خطبة الجمعة (37) 28 رمضان 1422هـ – 14-12-2001 م
مواضيع الخطبة:
العادة – الحاكمية في علي ( ع )
الانتفاضة تمثيل لوعي الأمة وصحوتها-يوم القدس العالمي -الشهداء
المجد والشموخ لكل شهيد، ولكل يومٍ من أيام الشهادة، ولكل أرضٍ روّتها دماء الشهداء في سبيل الله، ومن أجل القيم الإلهية الرفيعة، المجد والعز والكرامة لشهدائنا وشهداء الإسلام في كل مكان.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تسبّح له الحيتان في بحارها، والطيور في أوكارها، والوحوش في فلواتها، والأفئدة في صدورها، وكل الأشياء في سماءها وأرضها. أشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بالحق سواه. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى الحق هادياً، وعلى الخير دليلا، والى النجاة قائداً، صلى الله عليه وآله الاطياب الأطهار.
عباد الله اتقوا الله وأحسنوا لأنفسكم بطاعته، ولا يهلكن امرئ نفسه بمعصيته، وليكن السباق على منازل الآخرة، والطمع في موعودها الكريم، والتنافس في خيرها المقيم، فان الآخرة على مقربة من الإنسان من يوم ولادته، وهو اليوم الذي تبدأ فيه للدنيا مفارقته.
المؤمن يأتي الخير واعياً هادفاً
أما بعد .. فان المؤمن ابن عقله ودينه، واختيارات رشده وحكمته، لا ابن طبعه وعادته، فهو يرجع دائماً إلى طباعه وعاداته
و واقعه، ليؤكد من ذلك في ذاته ما يرضاه وعيه وحكمته وتقواه، ويستبعد من ذلك ما يتنافى مع منزلته وهدفه وهداه، وإذا بدأ يصنع لنفسه عادة من العادات، فانما يفعل هذا الشيء من موقع الاختيار الواعي الدقيق، والرؤية الصحيحة، والنظر الثاقب الذي تكوّن في ضوء العقل والشرع، فهو يربّي نفسه بذلك على الخير، ويركّزه في ذاته، ويمكّن له في أعماقه، ثم انّه لا ينطلق مع العادة بما هي عادة، وان كانت من عادات الخير وفضائل السلوك، وانما تكون انطلاقته مع هذا النوع من العادات من خلال وعي قيمتها، ومدى توافقها مع إرادة الخير في ذاته، وقصد البناء الذي خطّط له. فحياة المؤمن لا تستغرقها الغفلة، ولا ينتابها الانصراف عن الهدف، و إنما تنطلق في فاعلية مستمرة ثابتة على درب الوعي، والحضور لقوى الإدراك والاختيار الرشيد، والرؤية الواضحة، والروح المنفتحة على الله عز وجل، المنشدّة إليه، المؤمن يحب الخير في داخله، ويفعله وتنسيق نفسه إليه مشتاقة له، في ضوء رؤية دقيقة لجماله، وفي حالة وعي لقيمته، وموافقة إرادية عليه. وعادات الخير فيه تسهّل عليه السبيل، وتجعله يأتي الفضل حبًّا، وتجري الفضائل على يده بيسر ومن دون معاناة، ولا تشتهي نفسه القبائح، ولا التخلف عن الجميل، ولكنه لا يأتي الخير غافلاً عن معناه وقيمته وأهميته.
وهذه بعض الكلمات الواردة عن أهل العصمة (ع) في العادات:-
العادة قوة تأثير وصعوبة استئصال
“للعادة على كل إنسان سلطان”، “العادة طبع ثان”، فإذاًَ العادة أمر له تأثير كبير على الشخصية، على بناء الذات، على تحديد المصير، على العقبى، ليس من السهل أن تسمح لأي عادة أن تدخل في ذاتك، أن تشارك في نسيج شخصيتك، فان هذه العادة إن كانت شرّاً لزمتك، وإن كانت خيراً لزمتك، ويمكن أن يكون دخول العادات أمراً سهلا، ويمكن أن تجد للنفس سبيلاً مفتوحا، لكن التخلّص من العادة أمر صعب، فبعد أن تدخل العادة نسيج الذات، وتلوّن المشاعر والسلوك، فإنها حينئذ تدخل جزءاً من بنائك، وكم يصعب على الإنسان أن يتخلّص من جزء من بنائه؟!
ينبغي المواجهة حيال كل عادة خبيثة استغفلت الذات و ولجتها متمكنة
“غير مدرك الدرجات من أطاع العادات”، “غالبوا أنفسكم على ترك العادات، وجاهدوا أهواءكم تملكوها”، “ذلّلوا أنفسكم بترك العادات، وقودوها إلى أفضل الطاعات”، “تخيّر لنفسك من كل خلق أحسنه، فان الخير عادة، وتجنّب من كل خلق أسوأه، وجاهد نفسك على تجنّبه فان الشر لجاجة”. “كل شيء يستطاع إلا نقل الطباع”، هذه المجموعة من الكلمات المشعة، تفرض علينا في بعضها، أنه إذا وجدت العادة سبيلاً إلى الذات، لا يصح من الإنسان الاستسلام، أمامها سبق أن ندرس الذات مرة بعد مرة، أن نراجع أنفسنا، أن نبحث عمّا استطاعت البيئة الفاسدة، والغفلة والتساهل، أن يدخله كل ذلك في ذواتنا من خبيث، والعادات تدخل الذات، وتشارك في صناعة واقعها، ومراجعة الذات والعادات، من أجل أن يسعى الإنسان بجد واجتهاد، لاستئصال كل عادة خبيثة هجمت عليه، ووجدت سبيلها إلى نفسه في غفلة منه، “ذلّلوا أنفسكم بترك العادات، وقودوها إلى أفضل الطاعات”، الاسترسال، الغفلة، عدم دراسة الذات، عدم الموقف الحازم أمام العادات السيئة التي تدخل الذات، كل ذلك يقود إلى تدهور في مستوى الشخصية، وكل ذلك يدخل عليك بالسوء، ولترى نفسك من بعد سموك، في انحدار، ولترى نفسك بعد استقامة في انحراف، فحذار من عادات السوء، حين تريد التسلّل ابتداء، وحذار من عادات السوء حين تتمكّث في الذات استمرارا.
الحاكمية في علي (ع): الدين والوعي والارتباط بالإله
“أتي أمير المؤمنين (ع) بخوان فالوزج أو فالوذج فوضع بين يديه، ونظر إلى صفائه وحسنه، فوجى بإصبعه فيه، حتى بلغ أسفله، ثم سلّها ولم يأخذ منه شيئا، وتلمّظ إصبعه، وقال: إن الحلال طيب وما هو بحرام، ولكني أكره أن أعوّد نفسي ما لم أعوّدها، ارفعوه عني فرفعوه” هكذا كان الإنسان المسلم المتكامل، كان الإمام المعصوم (ع) وهو أحرس الناس على ذاته، بعد حراسة الله سبحانه وتعالى، يقف الموقف الحازم دون أن يعطي للنفس قيادها، حتى في مشتهياتها الحلال. انه يقف أمام النفس، يكفّها عن أن تربطه بعادة لا يرضاها، انه يريد دائماً أن يكون سيّد ذاته، بعقله بوجدانه الطاهر، بفطرته الإلهية الصافية، لا يريد لأي بعد من أبعاد الذات الأخرى، أن يكون له شيء من الحاكمية على القرار الذي يتخذه عليه السلام في أي لحظة من اللحظات.
الحاكمية في شخصية أمير المؤمنين (ع) خالصة لوعيه ودينه ووجدانه الطاهر وارتباطه بالله سبحانه وتعالى. ذلك الطعام تقرّر الكلمة المنقولة عنه (ع) بأنه غير حرام، وهو من الحلال، وتلمّظ إصبعه، تذوّق ما على إصبعه، ربما كان ليشعر بحلاوة ذلك الطعام ثم يقف أمام تلك الحلاوة المغرية، أمام ذلك الذوق والطعم المغري. انه يعرف ما لهذا الطعام من ذوق، وما لهذا الطعام من طعم ولكنه يريد أن يواجه نفسه في أصغر الأمور وحتى في مساحة الحلال المفتوح.
“الخلق منحة يمنحها الله من يشاء من خلقه، فمنه سجية، ومنه نيّة، قلت: فأيهما أفضل؟” السائل يقول للمعصوم (ع) بعد أن ذكر المعصوم أن الخلق منه سجية ومنه نيّة، قال السائل: فأيهما أفضل؟ قال صاحب النيّة أفضل … إلى آخر الحديث.
الانسجام مع الطبائع الموروثة حسن والأحسن من صياغة الذات على أساس المواجهة
مرّة تكون قد جبلت على الشجاعة، لك وراثات من الكرم والجرأة، تعينك على السلوك الحميد. ومرّة تكون طبائع الذات بدرجة ممتازة، من أصل الخلقة، هذا جيّد وهذا نافع، وهذا منحة من الله سبحانه وتعالى، ومرّة أخرى تكون على طبائع وسط، من الدرجة الوسط، ليست بالممتازة، وليست بالمنحطة، وطباع الخلق دائماً تأتي بحيث لا تقف حائلاً قهرياً عند الناس بينهم وبين أن تأخذ إرادتهم ما يقضي به الدين والعقل، أنت أحسن حالاً عند الله في أي الفرضين؟ في فرض أن تنسجم مع طباعك الموروثة، مع استعداداتك الكبرى، التي تحدّرت إليك من خلال سلالة الآباء والأمهات والأجداد؟ أم أنك أكبر دوراً وأكثر فاعلية وأكثر أجرا، وأكبر وزناً عند الله، عندما تصوغ شخصيتك على أساس من المواجهة؟ أنت على طباع من الوزن الوسط، ولكن وبالرغم من ذلك تبلغ بشخصيتك مبالغ الكبار، من خلال دور جهادي ومن خلال المواجهة، ومن خلال تقوى الله سبحانه وتعالى، الذين يمتلكون أرصدة دون الحد الأعلى، ويجاهدون من خلال هذه الأرصدة المتواضعة أو المتوسطة، لأن يبلغوا الدرجات العليا، هم أعلى درجة عند الله سبحانه وتعالى، ممن جاءوا يتوفرون طبيعة على الأرصدة الأكثر قدرة وكفاءة.
ينبغي مجانبة كل عادة تحط من قيمتك
هذه عادات فلنجتنبها، ارتياد مجالس تمضية الفراغ. من وعى من أبناء الأمة، ومن صحّت نفسه، لا يجد لنفسه أن يمضي ساعة من فراغ في هذا العمر المحدود، ذاتك محتاجة إلى الوقت، أسرتك محتاجة إلى وقتك، منطقتك محتاجة إلى وقتك، أمتك .. دينك، كلّ محتاج إلى وقتك، ليس من رصيد أكبر عندك من رصيد الوقت، والوقت يمكن أن يعمر الحياة، ويغيّر وجهها، ويقود الحياة على خط الإيمان، بعد أن تغرق في الكفر. ارتياد مجالس تمضية الفراغ يهدم النفس، يسقط بقيمة الإنسان، يحوّله إلى كمّ عبثي رخيص. اعتياد قراءة مجلة ساقطة أو كتاب منحرف. احذر أن تربط نفسك بمثل هذه القراءات، فانك من بعد إدمان عليها ربما خسرت ذاتك، وان لم يكن كذلك، فأنت قد خسرت كثيراً من عمرك.
اعتياد مجالسة أصدقاء السوء، وارتياد الملاهي، هناك مواقع مكانية، وهناك أصدقاء، هناك أفعال يجب أن لا تقدم بقدمك في اتجاهها، حتى تدرس قيمة أي خطوة أنت تقدم عليها، إذا سمحت لعادة من العادات أن تهجم على ذاتك، أن تتلبث في ذاتك، فقد أعطيتها الحكومة على الذات، أعطيتها حكومة وسلطة على ذاتك، وكان عليك أن تقاوم، ولا يدرى أنك تنجح في هذه المقاومة أولا تنجح.
اللهم صل على محمد وآل محمد، وارزقنا حسن الخلق، وحب الطاعة، وبعد المعصية واجعلنا من أهل الرشد والحكمة، والصلاح والتقوى، واغفر لنا ولجميع آبائنا وأمهاتنا، ومن كان له حق علينا، وإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر)
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً فوق كل حمد، حمداً لا يبلغه حمد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، قاهر غير مقهور، غالبٌ غير مغلوب، ربّ غير مربوب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أدى ما حمله ربّه إلى العباد، وجاهد في الله حق الجهاد، صلى الله عليه وآله الأمجاد.
عباد الله اتقوا الله، واصبروا على ما دعاكم إليه من الطاعة، وعمّا نهاكم عنه من المعصية، والتزموا ما كتب عليكم من التكليف، فما كلّف الله سبحانه العباد من حاجة، ولا عبث، ولا خطأ، وإنما دعاهم إلى الطاعة ليكملوا، وكلفهم ليستقيموا، وزاد على ذلك أن وعد على الطاعة الجنة منّاً منه وتفضّلا، فكان شكر العبد له مستوجباً على العبد أن يشكره مجدّداً، لأن الشكر من التوفيق إلى المحجّة، ورفع الدرجة، والأخذ إلى الجنة. ولنذد النفس عن دروب المعصية، ومسالك الرذيلة، ومواطن الضعة والسقوط، فإن في المعصية انحداراً في القيمة، وتدهوراً في المستوى، وانزلاقاً إلى النار، وتدحرجاً إلى الهاوية.
الله صلّ وسلّم وزد وبارك على البشير النذير والسّراج المنير النبيّ الخاتم، رسولك المصطفى محمد أبي القاسم. الله صلّ وسلّم على إمام الورى، وسيد أهل التقوى، خليفة رسولك الأوّل، أبي الحسنين، شهيد المحراب، علي دليل الحقّ والصواب. اللهم صلّ وسلّم على أمتك الطاهرة فاطمة الزهراء أم العترة الفاخرة. اللهم صلّ وسلّم على الإمامين الهاديين و النورين الساطعين سيدنا أبي محمد الحسن، وسيدنا أبي عبد الله الحسين. اللهم صلّ وسلّم على أئمة التقوى وأنوار الإيمان والهدى علي زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري رضيّ بعد رضي، وزكيّ بعد زكيّ.
اللهم صلّ وسلّم على بدر الدّجى وإمام الورى، والفرج بعد البلوى، التقي الزكي، المنتظر الولي.
اللهم انصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا، وأجمع به القلوب، واكشف به الكروب، اللهم الآخذ بطريقه اسلك به طريق النصر والعزّ والظهور. اللهم ارزقنا شرف التمهيد لدولته واكتبنا من الداخلين في نصرته يا كريم.
أما بعد فإن في الأسبوع المنصرم مناسبات وذكريات تستوقف النظر، أذكر منها :-
الفعاليات الجماعية مدرسة تربوية
1. إحياء المسلمين لليلة القدر الشريفة بصورة شهدت كثافة ملحوظة في الأعداد المشتركة في الإحياء الجماعي له، وهذه ظاهرة يجب أن تتركز في حياتنا، وأن نعطيها الاهتمام البالغ، فإن الشر لا يواجه إلا بالخير، وإن مظاهر الفساد لا تواجه إلا بمظاهر الصلاح والإصلاح، ومثل هذه المظاهر مدارس تربي الكبير والصغير على التقوى والفضيلة والخلق الكريم والاجتماع الصالح
2.
الانتفاضة تمثيل لوعي الأمة وصحوتها
3. ذكرى اندلاع الانتفاضة الإسلامية في فلسطين المحتلة، وهي الانتفاضة المنطلقة من وعي الأمة، وضميرها الإيماني، وهو تحول جادٌ في مسار القضية، و انعطافةٌ كبيرة في تاريخها. إنّ كان تاريخ المواجهة كله في تموينه، وفي منطلقه الأول عند الشريحة العامة المضحية في الأكثر، وفي الخزين الذي يموله بعنصر المواجه إسلامياً في الحقيقة، إلا أن وضوح الرؤية الإسلامية صار أكبر، والصحوة الإسلامية أصبحت أشد، والإصرار الإسلامي على المواجهة صار أكبر. وكلما دخل الإسلام المعركة، وعاش المسلم المواجه إسلاميا وعياً وشعوراً ورؤيةً ومنطلقاً وهدفا، كلما استعصى على العالم المستكبر أن يكسر إرادة هذا المجاهد، وأن يرتد به القهقري، يضعف المسلمون بقدر ما يضعف الإسلام في داخلهم، ويقوى المسلمون بقدر ما يقوى الإسلام في داخلهم، وإذا قوي الإسلام في الداخل، قويت اليد، قويت الرجل، قويت كل جارحة، وكبُرت الآلة في أيديهم، وتقدموا على مستوى العلم والعمل.
4. زواج علي وفاطمة مظهر لقيم السماء ومهد لسادة الأرض
ذكرى زواج أمير المؤمنين عليه السلام بالصديقة فاطمة بنت رسول الله (ص)، الزواج الذي انطلق من القيم الإلهية الحقة، وقام على التقوى، وتشبع بروح الإيمان والوعي والهادفية، وعاش أرفع مستوىً للعلاقات الإنسانية الكريمة في محيط الأسرة، وخطط لأروع خلق في حياة المجتمع الإنساني، وأنجب للبشرية قادتها الإلهيين الكبار، وصناع تاريخها المجيد، وإدلاءها على الحق، وسفن نجاتها من الغرق.
6. ماذا ينتظر المواطنون في السادس عشر من ديسمبر؟
مطالب وآمال
(1) أمناً من درجة أكبر وأكثر استقراراً وتركيزاً. هناك أمن ولكن يحتاج إلى استكمال، ويحتاج إلى تركز، ويحتاج إلى امتداد.
(2) فتح الفرص المتكافئة أمام الموطنين بصورة أكثر وضوحاً وشفافية.
(3) وقف التدفق في العنصر المُجنّس. فإن العنصر المجنس لا زال فيما تعطيه الأخبار والتقديرات على تدفق خطير.
(4) عودة كل مبعدٍ وممنوعٍ إلى الوطن. وهم بقية من أعدادٍ أخرى قد تمت عودتها بحمد الله.
(5) نظافةً في السياحة والإعلام والمرافق الأخرى، وأجواء أخلاقيةً أنقى، تتناسب مع أصالة البلد، وإسلامه، وشرف أبنائه، وانتمائهم الكريم إلى الإسلام.
(6) أن يرى المسلمون أنفسهم أحراراً في شعائرهم الدينية، بلا أن تلاحقها القيود في المسجد والحسينية والموكب والدرس والتدريس، وهذا هو الحال سابقاً كما هو الرأي الفقهي ونص الدستور.
(7) والعاطلون ينتظرون فرص عملٍ لائق، والعمّال تحسناً في الأجور، والطلاب أجواء أكثر رحابةً ونقاء في الجامعة. ونحن لا نستكثر على القيادة السياسية في البلد من خلال السياسة الإصلاحية التي تصر عليها، وما تحقق من إصلاحات على الأرض مثل هذه الطموحات.
الإسلام هو السبّاق لحفظ حقوق الإنسان
8. اليوم العالمي لحقوق الإنسان. ونؤكد نحن المسلمين الذين نعرف من عظمة الإسلام شيئاً ما، بأن حقوق الإنسان في الإسلام لا توازيها حقوقه في أي وثيقة من وضع الناس، وكل حقٍ ممّا سمّته وثيقة حقوق الإنسان مما يلتقي ومصلحة الإنسان وقيمته الإنسانية العالية، وهدفه اللائق بمستواه، وموقعه فالإسلام أسبق إليه، والإسلام بوصفه متنزِّلاً من عند الله سبحانه العليم الخبير اللطيف الحكيم، له التعقيب على كل ناتجٍ بشري، وليس له من معقّب.
6. وهذا اليوم هو يوم القدس العالمي الذي أسسته يد العالم الرباني، والقائد الإسلامي الكبير، وعقله المتفتح، وقلبه المليء بالإيمان، ونفسيته التي تنطوي على حب الإسلام والإخلاص للمسلمين، والسياسي المحنك الإمام روح الله الموسوي الخميني أعلى الله مقامه ورفع درجته في الجنة.
9. يوم القدس العالمي دعوة سياسي مؤمن محنّك لترسيخ حاكمية العدل والحق
(1) وهو يوم لجعل القضية الفلسطينية والقدس الشريف في مقدمة قضايا الأمة التي يتحتم عليها العمل بجدٍ، ومن خلال جهادٍ مستميتٍ على طريق حلها.
(2) ومن أجل نقل القضية من المحيط العربي، وهو محيط على سعته ضيقٌ بالنسبة إلى المحيط الإسلامي الأعم، فهذا اليوم يصر على نقل القضية أو تقوقعها في المحيط العربي، وأن تنتقل إلى المحيط الإسلامي الأكثر رحابة. خدمةً للقضية وتحشيداً للطاقات الهائلة التي تختزنها الأمة على هذا الخط.
(3) للخروج بالقضية من سيطرة الأروقة الرسمية، وما قد تخضع له من مساومات، وتنازلات، وربطها بالهم العام للأمة، من أجل أن تمارس الضغط على مواقع القرار في صالح القضية.
(4) لخلق حالة من الإنكار العالمي للظلم الصهيوني.
(5) لتعبئة ضمير الأمة تعبئةً هائلة نصرةً للقضية، وإذا تحرك الضمير تحرك الخارج.
(6) ولحشد مستضعفي العالم ضد المستكبرين.
وهذه لفتة ليست بالأمر اليسير كانت في كلمة السيد الإمام أعلى الله مقامه حين عدّ هذا اليوم يوم مواجهة ومكافحة المستضعفين للمستكبرين، إنها التفاته تختزن كثيراً من الوعي، وتختزن شديداً من الرؤية السياسية المركزة، وتختزن عمقاً ووعياً إيمانيين شديدين، ذلك لأن قضية القدس قضية الإيمان والإسلام، قضية ارتباط البشرية بالقدس، بقيم القدس، بخط القدس … الخط الإلهي. والصراع في الأرض بين خطين : الخط الإلهي والخط الشيطاني. والمستضعفون آلة للمستكبرين، ولقمةٌ سائغةٌ بيدهم إذا حكم خط الشيطان. الملايين من البشر، المليارات من البشر تتحول إلى سائمة، وتتحول إلى آلة رخيصة، وتتحول إلى آلة مستغلة، وإلى أيدي كادحة، وأدوات منتجة، لتصب في جيوب عددٍ ضئيلٍ من المستكبرين، وتعطيهم آلة البطش والفساد والإفساد في الأرض، هذا كله حين تكون الحاكمية لخط الشيطان. والأقصى لا يسجن مبنى، الأقصى مسجونٌ قيما، مسجوناً خطاً، مسجونٌ مدرسةً، مسجوناً اطروحة. والجهاد كل الجهاد ليس لتحرير الأقصى مبنىً؛ إنما الأكثر من ذلك لتحريره معنى، وكل أرض الله أقصى، كل أرض الله تحتاج إلى تحرير من قبضة الشيطان حيث يسيطر على إنسان العصر الهوى، حيث يحكمه هوى المادة، وحيث يبعد ويشرد عن الله سبحانه وتعالى حكوماتٍ وشعوباً في أكثرها. الأرض تحتاج كلها كالأقصى الأسير إلى تحرير، وتحريرها بأن تنطلق من أسر الشيطان وقبضة الهوى، وحاكمية الطغيان، والظلم، والبغي، والاستكبار العالمي، لتنطلق على خط الحاكمية العادلة، حاكمية الحق، والعدل، والخير، حاكمية الله سبحانه وتعالى. ويبقى على الأمة أن تفعّل هذا اليوم وتستثمره استثماراً جيداً في وجه العدوان الصهيوني ومؤامرات دفن القضية وتذويبها.
وسيبقى هذا اليوم شاهداً من شواهد عديدة على تجاوز ذلك الرجل العظيم لكل الأطر الضيقة في التفاعل مع قضايا الأمة والإنسان، وانفتاحه على هموم الإسلام والمسلمين بكل جدية وإخلاص، وعلى هموم المستضعفين والمحرومين في كل مكان، ليسجل شاهداً على عظمة الإسلام، وانفتاح الإسلام، وعدم انغلاقيته، وأن الإسلام والعقلية الإسلامية، والقلب المسلم لا يؤطره المكان، لا يؤطره الزمان، لا يتقوقع مع الأطر القومية، ولا الأطر الجغرافية، ولا أي إطار. إنه ينطلق مع إرادة الله، إرادة الخير والجمال، ليبني الخير ويهدم الشر، ولينتصر للمظلوم، ويواجه الظالم في كل مكان، ومن أجل كل إنسان.
سلام إلى شهداء الدين وقيمه
10. وعلينا أن نسجل اعترافنا بعظمة الشهادة والشهيد، والدّين الكبير الذي تسأل عنه الأمة لشهدائها. فالمجد والشموخ لكل شهيد، ولكل يومٍ من أيام الشهادة، ولكل أرضٍ روّتها دماء الشهداء في سبيل الله، ومن أجل القيم الإلهية الرفيعة، المجد والعز والكرامة لشهدائنا وشهداء الإسلام في كل مكان.
اللهم صل وسلم على حبيبك المصطفى وآله النجباء، وقربنا إلى رحمتك، وأنلنا غفرانك، وهب لنا صفحك، واجعلنا من أهل محبتك وكرامتك، واغفر لآبائنا وأمهاتنا وجميع من له حقٌ علينا من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وجميع أهل الإيمان والإسلام يا رحيم يا كريم يا علي يا عظيم.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون