإسلام والمسلمين وأنزل الهزيمة النكراء والفشل الذريع بالكفر والنفاق وجيوشهما وأعوانهما يا شديد الأخذ يا أقوى من كلّ قوي ويا أعزّ من كلّ عزيز.
”
إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلّكم تذكّرون”.