خطبة الجمعة (28) 24 رجب 1422هـ – 12-10-2001م
مواضيع الخطبة:
المــوت .. ومظاهر قدرة الله
..وعدل الله..
وليس بين الدار وبين أن تدخلها إلا الباب ، والموت باب الآخرة ، ومتى أدخل الآخرة ؟ بعد سنة ؟ بعد شهر ؟ بعد أسبوع ؟ بعد يوم ؟ بعد لحظة ؟ لا أدري إنني في كل لحظة أتوقع أن تحدث لي النقلة الكبرى من هذه الدنيا إلى الآخرة .
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده على جزيل عطائه وكثير امتنانه ، وعظيم نعمائه ، ولي النعم ودافع النقم ، وحافظ النسم . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون . اللهم صل وسلم عليه وآله حججك على عبادك و أمنائك في بلادك .
عباد الله اتقوا الله ولا تحلوا إلا ما أحل ، ولا تحرموا إلا ما حرم ، ولا تضلوا الطريق في طلب الهدى والخير والعز والتقدم . فما هو إلا طريق واحد وهو طريق الله المتمثل في شريعته ، من التزمه وصل ، ومن حاد عنه انقطع وضل ، وإن دين الله في حلاله وحرامه ، ولا يقاس بالعقول فاطلبوه من مظانه ، ومن الطريق الذي أذن به ، ولا تفرق بكم السبل عن سبيله .
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك ونستغفرك ، اللهم فاهدنا سواء السبيل ، وأرشدنا إلى الطريق القويم ، وأغفر لنا كل ذنب عظيم ، وأغفر لآبائنا وأمهاتنا وأهلينا و إخواننا من المؤمنين والمؤمنات أجمعين .
أما بعد – عباد الله – فإن الموت قدر الله الذي لا مفر منه ولا مهرب وإنه لآت ، وكل نفس إلى فوات . وهو نقلة من دار إلى دار ، ومن عالم إلى عالم ، ومفارقة من روح لبدن ، تعيش من بعده عذاب ما قدمت أو نعيم ما كسبت . والعبد لا يدري متى يأتي الأجل ، وينقطع العمل ، وليستقبل خيراً مقيماً أو شراً دائماً ، فلتنظر نفس ما قدمت لغد ، ولتنظر ماذا تريد أن تلقى عند موتها فتسعى إليه ، وكما أن الحياة لم تكن إلا بقدرة الله وأذنه وحكمته . فالموت كذلك مظهر من مظاهر قدرة الله وفاعليته وتقديره وحكمته وهو لون آخر من الحياة ، ونشاة جديدة في وجود هذا الإنسان ..
((نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين … )) 60 –61 الواقعة . الموت ليس غلاباً لقدرة الله ولم يأت على الحي من نقص في قدرة الله ، الموت بقدرته لا خارج قدرته ، الموت بقدره وليس الموت بتقدير غيره ، ليس أن قدرة الله عز وجل عاجزة عن أن توجد هذا الإنسان ليعيش أبدا ، وليمتنع عليه الموت ، إنما هو قدر الله سبحانه وتعالى (( .. وما نحن بمسبوقين ..)) ليس القرار بيد الأسباب ، ليس القرار قرار مغلوبية ، إنما هو قرار غلبة من الله سبحانه وتعالى وتقدير منه .
((نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين . على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون )) 60 –61 الواقعة . (( قدرّنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم )) إنه داخل في إرادة الله عز وجل أن يموت هذا الإنسان ليأتي مكانه إنسان آخر من سنخه ، لحكمة و غاية وتقدير دقيق عند الله سبحانه وتعالى ، يموت الجيل الأخر ، ليأتي الجيل الأول ليؤدي دوره في هذه الحياة ويدخل تجربة الحياة وتقام عليه الحجة في هذه الحياة ، من أجل أن يحضر لآخرته ، من أجل أن يبني نفسه ، من خلال هذه التجربة المريرة التي يرتبط بها مصير الإنسان كله .
الارتباط بين قدرنا وبين على أن نبدل … ((نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين . على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون )) فهي نشأة أخرى ، ما نسميه موتاً نشأة أخرى ، أو هو العتبة للنشأة الأخرى .((.. وننشئكم في ما لا تعلمون )) وليس لتتحولوا عدماً ، إنما هناك حياة انتم تعدون لهذه الحياة في هذه الدنيا ، منكم من يعد نفسه للحياة الآخرة ومنكم من يهمل نفسه ، فيتحول إلى شيء شبيه بالحجر ، إلى وقود من وقود النار ..
الآية تفصح هنا ، يظهر منها أن هناك نشأة أخرى ، أن هناك حياةً أخرى ، أن هناك ظروفاً أخرى ، أن هناك معادلات خاصة تتناسب معها حياة الآخرة ، كما أن حياة الرحم تختلف عن الحياة على سطح الأرض فهناك حياة أخرى هي حياة الآخرة ، التي تختلف بمعادلاتها وظروفها ومتطلباتها عن هذه الحياة .
والحديث في هذه الخطبة أيها الاخوة ، حديث كله عن الموت ..
(( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور )) 2 الملك . فانظروا أحسن العمل ، ولا تبتغوا عنه بدلًا ، ولن تجدوا عملاً حسناً إلا ما وافق كتاب الله والسنة الثابتة للمعصومين عليهم السلام ، وما خالفهما لا يأتي إلا زخرفاً وباطلاً وقبيحاً سيئاً .
((..ليبلوكم أيكم أحسن عملاً..)) هنا ميدان التجربة ، وهناك ميدان الحصاد ، هنا تقدم عملا حسنا ، وهناك تجني ثمار العمل الحسن ..
وعن الموت بصورة عامة فلنسمع :
(( الموت أول عدل الآخرة )) نعم في لحظة الموت ينفتح النظر على عدل الله في الآخرة ، فيعاين المحسن مالا يعاينه المسيء ، ويرى المسيء نتيجة عمله ويرى المحق المحسن نتيجة عمله ، لا يتأخر الجزاء إنما الجزاء يبتدأ مع لحظة الموت ، في تلك اللحظة يعرف الإنسان كم جنى على نفسه ؟ وكم كسب لنفسه ؟ هناك يظهر العدل ، هناك لا تنفع الشفاعة إلا بإذنه سبحانه وتعالى ، هناك لا يكون الحساب الجزاف بحيث يظلم أحد من الناس ، هناك تتقطع الأرحام ، تتقطع العلائق ليكون الشفيع الأول بعد رحمة الله هو العمل الصالح . (( الموت أول عدل الآخرة )) .
(( بالموت تختم الدنيا )) كلمة صعبة على النفس ، هذه الدنيا التي نتمسك بها ، نعمل من أجلها نبذل كل شيء من أجل البقاء فيها ، بالموت الذي لا ندري متى يحل تنقطع الدنيا ، تختم الدنيا . ماذا يعني ختم الدنيا ، يعني انقطاع العمل ، يعني أن لا عودة لعمل صالح ، يعني أن الندم لا يفيد ، يعني الوقت لمن فرط وقت حسرة لا تنقضي . (( بالموت تختم الدنيا )) .
(( الموت باب الآخرة )) وليس بين الدار وبين أن تدخلها إلا الباب ، والموت باب الآخرة ، ومتى أدخل الآخرة ؟ بعد سنة ؟ بعد شهر ؟ بعد أسبوع ؟ بعد يوم ؟ بعد لحظة ؟ لا أدري إنني في كل لحظة أتوقع أن تحدث لي النقلة الكبرى من هذه الدنيا إلى الآخرة .
(( إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته ، يرى ما له من خير أو شر )) وهذا تفسيرٌ لقامت قيامته ، يرى ما له من خير وما له من شر ، تظهر النتائج الأولية للامتحان الدنيوي . وإذا كان عمر الإنسان دقائق وثوانٍ ولحظات ، وإذا كانت حياته مجموعة من الأنفاس ، فكلمات علي أمير المؤمنين عليه السلام تقول : (( في كل وقت موت ))، (( في كل لحظة أجل )) ، (( في كل نفس فوت )) .
حياتنا كلها مجموعة أنفاس ، وكل نفس ينقص هو موت ، هو نقلة من حياتنا ، هو إدبار لهذه الحياة ، هو تقص لهذه الحياة ، أنا الآن أموت نعم أموت وأموت و أموت ن كل نفس من حساب حياتي يخرج فهو موت لهذا النفس ، و موت لحظة العمر ، اعبؤها بخير أو شر ، هي لحظة واحدة ولكن ترتفع قيمتها عالياً بلون ما أعبؤها ، إن عبأت اللحظة الواحدة بخيرٍ ارتقيت مرتقى الملائكة وأكثر ، وإن عبأت اللحظة الواحدة في حياتي بشرٍ انتكست الانتكاسة ، فكنت في الأسافل ، مع القمامات ، مع كل القاذورات .
بلى .. (( في كل نفس فوت ) ) فما الموت الذي نهاب ونحذر منه إلا آخر لحظة ، أنا سأموت أنت ستموت ؟ بلى ، ما موتي وما موتك ، موتي وموتك آخر لحظة من لحظات حياتي ، انتهاء هذه اللحظة ، خروج آخر نفس هو الموت ، الآن يخرج نفس ويدخل نفس ، فأنا أموت في النفس الأول ، وأحيا في النفس الثاني ، ولكن يأتي نفس أخير فيخرج فلا يدخل وراءه وفي عقبه نفس ، وهذه هي الوفاة ، هذا هو الموت .
وآخر نفس لنا من لحظات لنا معدودة ، وأنفاس محدودة هو الموت ، وهو يطاردنا ليلاً نهاراً (( إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ، ولا يعجزه الهارب )) ، (( وما أقرب الحياة من الموت )) بلى ما أقربها منه ، وقال صادقاً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (( الحياة ما أقربها من الموت )) بعد إن كانت الحياة والموت لحظتين لصيقتين ، وبعد أن كانت الحياة والموت نفساً وانقطاعا لهذا النفس ، ليس أقرب من نفس يعقبه عدمه ، عدم النفس الأخير هو الموت ، فما ألصق الحياة بالموت …. بعد أن كانتا لحظتين لصيقتين لا يفصلهما فاصل ، إذ هو نفس وانتهت الحياة ، أي جاء الموت ، وانتهى الأجل .
وهل تحب أن تسمع عن موت المؤمن ، تقول الآية الكريمة (( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) ، إنه التوفي ، إنه جمع الروح بكل ما هو من كيانها ، وإذا كانت الروح البسيطة يعني الاستيفاء ، إنه استيفاء للإنسان الحق ، استيفاء له بروحه بفكره بمشاعره ، بأهدافه بطموحاته ، بنياته بعمله الصالح ، بعمله السيء ، وإن كانت مشاعر رديئة فهي مستوفاة ، وإن كانت مشاعر خيرة فهي مستوفاة ، إن كانت أفكاراً قويمة ملتقية مع خط الله فهي مستوفاة ، إن كانت أفكاراً رديئة منحطة عن خط الله فهي مستوفاة . هؤلاء اللذين يستوفون بكامل كيانهم الإنساني ، بواقعهم الإنساني الذي صنعوه في هذه الحياة ، وقد صنعوه جيداً طيبا ، تقول لهم الملائكة : سلامٌ عليكم ، تحية من الملائكة من عند الله ، (( أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون )) وهذا لون آخر من التكريم أن يقولوا لهم : هذا بما قدمت أيديكم من عمل صالح ، وبما أجدتموه بصناعة ذواتكم على خط الله . والآية وردت في المتقين .
آية أخرى (( يا أيتها النفس المطمئنة –..)) لا خوف لا فزع لا اضطراب ، هي نفس مطمئنة حال الوفاة ، حال الموت ..
(( يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي …)) أتعرف قيمة ( عبادي ) ؟؟ الذين ارتبطوا بي ، الذين توجهوا بكلهم إليّ ، عبادي في مشاعرهم ، والمشاعر العائدة لله متكاملة ، عبادي في تفكيرهم ، عبادي في أخلاقهم ، عبادي في علاقاتهم ، عبادي في ذواتهم ، ذواتهم .. ذوات نظيفة .
(( .. فادخلي في عبادي ..)) إذا كانوا في نقص من هذا فهم ملحقون بأولئك المطهرين (( ..فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي )) . إذن دخول الجنة معه ذات نظيفة ، ذات عابدة ، ذات طاهرة ، الجنة ليست محلاً للنفوس الخبيثة أبداً ، وإذا كانت النفس على درجة من الخبث فلا بد أن تطهر في جهنم ، إذا لم تطهر في البرزخ ، إذا لم تطهر في لحظة الموت ، إذا لم تطهرها اللحظة الصادقة في الحياة .
ومع الحديث في هذا المجال ..
(( إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى …)) هذا الذي تخاف منه ، اعمل صالحاً فلا تخف .. ((إن ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم هو وأصحابه لا يدنو منه حتى يبدأ بالتسليم ويبشره بالجنة )) عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
في الحديث حيث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من تكملة هذا الحديث : (( أما المؤمن فما يحس بخروجها )) – بخروج روحه – وذلك قوله سبحانه وتعالى (( يا أيتها النفس المطمئنة )) لو كان يحس بخروج روحه ويعاني ويشهد صعوبة لما اطمأنت نفسه (( يا أيتها النفس المطمئنة )) وذلك لمن كان ورعاً مواسياً لإخوانه وصولاً لهم ، وكلمة ورع كلمة عريضة شاملة لمعاني التقوى في الميادين المختلفة .
(( تحفة المؤمن الموت )) ، (( في الموت راحة السعداء )) السعداء هم الذين قدموا عملا صالحاً ، متى يجدون الراحة لحظة الموت ، عند الموت ، أو عقيب الموت ، على درجات .
قيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما الموت ؟ قال : (( للمؤمن كنـزع ثياب وسخة قَمٍلة )) كم تؤذي الثياب الوسخة القملة ، هذه الحياة ثوبٌ مهما طاب ، مهما نظف بالقياس إلى ثوب الآخرة وسخ قمل ، وكم يؤذي الثوب الوسخ القمل … قال : (( للمؤمن كنزع ثياب وسخة قَمٍلة – مليئة بالقمل – وفك قيود و أغلال ثقيلة والاستبدال بأفخر الثياب و أطيبها روائح ، وأوطئ المراكب ، وآنس المنازل … )) أنت تخرج من الضيق إلى السعة ، من البؤس والشقاء إلى السعادة ، من الآلام والأحزان إلى السرور والحبور ، فلتكن صاحب قصر ، فلتكن على كثير من طيبات هذه الدنيا ، ولكن إذا كنت المؤمن الصادق فإن قصرك لن يدخل في شعورك أبداً ، لن تدخل الدنيا بكل زينتها في شعورك عند الموت ، ستنشغل عن كل ذلك بما ترى من فضل الله وفيض الله .
قيل لمحمد بن علي عليهما السلام : ما الموت ؟ قال هو النوم الذي يأتيكم كل ليلة إلا أنه طويل مدته لا يُنتبه منه إلا يوم القيامة . فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يُقادر قدره ، ومن أصناف الأهوال ما لا يُقادر قدره فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه ؟ هذا هو الموت فاستعدوا له )) .
تنام الليلة الواحدة ، ليلة تقضيها مسروراً سعيداً أكثر سعادة من كل حياتك ، تداعبك فيها الأحلام الجميلة الخضراء ، وترى نفسك راقية ، ترى نفسك عالماً تحل المشكلات العلمية في لحظة ، ترى نفسك السعيد في كل الجوانب .
وليلة أخرى ترى نفسك ؟ يعيشها إنسان عذاباً نفسياً أليما قاسياً ، تتهدده السباع ، تتوثب عليه الحيات والثعابين ، تهجم عليه العقارب ، تجتمع عليه الأعداء ، فيقضي ليلته عذاباً شديداً مراً . حياة البرزخ هي إحدى هذين اللونين ، وهذه هي البداية ، المسألة تبدأ على مستوى النوم ، ثم نتنقل على مستوى اليقضة يوم يبعثون .(( فاستعدوا لها )) .
قيل للصادق عليه السلام : صف لنا الموت ؟ قال عليه السلام : (( للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كله عنه ..)) ريح طيب تسكر له النفس ، ينسيها كل ما حولها انفعالا يه ، كل الأتعاب كل الآلام تنخلع تنفصل ، يتخلص هذا الإنسان منها ، لا يبقى ألم على مستوى الخواطر ، على مستوى البدن ، لا قلق لا خوف لا حزن ، إنها بشريات الله سبحانه وتعالى للمؤمن تبدأ مع لحظة وفاته .
وكيف يكون موت الكافر ؟
(( الذين تتوافهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون )) 28 النحل . كيف حال الإنسان الذي يعرف من نفسه أنه جان ويقف أمام من لا يستطيع المفر منه ، يستسلم استسلاماً كاملاًَ ، ولكنه يتعلق كمن يتعلق بالطحالب .. لا لم أفعل .. لا أنا لم افعل شيئاً .. وهو يعلم من نفسه انه يفعل وهو يعلم أن الطرف الآخر يعمل أنه فعل ولكنه الطلب الوهمي للنجاة ، والتمسك بالطحالب عند لحظة الشدة . هنا استسلام ولكن محاولة للحصول على البراءة و التبري مما كانوا يعملون ، ولكن لا قيمة لهذا التبري .. (( الذين تتوافهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء … )) كانوا مقاومين ، كانوا معاندين ، كانوا يحملون السلاح في وجه الله تبارك وتعالى ، كانوا يحاربون الله ورسوله كلما أتاهم الوعظ ، كلما عرفوا واشتد في طريق الضلال ، تلك اللحظة وهي لحظة الموت …(( … فألقوا السلم ما كنا نعلم من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ))..
(( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ..)) إستحقار ، إحداث حالة فزع ، رعب نذير شديد ، بأن لا قيمة لهم وقد تحولوا إلى لا شيء …
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – و التفتوا للحديث ومضامينه – (( وإن كان لأوليائنا معاديا ، ولأعدائنا مواليا ، و لأضدادنا بألقابنا ملقبا )) من هو العادل ؟ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يأتي للظالم ويقول له : أيها العادل ، يا أمير المؤمنين ، وبإختياره .. أنت خليفة المسلمين ، أنت مصدر الحق وأنت مصدر العز .. فإذا جاء هذا الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المنقول عنه ، (( فإذا جاءه ملك الموت لنـزع روحه مثل الله عز وجل لذلك الفاجر سادته اللذين اتخذهم أرباباً من دون الله )) على أي صعيد وعلى أي مستوى ، حتى على المستوى الفكري أيها الأخوة ..
فيؤتي بهؤلاء السادة (( .. عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه و لا يزال يصل إليه من حر عذابهم ما لا طاقة له به . فيقول : يا ايها الفاجر الكافر تركت أولياء الله إلى أعدائه فاليوم لا يغنون عنك شيئاً و لن تجد إلى مناص سبيلا ، فيرد عليه من العذاب ما لو قُسّم ادناه على أهل الدنيا أهلكهم )) ..
(( إن في الموت لراحة لمن كان عبد شهوته ، وأسير أهويته لأنه كلما طالت حياته كثرت سيئاته وعظمت على نفسه جناياته )) .. اللحظة الواحدة من عمر الفاجر ، الكافر عذاب ، فأحسن له مليون مرة لأن تنتهي حياته مليون مرة لئلا تزيد سيئاته وعذاباته .
تلك هي آخرة المتقين وهذه هي آخرة الفجار وإذا كان باب الآخرة لحظة الموت المرتقبة الآن ، قد تكون هي اللحظة التالية للحظة القائمة ، وكانت تعني الخير كله أو الشر كله ، فما أحرى المرء بتذكرها والاستعداد إليها ففي وصايا أمير المؤمنين لأبنه الحسن عليهما السلام (( يا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عليه ، وتفضي بعد الموت إليه ، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرت ، وشدد له أزرك ، ولا يأتيك بغتةً فيبهرك )) .
الإسلام يذكرنا بالموت لا لنجمد ، لا لنتوارى عن الحياة ، لا لنحفر قبورنا قبل لحظة موتنا ، لا لنعيش السلبية في هذه الحياة ، يذكرنا الموت من أجل أن نعمر حياتنا بالحركة الدؤوب ، ومن أجل أن ننطلق أقوياء في الحياة ، لكن بروح التقوى وروح العمل الصالح ، روح التوحيد الخالص .
لا يريد منك الإسلام وهو يذكرك بالموت وأنت على ظهر الأرض ، يريدك أن تعمر الأرض ، وأن تعمر نفسك قبل كل شيء ، وتعمر نفوس الآخرين ما استطعت ، وتعمر الأرض التي عليها ، لتترك فيها بصمات عظمة الإسلام وعظمة التشريع الإسلامي .
ومن كلماته عليه السلام في الاستعداد للموت (( هول لا تدري متى يغشاك ، ما يمنعك له قبل إن يفجأك ))…(( استعدوا للموت فقد أظلكم وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا وعلموا أن الدنيا ليست بدار فأستبدلوا )) دائما ابذلوا الدنيا الآخرة ، دائماً أطلبوا الآخرة مقدما لها على الدنيا .
(( إن قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحق لأفضل العدة )) وعن هذا الاستعداد وكيفيته قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : ما الاستعداد للموت ؟ قال : (( أداء الفرائض ..)) الفرائض تعني كل واجبات الإسلام ومنها جهاد الكلمة ومنها جهاد السيف ومنها الحضور الإجتماعي عند الضرورة ((.. واجتناب المحارم والاشتغال على المكارم ثم لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه )) ..
واسمعوا عن أمير المؤمنين فيما روي عنه : (( والله لا يبالي بن ابي طالب أوقع على الموت ام وقع الموت عليه )) إطمئناناً برضا الله ..
وقيل لعلي بن الحسين عليه السلام : ما خير ما يموت عليه العبد ؟ قال : (( أن يكون قد فرغ من أبنيته ودوره وقصوره )) ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : (( أن يكون من ذنوبه تائباً وعلى الخيرات مقيما ، ويرد على الله حبيباً كريما )) . الله أكبر ، الله أكبر أن يرد عبد على الله حبيباً كريما ، ما قيمة هذه الذات ، ما وزن هذه الذات التي تكون محبوبة وأكثر من محبوبة ، حبيبة لله سبحانه وتعالى ، وكريمة عند الله ، أنت تكون كريماً عند فقيه تقي ورع هذا شيء كبير ، أن تكون كريماً عند العباس بن علي بن ابي طالب هذا شيء كبير جداً ، أن تكون كبيرا عند الله سبحان وتعالى ..!!
اللهم صل وزد وبارك على عبدك المصطفى محمد وآله أهل الهدى ، وزهدنا في الدنيا ، وأطمعنا في الآخرة ، واجعل سعينا إليك ، وحبنا فيك ، وهوانا في طاعتك ، ونصرتنا لدينك ، ورغبتنا في ثوابك ، وخوفنا من عقابك واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وكل ذي حق علينا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات .
((بسم الله الرحمن الرحيم
والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر)))
الخطبة الثانية
الحمد لله بحمده على ما أنعم وأعطى، وكفى ووقى، وعلم وهدى، وعلى ما قدر وقضى، وأمات وأحيى، وأمرض وشفى، تبارك وتعالى. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الخلق خلقه، والأمر له، والمقادير كلها بيده، والآجال محكومة لقدرته، وكل شيء في قبضته. ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أقام به الحجة، وهدى به إلى الحجة، ودل به على الحق، ومنّ به على الخلق، صلى الله عليه وآله الثابتين على الصدق، المبرئي من الشك.
عباد الله اتقوا الله، ولا تقولوا بما لا تعلمون، ولا تدعوا ما ظهر لكم من الحق، بما التبس عليكم من الباطل، ولا تحيلوا عن دين الله أي ميل. وإن الفتن ليركب بعضها بعضاً وتتراكم حتى تضل عن ذكر الله، وإن أمواجاً من الشبهات والضلالات لتطفي حتى تغشي العيون عن معرفة الحق، فلابد من قلوب يملأها التقوى حتى لاتنسى، ومن بصائر هدى مستنيرة حتى لا تعمى، هدانا الله جميعاً بهداه، وكفانا مضلات الفتن.
اللهم صل على من يعثنه بالأمر الجسيم، ووصفه بالخلق العظيم، وهديتنا به إلى الطريق القويم محمد عبدك الصادق الأمين. اللهم صل وسلم على أمير المؤمنين وإمام المتقين، وسراج العالمين علي بن أبي طالب أو الأئمة المعصومين. اللهم صل وسلم على أمتك المهدية، العابدة الرضية، والزاهدة الزكية، فاطمة المعصومة التقية. اللهم صل وسلم على قرتي عين الرسول، وفلذتي كبد الزهراء البتول، الإمامين الهاديين، والوليين الصادقين الحسن بن علي الزكي وأخيه أبي عبدالله الحسين. اللهم صل وسلم على أئمة المسلمين، والقادة الهادين، والخلفاء المهديين الراشدين علي بن الحسين زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد الجواد وعلي الهادي والحسن بن علي الزكي الأمناء على الدنيا والدين. اللهم صل وسلم على حافظ الكتاب، وباعث السنة، ومحيي الملة، ومظهر الإيمان، ومعز الإسلام، والقاضي بإذنك على الطغيان، أمان الأرض، ومحقق السلام، القائم إمام العصر والزمان.
اللهم السائر على طريقه، المسن بسنته وسنة آبائه المعصومين عليهم السلام، أيده وانصره، وسدد خطاه، ولا تخل بينه وبين أعدائك وأعدائه يا رؤوف يا رحيم.
اللهم لا تحرمنا مغفرتك، ولا تحجب عنا رحمتك، ولا تجعلنا في عداد أعدائك، ولا تفرق بيننا وبين أوليائك. اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين واجعل علينا وافية تنجينا من الهلكات، وتجنبا الآفات، وتكفينا دواهي المصيبات وحصفا الملمات يا أكرم من سئل وأجود من أعطى.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فحديثنا يتناول في دائرة الشأن المحلي:
1. الدارس المتقابلة من الجنسين.
2. قضية العمال بطالة وتدينا في الأجور.
3. من لا يزال من المبعدين ينتظر الأذن بالعودة إلى البلاد.
4. مسجدان ومحل لبيع الخمور.
ويتناول الحديث على المستوى الأعم: جرحان نازفان:
1. محرقة في أفغانستان ومحرقة في فلسطين..
2. في إعلامنا الإسلامي والعربي: الحملة على أفغانستان، الحملة على الإرهاب.
3. المسؤول الأمريكي والمسؤول البريطاني: يهدّئان خواطر العرب أو يقدمان مبرراً للتعاون.
4. هل التهديدات الأمريكية بتوسعة القربات لتصدق بأن الذين سيكفون أمريكا عن مزيد من التدمير للأمة هم أصدقاؤها من المسلمين والعرب؟
5. أعطينا أمريكا الاعتراف بحقها في سحق أفغانستان باسم سحق الإرهاب ولنا طلباتنا الإعلامية.
6. الضعف عذر وليس بغدر.
7. نظرة الأمريكان ونظرتنا إلى الدم والحق والارهاب والسلام.
8. لولا العضلة لما ذلّ العبد، واستعلى على الرب.
9. تغير التحالفات والرمي بالأصدقاء عند الشدة والآية الكريمة (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
10. الأمة تحتاج إلى إنقاذ.
اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، واجمع كلمة المسلمين على التقوى ووحد صفوفهم وقوّ شوكتهم، واصلح لهم ذنبهم ودنياهم وانصرهم على من أرد بهم شرا، وكد لهم من يكيد عليهم، وأنت القوي العزيز الفعال لما يريد.
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90))