خطبة الجمعة (31) 16 شعبان 1422هـ – 2-11-2001 م
مواضيع الخطبة:
الصفح مفتاح الرحمة الإلهية
– الاحتفاء بذكرى
الأطهار تجسيد للتواصل – تنظيم الاحتفالات –
دولة الإمام المنتظر
الإقتراب بالحياة الفردية والأسرية والحياة الإجتماعية العامة من قيم السماء وأخلاق الدين وثقافته وأحكامه. وإلا فإن اهتزاز هذه القاعدة لا يتيح لنا إقامة بناء مستقر مأمون، ولا حياة كريمة إنسانية رابحة .
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أخرج الخلائق كلها من العدم إلى الوجود، وحدّد لها غاياتها، ووضعها على مساراتها، فلم يكن لها إلا ما شاء لها. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و لا عديل، ولا تحويل لما قدّره ولا تبديل، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله دعا إلى الحقّ وهدى إلى الصدق صلى الله عليه وآله وسلّم تسليما كثيرا.
الصفح مفتاح الرحمة الإلهية:
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمّارة بالسوء بتقوى الله، وأن لا نتعدى شيئا من حدوده، ” ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه ” 1/الطلاق. وأن لا نعصي الله سبحانه في خلقه، وأن نعرف لكل شيء حقّه، وما أثقل الذمم بحقوق الغير، وما أقرب أصحابها إلى النار، ولو راقب امرئ نفسه لوجد ذمّته مثقلة مرهقة بالحقوق المعنوية للأهل والأصدقاء والأعداء، ولا أرى إلا أنّا سنلتقي يوم المعاد مدينين لبعضنا البعض بحقوق لا يحصيها إلا الله، وما أشح أحدنا غدا على أخيه بالعفو إلا أن يرضيه الله، فلنخفّف اليوم الأثقال ما استطعنا، وليكن العفو عندنا شيمة، فمن عفا عن أخيه عفا الله عنه، ومن صفح وغفر كان القريب من رحمة الله ومغفرته ورضوانه.
الاحتفاء بذكرى الأطهار تجسيد للتواصل:
أمّا بعد فأهنىء نفسي وأهنئكم والعالم المؤمن كلّه بالذكرى السعيدة لمولد مولانا إمام العصر الحجّة بن الحسن، الإمام الثاني عشر من أئمة الخلق بالحق من أهل بيت العصمة والرسالة بعد النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أرواحنا لأضواء مقدمه الشريف الفداء. وأهنئ إخواني المؤمنين في هذا البلد الطيّب العشّاق لأهل البيت عليه السلام من أهل المساجد والحسينيات والمؤسسات هذا الإحتفاء الكبير والإحتفالات الكثيرة بهذه المناسبة المباركة الغالية على الجميع مذكّرا بأنّ خط الإمام القائم (عج) وهو خط جدّه الرسول الكريم وآبائه الأئمة الطاهرين، هو خط القيّم الرفيعة والمفاهيم الإسلامية النقيّة، والثقافة القرآنية الراقية، وأن التفاعل مع ذكرياتهم إنما يعني التفاعل مع هذا الخط وتثبيته وتركيزه في الذات فكرا وروحا وضميرا ومشاعر، وفي ساحة الواقع سلوكا قويما، وحركة هادية، ودعوة إلى الله وإلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.
تنظيم الاحتفالات عنوان للتلاحم والرقي:
وملفتا النظر مكرّرا إلى أهمية الإحتفالات المركزيّة في هذه المناسبات الكريمة بحيث تأخذ ليلة واحدة من أسبوع المناسبة الواحدة من دون أن تزاحم الإحتفالات المحليّة أو تقضي عليها، ومن دون أن تزاحمها تلك الإحتفالات أو تبدّد جمهورها الكبير.
فلسفة ضرورة الظهور:
والآن مع ذكرى المولد المبارك فيما يتصل ببدرها الساطع، وبطلها الكبير، ودوره الضخم، وأثره الهائل في إنقاذ هذا العالم، وترشيد حركته، وإنقاذه من هلكته:
لو سألنا أنفسنا لماذا ظهور الإمام (ع).. يأتي الجواب من الأحاديث المنقولة من أهل العصمة عليهم صلواته وسلامه عليهم أجمعين من النبي وآله عليهم أفضل الصلاة والسلام السبب هذا ” لينقضنّ عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأوّلهنّ نقضا الحكم وآخرهنّ الصلاة” فالإسلام وبعد فترة وجيزة من حاكميته الكبرى صار يتعرض على أيدي البشر إلى انحسار جزئي يكبر شيئا فشيئا كان الحكم الإسلامي على يد القيادة المعصومة المباركة المختارة من الله سبحانه وتعالى به تمام الإسلام وبه استمرارية الإسلام وهو ما يفهم من قوله تبارك وتعالى ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ” فلا تماميّة للإسلام ولابقاء للإسلام ولا شهود للعدل الإسلامي ومرونة الأطروحة الإسلامية إلا من خلال الشكل الكامل وبصوره التامة إلا من خلال حكم المعصوم عليه أفضل الصلاة و السلام ويأتي حكم من دل الأئمة عليهم السلام على حكمهم في غيبتهم في الدرجة الثانية من حيث حفظ الإسلام ومن حيث تجلّي صورته الرائعة في أفئدة الناس وفي الواقع العملي والساحة الخارجية أما حين يغيب الإسلام على مستوى الحكم فإنّه لا بد إن يبدأ العد التنازلي للإسلام على كل الأصعدة ومن مختلف الحيثيات وهذا ما حدث بالضبط، الصلاة هي آخر عروة تنقض وفعلا نقضت الصلاة على مستوى التطبيق العملي في كثير من أوساط المسلمين وجاءت مدة من الزمن تقلّص فيها وجود الصلاة إلى أن ضاق في حدود شريحة اجتماعية ضيقة جدا ثم بدأت الصحوة لتعود الصلاة وحيويتها وفاعليتها بدرجة ما وربما واجهت الصلاة أيضا إنكاراً عمليا حتى جاءت دعوات تقول بأن الإسلام يعني أن لا تبغض الآخرين فقط ألا تعادي الآخرين فقط ومنهم هؤلاء الآخرون سواء كان مؤمنا أو كان كافرا عليك ألا تبغض أحدا حتى لعمله عليك ألا تبغض أحدا حتى لباطله.
حذار من جاهلية متأسلمة:
من أحاديث هذه المسألة وما يقف خلفية وراء ظهور الإمام هذا الحديث الشريف “بعثت بين جاهليتين لأخراهما الجاهلية الأولى التي كانت قبل البعثة جاهلية طاغية، جاهلية مقته إلا أن الجاهلية التي تعقبت حكم الإسلام هي جاهلية أكثر طغيانا وأكثر عمى وأكثر إغراء لما يدعى لها من باب الزور من حيث التأصيل الزائف لفكر الجاهلية وتقديمه في صوره مفلسفة تغري كثير ممن لا يملك أن يمعن الفكرة وإلا يتأمل وإذا تأمل لم يسمع له عمقه الفكري بأن ينفذ إلى الحقيقة.
إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وأنتم تجدون غربة الإسلام حتى في مساجده وفي قلاعه وأنه مطارد في كل زاوية من زوايا المجتمع المسلم والوطن الإسلامي العام وأن المؤمن يتوجس خيفة في تنقلاته وإلى طرح فكرة يطرحه ليواجه من كثير من الأقلام ومن كثير من الألسن وينكر له حتى شرائح تحسب على الإيمان والمؤمنين، هذا كله لا بد به من أن يظهر الإمام حين تكاد الأرض تغرق في الجهل وحين تغيم الحقيقة ويكاد يتعذر على طالب الحقيقة أن يصل إليها وهذا الظرف ظرف أن تغيم الحقيقة وأن تنسد السبل عن الكثير للوصول إلى أي ضياء الحق هو ظرف إرسال الرسل وظرف مجيء المصلحين والمصلح الأكبر هو الإمام القائم فلابد من أن تتسم الحجة لله على الناس أن يظهر في الوقت المحدود.
دولة الإمام المنتظر شمولية تقدم:
الأحاديث تبشر بوضع عالمي متقدم جدا في كل أبعاده ” تنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم ينعموا مثلها قط، ترسل السماء عليهم مدرارها، ولا تدع الأرض شيئا من النبات إلا أخرجته والمال كدوس” (متراكم، كثير) ” العلم سبعة وعشرون جزءا، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزئين فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءا، فبثها في الناس وضم إليها الجزئين حتى يبثها سبعة وعشرون جزءاً وعلم القائم إنما هو من علم محمد (ص) ولكن ليس علما تحمل رسول الله (ص) كان الناس يطيقون أن يتلقوه فلذلك كان الكثير من علمه خزانة عند أمير المؤمنين (ع) وعند الإمام بعد الإمام من أئمة العصمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولكل زمن ما يناسبه من مستوى الطرح العلمي ومن مستوى الأحكام الشرعية والزمن الذي يكون أكثر تقدما هو زمن الإمام القائم (عج) حيث تكثر المبادئ والأطروحات فتأتي الأطروحة الإسلامية بكل إشعاعاتها لتفضح كل أطروحة ولتسقط كل واحدة من هذه الأطروحات.
الظهور تجل للحقيقة المغيمة:
وحاجة العالم اليوم إلى الإحكام المضاعفة بمقدار آلاف أو ملايين المرات بالنسبة لحاجة العالم إلى الأحكام زمن رسول الله (ص) نظر لتعقد الحضارة وتشابك مسائلها وغموض قضاياها ” إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى (له) كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته (راحة الكف) فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟
فكأن الإمام (ع) يكون في موقعه الخاص من الأرض يملك رؤية وليست غيبية وتكون علمية معللة تعليلاً طبيعياً ومن خلال القوانين الطبيعية يملك رؤية لكل هذا العالم وقد يكون التقدم في قوة الإبصار الصناعي أكثر مما هي عليه الآن وفي قضية أمر التوصيل أكثر مما عليه الآن بمرات مضاعفة، تتبع الأحاديث هنا وبصورة مختصرة تقدم لنا وضع حضاريا متقدماً جداً على المستوى المادي والمستوى السياسي والمستوى العلمي والمستوى الاجتماعي والمستوى الأمني ومن كل الحيثيات حتى يتجلى للناس جميعا بأن الإسلام لا تماثله أطروحة وان الإسلام فعلاً وحقاً هو القادر الوحيد على إنقاذ البشرية وهو يوم تتجلى فيه عظمة الإسلام وهو يوم من أيام اشراقات النور الإلهي في الأمن، هنالك يعرف الإنسان حقاً أن العدل عند الله وليس عند غيره وان الله هو أرأف بعباده من أي جهة وان النظام الذي جاء من عند الله هو نظام الرأفة والرحمة والحكمة والعلم واللطف والتقدم وبهذا يكون النظام وتطبيقه آية دالة على الإسلام وقائده للناس على توحيد الله سبحانه وتعالى.
إنسان الدولة المهدية إنسان العزة وعشق الإله:
إذا خرج المهدي ألقى الله تعالى الغنى في قلوب العباد، هذا مستوى إنساني متقدم جداً النفوس التي الآن تتهافت وتبيع ذاتها رخيصة، الإنسان الذي يبيع كامل شخصيته وكامل تاريخه ويبيع وطنه ودينه ويبيع آخرته من أجل لقمة العيش ومن أجل ثمن بخس عند ذلك تكبر نفسه وتعلو ذاته وتكون شخصيته الشخصية العزيزة الكبيرة العملاقة بحيث لا تعدل الدنيا شيئاً بما يشعر به من عزة وكرامة الانتماء إلى الله سبحانه والعزة بالله حينئذ لا يستلفته المال ولا يكون معشوقه المال بعد أن صار له معشوق حق وهو الله سبحانه وأنتم ترون من سيرة أمير المؤمنين ومن سيرة رسول الله (ص) والمعصومين كيف أنهم يكبرون على المال ولا تستطيع الدنيا أن تشتري منهم لحظة واحدة من العمر في حين أن أصحاب الشهادات العلمية الأكاديمية الكبيرة الذين لم يصنعوا صنعاً إنسانياً وإيمانياً يبيعون أنفسهم بأبخس الأثمان رئيس الولايات المتحدة قد يرشى، رئيس أكبر دولة قد يرشى إلى حرب أو يوقف حرب ليخون بلاده، أنتم ترون هذا في كل مكان أما الشخصية الإيمانية التي صنعت على يد الله سبحانه فيستحيل جداً أن تشتريها الدنيا بكاملها وكيف لقلب هوى الله وكيف القلب شد إلى الله يرى للمال بريقاً يخفت بريق المال كل جمال أمام جمال الله وعظمة الله وجلال الله وجمال الله وقدس الله والإنسان في تربية الإمام القائم (عج) يصعد بمستواه إلى بعيد جداً حيث يكبر على هذه الدنيا بكاملها نعم يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض هو التواصل التام القلبي والقناعة التامة والرضى التام من كل المحكومين بالنسبة إلى الحاكم “تأوي إليه أمته كما تأوي النحلة إلى يعسوبها” ويعسوب النحل هو رئيسها التفاف لأنه قمر الدنيا ولأنه شمس الدنيا لأنه نسيم الدنيا يرون فيه قناتهم الذي يعبرون بها إلى الله سبحانه من خلال علمه من خلال سلوكه من خلال معطيات سيرته (ص) من خلال عدله تتعلق به القلوب وتلتف به الأفئدة يستقطب كل القلوب التي تهوى الحقيقة والتي تعشق الجمال.
المهدي ملاذ الأفئدة الوالهة:
“المهدي كأنما يلعق المساكين الزّبد” الزّبد بالنسبة للمسكين طعام مقوي يعيد له نشاطه حيويته – المهدي كأنما يلعق المساكين الزّبد أي زبد؟ وأي مساكين؟ انهم مساكين المعنى مساكين المعرفة، مساكين العدل، مساكين الإنسانية، ليس مستوى الدكتوراه، مستوى الأستاذية، مستوى الباحث، كل هؤلاء المثقفين الذين كانوا يركضون وراء السراب، يبحثون عن الحقيقة، يبحثون عما يروي عطشهم من خلال الأطروحات الأرضية كل أولئك يجدون ضالتهم في الإمام القائم (عج) فيعتبرون أنفسهم مساكين وان الإمام القائم (عج) يقدم الزّبد ويقدم لهم الطعام ويقدم لهم الطعام الملذ ويقدم لهم غذاء انسانيتهم وغذاء معناهم.
قيادة المعصوم بعد عن إرهاصات مدمّرة:
كيف يتم التحول الكبير ولابد أن أسرع، التحول الكبير لا يأتي بمعجزة سماوية وفي الإسلام وفي القيادة الإسلامية الكفاية، نعم عندما يطبق الإسلام وعلى يد القيادة الكفؤة الأمينة تأتي توفيقات علوية خاصة للأرض ولأصل الأرض للقيادة للنخبة للناس جميعاً أما أساس الانطلاقة الناجحة فهو أن تكون أن تتمكن الأطروحة الإسلامية من قيادة البشرية ولا تتمكن هذه الأطروحة من قيادة البشرية بدقة إلا على يد المعصوم الذي يمتلك شخصية تتحمل ثقل القرآن وتتحمل ثقل السنة بأمانة وبالكامل.
دعوة المنتظر دعوة محمدية:
اسمعوا أيها الأخوة عن التحول الكبير وكيف يتم من خلال ما تقدمه الأحاديث الشريفة وأقرأها بسرعة. ” إن قائمنا إذا قام دعا إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله (ص) ” فهو نفس الأمر ولكن الأمر الذي دعا إليه رسول الله (ص) لمفارقة الأمة له طويلة ولانحساره من الساحة العملية حتى ينتهي الانحسار إلى مستوى الفكر والروح.
ذلك الأمر الذي كان معروفاً يصبح مجهولاً ولا يعود جديداً إذا قوبل به الناس إذا طرح على الناس فالإمام القائم (عج) يطرح إسلام رسول الله ولكن إسلام رسول الله (ص) لهجران الأمة له يرى جديداً ويرى شيئاً بدعاً يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (ص) دون الجاهلية تناطح السحاب جاهلية عمقت جذورها في الأرض، رفعت بناءها من خلال حضارة مادية ساخرة بالقيم ساخرة بالألباب ساخرة بالنفوس التي لم تنفتح على الحقيقة هذه الحضارة التي تمتلك من آلية الإعلام وتمتلك من وسيلة المال وتمتلك من وسيلة السياسة ما يضلل العقول وما يزيغ بالأفئدة لابد لهذه الحضارة أن تنهدم حتى ينفسح للإنسان أن يرى الحقيقة لا يهدم ما قبله كما صنع رسول الله (ص) ويستأنف الإسلام جديداً، ألا نحتاج إلى إسلام جديد والمصطلحات الغربية تغزو شبابنا وعقولنا وعقول باحثينا وعقول علمائنا وعقول متعلمينا، كل يوم نحن نبتعد عن الصورة الإسلامية، نبتعد عن فهم الإسلام نسلك في المفهوم الإسلامي لهذا الغزو الفكري الهائل بطّل (أي رسول الله (ص) ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل ليس عدل المال فقط وليس عدل الحكم فقط، العدل في كل مساحة الحياة العدل على مستوى الفكر العدل على أي مستوى من مستويات الحياة وأبعاد الإنسان وكذلك القائم (عج) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة، ما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل إذا قام القائم (عج) دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمر قد دثر فضلّ عنه الجمهور، هناك كتّاب يمتلكون من الخبرة يمتلكون من الفن وهناك ألسن خطابية تستطيع أن تضلّل الجمهور وأن تبعد الجمهور عن الفهم الإسلامي لدرجة مئة في المئة وانما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه وسمي بالقائم لقيامه بالحق.
دولة المنتظر حلم المظلوم المستضعف:
هذه الأحاديث كلها تقدم لنا دعوة الأطروحة تبشرنا بعودة الأطروحة الإسلامية بعودة شمس الإسلام التي لا حياة لأهل الأرض على مستوى الروح والعقل والعلاقات الإنسانية والأوضاع الاجتماعية وحتى العدل الاقتصادي إلا بها فهذا ركن من أركان الإنقاذ الركن الثاني هو القيادة المعصومة يقفو أثري لا يخطئ الوصف المنقول عن النبي (ص) في الإمام القائم (عج) هذا الوصف يقفو أثري لا يخطئ لا على مستوى فكر ولا على مستوى شعور ولا على مستوى تطبيق وهذه هي العصمة وسنته سنتي يقيم الناس على ملتي وشريعتي ويدعوهم إلى كتاب ربي دعوته صادقة وحكمه صادق وعلمه صادق فهو المعصوم عليه السلام وهو القيادة الأمنية وهو القيادة النزيهة وهو الداعية إلى الله والقائد إلى هداه يبلغ من رد المهدي للمظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده حبة بسيطة وصلت إلى ما تحت سن الغاصب ينتزع الإمام القائم (عج) ليعيد الحق إلى أهله يعيد الحق إلى أهله مبالغة في التقصي الدقيق للمظالم ورد هذه المظالم فهو العدل الكامل الدقيق يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا هذا هو الإنقاذ ولا نحتاج ماذا من باب لطف الله سبحانه وتعالى في هذه الألطاف في لطف الأطروحة الكاملة وفي لطف الإمام المعصوم كفاية لأن تنعم الأرض بكل ما تعشقه النفوس الإنسانية السوية من خير الدنيا وخير الآخرة ينضاف إلى ذلك توفيقات وعنايات ولطاف خاصة ورحمات متتابعة من الله سبحانه وتعالى حين تطبق الأطروحة الإسلامية وحين يطاع الله في الأرض اللهم صلي وسلم على حبيبك المصطفى وآله الأخيار النجباء وثبتنا على ولايتهم وقوّنا على متابعتهم ولا تفرّق بيننا وبين طريقتهم وأحينا محياهم وأمتنا مماتهم واجعل مأوانا عندك معهم يا كريم يا رحمن يا رحيم اللهم أغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولأهلينا ومن علمنا علماً نافعاً من المؤمنين والمؤمنات ولكافة أهل الإيمان يا أرحم الراحمين وأجود المعطين وخير المتجاوزين
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أرسل عبده المصطفى بالنور والهدى، ودعا إماءه وعبيده إلى قصده وتوحيده، رفعةً لشأنهم، وتكميلاً لذواتهم، ووعد على الطاعة بجزيل المثوبة، وعلى المعصية بأليم العقوبة، رحمة بالناس، وأخذاً بهم إلى الخير، وذوداً لهم عن الشر، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا غنى لأحدٍ من عدله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ما فارق الحق، وما قال إلا الصدق، دعوته الخير، وحكمه العدل، ومنهجه الهدى، وسيرته الصواب، صلى الله عليه وآله الأطياب .
في طاعته تكريم وفوز وفي عصيانه حرمان وخسر:
عباد الله خذوا بما أوصاكم به الله العزيز الحميد من تقواه، والعمل بما أمر، والازدجار عما زجر، فإنه الغني القوي الذي لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، وإنما لا يكون خير الناس إلا في طاعته، و منجى لهم من الشر إلا بتجنب معصيته ، فكان أمره تكرماً، ونهيه رحمه، وترك طاعته الحرمان، والإقدام على معصيته الهلاك والخسران. وقد قال عز من قائل (( .. وتزودا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب )) 197 البقرة، وقال قوله الكريم ((… أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون )) 2 النحل .
اللهم صل وسلم على أمينك على وحيك وخاتم رسلك، والهادي إلى سبيلك البشير النذير، والسراج المنير المسمى في السماء أحمد وفي الأرض محمد. اللهم صل وسلم على الصديق الأكبر والفاروق الأعظم المتتلمذ على يد الرسول ، ومن زوجه الزهراء البتول، خليفته في أمر الدنيا والدين على أمير المؤمنين. اللهم صل وسلم على الفاضلة الرشيدة، والمجاهدة الشديدة، والعاملة المصيبة، فاطمة الزهراء النجيبة .
اللهم صل وسلم على إمامي الرحمة ، ودليلي الجنة ، الهاديين الزاكيين، أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين، اللهم صل وسلم على ولاة الحق، وقادة الهدى، ونجاة الخلق خلفاء رسولك بالصدق على بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي العسكري، حكماء الصمت والنطق. اللهم صل وسلم على ولي الأبرار، وقاهر الكفار والفجار، وصية النبي المختار، مظلة الأمان، وصاحب الزمان، الإمام الأغر محمد بن الحسن المنتظر.
اللهم أنصره نصراً عزيزاً وأفتح له فتحاً قريبا، وكن له ولياً وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلا يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين .
اللهم الآخذ بنهجه ، السائر على دربه، القاصد قصده اهده إلى المراشد. وجنبه المزالق والمخاطر. وأكفه البوائق والمعاطب ولا تكله إلى نفسه ولا إلى أحد من لئام خلقك يا كريم .
نحن مستهدفون:
أمّا بعد ففي مثل هذا اليوم وهو الثاني من نوفمبر للعام السابع عشر بعد التسعمائة والألف كان الوعد المشؤوم الظالم لبلفور المعادي للحق بما فيه من كيد لأمة الإسلام، واستهداف لخلق الصراع الدائم في هذه المنطقة من الأرض ووضعها تحت نقمة الغرب. واليوم تتوسل أنظمة الأمة إلى أخلاف بلفور من أجل إنقاذ القدس، وتطهير الأقصى. فهي تحوّل العدو صديقاً، والذئب حارساً والظالم عادلاً..
نعم والدليل هو الدعم لإسرائيل، وتجويع العراق، وتدمير أفغانستان، والتهديدات الجدّية لحرق دول أخرى إسلامية عربية وغير عربية، والهجمة الثقافية، والعب المتواصل من نفط المسلمين، ونهب ثروة الأمة مرتين، مرة في هذا الاستنزاف للثروة الأولية بثمن بخس لتحريك الآلة الصناعية والحربية المعادية – وهو أمر يهدد مستقبل الأمة – وأخرى في التصدير المفروض على الأمة للمواد التحويلية بأثمان خيالية مضاعفة وفي الكثير مما لا ينفع ومما لا يضر.
بناء الذات مسلك لاسترداد الحق:
فيا أيتها الأمة المسلمة اختاري بين أن تعيشي على الأحلام الوردية المؤملة في رحمة العدو الجاني، بتقديم هدية هانئة، دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة تزاحم الوجود الإسرائيلي الحبيب للمهدين، أو أن تعودي إلى الأصالة، وبناء الذات على جميع المستويات لاسترداد الحق، وانتزاع الأرض والمقدسات من اليد العدوانية الغاصبة .
وننتقل أيها المؤمنون والمؤمنات إلى الشان الداخلي، ففي الوقت الذي يجب علينا أن نفكر في مصلحة العالم الإسلامي الكبير، ومصلحة العالم أجمع، لا بد أن نفكر في مصير هذه البقعة من الأرض التي تجمعنا على متنها ، ونتخذ منها عشاً لنا جميعاً – بحريننا المباركة – ونبحث عن كيفية الرقي بها، وضمان حياة مستقرة على ظهرها، وإسهامها في التقدم على خط الحركة الرشيدة النافعة بما يعطي مردودات طيبة في عالمنا الإسلامي والعالم كله .
خطوات عملية لبناء مجتمع متقدم:
إنه من أجل تقدم هذا المجتمع …من أجل رقيه وسعادة أبنائه .. من أجل حاضره ومستقبله … من أجل دينه ودنياه … ومن أجل إسهاماته الخيرة في حركة الرشد العالمي لا بد من:
1- الإقتراب بالحياة الفردية والأسرية والحياة الإجتماعية العامة من قيم السماء وأخلاق الدين وثقافته وأحكامه. وإلا فإن اهتزاز هذه القاعدة لا يتيح لنا إقامة بناء مستقر مأمون، ولا حياة كريمة إنسانية رابحة .
2- نبذ مبدأ العنف من جهة الحكومة والشعب معاً .
3- تقيد الحكم بمبدأ العدالة الشاملة لكل مرافق الحياة التي تدخل في اختصاصاتها.
4- أن تبقى الدولة والشعب كذلك مسألة الاختلاف المذهبي في دائرة الرأي والعبادة، من دون إعطائها أي بعد اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، من دون إثارات صاخبة وأساليب تثير الفرقة ، وتؤجج روح الانقسام في الساحات الأخرى.
ولا شك أنه مما ينقص هذا الأمر التهييج الطائفي على مستوى الصحافة والخطابة وكتب التكفير التي توزع في المساجد والمؤسسات ومن خلال البريد. وإذا قوبلت هذه الكتب بمثلها اشتعلت فتنة بين المسلمين داخل أوطانهم ، وضاعت فرص البحث عن الحقيقة في صخب الإعلام المتهور، وذهبت حرمة الأنفس والأموال والأعراض وهي الكارثة الكبرى.
5- الأخذ بمبدأ الحرية الذي تنادي به الضرورة الإنسانية ، ويتطلبه تقدم الحياة ، وتأذن به الشريعة السمحاء، ولا يحده إلا ما حرم الله من المنكرات والخبائث والتسافل ومحق الحق.
6- الخروج بالمواطن من دائرة الضغط للضرورات المعيشية من مأكل ومسكن وملبس ومنكح، بتوفير احتياجاته من الحلال في هذه الدائرة، إضافة إلى تمكينه من فرص العلم النافع والخبرات البناءة ودفعه على طريق نموه الإنساني وعمقه الفكري والروحي، وتنقيح إنسانيته وإنسانية الآخرين .
7- التأسيس لاقتصاد قوي وعادل نظيف لا بد أن لا يدخل في وسائله هدم الجانب الروحي والخلقي عند المواطن، و لا يستتبع هذه النتيجة الوخيمة من خلال طبيعة مشاريعه، فيؤدي إلى إنهيار خلقي عام وفوضى اجتماعية ، ويناقض بواقعه الساقط كرامة الإنسان ودوره ورسالته الكبرى في هذه الحياة، وينحرف بمسار الأمة عن اتجاهه الرباني الكريم القويم .
8- بناء حركة علمية شاملة تتلاقى مع هدى الإيمان وفاعلياته وأنشطته التي ينبغي أن تغمر الساحة كلها، وترشد معطيات الحركة العلمية في مقام الاستفادة والتطبيق لتخريج الشخصية الصالحة والمجتمع الصالح.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات ولآبائنا وأمهاتنا وأهلينا ومن كان له حق خاص علينا ومن عفا عنا عن مظلمة ظلمناه بها، ومن أحسن إلينا، اللهم واحم ثغور المسلمين وأوطانهم من كيد أعدائك، وأخرج المسلمين في فلسطين وأفغانستان والشيشان وكشمير من محنتهم قريبا عاجلاً يا علي يا قدير يا قوي يا عزيز .
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون