خطبة الجمعة (15) 21 ربيع الثاني 1422هـ – 13-7-2001م
مواضيع الخطبة:
العمل الصالح – المطالعات الفكرية
– غياب الفكر الإسلامي
هناك أولويات في القراءة ولا بد من قراءة الفكر الإسلامي أولاً ، لا بد أن تتغذى بالفكر الإسلامي من مصادره الأصيلة ، ومن مدارسه المعروفة المشهورة المسلّم لها إسلاميتها ، ومن بعد ذلك لك أن تقرأ ما تحتاجه من أجل مواجهة الباطل ومن أجل الاستفادة من الفكر الآخر في بعض زواياه
الخطبة الأولى
الحمد لله العلي العظيم السميع العليم خاب اللاجئون إلى غيره والوافدون على من سواه .اللاجئ إليه آمن والوافد عليه غانم ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبلغ رضاه ، ويستمطر بها رحمته وهداه ، وتنال الكرامة عنده ، والمقام الرفيع في جواره ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى إلى عباده معلماً وهادياً ، ودليلاً وقائداً ، و أوجب طاعته بعد عصمته ، واتباعه بعد نزاهته ، اللهم صل وسلم عليه وآله الهداة ، سُرُج الظلمة ، وقادة النجاة .
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله ، وان نكون من سخطه على حذر ، فسخطه فوق ما يحذر كل مخلوق ، ورضاه فوق كل مرغوب ، ودونه كل مطلوب .ولنعلم بأن للدنيا أجلاً لا تعدوه ، وإن للآخرة موعداً لا تتخلف عنه ، والمنايا فوق الرؤوس ، وليس بين أحد ومنيته إلا اليوم المكتوب والأجل المحدود والساعة التي لا بد منها . وإذا كانت الدنيا مزرعة الآخرة –وهو الحق والصدق – فلنتخذ منها مزرعة سعادة لا شقاء ، وفرصةً لمستقبل زاهر ، لا معبرا لمعاد خاسر.
أما بعد فتعالوا مع دروس من كتاب الله الكريم نستلهمها من هذه الآيات المباركة . ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) 127 البقرة .
هناك من يشيد صروحاًَ من البناء المادي الرفيع قصورٌ وناطحات سحاب إلا أنها تذهب هباء الرياح ، وذلك قد يكون عملا باطلا على الشخص لا للشخص وعلى الأمة لا للأمة ، إبراهيم لم يقم قصراً منيفاً ، ولا عمارةً شامخة ، ولا ناطحةً من ناطحات السحاب ، أقام بنيةً عاديةً في مستواها المادي ، هذا العمل استحق من الله التنويه به ، وأن يبقيه ذكراً خالداً بعد أن كان قيمةً عالية عنده سبحانه وتعالى وهو الأهم . وإذ يسوق الله تبارك وتعالى الأعمال الجهادية للأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، إنما يسوقها آياتٍ بينات وحججاً قائمةً على العباد الذين منها أولئك الأنبياء والمرسلون ومثلهم الأولياء والصالحون ، الذين استطاعوا أن يتسلقوا إلى قمة الكمال على مستويات .
هنا درس ,اكثر من درس ((وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا..)) هذا هو القصد الأول عند إبراهيم عليه السلام ، هو يقوم بعمل صالح ، ولكن القيام بالعمل الصالح في نفسه لا يكفي للقربى ، لا بد أن يكون القصد صالحاً أيضاً ، لكي نتقرب من الله ، لابد من عمل صالح ونية صالحة ، لابد من عمل إيجابي وقصد سليم وراءه ، فبالتدقيق فإن صلاح العمل حين يكون قابلاً للصلاح لايتم فعلا إلى بالنية الحسنة .
((رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) إبراهيم عليه السلام يعرف من نفسه أن قصده كان مما يصلح أن يتقرب به إلى الله ، ولذلك عوّل على علم الله سبحانه وتعالى في تقبّل ما وراءه من قصد خالصٍ لوجه الله الكريم ، وربما أن في الآية شمةَ تهمةٍ للنفس وعدم التزكية لها ، ذلك لأن إبراهيم عليه السلام وهو يرى من نفسه أن قصده خالصٌ لوجه الله ، إلا أنه ربما اتهم بواطن النفس وما في قعر النفس ، وما وراء ستورها بأن فيه شيئاًَ مما يعلمه الله ويؤاخذ عليه ويرد العمل على أساسه.والمهم أن الآية الكريمة تركز على القصد ، وسلامة القصد .
اخوتي الكرام الآية الكريمة تريد أن تقول لنا فيما تقوله : ابنوا حسينيات ، ابنوا مساجد ، ولكن لن تتقبل منكم الحسينية ولا المسجد حين يكون هذا البناء ليس لله ، وإذا أشركتم مع الله عز وجل أنفسكم أو غيركم في هذا البناء تطلبون شهرة ، تطلبون موقعاً ، تطلبون جاهاً ، فعملكم لأدنى الشريكين لأنه عملٌ دنيء .
ما خلطت نية العبد بين الله وبين غيره في عمل ، إلا وكان هذا العمل هابطاً، وكان هذا العمل لا يليق بأن يتقبله الله سبحانه وتعالى وأن يرتفع إليه ، فلذلك تكون القاعدة انه كلما كان قصدٌ لغير وجه الله سبحانه وتعالى في العمل ، وإن كان هذا العمل ينطلق إلى الله أيضا وعلى مستوى القصد إلى أنه سيرمى به في وجه صاحبه ليقلى جزاءه عند من أشركه بالله سبحانه وتعالى .
بيت الله الحرام دورٌ كريم ، دورٌ عبادي ، و للمتطهرين هو للمتنسكين هو للركع السجود ، وإنما مُجّدَ فعل إبراهيم عليه السلام لصالحية هذا الدور في القبول ، وتمام قبوله شرط قبوله أن يكون القصد من ورائه مثله أو أرقى منه .
فلا بد أن تكون المؤسسة من مؤسسات الخير ومن مؤسسات الفضيلة ومن مؤسسات الدعوة إلى الله ، ولا بد أن تكون الصحيفة كذلك ، ولابد أن يكون المشروع كذلك ، كل مشروعٍ لا يصلح في نفسه لأن يستقبله الله سبحانه وتعالى فهو خسران ، وهو دونية وهو انحطاط ، ليس اكثر من العلم شأنا ، علم الفقه وعلم التفسير وعلم الحديث ، هذه علومٌ تكون شيئاً من الدون وتكون شيئاً من الانحطاط لصاحبها حين لا يقصد منها وجه الله الكريم .
( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )128البقرة .
وباختصار شديد…الهدف الكبير لإبراهيم عليه السلام من خطوته التي رأها الله سبحانه وتعالى خطوةً قريبةً مباركةً تستحق التخليد ، إبراهيم عليه السلام يخطط لحضارة الإيمان ، للحضارة الإلهية في الأرض ، ولو كان عمل إبراهيم عليه السلام يقوم على بذل الدم والجهد ويقوم على بذل الأهل ولم يؤسس لحضارة الإيمان ، وإنما لحضارة أخرى ما كان هذا العمل عند الله سبحانه وتعالى بمقدار جناح بعوضة ، بل يكون شيئاً كبيراً من الباطل ويكون إدانةً لإبراهيم عليه السلام ، ويكون بذلك إبراهيم عليه السلام وإن أعطى مردوداتٍ اقتصادية واجتماعية وثقافيةً إيجابيةً بمقدار إلا أن هذا العمل مما يقوده إلى النار لو كان يريد تأسيس حضارةً غير حضارة الإيمان والإسلام .
((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ..))البقرة(128) الإسلام الخالص ، الإسلام على مستوى الفكر وعلى مستوى القلب وعلى مستوى الروح ، وعلى مستوى الفعل وعلى مستوى القول ، الإسلام التوحيدي بكل معاني التوحيد ، هو هذا الهدف ، الهدف : هو صناعة الإنسان المسلم صناعة الإيمان في داخل الإنسان ، هدف الأمة الإسلامية الكبرى التي بدأت مع آدم عليه السلام هو صناعة هذا الإنسان المتعلق بالله الواثق به الصاعد إليه ، هذا الحس الكبير هذه الحاجة الملّحة في نفس إبراهيم ، هذا المطلب الأول الضخم في تقدير إبراهيم عليه السلام – النبي العظيم – هل حين يطلبه يقتصر فيه على نفسه ؟ ..لا إن نفس إبراهيم لغنيةُ بالشعور والحس التاريخي المستقبلي على خط الإيمان ، إنه يفكر في الغد ، يفكر في الجيل ، يفكر في الأجيال المتلاحقة ، في الأمة ومستقبلها ، في الإنسانية بأكملها في الخط التاريخي على طول امتداده .ماذا يقصد إبراهيم عليه السلام ، حين يسأل لنفسه وولده أن يجعلهما الله مسلمين ، الإسلام الذي يرقى بالإنسان ، الإسلام الذي يجعل الإنسان فوق مستوى الملائكة ، ويضيف ((وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ)) ، وهو يجد نفسه أنه يتحمل مسئولية تاريخية ، من أعباء هذه المسئولية أن يعد الجيل إعداداً إيمانياً أن ينشر كلمة الله في الأرض ، أن يزرع الوعي الإسلامي والصحوة الإسلامية ،أن يحيي القلوب والأفئدة ، ليتواصل درب الإيمان ، ولتحيا كلمة الإيمان لا في الجيل الواحد بل وإنما في الأجيال المتلاحقة وعلى طول التاريخ .
هذه المسئولية مسئولية الخروج من قوقعة الذات إلى الأفق الرحب ،إلى الآفاق المستقبلية الممتدة ، إلى حمل الأمة والإنسانية جمعاء ، هنا مسئولية تتمثل بالأخذ بالإنسانية على خط الاستقامة الإلهية ، هذه المسئولية ، يركز إبراهيم عليه السلام من خلال ما يؤكده الله سبحانه وتعالى من دعائه وعيّه بهذه المسألة واهتمامه بهذه المسألة ، وهي وظيفة كل مسلم ومسلمة ، أن يأخذ على عاتقه المشاركة الجادة في صناعة التأريخ وأن لا يبقى في الهامش ووراء ساحة التأريخ ، أن لا يقف على التلة متفرجاً كيف يصنع المجتمع ، كيف تصنع التيارات الفاسدة ، وكيف يصنع الكفر العالمي المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية.
((وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا..))البقرة(128)رؤية العبادات ورؤية المشاعر ، ورؤية مكان المشاعر ورؤية مكان المشاعر والعبادة ، ورؤية المفاهيم ورؤية العقيدة ، رؤية الإسلام مطلبٌ يطرحه إبراهيم عليه السلام على ربه ويتمسك به ملحاً على ربه سبحانه وتعالى ، الرؤية الإسلامية : التوفر على الفهم الدقيق للإسلام مطلوبٌ من الاخوة المؤمنين ، من الشباب الكرام أن يعطوا الوقت الكافي بالاشتغال بالفكر الإسلامي والمطالعة الإسلامية ليكتشفوا عظمة الإسلام ويكتشفوا من خلالها عظمة ذواتهم .
((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129)))البقرة
إبراهيم عليه السلام رجا من ربه سبحانه وتعالى أن يوجد من ذريته أمةً مسلمة ، ما الطريق إلى هذه الأمة المسلمة ، كيف تنصنع الأمة المسلمة ، ذكر إبراهيم عليه السلام ما يحتاجه صنع الأمة المسلة على الأرض .
((وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ..)) لابد من رسولٍ أو رسولي لصناعة الأمة ، الأمة الصالحة الأمة الرائدة الأمة التي تنشر السعادة في الأرض ، وتقود الإنسان على طريق النجاح والفلاح لصنعها لا بد من رسول ، ولا بد من فكرٍ رسولي ، وإذا غاب الرسول فلا بد من رموز رسوليه فابحثوا دائماً عن الرموز الرسالية وانشدوا إليها وتعلقوا بها واستمسكوا بعروتها .
فإن هذه الرموز تتعلق بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، تتعلق بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، تتعلق بأهل العصمة والتعلق بالمتعلق بأهل العصمة فيه نجاة ، والتعلق بغير أولئك النفر فيه خسرانُ وبوار.
لا بد من رسول ، وإذا غاب الرسول لابد من رسوليين ، ربما كانوا بمجموعهم يساوون واحداً في المائة من الرسول .
((رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ… ))البقرة (129) فلا بد من آياتٍ من آيات الله ولا بد من بياناتٍ من بيانات الله ، ولا بد من كتابٍ هو من الله سبحانه وتعالى ، يقود البشرية يهتدي به الرسول ، يهتدي به الرسوليون يطبقونه في الأرض ، يسيرون على ضوئه .
فلا بد إذن وفي وقتنا الحاضر من رسوليين وتعلّقٍ بهؤلاء الرسوليين ، ولا بد من استمساك بالكتاب ، برؤية الكتاب بطرح الكتاب في كل مساحة الحياة .
((وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ))البقرة (129) لابد من تزكية لأن توجد الأمة القوية القائدة التي تستطيع ان تنضبط ، وتستطيع أن تقف في وجه التيار ، تستطيع أن ترد على التحديات ، وتستطيع أن تعلّم وتعدل ، لا بد لهذا كله من أن تتزكى هذه الأمة ، والأمة لا تتزكى بنفسها وإنما لا بد لها ممن يزكيها .
الرسول كان يزكي الأمة ، كان يربيها ، كان يزرع في نفسها الأخلاق يزرع في الأفئدة والقلوب الخلق الإلهي العظيم ، كان يصوغ إرادتها ،كان يطهر ضميرها ، كان يملؤها ، بالمشاعر الإيجابية الخلاّقة ، كان يدفع بها إلى الطريق القويم ، من بعد الرسول ؟ ..كان الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، ابحثوا عن بديلٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، لن تجدوا أولى من عليٍ أمير المؤمنين عليه السلام ، وأهل بيته من يزكي الأمة ويطهرها ويربيها ، ثم ابحثوا من بعد الأئمة عليهم السلام ، فلن تجدوا غير فقهاء الإسلام ، وغير العلماء الصالحين من هو قادرٌ على تزكية الأمة التزكيةَ التي يرضاها القرآن ولا تزكية على غير خط القرآن .
التزكية التي تتحدث عنها الآية الكريمة ، هي تزكية تصوغ النفس في ضوء مفاهيم القرآن وأحكامه وتشريعاته وجعولاته ، ما لم يكن ارتباطٌ بالأطروحة الإسلامية ، وبالنظم الإسلامية ، وبالرموز الإسلامية ، لا يمكن للأمة أن تتزكى التزكية القرآنية المطلوبة ، هذه مقومات ضرورية كان يركز عليها دعاء إبراهيم عليه السلام من أجل صناعة الأمة المنقذة ، فكونوا الأمة المنقذة ، بتمسككم بكتاب الله ، بارتباطكم بعلماء الأمة المخلصين المجاهدين ، بالأخذ بمفاهيم الدين ، بالرد على كل ما يعارض الدين وإن صعب الرد .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفرّ عنا سيئاتنا وتجاوز عنا يا كريم ، اللهم إنا أسلك بنا أسهل الطرق إليك ، ,أوصلها إلى قربك ، وألزمنا جانب التقوى ، ، وجاف بيننا وبين معصيتك ، وباعد بننا وبين الزلل والنأي منك يا أكرم من سئل و أجود من أعطى .
بسم الله الرحمن الرحيم – قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا تكافأ نعمه ، ولا يبلغ المجتهدون شكره ، ولا تنفعه طاعةُ المطيعين لكماله وغناه ، ولا تضره معصية العاصين لتقدّسه عن مس الأحوال ، وتنزهه عن أن يُنال له كمال ، وماذا تملك الأشياء ليصله منها نفع ، أو يناله من طريقها خير ، وكل الأشياء إنما حولها به ، وقدرتها من عنده ؟
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي علّم وزكى أتزكى وأنقذ وهدى ، وأقام صرح المعرفة والتقوى .كل ذلك من فضل الله الذي سدد وأعطى .
عباد الله اتقوا الله و لا تنحدر بكم عن صراطه الفتن ، ولا تميل بكم عن هداه الأهواء ، فما زلت قدمٌ بصاحبها عن طريق الله إلا وهوى في جهنم ، وما انحدرت عن طريقه إلا وارتكس في ضلال ، وليس مع الضلال ربح ، وليس بعد النار من خسار ، وليس مثلها من مصيبة ، وما المشفق على نفسه من نار الدنيا يسعى بقدمه مختاراً إلى نار أبدية سجرها غضب الجبار ؟
اللهم صل وسلم على البشير النذير والسراج المنير نبينا وسيدنا عبدك ورسولك المؤيد أبي القاسم محمد .اللهم وصل على أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين ، وإمام المتقين على بن أبى طالب . اللهم صل وسلم على من شرّفتها بالعبودية لك فلك وكرّمتها بالعصمة من عندك عند وحبوتها منزلةً رفيعةً من قربك قرة عين الرسول فاطمة الصديقة البتول .
اللهم وصل على العلمين الرضيين ، والهاديين المهديين المهديان والإمامين التقيين ، سيدنا أبي محمد الحسن وسيدنا أبي عبد الله الحسين .
اللهم وصل على أئمة العباد وقادة أهل الرشاد وقدوة الأتقياء العبّاد العباد زين العابدين علي بن الحسين السجاد ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وموسى بن جعفر الكاظم ، وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري عليهم أفضل الصلاة والسلام.
اللهم وصل على إمام العصر والمبشر بالنصر ، معز المؤمنين ، ومذل الكافرين والمنافقين ، محمد بن الحسن المنتظر الأمين .
اللهم اجعل سهامه صائبة ، وسهام أعدائه خائبة ، وكن للمهديين له عونا ، ولأعدائه خصما ، تفرّقهم تفريقا وتمزقهم تمزيقا يا أقوى من كل قوي ويا أعز من كل عزيز .
اللهم من دعا بدعوته ، وهدى إلى طريقه ودل على صراطه فأيّده ، ومن كذب عليه ، ومن عاداه وصدّ عنه فافضحه ، وأذقه من عقوبة الدنيا ما يقمعه ، ومن هوان الآخرة ما يخزيه ، اللهم أنلنا مغفرتك ، واشملنا بعفوك ، وتجاوز عنا بمنك ، ونوّر قلوبنا بمعرفتك واصرف همتنا إليك .
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فهذه قضايا أثير الحديث فيها لأهميتها والحاجة إلى تبّين الرشد فيها :
1- المطالعات الفكرية لها أولوياتها ..
أيها الأخوة …الجيل الحاضر نال قسطاً من التعلّم و بدأ يقرأ الكثير ، والسوق ملئيةً بالرديء وبالوافد وبما ينـزله العدو الأسواق من أجل أن يقرأ ..هناك فنٌ ساحرٌ في إخراج الكلمة يتملكه الفكر العالمي الاستكباري والمدربون على يده في البلاد الإسلامية إنه لفنٌ ساحرٌ جذاب ، وإن الفكرة الهزيلة لتكبر من خلال هذا الفن وهي على خوائها ، وإن الباطل ليتراءى حقاً في نظر القارئ وهو باطلٌ حتى النخاع ..
حين يبدأ الشاب في القراءة بهذا الفكر الوافد ، وبهذا النتاج الساقط ، والمخطط للإنسان المسلم من خلاله ، يبدأ رحلته بالضياع وبالتيه ، وصعبٌ بعد الضياع الفكري والتيه في النفس ، أن يرجع المرء إلى درب وأن يهتدي إلى الجادة ، فهو إن اهتدى إلى الجادة ، فمن بعد شوطٍ طويل وهذا الشوط الطويل يستغرق عمراً عزيزا ، وأياما غالية ، والنفس الواحد عند الإنسان المسلم أغلى من هذه الدنيا وما فيها حيث أنه مؤهلٌ لأن يورثه جنة الخلد وحياة الأبد السعيدة .
أيها الاخوة الكرام
هناك أولويات في القراءة ولا بد من قراءة الفكر الإسلامي أولاً ، لا بد أن تتغذى بالفكر الإسلامي من مصادره الأصيلة ، ومن مدارسه المعروفة المشهورة المسلّم لها إسلاميتها ، ومن بعد ذلك لك أن تقرأ ما تحتاجه من أجل مواجهة الباطل ومن أجل الاستفادة من الفكر الآخر في بعض زواياه ، و الفكر الآخر على المستوى الإنساني دائماً يستهدف الهدم ودائماً يستهدف التحطيم وأنت إذا أردت أن تستفيد إنما تطلب ذلك من خلال الفكر العلمي ، من خلال علم الفلك ، من خلال علم الأحياء ، من خلال الصناعات ، من خلال التقنية الحديثة ، من خلال هذا العلم الحيادي من صناعة الإنسان .
أما تلك العلوم التي تأخذ على عاتقها أن تصنع نفسية الإنسان ، أن توجه إرادته ، أن توفر له قناعاته ، فهذه العلوم إذا جاءت من المستنقع فهي لا تحمل إلا جراثيم القتل للروح والفكر والإرادة .
وحتى داخل الفكر الإسلامي لابد من الأخذ بالأولويات وأول كل الأوليات في داخل الفكر الإسلامي : هو ما يصحح للإنسان عقيدته ويعرّفه بربه سبحانه وتعالى .
ثم يأتي ما يحتاجه من عمل يومي من أمرٍ ونهيٍ وما إلى ذلك وتقويم النفس بالخلق الكريم ، ويستطيع الإنسان المسلم أن يتوسع في ثقافتها أيما توسع ويستطيع أن ينتقل من الدائرة الإسلامية إلى الدائرة الأخرى وأخذ الجيّد والقذف بالرديء في وجه أصحابه .
2- ممن نتلقى مفاهيمنا الإسلامية ؟
أقول : هناك مفاهيم إسلامية دقيقة غامضة لا يتم استنباطها إلا من خلال قدرةٍ علميةٍ وتخصصٍ خاص ، الأمة المسلمة لا يمكن أن تتوفر على المفاهيم النقية الدقيقة كلها عن طريق الاجتهاد ، كما أن الأحكام الفرعية أحكام الصلاة والصوم والحج وما إلى ذلك …تحتاج إلى ملكة اجتهاد وتحتاج إلى مرجعٍ ترجع إليه فيها ، فإن المفاهيم الإسلامية الدقيقة ربما كانت الحاجة إلى المرجعية فيها أكبر .
فهنا فرضان ..فرض أن لا يأخذ بالمفاهيم الإسلامية ولا يرتب الأثر على فهم هذه المفاهيم ، ولا يتعبد بها إلا من اجتهد فيها ، بمعني أني لكي أربي نفسي وفكري على هذا المفهوم الإسلامي المعين وأرتب عليه سلوكي ، وأصوغ شخصيتي ، وتتخلق رؤاي ، لابد أن أجتهد في هذا المفهوم حتى يصح لي أن أتعبد به …لو كان الأمر كذلك أيها الإخوة لبقى الإسلام للخاصة فقط ، وكان سائر أبناء الأمة محرومين عن الفهم الإسلامي العام وعن تلقي المفاهيم الإسلامية ، هذا فرض ..
وانتهي هنا إلى أن المفاهيم الإسلامية لا يصح أن نربطها دائماً بالاجتهاد ، وان التعبّد بهذا المفهوم أو ذاك ، لا يصح إلا للمجتهد ، هذا لا يصح لما يلزم من لازم باطل وهو أن تكون الأمة في غيابٍ عن إسلامها وفي جهلٍ قاتل .
الفرض الثاني : أن يجتهد من كان أهلاً للاجتهاد ومن لم يكن أهلاً للاجتهاد في تحقيق وتدقيق هذه المفاهيم ، وهذا خلاف السيرة العقلائية في أي مجال من مجالات العلوم وأن فاقد الشيء لا يعطيه ، والصحيح في الكلمة أن فاقد القدرة على الكلمة لا يعطيه .
الفرض الثالث : أن نأخذ مفاهيمنا الإسلامية ونتعبد بها من جهة الإنسان العالم المسلم المدقق المحقق وكذلك من جهة المثقف بالثقافة الغربية أو الخليطة ..
أن نأخذ مفاهيمنا الإسلامية من كاتبٍ صحفي ، امتلك فن الكتابة ولكن لم يمتلك بعد مقومات الفكر وأسسه ، ولم يمتلك فن الاجتهاد في الإسلام ..هل يصح لنا أن نأخذ مفاهيمنا الإسلامية من كل مشرّق ومغرب ، وان نساوي بين العالم المسلم المتخصص ، الذي بذل جلّ عمره وعصارة عمره في درس الإسلام وفهم الإسلام ، وكان له من كفاءته ما يؤهله لهذا الاجتهاد ، هل نساوي بين هذا وبين من استطاع أن يكتب قصة ؟أو تثقف بالثقافة الغربية وأخذ ضغثاً من هذا وضغثاً من ذاك ، ضغثاً من الثقافة الغربية وضغثاً من الثقافة الإسلامية ..هذا فرضٌ ساقط .
فإذن لا بد من مرجعية إسلامية ، في المفاهيم الإسلامية ، كما تحكم الضرورة بالمرجعية الإسلامية في الفروع الفقيه أيها الأخوة.
3- الفكر الإسلامي يغيب غياباً واضحاً وشديداً ومضراً ..فكيف تعالج المشكلة ؟
الصحافة ليست بيد الإسلاميين ، وإذا سمح لمقالة إسلامية أن تجد دربها إلى القراء فهي واحدةُ من كثيرٍ يرد …
تقدم المقالات الإسلامية والدفاع عن الشخصيات الإسلامية والرموز الإسلامية ، ويقدم التصحيح للمغالطات التي تريد أن تشوّه الإسلام ، فترد البحوث وترد المقالات وترد الكلمات أو لا ترد ، لكن لا تجد هذه المقالات النور ولا تجد الدرب إلى القراء أبدا .
هل نطالب علمانياً يترأس صحيفة ، أن يرأف على إسلامنا فينشر الكلمة الإسلامية التي تفضح خط العلمانية وتسقطه ؟ هل نطلب من عدوٍ فكري أن يشيد بالفكر الذي يعاديه ،و يرى أنه فكرٌ رجعيٌ تخلفي ..؟ هذا ليس من المعقول .
إذا وجدت صحيفة ، فالصحيفة الواحدة للتيار الإسلامي غير كافية ، فلا بد من أكثر من صحيفة ، وليتحمل التجار والممولون مسئوليتهم في قضية تمويل هذه الصحف على أن يبقى ارتباطهم إذا كان لهم ارتباط فعلى مستوى الربح المادي فقط من غير أن يتدخلوا في خط الصحيفة لأن مواقعهم التجارية لا تسمح لهم بأن يختطوا خطاً مستقلاً على طول الخط .
فلا بد من إسلاميين غيورين صلبين ، واعين قادرين على إبراز الكلمة الإسلامية بكل ما تتطلبه الكلمة الإسلامية من مسئولية ، لا بد أن يكونوا هم المشرفين على هذه الصحف ، وليتحملوا المسئولية الصحفية فيها .
غياب الفكر الإسلامي في الساحة سيقتل الإسلام ، انتم يومياً تقرأوون العديد من المقالات التي تشوّه الخط الإسلامي وتقدم الفكر الآخر ، وتحارب الرموز الإسلامية وتشوّهها ، وهل تقرؤون شيئاً في قبال ذلك ؟؟
إذا بقى الشعب سنيناً لا يقرأ إلا الفكر الآخر ، وإلا الرؤية الأخرى ، وإلا للأقلام الأخرى فإن هذا الشعب سيتغرّب ، وسينفصل عن إسلامه ورؤاه الأصيلة .
أيها الأخوة الكرام ..
علينا أن نطفئ الفتن ونحيي القيم ..إن الفتن قد ينفتح بابها وقد تتلاحق ويأتينا منها ما لا يدخل في الحساب ووأدها أول ما تفد وأول ما تطالعنا برأسها القبيحة ووجهها الكالح ، ثم علينا ونحن نتعامل مع القضاء على الفتن أن نتسمك بالقيم وأن نرجع دائما في حلولنا إلى ما يفرضه الإسلام وإلى ما يقول به الحكم الشرعي على الخاصة دائماً وأبداً أن يستمسكوا بالحكم الشرعي في حل القضايا ، وان يهتدوا بهدى الله سبحانه وتعالى فيما دلت عليه آيات القرآن الكريم في القضاء على الفتن ، وأن يكونوا مع الحق دائماً وضد الباطل دائماً ، وإذا كان الحق في جزءٍ منه مع ( أ ) وفي جزء منه مع ( ب ) فليقفوا مع الجزء الأول من الحق مع ( أ ) وليقفوا مع الجزء الثاني من الحق مع ( ب ) ..وإذا كان الحق كله مع ( أ ) فليقفوا كل موقفهم مع ( أ ) ويدينوا ( ب ) .
هذا كلامُ لا يتحدث عن حادثةٍ خاصة وإنما عن خطٍ عامٍ بالنسبة للفتن التي يُتوقع لها أن تواجهنا .
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك ونضرع إليك ن بان تحفظ قلوبنا عن الزيغ والميل عنك إلى من سواك ، وعن أن تقف عند مطلوبٍ دون رضاك ، وأن يستهويها غير دينك ، أو يعظم عندها غير تشريعك ، أو أن تطلب الهدى ممن ناواك وعاداك ، اللهم اهدنا صراطك المستقيم الذي هديت إليه أنبياءك ورسلك وأولياءك ، وثبِّت أقدامنا ما أحييتنا يا كريم يا كريم يا رحمن يا رحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون