خطبة الجمعة (23) 19 جمادى الثاني 1422هـ – 7-9-2001 م
مواضيع الخطبة:
التصور الإسلامي للمال (4) –
مولد الصديقة فاطمة الزهراء – الانتفاضة الفلسطينية – العراق المنسي
فاطمة عليها السلام المثال الذي لا يمكن أن يناقش، والقدوة التي لا يمكن أن يُتردد في توجيه أجيال الأمة وخاصةً على مستوى النساء إلى الاقتداء بها صلوات الله وسلامه عليها. ونحن نحتاج أن نربي بناتنا منذ نعومة الأظفار على خط فاطمة عليها السلام، وأن نركز في نفوسهن فاطمة قدوةً ومثالاً كبيراً مقّرِباً لله سبحانه وتعالى
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي لا تتجاوز قدرته ، و لا يُغالط علمه ، و لا يخطئ تقديره ، ولا تضل حكمته . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادةً يرضاها ، ويجزي بالمغفرة والإحسان من أداها ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق المبين ، وشرفه على العالمين ، أنقذ به من الضلالة ، وصرف به عن الغواية . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ووليك المصطفى من خلقك ، محمد الصادق الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ..
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وأن نأخذ الأهبة ليوم المعاد ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وأن ندرأ عن أنفسنا ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وأن نطلب لها جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، وسعادة دائمةً قال عنها الحق تبارك وتعالى (( وأما الذين سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادمت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاءً غير مجذوذ )) 108 هود _ وسلاماً جاء فيه منه سبحانه في كتابه الكريم (( أدخلوها بسلامٍ آمنين )) 46 الحجر _ وأماناً (( إن المتقين في مقامٍ أمين )) 52 الدخان _ (( يدعون فيها بكل فاكهة آمنين )) . وراحةً نفسيةً وعلى كل المستويات (( ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سرر متقابلين . لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين )) 47-48 الحجر _ وحياةً راغدةً ناعمةً دائمةً (( إن الأبرار لفي نعيم . على الأرائك ينظرون . تعرف في وجوههم نضرة النعيم )) 22 – 24 المطففين _ (( وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا )) 20 الإنسان _ ذلك وما هو أكثر لك أيها المؤمن أيتها المؤمنة بشرط الإيمان والتقوى (( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) 15 آل عمران _ فرضوان الله هو النعمة التي لا حد لها ، و لا تصور يأتي على إدراك لذتها ، وبها تمام النعم ، وهي قمة النعم ، وضمانة كل النعم .
فهذه حياة يسيرة على ظهر الأرض يشتري بها عباد الله الصالحون ملك الأبد ، وخلود السعادة ، وأكبر سعادة ، وهي فرصة لا تتكرر ، وتجارة لا يقام لها سوق آخر غير ساحة هذه الحياة . فتدبروا عباد الله الأمر تدبر الحكيم واحزموا أمركم ، وبيعوا أنفاسكم واحداً واحداً لله بطاعته ، تكونوا قد ربحتم بالنفس الواحد ، مالا تربحه حياة أكبر التجار ممن يسعون للدنيا في هذه الحياة .
أما الآن فأواصل معكم الحديث عن المال في الإسلام . الثابت الذي لا مراء فيه هو أن الأرض وما فيها وما عليها والكون كله للملك الحق المبين ، لله الخالق الرازق والمدبر ، وقد شرعت في الإسلام أنواع من الملكية على ما يخدم الإنسان في حياته من الأرض وثرواتها الباطنة والظاهرة . فهناك الملكية الخاصة ، وملكية الدولة ، و ملكية الأمة . والكلام هنا يدور حول الملكية الخاصة :
1- الملكية الخاصة : وهي بحسب كتاب ( اقتصادنا ) للسيد الشهيد : (اختصاص الفرد -أو أي جهة محدودة النطاق – بمالٍ معين اختصاصاً يجعل له مبدئياً الحق في حرمان غيره من الانتفاع به بأي شكلٍ من الأشكال ، ما لم توجد ضرورة وحالة استثنائية نظير ملكية الإنسان لما يحتطبه من خشب الغابة أو يغترفه من ماء النهر ) اقتصادنا 434 الهامش _
وهذه الملكية ثابتة بالضرورة فقد قال سبحانه ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)) 29 النساء . ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)) 10 النساء .
2- الأصل الموضوعي لهذه الملكية :
أولاً : الدافع الفطري الذي لم تستطع الاشتراكية الشيوعية أن تصمد أمامه ، أو أذعنت أمام ضغطه في النفوس .وقد شارك هذا الدافع بعد دافع الإيمان في نسف وجود الدولة الشيوعية وإسقاط اطروحتها ، فهناك دافع فطري داخل الإنسان يشده إلى الملكية الخاصة وهو من بين دوافع ثابتة تغنى بها فطرة الإنسان من أجل بناء الحياة ووضعها على المسار الصحيح هذا الدافع وكلما ناطحته أطروحة من الأطروحات كلما كانت الغلبة له وفي الأخير يصرع تلك الأطروحة ، فهذا أصل موضوعي في الملكية الخاصة والإسلام يقوم على مراعاة الفطرة في كل أبعاده .
ثانياً : الحاجة العملية التي يعيشها الفرد للمال : فواضح جداً هناك جوعة البطن ، هناك قرص البرد ، الحر هناك المرض حاجات أخرى تلح على الإنسان الفرد ولا يمكن أن يحيا وهي تتطلب ملكية خاصة .
ثالثاً : دور الفرد في بناء الثروة الفرعية .. الله سبحانه وتعالى أغنى الأرض بمواهبه وجعلها كنـزاً ثراً معطاءً على مدى الأجيال ، إلا أن هذه الثروة تحتاج إلى تطوير ومن حكمة الله سبحانه وتعالى أن جعلها تحتاج إلى تطوير ليعطي الإنسان دوراً في هذه الحياة ، وقد أوجده سبحانه وتعالى على ظهر هذه الأرض ليعيش تجربته الكبرى التي تقرر مصيره ومستقبله البعيد . فمن هنا كان لا بد أن يكون دور للإنسان وتفاعل مع الطبيعة ومع أخيه الإنسان من أجل أن تجد هذه التجربة أبعادها الكافية وأن يتحرك الإنسان في إطار هذه التجربة ذات الأبعاد المعينة ..
الفرد في عملية تطوير الثروة وفي إنتاج الثروة الفرعية و الثروة الفرعية هي التي تترتب على جهد إنساني وضم عناصر طبيعية إلى بعضها البعض بكيفية خاصة هذا الناتج هو ما يمثل الثروة الفرعية وهو ما يقدم في الكثير الغذاء للإنسان والكساء المتطور والمسكن والمركب وما إلى ذلك .
هذه الثروة لا شك أنها تقوم على جهد الفرد ويشارك بمساهمة كبيرة مع بقية الأفراد في إنتاجها فلا بد أن يلحظ في التشريع الإسلامي و من لحاظه التشريع الإسلامي في باب الاقتصاد أن يعترف له بالملكية الخاصة ..
رابعاً : الحاجة لهذا النوع من الملكية لتنشيط الإنتاج ودفع عجلته . فإنه من دون الملكية الخاصة لا يمكن أن ينطلق الإنسان في نشاط كبير وأن يوظف جهوداً عالية في عملية الإنتاج المشتركة ما دام ما يجنيه يذهب إلى أفواه الآخرين ، خاصة وأنه في الطرح الآخر يذهب إلى أفواه الآخرين من دون مثوبة ولا أجر من الله مرتقب ..
3- الأسباب التشريعية لهذه الملكية :
أهم هذه الأسباب العمل بالنسبة للثروة الأولية أو المنتجة كالحيازة والإحياء ، والإجارة ، والتجارة والنشاطات الأخرى المعروفة . فأساس الكسب الأرضية التي تقوم عليها الملكية الخاصة أن تعمل ، أن تبذل جهداً ، قد يكون هذا الجهد بدنياً ، وقد يكون ذهنياً ، قد يكون إنتاجياً بشكل مباشر ، قد يكون تخطيطا. هذه الملكية الخاصة ليست مطلقة ، هناك عدد من التحديدات التي وضعها الإسلام على الملكية الخاصة حتى لا تسمك ولا يتبوأ أفراد قلة في المجتمع قمة الهرم الاقتصادي أو قمة مفصولة عن القاعدة في الحقيقة ، الإسلام فيه تفاوت في معيشة الأفراد في المستويات المعيشية في الطبقات والأفراد لكن هذا التفاوت يشبهه سماحة السيد محمد تقي الحكيم بأنه أقرب إلى وضع التلال المتقاربة ، قد تتجاوز تلة من التلال أخرى بمقدار ذراعٍ أو ذراعين أ وشبر أو شبرين ، أما التفاوت الذي يعني أن توجد قلة من الأفراد في المجتمع تعيش قي الطابق المليون والمجموعة الكبرى من أبناء المجتمع تعيش في المنحدر السحيق فهذا ما يرفضه الإسلام تماماً و يتنافى مع قضية التوحيد في الأرض لأنه ما حصل هذا الفارق الاقتصادي الهائل إلا ونشأت طاغوتية اقتصادية في الأرض تستتبع الطاغوتية السياسية ، تستتبع طاغوتية العبادة هناك فيُنسى الله سبحانه وتعالى ويشتغل بالتقديس والإجلال بغيره سبحانه وتعالى ، وحين يشتغل الإنسان بالإنسان ينسى المثال الذي لا يتناهى ، حين يقف الإنسان عند الأمثلة الصغيرة ، حتى الأمثلة الجمالية الصغيرة لا يواصل رحلة الكمال ، ولا بد أن يسقط في الطريق ، ولا وبد أن تتأزم حضارته ، ولا بد أن تنشأ المشكلات المتفاقمة في داخل المجتمع ليتحطم هذا المجتمع بعد البناء الطويل .
ويوجد أيضاً تدخل الإمام عليه السلام ، النبي صلى الله عليه وآله بما هو إمام ، المعصوم من بعده عليه السلام بما هو إمام ، الأمام الذي ترضاه الشريعة بعد المعصوم عليه السلام ، كل أولئك لهم حق التدخل من ناحية الحكم الولائي لخلق التوازن في باب الملكية الخاصة وهذا لا يتسع الوقت إلى شرحه ..
على مستوى الثروة المنتجة وعلى مستوى تحصيلها ، هناك حرمة الربا ، حرمة الاختلاس حرمة السرقة وعدد آخر من القيود والتحديدات المعروفة .
على مستوى تكديس الثروة ، الإسلام يقف أمام تكديس الثروة بأيدٍ قليلة ، ويضع ضمانات منها الخمس ، والزكاة والتكافل الاجتماعي والإرث والعطاء الاستحبابي من صدقات وأوقاف و مبراتٍ مختلفة وهو يعتمد في الكثير من هذه المفردات على تنضيج الدافع ، القرب الإلهي في داخل نفس الإنسان المؤمن وبهذا اُذّكر بأن الاقتصاد الإسلامي وكل نظام آخر من أنظمة الإسلام إنما تحقق نجاحاتها الكبرى كما تقدم ربما لأكثر من مرة من خلال الأطروحة الإسلامية المتكاملة وتطبيقها بكل أبعادها ولذلك نحن لا نستطيع أن نحكم على تجربة إسلامية محدودة تستطيع أن تطبق الإسلام من حيث بعض الأبعاد دون الأبعاد الأخرى إن هذه التجربة لا يمكن لنا أن نتوقع لها أن تحقق النتائج الكبرى والنجاحات القافزة التي تحققها الأطروحة الإسلامية حين تطبق متكاملة وبصورة شاملة ..
خامساًَ : احترام الإسلام للملكية الخاصة ..
عن النبي صلى الله عليه وآله (( حرمة ماله (أي المؤمن ) كحرمة دمه )) الحياة ج3 ص 158 عن الاختصاص 339 و343 ، عنه صلى الله عليه وآله (( المؤمن حرامٌ كله عرضه وماله ودمه )) المصدر 159 عن تحف العقول 46 _ المال في صف العرض ، في صف الدم ، فأنظر حين تستبيح من أخيك فلساً واحداً فكأنك استبحت من دمه ، إنه الجهد إنه العرق ، إنها الحياة المستنزفة ، إنه العمر قد بذله في سبيل هذا الدينار الذي يسترقه أحدنا من أخيه في بيع أو شراء أو في أي صورة من الصور .
الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام (( أعظم الخطايا اقتطاع مال امرئ مسلم بغير حق )) المصدر عن البحار 78-55 هذه مجموعة من النصوص وهناك مجموعة أخرى …
(( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه .. )) 282 البقرة _ وهنا تأتي حرمة الدين ومدى أهمية مراعاة سداد الديون سواء أخذت هذه الديون بصورة نقد جاهز أو بصورة سلع تشترى من أخيك المسلم أو بصورة عمل كلفته به واستأجرته عليه ، فلنتق الله في بعضنا البعض في دماء بعضنا البعض ، في أعراضنا ، في أموالنا ، في شرفنا وسمعتنا ، والعرض كما يشمل الحريم يشمل السمعة والشرف كله ..
(( … وليتق الله ولا يبخس منه شيئاً ))
عن أبي ثمامة قال : دخلت على أبى جعفر عليه السلام وهو الإمام الباقر وقلت له : جعلت فداك : إني رجل أريد ألازم مكة ، وعليّ دينٌ بالمرجئة – فرقة منحرفة يعاديها الإمام عليه السلام – فما تقول ؟ : فقال ” ارجع إلى مؤدّى دينك – انظر أين تجد الغريم ؟ أين تجد الدائن ، أنت من البحرين والذي أخذت منه الدين في البحرين والآن أنت في مكة وتريد أن تجاور مكة ويتشرف بجوارها ويكثر من الطواف والصلاة عند البيت ويرى المرجئة بما أنها فرقة منحرفة يمكن التساهل في أداء الدين للواحد منها .. ماذا كان جواب الإمام عليه السلام ؟- فما تقول ؟ : فقال ” ارجع إلى مؤدّى دينك – وهو البحرين في مثالنا – وانظر أن تلقى الله عز وجل وليس عليك دين – فإنه أمر خطر جداً وألا تلقى الله معه عز وجل على خير – فإن المؤمن لا يخون ” المصدر ص 115 عن البحار 97-142-143 عن علل الشرائع ..
معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام وهو الإمام الصادق بلغنا أن رجلاً من الأنصار مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم – وليس هذا فقط – وقال أي النبي صلى الله عليه وآله في الرواية : لا تصلوا على صاحبكم حتى يُقضى عنه الدين ؟ . ولربما كان هذا التوجيه منه صلى الله عليه وآله لمصلحة هذا العبد إنه عندما يصلى عليه فسيعجل به إلى قبره فيحل هذا العبد قبره وعليه دين وإذا حل أول منزل من منازل الآخرة وهو مدين واجه ما ليس في الحسبان .. فقال أي الإمام الصادق عليه السلام ” ذلك حق ” أي هذا المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله ليس كذباً وإنما حق ..المصدر عن 115 عن البحار 97 – 143 عن علل الشرائع ..
قيل لأبي الحسن عليه السلام أي الإمام الكاظم عليه السلام : رجل يهودي أو نصراني كانت له عندي أربعة آلاف درهم ، فمات . إليّ أن أصالح ورثته ؟ إليّ أن أصالح على دين غير مسمى لا أذكره لهم وكم قدره ، فربما يقبلون بألف أو ألفين ، واقعاً له أربعة آلاف وأنا أريد أن أصالح ورثة هذا اليهودي أو النصراني على سعر أقل من دون أن أخبرهم بالأصل _ يقول ولا أعلمهم كم كان ، قال لا يجوز حتى تخبرهم لا بد أن يقول لوالدكم أربعة آلاف ” إذا قبلوا تسامحوا معه وتنازلوا عن شيء من ذلك فلا بأس ، هذا يهودي أو نصراني فأنظر إلى علاقتك مع أخيك المؤمن حين يتحايل أحدنا وحين نسبب في خسارة بعضنا البعض وإخراج بعضنا من السوق بسبب الديون المتراكمة لهذا البائع أو ذاك على إخوانه من المؤمنين .
يا خير من سئل وأكرم من قصد صل على محمد وآله واغفر لنا مغفرة تغسل ذنوبنا كلها ، وتطهرنا من كل ما كسبناه من آثام واغفر لآبائنا وأمهاتنا ومن يعنينا أمره ومن علمنا علماً ينفعنا عندك من المؤمنين والمؤمنات أجمعين ولجميع الأموات والأحياء منهم يا كريم ..,وأرنا نصرك العاجل لنا ونقمتك القاصمة لجيوش الكفر والضلال وفي مقدمتهم الجيش الصهيوني وحماته يا أعطى المعطين وأقدر القادرين .
(( بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي كل شيء عدم لولا قدرته، وكل شيء فان إلا بإرادته، ولا قيام لشيء من دون رحمته، خالق كل مخلوق، وصانع كل مصنوع، ورافد كل مرفود. وكل من سواه وما سواه مخلوق له، مرزوق من فضله، مفتقر إلى نواله، سائل لرحمته، قائم بجوده. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ما ضل وما غوى، وما مال عن الهدى، وما نطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، وكلمات صدق وحق تلقّأها رب العلى، لا تغيب ولا تنسى، ولا يمّسها تغيير من شيطان، ولا تحريف من هوى. اللهم صل وسلم على عبدك المصطفى، وآله النجباء، وزد وبارك عليهم أجمعين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وإخلاص الطاعة له، وأن لا نتخذ أرباباً من دون الله في فكر أو شعور أو عمل، فتميل حياتنا كلها عن الصراط، وتزيغ عن الجادة، وأن لا نرخي للنفس الأمارة بالسوء القياد فتختار لنا غير ما اختاره الله، وأن تصير بنا إلى غير ما أحب أن نصير إليه من متابعة دينه، والاقتداء برسوله، والهداة من أهل بيته صلى الله عليه و عليهم أجمعين، والتعلق بالهدى الذي جاء من عنده سبحانه، والعبودية الخالصة لوجهه الكريم حتى نلقاه سبحانه راضين مرضيين سعداء مقربين منعمين.
اللهم صل وسلم وزد وبارك على من أرسلته هاديا، وبعثته منقذا، وعن الشر ذائدا، وسددّته وأيدته ونصرته حبيب قلوب المؤمنين، محمد خاتم النبيين والمرسلين.
اللهم صل وسلم على وليك، وأخي رسولك، والمجاهد في سبيلك، من باركته وعصمته واجتبيته دون من سواه خليفة لنبيك المصطفى بلا فصل علي بن أبي طالب المرتضى.
اللهم صل وسلم على أمتك المطهرة المعصومة فاطمة الزهراء، وعلى الحسن الزكي والحسين الشهيد وعلي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري الأئمة الهداة النجباء.
اللهم صل وسلم على تاسع المعصومين من أولاد الحسين، المذخور لإنقاذ الدين، وعز المؤمنين، الإمام المؤيد، والقائد المظفر، محمد بن الحسن المهدي المنتظر.
اللهم افتح له فتحاً يسيرا، وانصره نصراً عزيزا، وأبدل به ذل المؤمنين عزا، وخوفهم أمنا، وفقرهم غنى، وضعفهم قوة، يا أقوى من كل قوي، ويا أعز من كل عزيز. اللهم اكتب العز والنصر والحفظ والحماية لناصره، والذل والهزيمة والضياع لمعاديه وخاذليه. اللهم اجعلنا من شيعته ومؤيديه وأنصاره، واجعل طريقنا طريقه، ومنهجنا منهجه، وغايتنا غايته، واسلك بنا سبيلاً سهلةً إلى رضاك يا كريم.
اللهم إنا نستهديك ونسترشدك ونستغفرك ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن شر ما يفعله الظالمون في الأرض والآفاق.
أيها الملأ الكريم:كل ساحاتنا الإسلامية مليئة بالمشاكل، مبتلاة بالتخلفات، مهددة بأفدح الأخطار. وبرغم تعدد الأسباب إلا أن المطالع لا يفوته أن في مقدمة هذه الأسباب أمرين: تغييب الإسلام عن ساحة الفعل والقرار، وشل إرادة الشعوب عن العطاء والتحرك والمشاركة الفاعلة المنتجة إلا ضمن القوالب التي تحددها إرادة الأنظمة في داخل الأمة والمحكومة أساساً في الأكثر لإرادة أعداء الأمة من خارجها والداخلين معها في حروب تاريخية مستمرة.
وقبل التعرض لهذا الواقع الأليم نقف عند ذكرى مولد الصديقة الطاهرة فاطمة بنت رسول الله (ص) وقفة إجلال وتقديرٍ لمطلع نورها الوهاج في سماء الإسلام والإيمان والتاريخ المشع، والحاضر المتألق، والمستقبل الواعِد.
أولاً: لم يقدم الإسلام مثالاً إنسانياً كاملاً من النساء المسلمات قرآناً وسنةً غير فاطمة الزهراء عليها السلام. لذلك آية التطهير : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )) – كما تشهد بذلك آية المباهلة و آية المودة. وحديث الثقلين, وحديث: فاطمة بضعة مني..لا يرضى الله إلا برضاها.ما مفاده أن رضاها من رضا الله وإن وغضبها من غضب الله، ولذلك يرضى الله برضاها، ويغضب لغضبها، هذا كله يقدم فاطمة عليها السلام إنساناً كاملاً خالصاً من الشوائب المبعدة عن الله سبحانه وتعالى، وحين يكون الإنسان خالصاً لله لا يكون إلا وضاءة، ولا يكون إلا نوراً، ولا يكون إلا إشعاعا، ولا يكون إلا هدىً، ولا يكون إلا إيماناً، ولا يكون إلا رحمةً وعدلاً وعلما، وكيف لا يحب الله سبحانه وتعالى الرحمة والعدل والهدى، وكيف لا يغضب سبحانه وتعالى بمعاداة العلم بمعاداة الهدى لمعاداة الرحمة لمعاداة العدل، وكيف لا يرضى بمن التصق بالعدل، والتصق بالعلم، والتصق بالرحمة والعطاء والجود والكرم والإيثار.
فاطمة عليها السلام المثال الذي لا يمكن أن يناقش، والقدوة التي لا يمكن أن يُتردد في توجيه أجيال الأمة وخاصةً على مستوى النساء إلى الاقتداء بها صلوات الله وسلامه عليها. ونحن نحتاج أن نربي بناتنا منذ نعومة الأظفار على خط فاطمة عليها السلام، وأن نركز في نفوسهن فاطمة قدوةً ومثالاً كبيراً مقّرِباً لله سبحانه وتعالى. التأخر بالتربية عن هذا يخلق مشاكل كبيرة، ويعقد المسألة التربوية إلى أقصى حد.
ثانياً: لم تبعث امرأةٌ رسوله وما وجدت امرأة نبية ولكن اختير لفاطمة عليها السلام أن تكون الواسطة بين النبوة والإمامة تلك الإمامة التي تمثل الامتداد الطبيعي لعلم النبوة، والامتداد الطبيعي لدور الرسالة في التبليغ, والولاية في الإدارة والتدبير. فاطمة عليها السلام هي الواسطة بين النبوة بأعبائها، والإمامة بأعبائها ومسؤولياتها، والنبوة بكل قدراتها ومواهبها وفيوضاتها، والإمامة بكل مواهبها وقدراتها وفيوضاتها. فهي إناءٌ طاهرٌ زكي، وهي وعاء علمٍ وإيمانٍ وهدىً وتقوى وإنسانيةٍ ثرةٍ زاخرة .
الإمامة في نظر فاطمة عليها السلام نظام الملة، وكون الإمامة نظام الملة، والملة من معانيها أنها الدين، هذا يمثل وعياً كبيراً، ولا يستكثر على فاطمة عليها السلام أي وعيٍ كبير والوعي كل الوعي يستقى منها، والهدى كل الهدى الواصل إلى الناس يمكن أخذه منها، فاطمة عليها السلام تمثل بهذه الكلمة وعياً ضارباً في الوعي، وعياً متقدماً في الرؤية السياسية الواضحة، فاطمة عليها السلام تقدم من خلال هذه الكلمة مسؤولية ضخمة تتحملها الأمة في تربية الأجيال على وعي أن الدين دائماً حاضره مستقبله مربوطٌ بنوع الإمامة في الأمة.
أما دور المال عند فاطمة عليها السلام فهو دورٌ بنائيٌ وأرى أن الساعة لا تسمح بالتطرق إلى النقطة..
أمامنا فلسطين المغتصبة ومشكلتها المتحدية للأمة، والتي تحمّلها مسئوليتها الكبيرة. المحارب في فلسطين – وأقرأ سريعاً – إرادة الأمة، تاريخها، انتماؤها، كبرياؤها، نهضتها، حاضرها، مستقبلها، وليس إنسان فلسطين فقط، والنتيجة لهذا الطرح ولهذا الواقع هو أن لابد أن تكون الأمة كلها في خندق المواجهة، ما دام المواجه كل الأمة، فلابد أن يكون المواجِه أيضاً هو كل الأمة، فهذا يعطينا الشعور بأننا لا يصح لنا أن نكون متفرجين، ولا يكون حديثنا واهتمامنا بالقضية الفلسطينية عند تأجج الأحداث فقط، وعند مناسباتٍ خاصة. الانتفاضة رأس مال الفلسطيني المقهور، المضطهد فكيف يفّرط فيها، هل له رأس مالٍ آخر في مواجهة إسرائيل في استرداد حقه في أن يكون له أملٌ في استرداد هذا الحق؟! لا يوجد على الساحة، على الأرض شيءٌ من الرصيد غير هذه الانتفاضة. إذن لا يصح له أن يفرط فيها والحال هو هذا الحال، حل العدو أن يتحول عرفات إلى جزّارٍ وكيلٌ لشعبه، وحل الانتفاضة مواصلة الكفاح – أسأل – فالأمة مع أي حل؟! مع حل العدو الصهيوني الذي يطرحه، وهو أن تكون مفاوضاتٌ غير مشروطة بشرطٍ واحد يفرض عليّ، وشرطه في ذلك أن تقف الانتفاضة بالكامل، أن يكون الانسحاب من ساحة المواجهة، أن يتخلى الفلسطيني عن قفزة إرادته، عن اشتعال نار الثورة في داخله من أجل أن يبرد، من أجل أن تبرد أعصابه، من أجل أن يستكين للاستراحة، من أجل أن تطوى صفحة الانتفاضة. هذا هو شرط العدو في الدخول في مفاوضاتٍ لا يلتزم فيها ولو بشرطٍ واحد. الأمة في شعوبها، الأمة في حكّامها مع من ؟ نسمع بعض الدعوات على مستوى الحكومات، وأن هذه الدعوات تتجه مع نداء إسرائيل لوقف المقاومة. فالأمة مع أي حل ولماذا يشترط العدو وقف الانتفاضة قبل المفاوضات؟! معروفٌ كما تقدم.. إسرائيل وديعة وأساليبها حضارية، والفلسطينيون إرهابيون وحوش، هذا منطق أمريكا والذين يُدينون الرد الفلسطيني على شراسة العدو، هذا الرد من أمريكا، هذا التصوير من أمريكا ليس غريباً إنما هو غريبٌ أيضاً حينما تقوم المقاومة بعمليةٍ فدائيةٍ استشهادية فتأتي الإدانة من حكّامٍ عرب، لتسجل من خلال هذا الموقف العملي بأن الفلسطينيين إرهابيون، فإن الحق لا ينهى عنه، وإنما ينهى عن الباطل، فلو لم تكن العملية الاستشهادية من هذا المقهور المضطهد في نظر هؤلاء الحكام جوراً وظلماً وباطلاً لما أدانوه.
العراق المنسي : إذا كان هناك من ينعى الفلسطينيين، فلا ناعيَ للعراقيين، وفي الكلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله: (إلا حمزة لا بواكيَ له)، نعم حظ الفلسطينيين أن يُنعوا، وهذا النعي لا يمثل شيئاً، لا يمثل نصرة، وأما العراقيون فقد استكثر عليهم حتى النعيُ والتأوه، اللعبة أمريكية خالصة، أم هي لعبةٌ تحتاجها الأنظمة في المنطقة العربية كلها؟! الشعب العراقي في أتون العذاب في أرضه وخارجها، الشعب الكويتي مهدد، وثروات الكويت والمنطقة مستنزفة، والحارس المخلص لا يبارح أرض المنطقة ولا سماءها، وعلى المواطنين في كل المنطقة أن لا يناقشوا أوضاعهم، لأن المنطقة غير آمنة، ومهددةٌ بالانفجار في كل لحظة، وما هو إلا أن يفتح باب القفص المحكم، فينطلق أسد الأسود ليدمر كل شيء، على أن هناك أسدا آخر على الحدود، ولا زال يتمتع بشيءٍ من الحركة، فلابد من حذرٍ شديد، ولجأٍ أشد إلى المارد الأمريكي الجبار القهار الذي لا شعور بالأمان إلا في جواره وكنفه، فهو جبّار على البغاة الظالمين، لكنه رحيمٌ بالمستضعفين والمحرومين، في ذوي النفط الغزير، والمواقع الجغرافية الاستراتيجية المطلوبة لحماية إسرائيل من قرب.
أتجاوز بعض النقاط – اللهم إنّا نسألك المغفرة والرحمة لنا، ولكل من سبقنا بالإيمان، ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وأن تنقلنا من سوء الحال إلى حسن الحال، وتعز هذه الأمة، وتذل أعداءها، وتهديها إلى طريق النصر والغلبة وتثبتها عليه، يا مذل الجبابرة، أذّل الصهيونيين بضربةٍ منك قاصمة، وهزيمةٍ منكرة، واجعل ذلك قريبا، وأقر به عيون المؤمنين،.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون