خطبة الجمعة (18) 13 جمادى الأولى 1422هـ – 3-8-2001 م
مواضيع الخطبة:
التبعية الفكرية والسلوكية – كيف
ننتصر للقدس – غزوة مؤته
خرّج من نفسك شخصية إسلامية تخرج من نفسك أمة تقف في وجه اليهود والطامعين، كل الملايين والمليارات من غير إسلام ستكون هباء.
الخطبة الأولى
الحمد لله الحميد المجيد ، الوهَّاب التوّاب ، الرّحيم الودود ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تحمّلها كل عقل وفؤاد ن ويسأل عنها العباد ، واشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أنار من الحق سبله ، وأقام للعدل موازينه ، صلّى الله عليه وآله الأطياب صلاةً دائمةً متتابعة ناميةً زاكية .
عباد الله اتقوا الله في السرائر ، وفي كل قول وعمل جهاراً أتيتم به أو أسرارا، واذكروه عند كل فتنةٍ تهتدوا وتنتصروا على النفس الأمارة بالسوء ، وتخرجوا من كيد الشيطان الرجيم بسلام ، فمن ذكر الله أضاء قلبه ، وسمت نفسه ن وزكت جوانحه ، وصحّت إرادته ، ومثلت أمامه الحكمة ، واندحر عنه الشيطان فلم تصرعه الشهوة ، ولم تأخذه النقلة ، ولم يستبّد به الهوى الجموح .
أما بعد فإن التبعّية الفكرية والسلوكية أمرٌ قد يعيشه الأفراد ، وقد تعيشه الجماعات والشعوب والأمم . وليس حكم التبعية في الحساب الدقيق واحداً ، لأن التبعية والتقليد يمكن أن تنشأ من أكثر من منطلق ، لأن التبعية والتقليد يمكن أن تنشأ من منطلقٍ ومنطلقٍ ومنطلق ، والحكم عليها يتبع منطلقها ، فقد تنشأ من حالة من السذاجة وخفة الرأي ، وقد تنشأ من حالة عاطفية غالبةٍ على النفس وقد تنبعث من الانبهار الكاذب الذي تولده الدعاية المضخمة والتسويق الإعلامي المزٍّور مما يستنيم العقل ويعطل الرؤية الدقيقة الفاحصة ، وفي قبال ذلك كله قد ينطلق التقليد والمتابعة من رؤية مدروسةُ وتقدير دقيقٌ وموازنة موضوعية صائبة .
ولا بد من الاسترشاد مما ورد من نصوص الكتاب والسنة في هذا المجال ، تبيّناً مما هو الموقف العملي في مسألة التقليد الذي لا يُرد عند من آمن بكتاب الله وسنة نبيّه والمعصومين من آله عليه وعليهم السلام.
نستطيع أن نقسم التقليد إلى : تقليد أعمى ، وإلى تقليد علمي ..
التقليد الأعمى منه تقليدُ للقريب والصديق ، تقول الآية الكريمة : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ )) (104) المائدة .
فهؤلاء قومٌ دعوا إلى الحق ليس من بعد ما أنزل الله حق ، وليس من بعد أن يكون هذا المنزل من الله على رسوله حق ، فإذا كان الرسول رسول الله لا يخطئ ، كفى به أن يكون رسول الله ، وإذا كان لا يخطئ فالكلمة كلمة الله ، وإذا كان الحق ليس له من مصدر إلا المصدر الإلهي فإن هذا حقٌ بلا ريب ولا شك ، فالدعوة إذن إلى الحق ، وما هو المانع للقوم من الأخذ بهذه الدعوة ؟… أن كان آباؤهم على شئٍ من الحق ، ولماذا هذا الإتباع للآباء ؟ .. لأنهم آباءٌ وحسب ، افرضهم جهلة ، افرضهم بغاةً ، افرضهم منحرفين .. إلا لأنهم آباء فهم يتبعونهم . هذا تقليدٌ أعمى مرفوضٌ في الإسلام ، في العقل عند العقلاء فيما ينبغي ..
((…أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُون )) 104 المائدة . لو كان آباؤهم يعلمون ويهتدون ، ولم يأتِ ما هو أحق من قول آبائهم لكان التقليد غير مرفوض ، إنما رفض هذا التقليد لأنه تقليدٌ للآباء وحسب ، حتى على تقدير أن يكونوا غير مهتدين ، أن يكونوا لا يعلمون شيئاً أن يكونوا منحرفين ..
في المقارنة بين تقليد العوام اليهود لعلمائهم ، وتقليد عوام المسلمين لعلمائهم ، اليهود عوامهم يقلدون علماءهم ، المسلمون عوامهم يقلدون علماءهم .. أحدهم يتساءل متعجباً من الإمام الصادق عليه السلام – فيما هو أقرب للتذكر – كيف يذم الله تبارك وتعالى تقليد عوام اليهود لعلمائهم ، في حين أن المسلمين أيضاً يقلدون علماءهم فلم هذه المفارقة ؟ جواب الأمام عليه أفضل الصلاة والسلام المنقول عنه : (( أما من حيث استووا فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذم عوامهم بتقليدهم علماءهم بتقليدهم علماءهم )) ميزان الحكمة ج8 ص 257.عن الاحتجاج.
ما هذا الاستواء ؟ اليهود يقلدون علماء سوء ، علماء يحرفون الكتاب ، علماء مرتشون ، علماء منحرفين ، إذا قلد عوام المسلمين من هذا السنخ ، من هذا النوع فهم مذمومون كاليهود وهم أهل نار ، ولا يحملون حجةً أمام الله سبحانه وتعالى يعتذرون بها ، هذا التقليد مشجوبٌ مرفوضٌ لليهود وللمسلمين معاً .
عن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لا تكونوا إمّعةً ، تقولون : إن أحسن الناس أحسنّا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وّطنوا أنفسكم ، إن احسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا )) .
الإنسان إنما يليق به في شريعة الله سبحانه وتعالى أن يأخذ موقفه من الدين والعقل ، أما ما يفعل الناس فذلك ليس مبرراً كافياً ، وليس حجة يعتذر بها العبد إمام الله سبحانه وتعالى ، هذا التقليد تقليدٌ تذهب معه الشخصية ، يتلف قيمة العقل ، يذهب بعمل الإنسان هباءً ، فهو مرفوضٌ لأنه تقليدٌ أعمى ، الإمعة هو الذي يقف دائماً مع موقف الناس مع الرأي العام ، ينساق وراء الرأي العام وكأن الرأي العام آيةً من آيات الله ، وعلمٌ وهادٍ من هداته ، والأمر ليس كذلك ، ليس لك عذرٌ أن يكون الناس على طريق النار فتكون أنت أيضاً على طريق النار ..
هذا التقليد تقليدٌ لمن ، وهو تقليد الآباء وتقليد العلماء ، تقليدٌ للأصدقاء ، ولأنه تقليدٌ أعمى فهو مرفوض مردود على صاحبه .. فماذا نقول في تقليد الأعداء ، إذا كان تقليداً أعمى ؟؟؟
رواية إسماعيل بن مسلم عن الصادق عليه السلام : (( إنه أوحى الله إلى نبيٍ من الأنبياء أن قل للمؤمنين : لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تطعموا مطاعم أعدائي ، ولا تسلكوا مسالك أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي ))
يحتمل في الرواية فهمان : أن اللباس الذي يلبسه الأعداء يلبسونه بما هم أعداء لله ، فهو لباسٌ ينافي العفة ، ينافي الحشمة ، ينافي الفضيلة . الطعام الذي يطعمونه أيضاً هو طعامٌ لهم بما هو أعداء الله فهو طعامٌ حرامٌ كلحم الخنزير والميتة والخمر مثلاً من الشراب . المسالك التي يسلكونها قد يُعنى بها أنها مسالك لهم بما هم أعداء الله ، ومسلك عدو الله بما هو عدو الله هو مسلكٌ منافٍ لإرادة الله غير داخل في دائرة المباح ، وهنا تكون المتابعة واضحة كل الوضوح ، وهي لا شك مؤديةً لأن يتحول هذا المباح الإنسان إلى عدوٍ من أعداء الله ، وينتقل من صفوف المسلمين إلى صفوف الكافرين بقلبه ومشاعره وسلوكه ، لكن هناك فهماً آخر وليس بعيداً .. اللباس والطعام والسلوك القومي للكافرين ، لأعداء الله وإن كان داخلاً في دائرة المباح ، لكنه يتميز به أولئك القوم ويتخذونه شعاراً ، ويعرفون به ، هو شعار هويتهم وقوميتهم .. لنفرض الصليب : حتى لو عاد الصليب فاقداً لمعناه الأول ، تعليق الصليب على الصدر ، قد تكون حرمته منشؤها رمز عبادةٍ فاسدة ، أو تدين فاسد ، ويمكن أن يكون شعار النصارى ن لنفرض أن الكفرة كان من لباسهم السروال القصير جداً ، فصار شعاراً لهم ، هذا داخلُ في دائرة المباح بصورةٍ ما ، وعلى مستوياتٍ معينة ، لكن حيث أن أعداء الله ، يتخذونه شعارا وإن لم يكن من المحرم نفسه ، إلا أن التلبس به في الأمة الإسلامية يلغي الفواصل شيئاً فشيئا ، ومما يظهر من النصوص ، أن الشريعة حريصةً كل الحرص على أن تبقى فواصل واضحة في السلوك الإنساني ، وفي الأدب الاجتماعي ، وفيما تتميز به القوميات الأخرى من أهل الكفر ، أو أهل الأديان الأخرى ، وفيما يتميز به المسلمون من شعارات وتقاليد وعادات ، هذا اللباس لأنه لباسٌ لأعداء الله وإن حل ، إلا انه تكون به غضاضة لا يليق بالمسلم أن يرتكبها ، بما فيه من إلغاء الفواصل ، كذلك هي المطاعم والمسالك .
رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام : (( قال : أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن قل لقومك : لا تلبسوا لباس أعدائي ، ولا تطعموا مطاعم أعدائي ، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي )) … المشاكلة ، المماثلة ، المجاراة ، اللهث وراء الوارد المستورد من الغرب ، المستورد السلوكي ، المستورد الفكري ، هذا اللهاث ، هذا الربط ، هذا الارتماء هذا الذوبان …يرفضه الإسلام ، لما فيه من خطورة وذوبان الفواصل الفكرية والنفسية ، وحدوث الألفة الكاملة في المشاعر .
مرسلة الصدوق : قال أمير المؤمنين عليه السلام فيما علّم أصحابه : (( لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون )) كأنه الرواية في الظهور في أن السواد ليس عليه شئ ، ليس فيه شئ ، إلا أنه لباس فرعون ، وفيما يتراءى لي أو أظنه أن فرعون المعني ليس فرعون التاريخي وإذا كان هو الظاهر ، فإن المقصود الباطني به هو فرعون القادم بعد عهد أمير المؤمنين عليه السلام من مثل بني العباس ، خلفاء بني العباس الذين جاءت فيهم الرواية أن لباسهم الأسود ، وأن هذا اللباس مرفوض على مستوى الحرمة أ و على مستوى الكراهة ، وذلك لأنه لباس بني العباس .. (( لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون )) ومثلها رواية أبي بصير عن أبى عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام نفس المضمون قد جاء في رواية ليست مرسلة .الوسائل ج4ص384 .
رواية حذيفة بن منصور (( كنت عند أبى عبد الله عليه السلام بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه فدعا بممطر أحد وجهيه اسود والآخر أبيض فلبسه وقال عليه السلام أما إني ألبسه وأنا اعلم أنه لباس أهل النار )).. لا يلزم أن الذين في النار يلبسون لباساً أسود ، إنما هي فئةٌ في الخارج ، قومٌ في الخارج ، يعيشون زمن الإمام عليه السلام هم أهل النار ،واتخذوا من السواد شعارا ، فهذا اللباس لباس أهل النار ولأن أهل النار الذين في الدنيا اتخذوه شعارا ، لذلك يرفضه الإمام عليه السلام لولا التقية ، ارأيتم كيف المفاصلة ؟
هذا في حدود مسلمٍ ومسلم ، ونحن لا نتكلم على هذا المستوى ، نتكلم على مستوى الأمة الإسلامية وأمم الكفر ..
أما التقليد الآخر : التقليد العلمي ..
فماذا تقول عنه النصوص ؟
(( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنةٌ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله ذكراً كثيراً )) 21 الأحزاب .
أنت جاهلٌ أو عالم ، حينما تقلد رسول الله ، تقتديه ، تتخذ منه أسوة في سلوكه ، حينما نتابع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتابعة الفكرية ، والمتابعة العملية ، نحن من خلال هذا الموقع علماء أم جهّال ؟
بعد أن علمت أن كلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي كلمة الله ، وأنا لا ادري بكل كلمات الله ، وأقطع أن ما من كلمة يأتي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبلغاً إلا وهي كلمةُ لله ، بإتباعي لهذه الكلمة أخذٌ بالعلم أو اخذٌ بالجهل ؟ فلتقض العقول .. والعقول قاضيةٌ بأن هذا هو عين العلم ، وهو أنزه ما يكون منزهاً عن الجهل ومنزهاً عن الجهل ..
بعد أن ثبت أن كلمة أمير المؤمنين عليه السلام ، كلمة رسول الله ، ثم كلمة الله … يكون اتباع كلمة أمير المؤمنين إتباعاً لكلمة الله وهو عين العلم وهكذا بالنسبة لكل إمام ، وحينما يثبت أن كلمة الفقيه العادل هي كلمة الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه ، وأن اتباعها بأمره وافقت الواقع أم لم توافق الواقع ، فماذا يكون هذا الاتباع ، هل اتباع للعلم أو اتباعٌ للجهل ، أنت لا تتبع الخوئي أنت تتبع القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه ، أنت تتبع رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنت تأخذ حين تأخذ بكلمة الفقيه كلمة الله ، أنت هنا آخذٌ بكلمة الله سبحانه وتعالى سواءٌ وافقت كلمة الفقيه كلمة الله عز وجل أو لم توافقه ، فأنت معذورٌ وعلى حجة منجية ..
وفي المقارنة أيضاً بين تقليد عوام اليهود لعلمائهم وعوام المسلمين لعلمائهم في الجانب الآخر ، يأتي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله (( وأما من حيث افترقوا فلا )) ميزان الحكمة ج4ص257 عن الاحتجاج .
كان السؤال عن ذم عوام اليهود على تقليدهم لعلمائهم ، فكيف لا يذم عوام المسلمين على تقليدهم لعلمائهم بيّن الإمام عليه السلام في المنقول عنه أن هناك حيثيتين : هناك حيثيةٌ يستوي فيها المقلدون المسلمون مع المقلدين اليهود ، وذلك لو قلدوا علماء السوء ، وقلدوا الجاهل ، قلدوا من ليس بعالم ، قلدوا من ليس بعادل ، قلدوا من يقدم الدنيا على الآخرة ..
وحيثيةٌ أخرى : هي حيثية الافتراق ، أن اليهود إنما قلدوا علماء السوء ، وقلدوا عن جهل ، وقلدوا عن تسامحٍ في الدين ، وعدم تقوى ، أما عوام المسلمين حين يقلدون العلماء العدول ، حين يقلدون من يثقون بدينه وبتقواه وبفهمه فهؤلاء لا يذمون على تقليدهم إنما تقليدهم عين الصواب ، وهو عين العلم ..
(( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ، فللعوام أن يقلدوه ..))ميزان الحكمة ج8 عن الاحتجاج ص263
(( فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه ، حافظا لدينه ..)) وهنا يكون تقليده تقليداً لكلمة تنطلق من حرص على الدين وبعدٍ عن الهوى ..
((…مخالفاً لهواه ، مطيعاً لأمر مولاه ..)) وهو الله سبحانه وتعالى ((…فللعوام أن يقلدوه ..)) وهو تقليد لماذا ؟ تقليدٌ للنزاهة ، تقليدٌ للعدالة ، تقليدٌ للعلم ، تقليدٌ للتقوى ..
اللهم صل على محمد وآله واهدنا سواء السبيل ، وأنقذنا من سبل الغواية والتيه ، وأعذنا من مضلات الفتن ، وأغفر لنا ما مضى من سيئاتنا واعصمنا فيما نستقبله من بقية أعمارنا ، وأجعله عامراً بالخيرات والطاعة لوجهك الكريم يا رحمن يا رحيم ..
(( بسم الله الرحمن الرحيم قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابدٌ ما عبدتم ولا انتم عابدون ما أعبد لكم دينٌ ولي دين ))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي آتى كل نفس هداها، وألهمها فجورها وتقواها، ودلها على طرائق رشدها وعلاها .
أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا منازع له في ملكه ولا مضاد له في تدبيره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله هادياً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا صلى الله عليه وعلى آله الهداة الميامين .
عباد الله أوصيكم ونفسي التي قد تخونني بتقوى الله والإٍتمار بما أمر تكميلاً للنفس ، وارتفاعاً بالقدر، وبلوغاً للغاية، وإصلاحاً للحياة، وفوزاً بالجنة، وان ننتهي لنواهيه نأياً عن السقوط وتنزهاً عن الفساد وحماية للحياة من الضياع ووقاية عن نار لا تنطفئ وشقاء لا ينقضي.
اللهم صلَّ على عبدك المصطفى ورسولك للورى محمد وآله النجباء اللهم صلِّ وسلم على محمد وآل محمد ، اللهم صلِّ وسلم على أول القوم إيمانا، وأثبتهم في الحرب جنانا، وعلمهم في الدين أشدهم في اليقين ، القوام لله بالقسط، المتفاني في مرضاته، الصديق الأمين علي أمير المؤمنين ، اللهم صلِّ وسلم عليه ، اللهم صلِّ وسلم على البضعة الطاهرة والمظلومة الصابرة والقدوة الفاخرة قرة عين الرسول فاطمة الزهراء البتول ، اللهم صلِّ وسلم عليها وعلى أبيها و بعلها وبنيها ، اللهم صلِّ وسلم على مفترضي الطاعة والمؤملين للشفاعة، الطاهرين الزكيين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين ، اللهم صلِّ وسلم عليهما ، اللهم صلِّ وسلم على ورثة الأنبياء وسلالة الأصفياء وسلسلة الأتقياء الأئمة الهادين المهديين علي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، اللهم صلّ عليهم أجمعين، اللهم صلِّ وسلم على من يملأ الأرض قسطا ًو عدلاً بعدما ملئت جوراً القائد المذخور، سيف الله المسلول الأعدل الأتقى أبي الحسن القائم المفدى، اللهم صلِّ وسلم عليه وعجل فرجه وسهل مخرجه.
اللهم أيد الناهض بأمر من أمره، القاصد سبيله، الآخذ بهداه، العامل على التمهيد له، اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونضرع إليك أن تسلك بنا سبل امتنانك وتجعلنا من أهل إحسانك ورضوانك يا كريم.
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فوقفة مع بعض القضايا والمناسبات.
كيف ننتصر للقدس والأرض المغصوبة و المسلم المعذب؟، الشهداء قوافلهم ، القادة الإسلاميين العسكريين المجاهدين المسلمين ، الرضع ، الشيوخ ، الحرائر، الشابات. هناك الاحتجاجات والبذل المالي والمسيرات والمظاهرات ، والمؤتمرات والمذكرات ، هناك أساليب من هذا وقد ترقى إلى حمل السلاح، إلا أن الأهم من ذلك في نظري وعلى المدى البعيد ، أن نعرف هويتنا ، أن نرجع إلى انتمائنا، أن نتمثل قيم الإسلام وروح الإسلام، إذا صرنا على الخط الآخر وهو خط التغرب ، والتغرب لا يعيد أمجاد أمة ولا يستعيد القدس بما هي قدس، الخط الآخر خط التميع، وخط التميع لا يخلق بطولات ، ولا يخلق رجولات ، ولا يخلق قوافل شهداء، ولا يخلق قادة صامدين ، ولا يخلق قلوباً صلبة صامدة ونزيهة لا تخون، أمجاد الأمة كل أمجادها كانت تحت راية الإسلام ولن تستعيد مواقع المجد ومواقع العزة والكرامة ومواقع الريادة إلا تحت راية الإسلام، هذه التجارب تتوالى، فوق المليار مسلم ، السلاح موجود، قد تتفوق إسرائيل على المسلمين من حيث السلاح الذري لكن أسلحة كثيرة بيد المسلمين، بيدهم السلاح المدني، وبيدهم السلاح الحربي، وبيدهم العدة التي لا تعرفها إسرائيل، بيدهم القبضة على شرايين الحركة الصناعية في الغرب، لكنهم يفقدون الإرادة وفقدهم للإرادة من خلال فقد الإيمان، ومن خلال التغرب الذي غزاهم ومن خلال مواقف الاهتزاز في الثقة بل مواقف التراجع عن خط الله سبحانه وتعالى علناً وسفورا، نحتاج إلى أساليب المسيرات والمظاهرات والبذل المالي والتبرع بالدم والمذكرات والمؤتمرات والاحتجاجات والخطب والقصائد، لكننا في الأصل نحتاج إلى شئ أساسي هو اكبر من ذلك كله ولن ينتج ذلك كله إلا بالرجوع إلى الإسلام وعزة الإسلام وكرامة الإسلام، أن تصنع نفسك مسلماً قويا، أنت كيف تنتصر للقضية الفلسطينية –قضية القدس- أن تصنع نفسك مسلماً قوياً، فيما تملكه من إمكانات علمية وخبرات ميدانية وفيما تتمسك به من فكر إسلامي أصيل وفيما تتزين به من خلق إسلامي كريم، خرّج من نفسك شخصية إسلامية تخرج من نفسك أمة تقف في وجه اليهود والطامعين، كل الملايين والمليارات من غير إسلام ستكون هباء. قولوا لماذا ؟ هناك فرق كبير، بين الأمم الأخرى و أمتكم، أنتم المسلمين ذقتم الإسلام، عرفتموه بمقدار، لازلتم على درجة من صفاء الفطرة والذوق الفطري السليم والذوق الخلقي الكريم والضمير الإنساني النقي أصول الفكر الفطري، أنتم على هذا الواقع ومن خلال هذا الميراث لا يمكن لكم نفسياً ولا عقلياً وإن حاولتم أن تنسلخوا عن الإسلام بالكامل وأن تقبلوا بأي أطروحة أخرى، لأن كل الأطروحات الأخرى قاصرة، دونية، منسحقة، أمام الأطروحة الإسلامية التي تتراءى لكم على بعد، والتي تحملون عنها تصوراً ما ولو باهتا، الأمة التي تحمل ولو تصوراً باهتاً عن الأطروحة الإسلامية تمتلك نفسية أكبر من كل الأطروحات، وعقلية اكبر من كل الاطروحات، ونقاء فطرياً يرفض كل الاطروحات الزائفة. الغرب يمكن أن ينتج في ظل أطروحة زائفة كاذبة إنتاجا دنيوياً، أنتم لا يمكن أن تنسجموا مع أي أطروحة تعادي الإسلام وتنفصل عن الفطرة، فحيث تحرمون من الإسلام من جهة ولا تستطيعون ان تتفاعلوا التفاعل الكامل مع أي أطروحة أخرى قاصرة مناهضة، تكون في حالة من التذبذب والقلق الفكري والنفسي والحضاري. وبذلك نفقد الموقع المتقدم، ونفقد القدرة على رد الفعل فضلاً عن الفعل. أمريكا القدوة ، القدوة الفكرية، أمريكا القدوة في الديمقراطية، أمريكا القدوة في المجتمع المدني، أمريكا القدوة في الليبرالية، أمريكا القدوة في التحرر، ماذا تقول ؟ ترفض أن تحضر مؤتمراً لمحاربة العنصرية في جنوب أفريقيا يتعرض لعنصرية إسرائيل، اقتدوها أيها الناس، هذا هو إمام الحضارة الحالية، هذا هو المبشر بالإنقاذ، هذا هو القائد إلى ساحل الأمان وشاطئ الكرامة الإنسانية، أمريكا ترفض أن تحضر مؤتمراً يتعرض لإسرائيل فيما تمارسه من ممارسات عنصرية قاسية مقيته، فماذا يقول الاخوة المثقفون العرب؟ ماذا يقول المتفرنجة فكرياً ؟ ماذا يقول المتفرنجة سلوكياً ؟ ماذا نقول نحن المسلمين ؟ .
عودة أيها الاخوة للإسلام وبقوة، عودة لفكر رسول الله (ص)، عودة لأحضان القرآن، عودة لرايات الأئمة والصحابة الكرام.
فاطمة الزهراء (ع) تسجل عفة وحجابا، وتسجل فضيلة و كرامة وتسجل التزاما، وتسجل عدم اختلاط بالرجال، وتسجل حضوراً سياسياً مبدئياً كبيراً فاعلاً قديراً خالداً لم يمارسه الرجال، امرأة وحدها في عمر الزهور، شابة في عمر الزهور مكروثة بأكبر إنسان تقف وبإباء وبكل ثقة وبكل إيمان، موقفاً لم يستطع الرجال أن يقفوه، لتقول رأيها في الإمامة ولتسجله لسمع الدنيا كل الدنيا فتبقى كلمتها مدوية في التاريخ وأن الإسلام مربوط بالإمامة وأن الإمامة مربوطة بالإسلام.
كلمات لقادة مؤتة:
المعركة التي خاضها المسلمون من غير تكافؤ عسكري أبداً مع الروم، المعركة ثلاثة آلاف مسلم، مائة ألف كافر، القواد الميدانيون العسكريون، زيد بن حارثة ، جعفر بن أبى طالب ، عبد الله بن أبى رواحة. عبد الله بن رواحه يودع رسول الله (ص) ويودع المسلمين في المدينة ويبكي، ما يبكيك يسأله المسلمون؟ الجواب : ما بي حب الدنيا ولا سبابة بكم، وقد تقرأ صبابة، وهي تعني فيما تعنيه الشوق أو الهوى، ولكن سمعت رسول الله (ص) يقرأ آية وهي ((وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا))، فلست أدري كيف بالصدور بعد الورود، أنا علمت أني سوف أرد النار، ولكني لا اعلم أنى سأفارقها، الله وعد ((وإن منكم إلا واردها))، توعد ((وإن منكم إلا واردها))، وهو قد يكون وعداً ووعيداً على تفسير، ((وإن منكم إلا واردها))، فعلمت أني سأرد النار لكن يا ترى هل اخرج منها؟ هذا الذي كان يبكي عبد الله بن رواحة وهو يتوجه إلى القتال، بلغه وهم ثلاثة آلاف أن هرقل زاحف إليهم بمأتي ألف، قال عبد الله للمسلمين يا قوم، يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم تطلبون، الشهادة، أنتم لما خرجتم؟ خرجتم للشهادة ومائة الألف، ماذا سيترتب على مقاتلتكم إياهم؟ ليس إلا الشهادة، فما تخافون هو الذي خرجتم تطلبون فانطلقوا فما هي إلا إحدى الحسنيين. هؤلاء هم القادة الذين يسترجعون القدس، الذي يذلون إسرائيل.
جعفر يا حبذا وهو يغوص في القوم قتالا، بعد أن عقر مركوبه، استئسادا وبطوله:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها
الإنسان الذي يرى الجنة أمامه وأن ما بينه وبين الجنة أن تنطلق في اتجاهه رصاصة فتصيب مقتلاً منه، هذا الذي يحرر القدس، هذا الذي يستعيد فلسطين، هذا الذي يستعيد كرامة الأمة، وعزة الأمة وشرفها. عبد الله وقد سمع الحطمة في ناحية من العسكر-رجة وضرب- يخاطب نفسه، وأنت في الدنيا ؟ أو وأنت في الدنيا ؟ يخاطب نفسه وأنت في الدنيا ؟ يحدث هذا وأنت في الدنيا، فيندفع قتالاً ليستشهد.
عن رسول الله (ص) :(مر بي جعفر البارحة في نفر من الملائكة له جناحان مختضب القوادم- وفي نسخة القوايم-بالدم)، رسول الله (ص) في الكامل لابن الأثير:(أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم لقوا العدو فقتل زيد شهيدا –هذا يخبر عن غيب (ص) فاستغفر له –أي رسول الله- ثم أخذ اللواء جعفر فشد على القوم حتى قتل شهيدا، فاستغفر له –أي الرسول (ص)- ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة وصمت –الرسول (ص) صمت- حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان من عبد الله ما يكرهون ، ما هو أن حدث له تراجع، أن أصابته رعدة خوف ارتدت به خطوات إلى الوراء يفر من الموت، هذا كان الشاذ، هذا كان شذوذاً وهذا كان مستنكرا، وهو الحرام إلا أن يكون لمكيدة حربية أو لانضمام إلى فئة، ثم قال رسول الله (ص) فقاتل حتى قتل شهيدا، ثم قال لقد رفعوا إلى الجنة على سرر من ذهب فرأيت في سرير بن رواحة إزوراراً عن سريري صاحبيه –ميلاً – بسيطاً ربما عن سريري صاحبيه، سريرا صاحبيه اتجها مستقيمين إلى الجنة، سريره مال قليلا، فرأيت في سرير ابن رواحة ازوراراً عن سريري صاحبه، فقلت عما هذا، بأي سبب؟، لماذا؟ من أي شئ كان هذا، فقيل -القول من الوحي- مضيا وتردد بعض التردد –أي سرير عبد الله بن روحة- ثم مضى)، سبب ازورار سرير ابن رواحة هو أن زيد بن حارثة وجعفر الطيار أقدما ولم يلويا على شئ ولم يترددا، اقدما على الموت لا يريان إلا رضوان الله والجنة، طائف خفيف للشيطان احدث درجة خفيفة من التردد في عزم بن رواحة عن الإقدام على الحور والجنان، والزهد في الدنيا والصبر على حرارة القتل، هذا التردد البسيط هو الخلفية وراء ذلك الإزورار الذي حدث للسرير، فلنراقب أنفسنا.
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، وعجل نصرك لهذه الأمة على يد المجاهدين من عبادك المسلمين والمؤمنين وثبتهم تثبيتا ومكن لهم تمكينا واكتب لهم الغلبة على المفسدين من الصهاينة ومبدلي الكتاب من اليهود ومن ورائهم من قوى البغي والضلال في كل مكان وعجل بالفرج العام الشامل على يد وليك المنتظر (ع)، يا قوي يا عزيز .
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون