خطبة الجمعة (17) 7 جمادى الاولى 1422هـ – 27-7-2001 م
مواضيع الخطبة:
شمولية أهداف الطرح الإسلامي –
الغيبة – مشكلة الطائفية –
النفس المترفعة ، النفس التي يملؤها الإيمان ، هذه نفس تطلب الحكمة ، تطلب العلم ، تطلب الذكر ، أما نفس الإنسان المنحدر الساقط ، النفس الحيوانية الشرسة الدنيئة فالغيبة إدامها ، فمعنى ذلك أن الغيبة من أخس السلوك ، ومن أسقط الخلق ، ومن أدنى الممارسات ، وما هو كذلك لا يُقبل عليه إلا الكلب والنفس الكلابية .
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي فتح سبل معرفته ، وبين طرائق طاعته ، ودعا إلى موائد رحمته ، ولطائف بره وإحسانه ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قدير لا تقاوم قدرته ، عليم لا يحاط بعلمه ، رحمن رحيم لا خير إلا من رحمته ، عدل لا يتجاوز أحد عدله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صدق بكلمة ربه ،وما رضي بغير دربه ، وعادى الاقربين فيه ، وهجر الأرض والأهل من أجله ، وارتكب الصعب شوقاً إليه ، وذلك من منّ ربه عليه ولطفه به وقد كرّمه وقرّبه وادناه وارضاه صلى الله عليه وآله الهداة .
عباد الله اتقوا الله ، واطمعوا في رضاه ، و احذروا سخطه ، فإن كل مطلوب دون رضاه زهيد ، وكل محذور دون سخطه حقير ، وإن جلّت المطالب ، وعظمت المخاطر . لا خسارة عليك إذا رضي الله عنك ، ولا ربح لك إذا سخط الله عليك . رضى الناس كلهم مع غضبه خسارة ، وسخط الناس كلهم مع رضاه ربح . وماذا يغّير سخط الضعيف إذا رضى القوي؟ وماذا يُغني رضى المحاويج إذا كان الغني غاضبا .
اللهم صل وسلم على من أرسلته بالاسلام الشامل ، والدين الكامل ، والقرآن الهادي ، والوحي الصادق خاتم النبيين محمد وآله المعصومين .
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونتوكل عليك … أما بعد ..أيها الاخوة المؤمنون …..
شمولية اهداف الطرح الاسلامي ..
فإن الاسلام أطروحة الحياة الكاملة ، له أهدافه في هذه الحياة وفي صناعة الإنسان ، وهي أهداف تتلخص في أمرين : في التقدم بهذا الإنسان في هذه الحياة وتوفير السعادة له بقدر ما تطيقه هذه الحياة ، ثم تخريجه إنسانا كاملا كأكمل ما يمكن أن يكون من هذه الحياة ، ليصلح إنسان الجنة وإنسان الآخرة السعيدة ، الجنة مأوى الأنبياء والرسل والأصفياء ، ولابد أن يصنع الناس على طريقتهم وأن يأتوا أمثلةً ولو صغيرة منهم ليصلحوا لمجتمع الآخرة ، أي حكم من أحكام الشريعة ، أي خلق من أخلاق الاسلام أي تعليم من تعاليمه ، وقبل ذلك أي عقيدة من عقيدته ، إنما يستهدف صناعة الإنسان على هذين البعدين :
أن يعمر الحياة ، أن تعمر به الحياة ، أن يكون الإنسان الصالح لسكن الجنة ، أي حكم تطالعه من أحكام الشريعة ، يطالعك هو من جهته بأنه يلتقي مع هذين الهدفين ، ولا أدري بأن هناك حكمٌ واحد من أحكام الشريعة يصب في مصلحة هذا الهدف وحدة أو في مصلحة ذلك الهدف وحده ، إنهما هدفان متلاقيان ، والآخرة لا تصلح إلا بصلاح الإنسان في الدنيا ، والدنيا لا تصلح إلا بخلق الآخرة ، الاسلام لا يريد آخرة ولا يعطي جنةً من غير دورٍ في هذه الحياة ، وإذا كان لإنسانٍ دورٌ عبادي بالمعنى المصطلح فقط من صلاة وصوم وحج ودعاء فإنه دورٌ ناقص لا يكسب جنة عالية ، مطلوب من هذا الإنسان أن يترك بصمات الإيمان وبصمات العدل والتقوى على هذه الحياة ، ويحّول من الحياة مدرسةً للأجيال القادمة تنطق بعدل الله ، تنطق بعدل الله وبحكمته وبعلمه وبلطفه .
الدنيا والآخرة سبيلان منسجمان
لا يكاد يكون هناك حكم من أحكام الشريعة يتراءى لنا انه يصلح الدنيا إلا وهو يصلح الآخرة ، و لا حكم من أحكامها يتراءى لنا انه لصلاح الآخرة ، إلا وهو يعالج مشكلات الدنيا ، فالمسألة في الاسلام مسألة تكامل ومسألة تنسيق ، ومسألة انسجام وتناغم بين ما هي السعادة في الدنيا وبين ما هي السعادة في الآخرة .
وكذب في فهم الاسلام أن تتوفر سعادة في الدنيا وخاصة على المستوى الاجتماعي بعيدة عن خط السعادة في الآخرة .
الغيبة عزلٌ واعتزال
أعطى لهذا مثلاً واحداً فقط .. أمامي نقاط تتحدث عن حكم الغيبة : الغيبة حرام وقد يتراءى لنا أن هذه الحرمة انما هي لمعالجة أو لتخليص الروح ولشفافية الروح ولسعادة الآخرة ، أو قد يتراءى لنا أنها تصب في مصلحة السعادة في الدنيا ليكون هناك مجتمع منسجم متوائم لا تمزقه الخلافات والمشكلات ، في الحقيقة أن تشريع الغيبة واحد من كل التشريعات الإسلامية الذي تحتاجه البينة الإسلامية والنظام الإسلامي وهو يتحمل مسؤولية الهدفين الذين مر ذكرهما ..
الاسلام يريد هنا مجتمع أخوة يقوم على الإيمان ، والغيبة تعني أسلوب تصفية للشخصية وإسقاطها ، إسقاطاً ذريعاً وعزلاً كاملا ، الغيبة إذا تناولت اكبر الشخصيات ، وجاءت على ألسن الكثيرين ، ولاكت الألسن هذه الشخصية العملاقة ، أثّرت أثرا سلبياً وحطمت من حرمتها ، ونالت من موقعها ، والنفوس التي تتهيأ للاستفادة من هذه الشخصية أو للالتفاف بها من أجل وعيها وإيمانها ، أو حتى من أجل دنياها تزهد فيها وتنحسر عنها ، وتستوحش منها ، وهذا يأتي في كل شخصية ، سواء كانت شخصية عملاقة أو شخصية عادية ، فنحن نستطيع أن نسقط الرموز الخيرة ، من خلال عملية الغيبة المنظمة ومن خلال وجود خلايا تعمل على هذه الشخصيات في الأوساط المسلمة ، وبذلك يتفكك المجتمع المؤمن ، ويفقد الارتباط بمراكز تموينه الفكري والسلوكي والروحي ، وإذا دخلت الغيبة كل بيت وسرت بالنسبة لكل شخصية ، تمزق المجتمع أيما تمزق ، وتفكك أيما تفكك ، فالغيبة إذا جاء تحريمها لأنها تتنافى وهدف بناء المجتمع الإسلامي المؤمن المتماسك .
الغيبة تقوم بعملية عزل آخر ، العملية الأولى تمثل عملية عزل للشخص الذي اُغتيب ، وهنا عملية عزل آخر للشخص الذي يمارس عملية الغيبة نفسه ، هذا العزل هو عزلٌ للشخص الذي يمارس الغيبة نفسه : (( إياك والغيبة فإنها تمّقتك إلى الله والناس وتحبط أجرك )) ..
العزل الأول يقول عنه سبحانه وتعالى ((وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)) هنا عملية انتهاش ، عملية الانتهاش مرة تكون لجسد وجسد ميت لا يدفع ولا يمنع ، فهي عملية افتراس وانتهاش دنيئة ، يقوم بها طرف قوي ، بالنسبة لطرف لا يملك أي مقاومة ولا يخاف منه أي ضرر الجثة الهامدة لا يخاف منها أي ضرر ، فإذا جاء إنسان حيٌ قوي ينهش من هذه الجثة فهو يمثل عملية افتراس حيوانية شرسة بغيضه تسقطه وهو إنسان .
هذه العملية بالضبط تأتي على مستوى آخر فالانتهاش هنا انتهاش معنوي ، الأكل أكل للشخصية ، للسمعة ، للشرف ، للكرامة ، للموقع ، وأكلٌ من إنسان يستطيع أن يطلق لسانه كيف يشاء ، أما ذلك الغائب فليس له قدرة على دفع ضر ولا منع بلوى ، الغائب ميت وهذا الحاضر في مجلس من مجالس الناس حيُ قادرٌ متسلط ينهش من شخصية أخيه الآخر ، ويحدث له تصفية معنوية شنيعة ، فهو يمارس عمليةً قبيحةً بغيضةً تتماثل مع أكل الميتة ، ميتة إنسان لا يدفع ولا يمنع ، تلك العملية تمثل عزلاً للشخص الذي أُغتيب ، والأثر الثاني هو أثر عزلٍ للشخص الذي يغتاب ..
(( إياك والغيبة فإنها تمّقتك إلى الله …)) والعزل عن الله أكبر عزل (( وتحبط اجرك )) المغتاب باسم الفاعل هذا أيضاً يسقط ويعزل نفسه من خلال عملية الاغتياب ، قد يسلم من النقد مرةً أو مرتين ، لكن حين تستهويه عملية الاغتياب وتكون مائدة المجالس على يديه هي الغيبة فهنا لابد أن يساء الظن فيه ولا بد أن يحذر منه الناس ولا بد أن يجفوه الناس ولا بد أن يحمله الناس على العداوة والحقد والحسد وبذلك يعزل نفسه .
الغيبة اسقاطٌ للذات
الاسلام جاء ليربي نفسية عالية تتجاوز كل الدنايا وكل السقطات وكل الأمور الرخيصة ، نفسية عزيزة كريمة يملؤها الإباء وتزخر بالكرامة و تتطلع دائما إلى علو ، تتطلع دائماً إلى ما هو أسمى ، والغيبة ماذا تفعل ؟؟ الغيبة تنطلق من نفسية منحدرة وترّكز النفسية المنحدرة وتوسعها ،(( الغيبة جهد العاجز )) في الكلمة عن أحدهم عليهم السلام ، المطلوب له التنافس في الخير ، التسابق في الفضيلة ، المطلوب له أن يقوم بدور بارز يبوئه المنزلة اللائقة ، المطلوب في الاسلام من الشخص أن يترك أثراً إيجابيا ينفع الناس لا من أجل أن يلفت نظر الناس ، وإنما لأن الأثر الطيب بطبيعته يجذب انتباه الآخرين الذين يعشقون الجمال .
لعجز في هذا الشخص لكسل لخمولٍ ، لقلة كفاءات يعوّض عن نقصٍ فيه فيحاول أن يحطم الشخصيات الرفيعة ، ويحاول أن ينحدر بالمستويات العليا للآخرين إلى مستواه الداني في نفوس الناس إنها عملية رخيصة سلبية قاتلة ، تضر بنفس هذا الإنسان وبالآخرين ، أنه هنا ينحدر كلما اغتاب غيبة من هذا المنطلق انحدر منحدراً سحيقا وهبط إلى وادٍ سحيق .
عن الإمام الحسين عليه السلام (( يا هذا كُف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار ))…التعبير عن الغيبة بإدام كلاب النار جاء في اكثر من كلمة لإكثر من إمام عليهم افضل الصلاة والسلام ، ومن بعض الكلمات المنقولة أنها ادام كلاب الناس ، الإدام يطلب لتطييب المائدة ، النفس الكلابية الشرسة ، النفس الكلابية المعتدية ، النفس الكلابية النجسة أي إدامٍ تطلب ؟؟؟ الصراصير من أين تطلب مائدتها ؟ من المستنقعات والمخلفات ، الكلب ربما طلب إدامه من جيفة ..
النفس المترفعة ، النفس التي يملؤها الإيمان ، هذه نفس تطلب الحكمة ، تطلب العلم ، تطلب الذكر ، أما نفس الإنسان المنحدر الساقط ، النفس الحيوانية الشرسة الدنيئة فالغيبة إدامها ، فمعنى ذلك أن الغيبة من أخس السلوك ، ومن أسقط الخلق ، ومن أدنى الممارسات ، وما هو كذلك لا يُقبل عليه إلا الكلب والنفس الكلابية .
خسائر ضخمة
(( من اغتاب مسلماً أو مسلمةً لم يقبل الله صلاته أو صيامه أربعين يوما وليلة إلا أن يغفر له صاحبها )) ..
في حديث أن الإنسان يأتي يوم القيامة وله مما كسبت يده حسنات كثر إلا أنه يفّتش عنها فلا يراها ، فإذا بها ذهبت لإمرءٍ مظلومٍ بغيبته ، ويأتي الشخص وهو يعرف أن هذه الحسنات في سجله لم يأتِ بها يسأل من اين هذا كله فإذا بها حسنات الذي أغتابه ، فهو يبني ليهدم ويكسب لجيب من يبغض ، فهو سفه وهو دناءة ، وهو ضياع عقل .
مواضع حلية الغيبة
و ما حرم الغيبة أيها الأخوة وهو الحفاظ على الروح ، وعلى الاجتماع وعلى النفس الكريمة ، على إعداد الإنسان الأخروي ، وعلى إعداد الإنسان القوي الفاعل في الدنيا والمجتمع المتماسك ، هذا الذي حرم الغيبة يحّللها :
(( ثلاثة ليست لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع …)) هذا هادم للدين وهادم للدنيا يشغل الناس بالخيال ، يحل الوهم محل الحقيقة في نفوس الناس وفي عقولهم ، ويسلك بهم بعيداً عن الله عز وجل ، وكل الدروب غير درب الله غير منتج ، إلا خسةً وانحدارا ..
(( ثلاثة ليست لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع …)) فهذا هدّام وغيبته حلال ، وهذه الحلية هي عين تلك الحرمة في الأثر ..
(( ..والإمام الجائر ..)) هذا الذي بيده أن يحطم دين الناس ودنياهم وهو يفعل .
(( .. والفاسق المعلن الفسق ..)) ذلك لأن هذا الفاسق يشيع في الناس مائدةً خسيسة سيئة ، ويسقط أخلاقيتهم ويبعدهم عن الحق والعدل والاستقامة ، وفي الحقيقة أن الفاسق خارج عن حرمة الغيبة تخصصاً لا تخصيصاً كما يعبرون ..بل الثلاثة هم كذلك ..يعني هؤلاء ليسوا موضوعا أصلاً لحرمة الغيبة ، وليس أنهم داخلون في موضوع حرمة الغيبة وقد استثنوا استثناءً ..
اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ، واجعل خُلقنا من خلق أنبيائك ورسلك ,أوليائك وارزقنا طهر الأرواح ، ونقاء القلوب ، وصفاء النفوس وسلامة النية ، وعلو الهمة ، والترفع على الدنايا والسقطات ..
بسم الله الرحمن الرحيم
( وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3))
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا مضل لمن هدى ، ولا هادي لمن أضلَّ ، ولا مذل لمن أعزَّ ، ولا معز لمن أذلَّ ، اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، قديم غير مسبوق بعدم ولا وجود ، أبدي لا يزول ولا يحول ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، نطق بالصواب ، وجاهد في الله حق الجهاد ، واستغنى عن ملق العباد برب العباد ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله العُبّاد .
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل على توحيد كلمة المؤمنين والمسلمين على التقوى ، والنأي عن الفرقة والشتات ، مع المداومة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يقال للمحسن قد أحسنت ، وللمسيء قد أسأت في دائرة من عملية التواصي بالحق والتواصي بالصبر .
اللهم صل وسلم على المؤيد بالمعجزات ، المصون عن الشبهات ، صاحب الخلق العظيم ، محمد خاتم النبيين والمرسلين .
اللهم وصل على الصابر في البلوى ، والملازم للتقوى ، الثابت في الجهاد ، الخاشع في المحراب ، العابد الزاهد علي بن أبي طالب .
اللهم صل وسلم على العالمة الفاضلة ، والعابدة العاملة ، والشاكرة الزاهرة فاطمة المعصومة الناضرة .
اللهم صل وسلم على إمامي التقوى ،والناطقين بالهدى منارتي الرشاد ،والقائدين إلى السداد ،الحسنين الزكيين أبي محمد الحسن ,وأبي عبد الله الحسين .
اللهم صل وسلم على الولاة الهداة ، والقادة الأباة ، والسادة الميامين ، والقادة المعصومين : علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري عليهم أفضل الصلاة والسلام .
اللهم صل وسلم على المذخور للجهاد ، والفتح والنصر ، المستغني بعلوم الوحي عن الاجتهاد ، المطفئ للفتن ، القاضي على البدع والمحن محمد المنتظر بن الحسن .
اللهم فرّج به كربنا ، واكشف همنا وغمنا ، وافضح به الضلال ، وانزل به سبل الحق والرشاد ، واجعل سعينا من سعيه ، وقصدنا من قصده ، واسلك بنا طريقه ، وهيئ بنا لنصره يا كريم . اللهم من كان في نصره نصر الدين وعز للمؤمنين ورحمة بالمستضعفين فانصره وأيده يا كريم ..
التقارب الفكري أساس الاتحاد
أيها الاخوة المؤمنون والمؤمنات : الحديث في هذا اليوم عن مشكلة قاتلة وهي مشكلة الطائفية ..
للاتحاد أسس : الاتحاد يقوم على الالتقاء الفكري أو التقارب الفكري ، فما من أمة يمكن أن تنشأ وأن تتوحد إلا وهي ترتكز إلى مرتكز فكري واحد تلتف حوله بفهم واحد ، أو بفهم متقارب ، ومن دون ذلك لا يمكن أن تقوم قائمةٌ لأمة ولا يمكن أن يتحقق اتحاد .
لا بد من قيم معنوية ، الحياة لا يمكن أن تستمر حتى دنيوياً بغير قيم معنوية ، اقدّم مثالاً بسيطاً : الله عز وجل أوجب الصدق وحرم الكذب هذه قيمة من قيم الدين ،وهذا حكم من أحكام الله عز وجل ، استبدلوا هاتين القضيتين بقضيتين معاكستين ،لو أحلت حرمة الصدق محل وجوب الصدق ، ووجوب الكذب محل حرمة الكذب ماذا سيكون ؟، الأب يكذب ابنه والمربي يكذب تلميذه ، الأم تكذب ابنها ، كلٌ يواجه الآخر بالكذب ، الطبيب ، الحاكم ، المحكوم ، مراكز السفر ، مراكز التموين ، الكل يتعامل بالكذب ولأعطي مدة عشرة أيام أو اقل من هذا للتعامل بالكذب في العالم ، فليتبنى العالم خلق الكذب لعشرة أيام فقط ، في كل مؤسساته وفي كل بيوته ، وفي كل مرافق وجوده ، كيف ستكون الحياة تأملوا قليلاً ستجدونها تنتهي أو تقارب الانتهاء ..الطيار حين يكذبك .. أنت حين تكذب الطيار..بائع السمن حين يكذبك . بائع الدواء حين يكذبك .. انظروا ماذا سيكون ؟؟ ..فلابد من قيم ..
أيضاً تشابك المصالح يعد عاملا من عوامل الاتحاد وبناء الأمة الواحدة ، ولكنه لا يكون بقوة عامل الالتفاف الفكري حول المحور الواحد ، وعامل القيم المعنوية وإن كان له دورٌ كبيرٌ جداً ، تشابك المصالح يدفع للاتحاد ، ولمحاولة القضاء على الفتن وسد بؤرها .
التقارب الفكري مدعة لوحدة الأمة
بالنسبة للاتحاد في إطار الاسلام حين يكون عندنا فهمٌ متكامل للإسلام ، لتعاليم الاسلام ، لأخلاقيات الاسلام ،لمفاهيم الاسلام ، لوصايا الاسلام ، لأحكام الاسلام ، كلما كان اتحادٌ في الفهم أو تقارب في الفهم ، لمجموع أحكام الاسلام ، أخلاقيات الاسلام ، مفاهيم الاسلام ، كلما توحدت الأمة وانتظمت في مجموعة كبرى متناسقة ومنظومة كبرى متناغمة كل جهودها تتلاقى من اجل إنجاح أمرها في الدنيا وفوزها في الآخرة .
الطائفية العبادية واقع
نأتي للطائفية بعد هذه المقدمة ، هناك طائفة عبادية في داخل الاسلام ، المذهب السني والمذهب الشيعي يختلفان بدرجة من الاختلاف في مسألة العبادات ، كيفية العبادة ، هناك اختلاف على قضية الإمامة ، هذا الاختلاف من دون الاختلاف على الإمامة وهنا الاختلاف الفقهي نجده في المذهب الواحد ، ونجده عند الفقيه الواحد من فقهاء السنة ، من أئمة السنة الأربعة..يقول بالرأي ثم يصير الى رأي اجتهادي غيره ، لأن المسألة عند مالك والشافعي وأبي حنيفة مثلاً ، المسألة عندهم مسالة اجتهاد ..، الشي الذي لا نرتقبه من الامام المعصوم عليه السلام هو أن يتغير الرأي الواقعي عنده ، الإمام عليه السلام عملية توصيل الحكم عنده والتوفر على الحكم ليست قائمة على الاجتهاد ..
المهم ..هذا الاختلاف العبادي الذي يقسمنا طائفتين من ناحية عبادية ، لا مفر لنا من الاعتراف به ، ولا معالجة سريعة ولا طويلة المدى بالنسبة إليه إلا يوم أن يظهر الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه ، ويتبين كل المسلمين واقع الأمر ، هناك ربما خرج شيعي من تشيعه عنادا ، ودخل أفواجا من السنة في التشيع استسلاماً للحق ، ستجدون أنصاراً للأمام القائم عليه السلام في روسيا من الشيوعيين وفي الصين ، وفي أمريكا ، وفي كل مكان ، وربما تجدون من يواجه الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه من داخل المساجد ، حين يكون دخوله للمسجد للإضرار ، للتسّمع لكامن المؤمنين ، للتجسس على المؤمنين لعدو كافر خارجي مثلاً ..وهذا إن لم يوجد في البحرين فهو موجود في بلدان أخرى .
الحوار الهادئ سبيل المعالجة
الطائفة العبادية علينا أن نتعامل معها ، التعامل الذي أوصى به الله سبحانه وتعالى ، تبقى أخوّتنا الإسلامية : إذا طمعت في أن يكون أخي السني شيعياً ، فليكن ذلك من خلال الحوار الهادئ والطرح العلمي البعيد عن أي تعصب وتشنج ، وإذا طمع أخي السني في أن أكون سنياً معه ، فليسلك نفس السلوك ، وهذا هو الطريق الحق في هذه المسالة .
أمير المؤمنين والطائفية العبادية
وأمير المؤمنين عليه السلام لم يشن حرباً على معاوية لأن من معه كان لا يحترم أمير المؤمنين عليه السلام ، ولا يأخذ الحكم من طريقه ، يعني ليس لأن أهل الشام لم يأخذوا أحكام صلاتهم و صومهم عن طريق أمير المؤمنين عليه السلام حاربهم ..إنما حاربهم لأن معاوية من البغاة ..خارج على إمام زمانه ، أما مسألة اختلاف المذهب وأن أي عالم كان يذهب مذهباً غير مذهب أمير المؤمنين عليه السلام في الفقه كان يحاربه عليه السلام لم يعرف عنه ذلك ، فلا حرب بين المسلمين سنةً وشيعة ولا إضرار دنيوي لهذا الاختلاف المذهبي العبادي .
مفهوم الطائفية السياسية
البلية كل البلية في الطائفية السياسية ، والطائفية السياسية ماذا تعني ؟؟ تعني محاولة إقصاء طرفٍ لطرف ، محاولة تقزيمه في أعماله من ناحية مالية ، من ناحية ثقافية ، من ناحية أمنية ، هنا تجري محاولة دائمة لإقصائه وطرده عن مواقع التأثير ، عن مواقع النمو ، عن مواقع الرشد وما إلى ذلك ..
الطائفية السياسية تعني استعمال الموقع ضد طائفة معينة ، تعني تسخير الطاقات والامكانات في هذا البلد أو ذاك من اجل ملاحقة طائفة معينة في مستواها العلمي والثقافي والاقتصادي وما إلى ذلك …
الطائفية السياسية مصدرها الأقوى ..
هذه الطائفية في العادة من أين تبدأ ؟ هل تبدأ من القاعدة ، من الشعب ؟ أو تبدأ في العادة من السلطة ؟ المعقول والذي يسمح به الواقع العملي أن الضعيف لا يتحرش بالقوي ، وأن الضعيف يحاول أن يمهد الطريق للمصالحة مع القوي حتى تسلم له بعض مصالحه ، والسلطة بما تملك من إمكانات ، وفي تقدير من التقديرات وفي حالة السلم أقوى من الشعب ، الشعب أقوى من السلطة حين تهب ريح الفتنة ، وحين تشتد وتشتعل نارها ، أما في حالات السلم فالسلطة أملك للأمر والناس كل الناس ليسوا طلاب فتنة وتتعبهم الفتنة ، ويحبون الراحة والاسترخاء ، ويحبون التفرغ لأعمالهم ولأفكارهم ولنموهم الذاتي ولمصالحهم الشخصية ، في المتصور أن الحرب الطائفية وأن الفتنة الطائفية ، وأن الطائفية السياسية ، إنما تبدأ من موقع السلطة ، وربما استجابت لها الشعوب بسرعة ، وإن كان عن غفلة منها ..
المطالبة بالعدالة نقيض الطائفية ..
الشعوب تطالب بالعدالة ، المستضعف والمظلوم والمحروم يطالب بالعدالة ، فإن كانت المطالبة بالعدالة طائفية كان بذلك أن أمر الطائفية منطلقه الشعب ، إذا كانت المطالبة بالعدالة تعني الطائفية فالشعب صحيح بهذا الفهم المغلوط أنه يكون منطلقا للطائفية ، لكن في الحق أن المطالبة بالعدالة ، المطالبة برفع المحرومية ، المطالبة بالمساواة لا يمكن أن تكون طائفية وذلك لسبب واضح جلي ..ذلك لأن العدالة نفسها سبب من أسباب الاتحاد ، وسبب من أسباب الإتلاف والمحبة والمودة ، فكيف ما يكون سبب مودة ومحبة واتحاد يكون سبب فرقة ..
الذين يطالبون بالعدالة والمساواة إنما يطالبون بمد الجسور وبناء الجسور لحياة المودات والمحبات والاتحاد . لماذا إلهاب الجو ؟ ودق طبول الحرب..حرب الطائفية ؟ .. أنا في نظري أن الصحافة تخطئ كل الخطأ إذا أحسنت النية حين تحاول إثارة غبار الطائفية . والطائفية بغيضة ممِزقة ، تعبر عن مرض داخلي قاتل فتّاك .
من أحب إثارة الفتنة الطائفية من موقع شعبي أو من موقع رسمي فهو إنما يحاول أن يهدم البيت على غيره وعلى نفسه . الوطن بيت الجميع وعلى الجميع أن يرعوا هذا البيت وأن يحافظوا على بناءه وبناءه لا يستقيم مع الفرقة والشتات والتناحر . الصحافة تخطئ حين تثير جواً ملهِباً تدّعي أنها تحاول أن تعالج به أمر الطائفية ،وهذه الحملة تمثّل في نفس الوقت إثارة روح الطائفية والتشنج وإلفات أنظار الناس إلى ما يمكن أن يكون منبع فتنة كبرى .
دعاة الطائفية هادمون لمقدارت الأمة ..
أنا واحد من هذا الشعب ومن الطائفة الشيعية الذي يؤمن بالمذهب الشيعي كل الإيمان (إن شاء الله) وفي نفس الوقت أُعادي الشيعي الذي يحاول أن يثير فتنة طائفية ، وأواجه الشيعي الذي يحاول أن يثير فتنة طائفية ، وأواجه الصحافة التي تحاول أن تثير فتنة طائفية ، وأواجه السلطة ما استطعتُ إذا حاولت أن تثيرالفتنة الطائفية . فلنبقى أخوة وأخوة مسلمين متحابين فليضع كل منا يده في يد الآخر من أجل بناء وطن واحد متماسك يعمر بالمحبة والموّدة ويسير على هدى الله وفي طريق الله وعلى أساس من العدل وإن لي وصيةً واضحة للحكومة في البحرين وغير البحرين بأن تأخذ بالعدل وتتمسك به وتأخذ بالمساواة وتتمسك بها من أجل إقامة بناء وحدوي متين سميك قوي فولاذي يقف أمام كل الأعاصير .
بسم الله الرحمن الرحيم ((وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)) (103 آل عمران) .
اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين وتب علينا إنك أنت التواب الكريم اللهم نكّل بالمعتدين الصهاينة تنكيلا وشتتهم تشتيتا وأشبعهم ذلا وألحقهم عاراً وخزياً يا عدل يا قوي يا شديد .
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون