خطبة الجمعة (29) 2 شعبان 1422هـ – 19-10-2001م
مواضيع الخطبة:
مع ذكرى المبعث النبوي – شهادة
الإمام الكاظم (ع) – مصطلح الإرهاب والنظرة الإسلامية
المصطلحات المصنعة في معامل الفكر الغربي الحضاري والسياسي يتصف العديد منها بالتشويش والاضطراب وعدم الدقة، والكثير منها مصطلحات بيئية لا يصح تعميمها على العالم كله
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة ، وأحتجب عن الأبصار بالعزة ن واقتدر على الأشياء بالقدرة ، ودبرها بالحكمة ، وجعل لكل شيء غاية ومقداراً وموقعاً ومساراً ، ولا يملك شيء من دون إذنه تحويلاً وتبديلاً ، ولا يتقدم أجل ولا يتأخر عما قضى توقيتا ، نحمده الحمد الكامل الدائم الذي يليق بجماله وجلاله ن ولا يبلغ أحدٌ غيره من قدره . ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداًًًًً عبده ورسوله جاهد في الله حق الجهاد ، ودعا العباد إلى السداد والرشاد منصرفا عن الدنيا وانحرافاتها ، مقبلا بوجهه على ربه طالبا رضاه غير مبال بسخط من سواه ، اللهم صل وسلم على وزد وبارك وترحم وتحنن على محمد وآل محمد كما صليت وباركت و ترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد .
عباد الله اتقوا الله و اطلبوا الوسيلة إليه من ولاءٍ صادق ، وعمل صالح ، وقول حسن ، أو نية خالصة ، ولا تدعوا للشيطان إلى قلوبكم سبيلا بإدامة الذكر ، ومواصلة الشكر ، وتطهير النفوس وتزكيتها من كل خبيث ومن الحسد والحقد مما يبغض الله ، ولا يوفق لذكره من انطوى قلبه عليه ، وضمت جوانحه قبيحة .
أما بعد فالحديث في هذه الخطبة يتشكل من وقفتين ، وقفةٌ مع ذكرى المبعث النبوي الشريف ، ووقفةٌ مع شخصية الإمام السابع من أئمة الهدى من آل رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ، وهو الإمام موسى الكاظم عليه السلام الذي مرت ذكرى استشهاده في هذا الأسبوع .
مع ذكرى المبعث :
1-بعث صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً من عند ربه ليبعث في الإنسانية الحياة بعد الموت بإذن الله ، فالإنسان هو المنطلق والغاية للبعثة النبوية الشريفة .
كل الرسالات جاءت لتضع هذا الإنسان على خط كماله وليس له من خط لكماله إلا أن يعبد الله و يتلقى كل تشريعات حياته من عنده (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) هذه العبادة المكملة للإنسان ، الآخذة به إلى سمو ، إلى رفعة وصعود ، إلى قرب من الله الكمال المطلق .
لا تكثر في خطوط الكمال إنما هو خط واحد هو الخط الصاعد إلى الله وكل خط مما عدا هذا الخط هو خط هبوط ، وخط تسافل وخط للاندثار ، الغاية الكبرى للرسالات كلها ، هو أن يصنع هذا الإنسان تشريعاً على عين الله كما صنع تكويناً على عين الله وبعنايته .
2-بم تحيى الإنسانية وتتقدم ؟
(( ربنا وأبعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )) 129 البقرة / دعوة النبي إبراهيم عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، للأمة من نسله أن يأتي فيهم رسولاً منهم ..
الرسول يتلو عليهم آياته ، وتلاوة الآيات تقود إلى الإيمان ، استماع الآيات يبعث روح الإيمان في النفس ، ينفتح بها على الله يثير فيها مكنون الفطرة ، والفطرة ناطقة في داخل الإنسان بتوحيد الله ومجرد استثارتها و استنطاقها لما تغبر ، ولما تغبّر يعود بها إلى رؤية الله بجلاء و إلى الارتباط بالله سبحانه وتعالى بقوة .
((.. ويعلمهم الكتاب والحكمة .. )) منهجاً للحياة ، منهجاً لتربية النفس ، منهجاً تصح به السياسة ، يصح به الاجتماع ،يتقوم به الاقتصاد تصحح به كل جنبات الحياة ، علاقات الإنسان بالإنسان ، يسود العدل تسود الرحمة يسود الإحسان ، يسود العلم والمعرفة .
((.. ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم .. )) التزكية تعني الإنماء الصالح ، وليس مجرد الإنماء وأي إنماء إنما هو خصوص الإنماء الصالح ، التربية الآخذة إلى علو ، إلى صحة ، إلى استقامة ، هذه التزكية منهجها هو الكتاب الذي يعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته بمستوى معين ، وقيادة الأمة بعده صلى الله عليه وآله وسلم بمستوى أعمق وأكمل وبصورة مستوعبة وشاملة لئلا أن يرتفع علم الكتاب بوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأرض محتاجة إلى علم الكتاب حاجتها إلى المطر ، إلى الشمس ، إلى الحياة … فكيف يفارق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته بعلم الكتاب لتبقى وكأنها لم يبعث فيها رسول و لم تكن الأمة التي احتضنت خاتمة الرسالات ؟!
(( .. يزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )) – الوقفات سريعة –
(( كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون )) 151 البقرة / الآيتان الكريمتان تختلف في الترتيب بين تعليم الكتاب والحكمة وبين التزكية في دعوة إبراهيم عليه السلام ، الآية تقدم تعليم الكتاب والحكمة على التزكية ، وفي الآية التي تصف دور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ناحية عملية تطبيقية تقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة .
الآية الأولى تتحدث عن الترتب المنطقي ، والترتب المنطقي يقتضي أن التزكية تتمشى في ضوء المنهج الصحيح اللآحب وهو منهج الكتاب والحكمة الإلهية المتعالية .
أما الآية الثانية فتتحدث عن الممارسة ممارسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيق دوره في الناس ، وهنا والناس لا يقبلون بنفسيتهم الجاهلية المدبرة على فهم الكتاب فهما تفصيلياً وعلى فهم الحكمة فلا بد أن تزكى أخلاقهم أولاً ، لا بد أن يعودوا بشكل ما إلى الطبع الإنساني ، يبتعدوا عن حيوانيتهم ، عن وحشيتهم ، ليأنسوا الخلق الكريم ويأنسوا لوناً حضارياً راقياً على المستوى النفسي ، وعندئذ سيكون منهم إقبالٌ على تعلم الكتاب ، والحكمة والصبر على هذه العلوم الرفيعة السامية .
(( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه عندهم مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه – أي وقروه – ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ))157 الأعراف .
القيم ثابتة على خلاف النظرة المادية الغربية العشوائية الضائعة ، الآية الكريمة تقول : يأمرهم بالمعروف ، هناك معروف تعرفه العقول ، يعرفه عدل الله ، يعرفه علم الله ، يوافق عليه جمال الله وجلال الله ، هناك خلق من هذا النوع ، هناك خلق سافل يرفضه العقل ، تمجه الفطرة ، ينهى عنه الله سبحانه وتعالى ، تحاربه شريعته ، ذاك معروف يجب أن يعرف لكل الأجيال ، هذا منكر يجب أن تنكره كل الأجيال ، ومسئولية التربية التي تبدأ من الأسرة و تشترك مع مسئولية المجتمع ، مسئولية كل أولئك ، أن يعرفوا الأجيال القادمة بما هو المعروف وبما هو المنكر ولهم من داخل فطرتهم رصيد ، يستطيعون أن يتلقوا من خلاله هذا الفهم بصورة دقيقة وكاملة .
وإن هناك خبائث وهناك طيبات ، والحضارة التي لا تميز بين خبيث وطيب ولا بين معروف ولا منكر هي حضارة حيوانية منفلتة هي حضارة متسيبة هي حضارة بلا إنسانية ، هي حضارة لا تبني الإنسان ولا يمكن أن تحقق طموحات إنسانية الإنسان .
(( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) الكلمة المعروفة …. القصد هو الإنسان ، وكيف يصنع الإنسان ؟ يصنع الإنسان خلقياً
3-الإنسان المثال : الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي قد يطلق عليه النموذج أو الأنموذج ، الإنسان المثال : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) هذه هي شهادة الرب سبحانه وتعالى في حق العبد الذي ارتضاه خاتماً للنبيين والمرسلين وكلفه أضخم رسالة في العالم ، شهادته جل وعلا له صلى الله عليه وآله وسلم : (( وإنك لعلى خلق عظيم )) والخلق ليست الابتسامة الكاذبة وليست المجاملات ، إنما الخلق مستوى نفسي شفاف رقيٌ في الذوق الإنساني ، صحة في رؤية الفكر ضمير طاهر ، نية صالحة ، مشاعر فياضة بالخير ، ذات متألقة لا تند إلا بخير ، لا يترشح منها إلا الهدى لا يترشح منها إلا العطاء الصالح ، لا تتكلف حين تعطي صالحاً ، إنما الصالح هو المترشح منها ، هو إشعاعها هو فيضها … ذلك هو الخلق يا اخوتي الكرام .. (( وإنك لعلى خلق عظيم )) وهذا الإنسان لا يترشح عنه إلا الخير .. صاحب الخلق الكريم …
و إشعاعه بالهدى والنور ذاتي بعد فيض الله سبحانه وتعالى وهو ثمرة المنهج الإلهي القويم والتزكية في ضوء توجيهاته وتعليماته .
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم صناعة القرآن كما جاءت بذلك الأحاديث أن خلقه القرآن ، حين سئلن نسوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليست واحدة منهن فقط وفي رواية سئلن نسوته صلى الله عليه وآله وسلم واحدةً واحدة فجاء الجواب مفاده (( أن خلقه القرآن )) .
فالرسول هذا العظيم الذي يمثل أقوى شخصية على كل الأصعدة والمستويات هو صناعة القرآن ، القرآن يستطيع أن يصنعكم أمةً قادرة .. أمةً رائدة .. أمةً قائدة .. أمةً لا تقهقر أمام عدوان الكفر وأمام عدوان الضلال ، عودوا إلى قرآنكم ، لا تفتشوا عما يصدره الغرب والشرق لإنقاذكم أيها الأخوة ، قرآنكم ألزموه سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم تمسكوا بها تصنعون أفراداً أفذاذاً وتصنعون أمةً راقية قوية سامية ، منقذة للبشرية جمعاً .
4- إذن وبعد هذا … إذا كان هم الإسلام ، إذا كانت رسالة الإسلام … رسالة كل الأنبياء والمرسلين هي صناعة الإنسان ، إذن أين الاهتمام بالتقدم الاجتماعي بالتقدم السياسي بالتقدم الاقتصادي بالتقدم العلمي بالتقدم والعبادي وحتى العبادي الخارجي ؟؟
أقول لكم أيها الاخوة كل ذلك وسيلة ، حتى صلاتكم وسيلة ، صيامكم وسيلة ، حجكم وسيلة لصناعتكم ، على المستوى الفكري على المستوى النفسي ، على مستوى الضمير ، على مستوى المشاعر ، على مستوى الأهداف والطموحات ، لتتحولوا شيئاً و خيرا أقرب ما يكون إلى الخير المحض والخير المحض هو الله سبحانه وتعالى مع ذكرى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام :
أنقل لكم رواية من سيرته عليه أفضل الصلاة والسلام …
الحج ماشياً أربع سنوات ، كان يقضي في الحجة الواحدة ماشياً : 26 يوماً ، 25 يوماً ، 24 يوماً ، 21 يوماً .. وهو كما عن كتاب أعلام الورى : أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأفقههم ، كان مستهدفاً للسلطة الغاشمة يوم ذاك ، وذاق من مر السجون ما ذاق بلا أي لين ..
قبل ذلك أقول يا اخوتي : حين يمشي حاجاً أربع مرات في العمر وهو قادر … هنا تتجلى شخصية قوية ، شخصية قادرة ، شخصية تتمتع ليس بقدرة جسدية بقدر ما تتمتع بقدرة روحية ، بتفوق روحي ، بصلابة في العزيمة ، بإصرار على الدرب ، بإيمانٍ بالدرب ..وبإصرارٍ على الدرب ..
هنا رؤية فكرية مستقرة ، يقين ثابت ، بقيمة الحج ، بقيمة الخط الذي يمثل الحج وحدة من وحداته ، و مفردة من مفرداته ، هنا يقين ثابت ورؤية غير متزلزلة أصلاً .. فهنا قوة ، وهنا عزم يماشي تلك النظرة ومشاعر طهور في مستوى تلك النظرة وكل ذلك قوة ، فالإمام عليه السلام قوى على مستوى الرؤية الكونية ، على مستوى الرؤية لقيمة الإنسان ، على مستوى الرؤية الموضوعية للأشياء ، على مستوى الشعور ، على مستوى العزيمة والإرادة ، على مستوى الهدف الواضح والطموح الخير ، هنا قوة ؟ أيضاً هنا قوة ..
( أعبد أهل زمانه )، هذا يحتاج كما تعرفون إلى إيمان إلى عزيمة ، إلى قناعة تامة بالخط ، إلى صبر متواصل ، إلى أكثر من صبر ، إلى رقي إلى مستوى الشوق ، إلى مستوى الاندماج بحب الله سبحانه وتعالى والذوبان في الشوق إليه .
هنا روح متعالية ، روح شفافة لا تتنازعها الأهواء لا تنال منها الشهوات ، وكان هذا بعد من القوة في العبادة ، بعد من القوة في الجانب السياسي ، في جانب المواجهة السياسية ، في الكفاح السياسي ، في مناهضة الظالمين ، في تحمل عبأ الدور الاجتماعي الثقيل الذي تتخلف عنه كواهل الكثيرين ، وكواهل الملايين وكواهل كثيرين من الصفوة والنخبة عند الأزمات و خاصة في حالات الانفراد ..
كان مستهدفاً للسلطة الغاشمة يوم ذاك ، وذاق من مر السجون ما ذاق بلا أي لين .. ولا تضجر ولا تزلزل في الإيمان بالخط وقيمته واستحقاقاته ، وهو محرر للعبيد صلوات الله وسلامه عليه ، وتحرير العبيد أيضا يعني قوة ويعني انطلاقة رؤية ويعني إنفساح في الشعور ويعني شفافية في شعوره بقيمة الإنسان ووضوحاً في قيمة الإنسان عنده ، وانفتاحاً على الإنسان كل إنسان ، وهذا بعد من أبعاد القوة يخفى في كثير من شخصيات الناس .
( وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل يحمل إليهم الزبيل فيه العين – نقود – و الورق – أيضاً نوع من النقود – و الأدقة – مثل الطحين – والتمور ، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو ) وهنا بعد آخر من أبعاد القوة حيث العمل في ساحة لا يراها إلا الله سبحانه وتعالى ولا تلحظها إلا عين رقابته وتقديره ، أيضاً هنا إيمان بالغ هنا ارتباط بالله عز وجل ، هنا بذل للمال ، هنا إحساس بآلام الآخرين ، إحساس بجوعات الآخرين ، هنا التفات هنا شخصية متكاملة لا تشغلها المسائل الكبرى في نظر الآخرين عن مسائل قد يتشاغل عنها المشتغلون بالسياسية والمشتغلون بالساحة المكشوفة من الاجتماع ..
صلوات الله وسلامه عليه كل علاقاته ، كل جهاداته ، كل مهماته الكبار لا تشغله عن الفقير الذي لا تلحظه العيون ، عن اليتيم المتواري وراء جدار يكاد يسقط ..وهو صلوات الله وسلامه عليه ليس في موقع الحكم ..
( إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرة دنانير وكانت صراره ما بين الثلاثمائة إلى المائتي دينار ، فكانت صرار موسى عليه أفضل الصلاة والسلام مثلا ) يضرب بها المثل في العطاء ، هذا التسامح أيضاً هو بعد آخر من أبعاد قوة الشخصية وطهرها ونزاهتها وشفافيتها كما ترون ، وهو التعالي على الخصومات ، مقابلة الخصومة بالتسامح ، مقابلة الإساءة بالإحسان وهي الشخصية القرآنية ، التي لا يكثر عليها من شيء من هذا أبداً ..
وقد خاض المواجهات الفكرية والثقافية من موقع الفكر الذي لا يزل والفهم الذي لا يضل وهذه ساحة كبرى من ساحات المواجهة والكفاح و النضال لا يخوضها إلا القليلون من أهل الصفوة ، فكانت المرحلة مرحلة اختلاط فكري ومرحلة دخلها الغريب من كل الثقافات وأعطت إيجابيات في تحريك الفكر ، لكنها دمرت كثيراً وأضلت كثيرا ، وأحدثت شكوكاً ، وقللت من وزن الإسلام في منظور الأفكار الخفيفة ، فجاءت مواجهة ابن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سليل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتوقف الزندقة والكفر والثقافات الغريبة عند حدها وتحجمها وتجعلها تتوارى أمام عظمة الإسلام وعظمة الفكر الإسلامي ، وعظمة الخط الإسلامي ، وما أحوجنا اليوم إلى دور من دور الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، دور الإمام الصادق الباقر ..الأئمة عليهم السلام ، في هذه المنازلة الفكرية الصعبة التي تحتاج إلى رجالات كثيرين من أبناء الأمة وإلى مختلف التخصصات وإلى العطاء الثر والجهد الجهيد ، والسهر الدائب من أجل بقاء الإسلام ، ومن أجل عزة الإسلام وكرامته ، ومن اجل هداية الإنسان ،الإنسان ليس هنا فقط ،و إنما الإنسان في كل مكان ..
أنقل لكم حادثة واحدة هنا فقط في المواجهة الفكرية : الكثير من المسلمين من غير خط أهل البيت عليهم السلام فسروا آية (( الرحمن على العرش استوى )) بجلوسه سبحانه على عرش يشبه الكرسي .. هذا هو تفسير المفسرين من جمهور المسلمين ل استوي على العرش .. فكان رده صلوات الله وسلامه عليه : (( إن معنى (( الرحمن على العرش استوى )) هو استولى على ما دق وجل )).أي شملت هيمنته كل شيء ، سلطانه منبسط على كل دقيقة من دقائق الكون وعلى خلجة من خلجات النفوس وعلى كل تشابك من تشابك العلاقات وعلى كل ظاهر وباطن ))يقول صلوات الله وسلامه عليه فيما يتراءى انه من تكملة الرواية : (( أي إن الهيمنة متحققة له على الوجود بأسره ، فالاستواء هنا يساوي وصفه تعالى بذي الطول – أي القوة _المهيمن مع قرب وحضور لا يبعد ولا يغيب ))
الله ليس غائباً عن شيء .. الحاكم يهيمن على كل شيء بوسائط وعن بعد ، وبشكل اعتباري وإذا كان له حظ من التكوين فبمعونة الآخرين ، الذين يستطيعون أن يخذلوا الحاكم ويسقطوا سلطنته على الآخرين ويسقطوا هيمنته فيما هو داخل تحت هيمنته اعتبارا ، أما الله سبحانه وتعالى فلا يناله شيء من ذلك . سيرة رسول الله (ص) وأهل بيته ج1 ص 346.
فالاستواء هنا يساوي وصفه تعالى بذي الطول المهيمن مع قرب وحضور لا يبعد ولا يغيب …
نعم إنه الصمود الشامل وعلى كل المستويات ومنبعه الإيمان ، كمال الذات ، الخلق العظيم ..
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام واجعلنا في درعك الحصينة التي لا تخترق برحمتك يا ارحم الراحمين ..
بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
الخطبة الثانية
الحمد لله الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والمؤمن بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا أحد، والرب بلا شريك، والملك بلا تمليك، والفاطر بلا كلفة، والفعّال بلا عجز، لا يحده عقل، ولا يناله وهم، ولا تدركه الأبصار، ولا يغيّره الليل والنهار، ولا تعتريه زيادة ولا نقصان، ولا يمسه عارض، ولا يعجزه مارد، نحمده شاكرين، ونسبح باسمه عابدين.
نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا ضد، ولا وزير ولا معين، وننزهه عن أن يكون له شيء من ذلك وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وحبيبه اجتباه وحباه وكرمه وأعلاه، وقربه إليه ورضيه وأدناه.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك وصفيك وخاتم رسلك محمد وعلى آل محمد الطاهرين المعصومين.
عباد الله اتقوا الله وكونوا مع أوليائه، وجانبوا أعداءه، وإنما تمتحن القلوب وسلامتها بما فيها من حب الله وأوليائه، أو للشطيان وأوليائه، وبما فيها من بغض للرحمن ومن والاه، أو للشيطان ومن جاراه. وما المرء إلا بقلبه، والحب مرآة الذات، وصورة عنها إن سمت سما، وإن اتضعت اتضع، ولا يكشف لك عن نفسك في قربها أو بعدها من الله سبحانه أكثر من حبك لأولياء الله وبغضك إياهم ، ومن حبك لأعداء الله أو قلاهم.
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك، اللهم صل وسلم على البشير النذير والسراج المنير، المبعوث بالرحمة، والمنقذ للأمة، عبدك المؤيد، ورسولك المسدد، النبي الأمي محمد. اللهم صل وسلم على أخي رسولك ووزيره، وخليفته وحافظ سره، العالم الأمين علي أمير المؤمنين. اللهم صل وسلم على الزاهرة الطيبة الفاخرة، العابدة الزاكية الصابرة الزهراء البتول فاطمة الصديقة بنت الرسول. اللهم صل وسلم على العلمين الهاديين، والسبطين الطاهرين، والقمرين النيرين، والإمامين المطاعين سيدنا أبي محمد الحسن وسيدنا أبي عبدالله الحسين. اللهم صل وسلم على الأئمة المعصومين، والقادة الميامين، حججك على العالمين، الهداة إلى الدين القويم سيدنا أبي محمد علي زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري السادس الميامين. اللهم صل وسلم على أمان الأرض، ومقيم العدل، ومن هو على الكفر والنفاق والظلم حرب، السيف المسلول، والإمام المنصور، المهدي العالم، والمنتظر القائم. اللهم انصره نصراً عزيزا، وافتح له فتحاً يسيراً، ومهد له تمهيداً، وسهل عليه تسهيلا، وأقرّ به عيون المؤمنين، وانتقم به للمظلومين والمستضعفين، انتقام حق وعدل، كما هو شأنك يا ذا الجلال والإكرام وكما هو خلق وليك الذي لا يزيغ عن الحق، ولا يميل عن العدل يا علي يا عظيم يا قوي يا عزيز.
اللهم انصر ناصره واخذل خاذليه، من سلك مسلك التمهيد لنصره ودولته فأعزه بعزك، وأيده بتأييدك، ومن باعد منه، وصد عنه فصدّه عن رحمتك، وباعد بينه وبين ما يريد.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فلمصطلح الإرهاب الذي يسوق له عالمياً أن يستوقف كل الشعوب وكل الناس مرة بعد أخرى لما يترقب له من تطويق الأعناق، وشل الإرادة، وإسكات صوت الحق، واستباحة الدم الحرام. ونسأل هنا ما هو الإرهاب الذي إذا ثبت في حق فرد أو جماعة أو دولة وجب أن تهب الدنيا كلها في وجه مرتكبه؟ وأضع الحديث عن الإجابة وما يتصل بها في نقاط :
1-المصطلحات المصنعة في معامل الفكر الغربي الحضاري والسياسي يتصف العديد منها بالتشويش والاضطراب وعدم الدقة، والكثير منها مصطلحات بيئية لا يصح تعميمها على العالم كله، ولكل حضارةٍ رؤاها وخصائصها التي قد تتنافى وحمولة تلك المصطلحات، وفي استيرادها المفتوح أو تصديرها القهري مخاطر حضارية وأخلاقية, وعلى مختلف المستويات.
2- نسأل ماذا تعني قوة الردع النووي التي تمتلكها أمريكا، أوروبا، روسيا ألا تعني إرهابا؟ ألا تعني أن يسكت صوت الدول الأخرى، أن تتقزم الدول الأخرى، أن تندق الدول الأخرى، أمام الإرادة الأمريكية خوفاً من القوة النووية الرادعة – ما معنى الردع؟ الردع هنا بماذا؟ الردع هنا بالقوة الإرهابية، فهل تريد أن تحارب أمريكا نفسها لأنها مرهبة؟! إذا لم يتحدد معنى للإرهابي خاص، فإن الإرهاب شاملٌ بالموقف الأمريكي الذي يهدد العالم كله. – ماذا تعني أجهزة الشرطة والجيش والمخابرات في كل مكان؟! ألا تعني أنها قوة إرهابية لتسكت صوت الشعوب.. مرةً لتأدب المجرم، ومرةً لتسكت المطالب بالحق والعدل. بماذا تحاول أمريكا اليوم أن تفرض سلطتها على العالم؟ عن طريق ضرب المثل الأعلى في العدل والإحسان؟! الآن أمريكا تتقدم بزعامة العالم لقيادة العالم عن طريق ضربها المثل الأعلى في العدل والإحسان والتسامح والقيم الخلقية الرفيعة، أم عن طريق آخر؟! أم عن طريق التهديد وتحريك الأساطيل والبطش والفتك وإشعال النار لحرق الإنسان وما زرع وما بنى وما صنع.. أي الموقف هو موقف أمريكا والدول القوية الآن؟!
3- عن النظرة الإسلامية في الموضوع نقرأ بعض النصوص من كتاب الله العزيز الحكيم:
الإرهاب إرهابان ، إرهاب مطلوب وإرهاب مرفوض .
أ-الإرهاب المطلوب: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ(154) ) يرهبون لإرهاب الله، الله له إرهاب سبحانه وتعالى، ملكه العظيم يرهب أصحاب العقول والقلوب المنفتحة على الله عز وجل، قدرته التي لا تجارى، بطشه سبحانه وتعالى لمن يقاوم ملكه، لمن يتمرد هذه الإماتة، هذا الافقار، هذا الإغناء، هذا التقليب للأحوال – من رأت عينه شيئاً من قدرة الله رهبه، رهب وخضع وخشع- في هذا المساق، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60) ). كأن الآية الكريمة تحمل فكرة القوة الرادعة. ولكن القوة الرادعة التي يقف ورائها العدل، ومن أجل تطبيق العدل، ومن أجل تأديب المستكبرين، ومن أجل قطع أيدي المستغلين،لا من أجل استنزاف الشعوب والأمم، ومن أجل إضعاف الآخرين، ومن أجل استحمارهم، ومن أجل تجهيلهم ، فرقٌ بين الأمرين.. الإسلام يتخذ القوة الضاربة التي تردع من تحدثه نفسه في مقاومة العدل والحق ومواجهة الله عز وجل. هذه النفس التي تتحدث بهذا حين ترى من قوة الإسلام ما تراه ترتدع، وتُغنى الأرض عن الحرب بما في يد العدل من قوة. إذا كانت القوة بيد العدل استراحت الأرض من الحرب، لأن العالم لا تمتد يد الإثم منه إلى أي إنسان. هذا إرهاب وهو ارهاب بأمر الله عز وجل به (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)
ب-الإرهاب المرفوض: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33)). نحارب مصطلح فقهي، إسلامي. وهو المخل بأمن الآمنين، بالأمن العام للناس، ولا يعني المعارضة للحكم السياسي، هؤلاء الذين يقطعون على الناس السبيل، ويقفون في الطرق بالسلاح، لينهبوا، ليقتلوا ليخيفوا. الذين يسطون على الآمنين في كل مكان، شرازم، عصابات، تخرج هنا وهناك، لتمارس هذا الدور، كان الممارس فرداً أو عصابة أو جماعة فإن الإسلام هنا يعطي هذه العقوبة الصارمة لمثل هؤلاء الذين يخلون بأمن الآمنين. والآية الكريمة في جانب وما تتحدث عنه الرسميات من الأمن العام في جانبٍ آخر فلا يكن خلط. هذا الإرهاب قطع السبيل عن الناس الطريق عن الناس إرهاب يواجه الإسلام بكل صرامة. انظروا إلى العقوبة،( أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض )، وفي بعض التطبيقات الفقهية والتفسيرية أن ينفى من أرضٍ، ولينفى من الأرض الثانية، ولينفى من تلك الأرض الثالثة، وهكذا.. فالإسلام يواجه الإرهاب كل المواجهة بصلابة وبأشد ما يكون.
4- لا ظلم ولا عدوان في الإسلام: – المصطلح الإسلامي ليس الإرهاب – وإذا أردنا الإرهاب مصطلحاً نقسمه إلى إرهابٍ عدواني، وإرهابٍ غير عدواني (تأديبي)، وإذا كان هناك إرهابٌ عدواني، وإرهابٌ تأديبي لابد أن يبحث عن الجاني الأول في المسألة، ومن أين صدرت الفتنة، ومن كان السبب في نشر الرعب والإرهاب في هذه الدنيا حتى وصل الأمر إلى ميكروب الجمرة الخبيثة و هو إرهابٌ من أخطر الإرهاب.
5- لا ظلم ولا عدوان في الإسلام.. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)). (..وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا..). هناك بغض من قريش شديد للمسلمين، هناك صد عن المسجد الحرام، هذه الأسباب لا يقبلها الإسلام خلفية لاستساغة العدوان على قريش من المسلمين قولوا الله أكبر للإسلام. (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(42)) هنا الآية لها جنبة إيجابية وجنبة سلبية. الجنبة الإيجابية أنها ترفض السبيل، ترفض إعطاء مسوغ، إعطاء حق للإيذاء، لشن حربٍ.. إلخ. (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ..) لا سبيل لأحدٍ على أحد إلا أن يكون ذلك المأخوذ قد ظلم. (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190)) العدوان هو أي انحراف عن حدود الله سبحانه وتعالى، على أي مستوى من المستويات، وحدود الله هي العدل الحق. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(87))..
6-رفض الظلم والعدوان.. (..فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(194).. لا تجاوز في الرد على الظلم والعدوان؛ إنما يرد على العدوان بمثله، (..فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ..)، وانظر إلى التذييل ، وهذه الضمانة موجودة في نفس المؤمن، في قلب المؤمن، في أعماقه، ولا توجد في ظل تربية كافرةٍ فاجرة، (..وَاتَّقُوا اللَّهَ..) هناك تأديبات قانونية في الإسلام وعقوبات. لكن الركيزة الأولى للارتداع هي: وَاتَّقُوا اللَّهَ. لأن النفوس المؤمنة قابلة لأن تتقي الله عز وجل وترى في عقوبة الله، في سخط الله أكبر مما تراه في عقوبة الآدميين، واعلموا أن الله مع المتقين. (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39)). ظلمت أعطيت رخصةً للمظلوم أن يقاوم. (وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ(41)). لا مؤاخذة على جهة يتحدد ويتعين أنها مظلومة وليست ظالمة.
التعاون المطلوب والتعاون المرفوض: الإسلام لا يطلق المصطلحات على عواهنها، الإسلام دقيقٌ كل الدقة. كيف لا وهو من عند الله. (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)). يا أمة الإسلام وأنظمة الحكم في بلاد الإسلام وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.. فهل شخصتم أن التعاون مع أمريكا على أفغانستان هو من التعاون على البر والتقوى مبروكٌ لكم أيتها الأنظمة الحاكمة.
الحكومة الإسلامية وموقفها من الظلم والعدوان: الحكومة التي يرتضيها الإسلام، التي يقيمها الإسلام، حكومة القرآن. (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)). هذه هي حكومة البناء ، حكومة الإصلاح، حكومة العدل، حكومة مداواة جراح المستضعفين في كل مكان.
اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد وآمنا في ديننا ودنيانا وجميع إخواننا المؤمنين والمؤمنات واغفر لنا ولهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90))