الغدير وانعكاسات الالتزام بخط الإمامة ( آية الله قاسم )
الغدير وانعكاسات الالتزام بخط الإمامة
آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم
تأخذ بنا مناسبة عيد الغدير الأغر إلى قوله عزّ من قائل:
{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا}.
بمناسبة الآية الكريمة أذكر النقاط التالية:
أولاً: التبليغ بالإمامة شرط لإتمام الرسالة:
كمال الدين بالإمامة التي أرادها الإسلام ورضيها، وبإلغاء الإمامة يدخل النقص على الدين، فان كان الإلغاء نظرياً وجد الدين ناقصاً على المستوى النظري ويتبعه النقص في مقام العمل، وان كان الإلغاء عمليّاً لم يغن الكمال النظري في المقام العملي، وعمّ الدين النقص من الناحية العملية في بنيته كلّها، وحتى الأساسِ العقيدي منه، وقاعدته التي يقوم عليها. إن علاقة الإمامة بعناصر الدين الأخرى أصولاً وفروعاً ليست علاقة عددية محضة كعلاقة تسعة وواحد مضاف إلى التسعة بحيث إذا سقط الواحد سقط بنفسه، وبقيت التسعة يؤدي كل واحد منها دوره الكامل، ويكون الفراغ الذي يتركه الواحد المضاف بسقوطه فراغاً جزئياً.
إنّ علاقة الإمامة ببقية العناصر في الدين من أصول وفروع هي علاقة العنصر المعيّن بسائر عناصر المركب الكيميائي، الذي يفقده غياب ذلك العنصر كثيراً من أثره، والنتائج المرجوة منه، ويلحقه نتائج متعبة كذلك، ويظهره غير متناسق ومتوافق. وإلا فقل لي كيف توفّق بين قاعدة التوحيد الحق، وبين أن تنبت عليها ولاية معاوية ويزيد أو ولاية مرشح الأغلبية إذا جاء شخصية لا توافق شرع الله ولا تلتقي معه على خط؟! أدين منسجم هذا، أو دين متهافت؟ أتوحيد يؤسّس للطاغوتية ويحتضنها؟!!
إنّ النقص الداخل على الدين بانحراف خط الإمامة عن مطروحها الإلهي، يمكن لنا أن نأخذ صورة عن عمقه وسعته وتأثيره الكبير من قوله تعالى كمال الدين بالإمامة التي أرادها الإسلام ورضيها، وبإلغاء الإمامة يدخل النقص على الدين، فان كان الإلغاء نظرياً وجد الدين ناقصاً على المستوى النظري ويتبعه النقص في مقام العمل {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين} قد يصل الأثر إلى حد أن عدم تبليغ أمر الإمامة منزّل منزلة عدم تبليغ الرسالة الإلهية أصلاً، فالأثر على هذا عميق وشامل ودائم ومضر بالإسلام كله، فانظروا إلى ذيل {إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين} وهو ذيل جاء في طول ما يقرّر إبلاغ الإمامة بالتفسير الذي تذهب إليه مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فمن كابرها وقع في درجة من الكفر العملي، وانثلم إيمانه وان بقي إسلامه.
ثانياً: تغييب الإمامة بسط للطاغوت:
إنّ نعمة الوجود والحياة نعمة كبرى ولكن لها غاية، وغايتها أن يبلغ الموجود حدّ كماله، وكمال الإنسان في كمال روحه الذي يتم على طريق عبوديته وعبادته لله سبحانه في كل مساحات حياته، الشيء الذي لا يتم للناس في ظل أوضاع طاغوتية تصرف عن الله. والطاغوتية البديل العملي الضروري، عندما يغيب خط الإمامة الذي يركز الولاء لله، فنعمة الوجود والحياة والدين يحتاج تمامها إلى إمامة من تصميم يد الإبداع الإلهي، وقد أتمّت هذه النعمة بذلك التصميم، وبما بلّغ به رسول الله صلى الله عليه وآله في شأن الولاية. ومن بعد ذلك تبقى المسئولية مسئولية العباد أنفسهم.
ثالثاً: الإسلام المرتضى:
الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده ممثلاً لصورة صادقة من عطاء علمه وحكمته وعدله، هو إسلام تكون الإمامة في تصميمها الإلهي أصلاً من أصوله، وركيزة من ركائزه، وهو الموازي في مصطلح الإمامية للإيمان. وهذا التفريق بين مصطلحي الإيمان والإسلام واقع موقعه حتى لا يتوهم خروج من أدّى الشهادتين عن الدائرة العامة للإسلام، والتي تكفل بها عدة حقوق للمسلم، وتحقن بها الدماء والأموال والأعراض، ويكون على أساسها التناكح والتوارث، هذا من جهة، وحتى لا يضيع معنى الإسلام الأكمل، والصورة الأصل التي تحتفظ بالإشعاع التام لما كان عليه وحي الرسالة.
وعليه لو جاءت النتائج قاصرة ومضطربة، وحصلت فجوات بل انتكاسات وكوارث وارباكات في غياب أصل الإمامة، فذلك كله شئ مرتقب، ولا يحمّل مسئوليته الإسلام.
رابعاً: عند التعارض يقل الديّانون:
كان الناس ولا زالوا يقبلون بشيء من الدين لا يمس مصالحهم ومواقعهم، فإذا ما اقترب من ملامسة هذه الدائرة أنكروه، أو تأولوه وزوّروه وتحايلوا عليه احتفاظاً بالمصالح، وهي موهومة مذمومة، وحرصاً على المواقع وهي ذاهبة مشؤمة.
خامساً: ولاءهم ولاء لله ومنهجه:
الولاء لأئمة أهل البيت (ع) هو ولاء لله أولاً، ورضى بحكمه العادل، وولاء للمنهج الإسلامي كاملاً بكل مفرداته وتركيبته وتكاليفه ومقتضياته. وهو ولاء لا يعدل بهم عليهم السلام أحداً ممن يزاحمهم من الناس، ولا يتعدى بهم موقع العبودية المحضة والعبادة الخالصة الصادقة لله سبحانه. والإفراط والتفريط في هذا الأمر معاً مردودان من كتاب الله وسنة رسوله (ص) على صاحبهما.
سادساً: سكوتهم رأفة لا خيانة:
نتعلم من آية {بلّغ ما أنزل إليك} أنّ الرأي السديد قد يُخفى على الناس تآمراً على الحق، وخيانة للحق، وقد يخفى هذا الرأي شفقة على الخلق، وابقاء على شئ من الحق، ولقد سكت أئمة الهدى من أهل بيت العصمة عليهم السلام عن بعض الحق من المنطلق الثاني، وكان تدرج الأحكام في الإسلام من هذا المنطلق نفسه، وهذا داخل في مخاطبة الناس بقدر عقولهم.
انعكاسات الالتزام بخط الإمامة:
1) الإيمان بأن انبعاث الأمة الانبعاثة الشاملة وعودة الإسلام إلى موقع الريادة العملية في الأرض وتطبيقه التطبيق التام العادل، لا ينفصل عن عودة الإمامة الراشدة، على يد المعصوم وهو المنتظر من آل محمد (ص)، فليست تصلح الدنيا في آخرها إلا بما صلحت به في أولها. صلحت دنيا الإسلام برسول الله (ص) ومنهجه الكامل، وتصلح الدنيا في آخرها بمنهج الإسلام والمعصومين (ع) والقائم عجل الله فرجه… قل صلحت وتصلح بالمعصومين من المنهج والقيادة. والمطروح هنا لا يسقط عن المسلمين واجب التحرك في إصلاح شئونهم أبداً، بل يفرض علينا الأمل في ظهور الإمام القائم (ع) والتمهيد له أن ننشط أكثر فأكثر، في محاولة إقامة العدل في الأرض.
2) عدم إمكان الإيمان فكرياً ونفسياً بالنظم الأرضية. أنت مؤمن بيوم الولاية يوم الغدير، بإمامة علي (ع)، بضرورة الإمامة المعصومة، بالإسلام الكامل، ويترتب على هذا عدم إمكان الإيمان فكرياً ونفسياً بالنظم الأرضية قاطبة، بالنظم الأرضية التي لا تمثل امتداداً طبيعياً لخط الإمامة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة المواجهة العملية. بل يمكن التعايش العملي والتعامل السلمي الواقعي مع هذه الأنظمة إذا لم تعلن حربها على الإسلام، والمسلمين في دينهم ودنياهم، والتعاون معها في أمور الخير، وبناء مصالح البلاد الإسلامية، وتحسين وضع المسلمين، والدفاع عن حقوقهم وموقعيتهم واقرار الأمن والسلام بالقدر الميسور، وكل ذلك بما يوافق حدود الشريعة وأحكامها العادلة، ولقد ضربت سيرة الأئمة عليهم السلام المثل الحي في الحفاظ على مصالح الإسلام والمسلمين، والتعايش السلمي وإسداء النصيحة العملية لحكومات لا يرون شرعيتها من ناحية دينية، من دون أن يشاركوا في ظلم، أو يعينوا على باطل، أو يقصروا في واجب، أو تجري على يدهم مداهنة لا يأذن بها الله سبحانه وتعالى.
فاعتقاد أن الشرعية الدينية مقصورة على خط الإمامة أصلاً وامتداداً لا يعني سياسة المواجهة العملية، أو الخروج من جسم الأمة، أو تكفيرها وشهر السيف في وجهها، وعدم التعاون على الخير مع أي فئة من فئاتها. ولا بد أن نفرّق بين الشرعية التي تحاول الأنظمة الأرضية أن تكتسبها، تقوية لكياناتها، وبين الشرعية الإسلامية المعنية، في لسان الفقه الإسلامي، فالأولى شرعية بحسب القانون الوضعي، ونظر المؤسسات السياسية العالمية اليوم، والدول الوضعية، وهيئة الأمم المتحدة مثلاً، والثانية مقياسها تمشي النظام والمنظور الشرعي الإسلامي في تكوينه وبنيته.
3) يحرم في ظل الانتماء إلى خط الإمامة تثقيف الأمة بثقافة غربية أو أي ثقافة أرضية أخرى بديلة، ولذلك جرى ويجري التركيز دائماً على إمامة الإمام القائم (عج)
خطبة الجمعة (49) بتاريخ 23 ذو الحجة 1422هـ الموافق 8-3-2002 م