خطبةالجمعة (13) 7 ربيع الثاني 1422هـ – 29-6-2001م
مواضيع الخطبة:
الأسرة والزواج في الإسلام-
ذكرى أبي ذر الغفارياليوم العالمي لمناهضة التعذيب
الدولة إذا أرادت أن تناهض التعذيب ماذا تفعل عليها أولاً التصحيح والتطهير للأجهزة المخابراتية ، تصحيح الجهاز المخابراتي من كل المعذبين ومن كل أصحاب السوابق في هذا المجال، أما ما بقت رموز التعذيب في مواقعها فلا أستطيع أن أفهم أن هناك نية كافية وعزماً كافياً لاقتلاع هذه الجريمة
الخطبة الأولى
الحمد لله ربّ العالمين الملك الحقّ المبين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد الله لنفسه، وشهدت له ملائكته المقربون، ورسله المطهرّون، شهادة توافق رضاه، وتنال بها مغفرته، ومنازل الكرامة من فضله.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، حارب الجهل والهوى، وأنار الطريق، وبدّد الظلم، وركّز العدل، وهدى إلى صراط العزيز الحميد. اللهم صلِّ وسلم على محمد الهدى والضياء والشفاء وآله القادة النجباء، الأطياب الأطهار، الصالحين الأخيار.
عباد الله اتقوا الله واسلكوا سبيله، واحذروا سبل الغي والتيه والضلال فإنها لن تصير بسالكها إلا إلى المهالك والمهاوي السحيقة. أما سبيل الله ففيها الرفعة والتقدم والنجاة والنجاح وكونوا مع أولياء الله المهتدين بهداه، المستضيئين بنور دينه، المعتصمين بحبل ولايته، الدّالين على أحكام شريعته، ومواقع رضاه. وكونوا من أعداء الله على حذر ومسافات بعيدة، فإن أعداء الله ليسوا على الطريق، ولا يصيرون إلى الغاية، وليس معهم الهدى، ولا يدلُّون على الحقّ، ولا ينتهون إلا إلى خسران مبين. ومن أين لعدوِّ الله من هدى والهدى إنما هو هدى الله ؟! ومن أين لعدّو الله أن يربح تابعاً والربح كلّه بيد الله ؟! وكيف تكون رابحة حياة من كان ماله إلى النار وخلوده في العذاب الأليم ؟!
اللهم اغفر لنا وخذ بيدنا إلى سبيلك، واسلك بنا أقرب الطريق إليك، ووفقنا لمراضيك واجعلنا مع الصادقين.
عباد الله أقيموا حياتكم على شرع الله، وصوغوا مواقفكم وعلاقاتكم في ضوء منهجه القويم وأحكامه المنقذة من ويلات الدّنيا وكوارث الآخرة. وابنوا مجتمعكم على قواعد الدين وأسس الشريعة، فإنها قواعد لا تميد، وأسسٌ لا تتآكل. وقد بنى الإسلام مجتمعه على الأرض أيام قيادته الرشيدة، وكان مجتمع الإيمان والعلم والقوة والسمو والنشاط والرحمة والعدل والإحسان والمحبة والمودة والفداء والتضحية والنمو والتقدم والتسامح والإيثار .
ومن بين مؤسسات مجتمع الإيمان والكرامة والفضيلة مؤسسة الأسرة التي أحكم الإسلام بناءها، ورفع من مستوى وظيفتها، وهذّب علاقاتها، وجعلها منطلق المجتمع المتحاب المتماسك النشط الهادف، القائم في علاقاته على العدل والإحسان، والمحبة والمودة في إطار من منظومة القيم الإسلامية الرفيعة وأحكامه المحكمة العادلة، وتربيته الرشيدة القويمة.
فسنة الزواج التي تبتني على أساسها الأسرة أكدّها الإسلام واتخذ منها وسيلة لإنشاء كيان اجتماعي متين قوي رشيد هادف صنّاع، تسمح له قلة أعضائه وشدة علائقه في ضوء التوجيه الحكيم، والتربية الراقية، والتشريعات الإلهية المحكمة العادلة أن يكون القاعدة الصلبة، والأساس المكين لمجتمع كبير عملاق تحكمه علاقات المحبة والمودة والتعاون في الخير، ويتحمل أعباء الدور الخلافي الناجح في الأرض. فالأسرة في الإسلام :
1. 1. بيت مودة ورحمة ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21))) الروم.
الأزواج من الأنفس المرأة من جنس الرجل والرجل من جنس المرأة ووحدة الجنس تدعو إلى التآلف وتدعو إلى التفاهم وتدعو إلى العلاقة القائمة على المحبة والمودة والسلام هذا في أصل ما تقتضيه وحدة الجنس إلا أن يستبد الشيطان بفئة من البشر فيعدل بهم عن الطريق، ثم هذه الأزواج لها هدف ان تعطي السكينة والطمأنينة، و السكينة والطمأنينة قاعدة البناء، قاعدة التفرغ لبناء النفس ، بناء الروح، بناء العقل، بناء الأسرة، بناء الحياة. حياة الفزع والقلق والإضطراب لا تمثل أرضية بناء ولا أرضية إنتاج. نعم تمثل ألواناً من الإبتكار لوسائل الشر والدمار، أما البناء الهادف الصالح فإنما يتم من خلال تنافس شريف يقوم على أرضية التفاهم والإلتقاء في الهدف والإيمان بالحق والخير والفضيلة والجمال. ((…وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً…)) إنه من لطف الله سبحانه وتعالى أن خص هذه الخلية الاجتماعية الأولى التي تعني أساس المجتمع، بميزة المودة والمحبة والرحمة ، فالرجل يعقد على المرأة الأجنبية عنه نسباً وبلدا، وعنصراً وقوما، فلا يتم العقد إلا ويأتلف القلبان وتتحد الروحان وكأنهما جسد واحد هذه الألفة التي يحتاج بناؤها إلى مدة طويلة بين صديقين حميميين، وبين زميلين في عمل، تمر على علاقتهما سنوات، ما هي إلا مدة بسيطة وربما لحظات وإذا بالقلب يرتبط بالقلب، وتنشد النفس إلى النفس، ويشعر كل ُمنهما أن كيانه صار ممتداً، امتدادا لا يفرق وإنما يؤول إلى الائتلاف والإلتقاء. هذا صنع من الله لا نعرف سره وكيف يكون إلا أننا نعرف أن من حكمته أن هذه الخلية الأولى تحتاج إلى رعاية إلهية فوق العادة من أجل أن تنبني بناءاً مرصوصا، وتقوم بناء مشيدا لا تتهدده الخلافات الصغيرة لتهدمه بسرعة . ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) ومما ينبغي أن نهتدي به من آيات هذه الرابطة التكوينية التي تتحصل بمجرد عقدٍ إنشائي بين الزوج والزوجة، أن رعاية الله سبحانه وتعالى وحكمته وتدبيره في كل صغيرة وكبيرة وأن صنع الله عز وجل محكم ويتلاقى عنده التشريع مع التكوين والعناية القائمة على الفعل منه سبحانه وتعالى، هذه الأسرة وهذا البناء يقوم في إطار ميثاق غليظ .
2. 2. قام في إطار ميثاق غليظ كريم ((..وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21)) /النساء.
لا يمكن أن يمتن ميثاق، وأن يقوى عهد ما لم يخضع لرقابة الله عز وجل ويكون تحت رضاه ويحاسب سبحانه وتعالى عليه يجزي على الوفاء به ويعاقب على نقضه، العهد والميثاق الذي ينعقد بين اثنين لتنتقل العلاقة من بين الاثنين إلى علاقة مباشرة مع الله وإلى بيعة مع الله وإلى عهد وميثاق مع الله، العهد الذي لا يكون كذلك هو عقد هش، هو عهد مهلهل. لا يمتن العقد ولا يقوى نسيجه ولا تنحكم علاقته إلا بأن يكون راجعاً إلى العهد مع الله عائداً إلى البيعة معه سبحانه وتعالى. وعندئذ تأتي الخشية و يأتي الخوف ويأتي الترقب ويأتي الاحترام ويأتي التوقير عند قلب يعيش ونفس يقظه، وهو ميثاق كريم. كل العلاقات الجنسية التي تكون برعاية الشيطان ومن وحي الشيطان وليس للشيطان رعاية، كل العلاقات الجنسية التي تكون بوحي الشيطان ووسوسته هي رجز ونجس وبهيمية وحيوانية ساقطة وطينية ثقيلة. أما علاقة الجنس حين تتم في ضوء شرع الله وفي ظل رعايته وتوجيهه وأحكامه فهي علاقة شفافة وعلا قة نزيهة وعلاقة رفيعة تنطلق من دفعة الجسد ومن اندفاعة الجسد إلى أن تكون التلاحم العقلي والروحي وائتلاف المشاعر الطاهرة الطيبة .
3. 3. إنه البناء الهادف ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74))) 74/الفرقان.
السافل تقر عينه بما هو دون وبما هو ساقط ، أما النفس الطاهرة أما الروح الشفافة أما الشعور الوضيء أما العقل المستقيم فصاحب كل ذلك إنما تقر عينه بما هو رفعه وبما هو كرامه وبما هو سمو وبما هو صالح، من هؤلاء الذين يدعون الله سبحانه وتعالى أن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم قرة أعين هم عباد الرحمن الذين انصرفوا بهمتهم إليه وانطلقت إرادتهم على خط إرادته وانصاغوا شخصية في ضوء رضاه وجاءوا مثلاً وإن كان محدوداً بعدالته سبحانه وتعالى ولشئ من علمه ولشئ من رحمته ولشئ من لطفه، هؤلاء الكبار عمالقة الروح عمالقة العقل أصحاب الأرواح العالية أصحاب الهمم السامية المثال الحي للإنسان هؤلاء يطلبون في علاقاتهم مع ازواجهم أن يجدوا في أزواجهم قرة عين وقد يكون صاحب الدعاء رجلاً وقد تكون امرأة، المرأة المؤمنة الفذة السامية تطلب أن ترى في زوجها قرة عين تريد فيه الداعية الكبير، تريد فيه الرجولة الكريمة، تريد فيه الكلمة السامية، تريد فيه الروح الطاهرة، تريد فيه العقل المضحي، تريد العقل الذكي والزكي والوقاد، وتريد فيه الشخص المضحي، وصاحب الإيثار والرجل المؤمن اخو المؤمنة ولا اخوة كأخوة الإيمان، إنما يطلب زوجة من هذا المثال، فالعلاقة الزوجية عند المرأة المؤمنة علاقة من أجل خلية إيمانية، بيت يشع بنور السماء، يعيش ذكرى الله، ينطلق منه نور إلهي إلى آماد وآماد، خذوا بيت علي وإشعاعه الأبدي، خذوا قبله بيت الرسول (ص) وإشعاعه الخالد، المؤمن والمؤمنة يطلبان بيتاً مشعاً بنور الله منارة هاديةً في الأرض يضرب مثلاً للعدل للمساواة لما فوق ذلك من الإحسان والإيثار.
((من نكح وأنكح لله استحقَّ ولاية الله)) ينكح : يتزوج ، نكح: تزوج ، أنكح : زوج.
فمن تزوج وزوج ولداً أو زوج بنتاً لله، لوجه الله على طريق الله، للأهداف التي رسمها الله، للغاية التي حددها الله، من بناء بيت مسلم رفيع، ومن ترفع على ضغط الشهوات والنزوات، ومن التفرغ لصرف الطاقة فيما يليق، ومن سد أبواب كثيرة على الشيطان، من استهدف من نكاحه أو إنكاحه، من زواجه أو تزويجه هذا الهدف كان من نال ولاية الله، وولاية الله عز وجل عنايته، أن يتولى الله سبحانه وتعالى شيئاً به يعني أن يدبر أمره في كل صغيرة وكبيرة حتى في المساحة الإرادية من حياته، فيكون الله بذلك سبحانه وتعالى دليله وعينه ويده، يسدده ويصوب خطاه ونطقه بالحكمة ويحرسه من بين يديه ومن خلفه، فلا تهجم الهواجم على قلبه لتفسده، ولا تهجم الهواجم على نفسه لتلوثها، وهذا يكون دائماً في مأمن من الله، ومن كان في مأمن من الله فلا خوف عليه، على طريق الهدف وأن يكون الهدف من الزواج حياة سامية ورسالية ًواضحة يأتي الحديث ((….. فعليكم بذات الدين)) ويأتي الحديث (( تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن)) والتفتوا إلى أن الحديث لم يقل أشباه آبائهن و أمهاتهن، إنما قال أشباه إخوانهن وأخواتهن ليكون اللحاظ لكل مصب من مصاب الوراثات الحميدة أو الرذيلة، (( ما من شاب تزّوج في حداثة سنه إلا عجّ شيطانه : يا ويله، يا ويله ! عصم مني ثلثي دينه، فليتق الله العبد في الثلث الباقي)) عن الرسول (ص) المصدر عن البحار. انظر كم يعصم الزواج من دين الإنسان، والزواج يأتي في غرض كبير منه ليعصم هذا القدر أو ذاك من دين الإنسان، ادرسوا منهج الله، طالعوا شرع الله، لو فعلنا بامعان ولو تفرغت فرق كُفأَة صبورة على دراسة شرع الله، ووفاءه بحاجات الإنسان، حاجات البشرية كلها، وكيف يتوفر على أبلغ الحكم، وكيف يأتي نسيجه، نسيجاً متكاملاً لا ثلمة فيه ولا نقص ولا تهافت ولا تناقض، وكيف يأتي الدين كملاً نسيجاً واحداً متوافياً متلاقياً ليشهد بعظمة الله، وليقوم برهاناً قاطعاً على أحقية الدين من غير حاجة إلى براهين أخرى، ولكن النقص في التوجه لدراسة الإسلام والنقص في الكفاءات وفي التفرغ لما ينبغي أن يقدم من علوم الإسلام، لحساب الاشتغال هنا تفريط لحساب الاشتغال بما لا ينبغي أن يقدم، نعم ويلفت هذا الأمر النظر إلى درس كبير، إلى خطورة الدافع الجنسي، وكيف أن الإسلام حدد أن هناك ثغراً مفتوحاً على نفس الإنسان المسلم، وطريقاً خطيراً لغزو هذا الإنسان المبني بناءاً إيمانياً، وأن هذا الطريق سيكون أربح طريق بيد الكفر العالمي وأخطر منفذ ينفذ منه إلى نفس أهل الإيمان، وإلى مجتمع الإيمان، لأن عدم سد هذه الثغرة عدم التزويج يعني أن ثلثي دين الإنسان مهدد بالانهيار، وأن صون هذين الثلثين وحفظهما يتطلب أن يكون زواجٌ، وزواجٌ مبكر، فلنتق الله في من كان محتاجاً للزواج، وفساده فسادنا.
اللهم اغفر لنا وتب علينا واجعلنا من متبعي السنن، ومخالفي البدع، والآخذين بأحسن القول وأكرم السلوك، واجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك يا أكرم من كل كريم، ويا أرحم من كل رحيم.
بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي ترجع إليه الأمور، وتنتهي عنده المصائر، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي لا خير لأحد إلا منه، ولا معتصمَ أبداً إلا به، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله, مشكاة هدى، ونور إيمان، وكلمة صدق، ورسول رحمة، ودليل حق، وماحي ضلالة، وقائد إلى نجاة وجنة ورضوان. اللهم صلِّ وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين النبيّ الخاتم محمد المصطفى سيدنا أبي القاسم اللهم صلِّ وسلم على محمد وآل محمد، اللهم صلِّ وسلم على الولي الصادق، والإمام الناطق ، أبي الحسن والحسين، علي بن أبي طالب، اللهم صلِّ وسلم عليه. اللهم صلِّ وسلم على المنقطعة للطاعة، المولعة بالذكر، المشغولة بالشكر الصديقة النوراء فاطمة الزهراء، اللهم صلِّ وسلم عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها. اللهم صلِّ على الركنين الثابتين، والقمتين الشامختين، والعلمين الهاديين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين، اللهم صلِّ وسلم عليهما، اللهم صلِّ وسلم على سفن النجاة، والأئمة الهداة، والقادة الأباة علي بن الحسين زين العابدين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق وموسى بن جعفر الكاظم وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري، اللهم صلِّ وسلم عليهم أجمعين. اللهم صلِّ وسلم على بقية الله في الأرض، ومحيي الإسلام، وباعث علم القرآن الإمام الأبي محمد بن الحسن المهدي، اللهم صلِّ وسلم عليه وعجل فرجه وسهل مخرجه.
اللهم سهل له الطريق، ووسع له المضيق، واجعلنا من السابقين على طريقه، والممهدين بالحق لظهوره، والفائزين بنصرته يا كريم.
اللهم من كان سعيه نصرة لإمام العصر فانصره، ومن كانت محاولته حرباً له فاخذله وباعد بينه وبين ما أراد من سوء وكيد بالإسلام والمسلمين. اللهم أعز رايات الإسلام وجنود الإيمان في كل أرضك وعبادك، وأذل المناوئين لدينك، المحاربين لأهل ولايتك، الساعين في الأرض بالخراب وفي الناس بالفساد.
عباد الله اتقوا الله الذي لا إله إلا هو وكونوا مع الصادقين، وإذا أمرتم فلا تأمروا إلا بالمعروف، وإذا نهيتم فلا تنهوا إلا عن المنكر، وإذا أنكرتم فلا تنكروا إلا ما يسخط الله، وإذا رضيتم فلا ترضوا إلا ما يوافق رضاه.
اللهم اغفر لنا وكفّر لنا سيئاتنا، وارزقنا الرشاد والسداد في القول والعمل وحسن النظر وصواب الرأي وطهر النية وسلامة الضمير.
ذكرى وفاة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري :
أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فمن ذكريات هذا الأسبوع في تاريخ الإسلام والمسلمين وفاة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري وهو الذي جاء فيه عن رسول الله (ص) (بالمعنى) : (( ما أقلت الغبراء وما أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر )) أبو ذر رجل صاغه الإسلام تخرج من مدرسة الإيمان مدرسة رسول الله (ص) ، علي أمير المؤمنين(ع)، كان في كنف رسول الله ثم في كنف أمير المؤمنين (ع) والحسن والحسين (ع)، وإن كان الحسن والحسين (ع)، قبل أن تكون إمامتهما الفعلية، أبو ذر اقتفى في خطاه خطى رسول الله (ص) وأمير المؤمنين ما استطاع، وتعشق الإسلام والإيمان من أول ما انفتحت عينه على قضية الإسلام والإيمان، هذا الصوت الإيماني الجريء المتزن الذي لا ينطق إلا ليصدق، ولا يقول إلا ليعمم الحق، وتساومه الدنيا كل الدنيا على أن يحبس كلمة الحق حيث يجب أو يحسن أن تقال فلا تستطيع الدنيا كلها بمغرياتها وبتوعداتها أن تحبس كلمة الحق في فم أبي ذر ، أبو ذر كلمة حق يوجهها صفعة قوية للاستبداد في المال للتساهل في إقامة حدود الله سبحانه وتعالى، لأي انحراف من أي نوع، أبو ذر المتزهد الحق، أبو ذر الذي عاش مثالاً للتقشف يأتي صوته هادراً قوياً مزمجرا، أمام التلاعب بالمال وهو لا يعشق المال ولا يرى له في نفسه بريقا، لكنه من منطلق وعيه الإيماني ورساليته الإسلامية يريد العدل ويعرف أمن الإيمان، وأن المجتمع الإيماني من ركائزه ومما يقوم عليه العدل في المال وتوزيع الثروة، صوت أبي ذر لا يفرق بين تضييع صلاة ليهب منكراً لذلك وبين اختلاس فلس واحد من ميزانية الدولة الإسلامية ليتحول إعصاراً في وجه السارق والمتحايل وإن كان الخليفة، توزيع المراكز وتوزيع المال والمحاباة على حساب دين الله وعلى حساب المستضعفين من عباد الله أمر يقض مضجع أبي ذر فلا يهدأ حتى تبلغ كلمته مسامع الدنيا وتنفذ قناة التاريخ لتدوي في كل أودية التاريخ في كل قمم التاريخ وكل وديانه وفي كل مساحاته وميادينه، ذاك هو أبو ذر وفي كل مؤمن فيه من أبي ذر نسبة من الإيمان، فيه قدر يساوي إيمانه من صراحة الحق وجرأة الحق على لسانه مما يملأ قلبه وجماله.
هذه ذكرى وهي تجعلنا لا نتوقف عن أمر بمعروف وعن نهي عن المنكر وأصعب منكر تنكره أن يكون من الصديق ،وأصعب معروف تأمر به هو معروف ضيعه حبيب، ومن كانت له مكانة في قلبك، إن مواجهة العدو تحتاج إلى جرأة ، تحتاج إلى رجولة، وفي مواجهة الصديق ما يتطلب جرأة أكبر ورجولة أكبر في كثير من الأحيان، وكم ضرب أمير المؤمنين (ع) مثلاً في هذا المجال فلم يكن الشجاع مع أعدائه أكثر من كونه شجاعاً مع أصدقائه وأهله وأحبته.
فتح كابل :
ومن الذكريات فتح المسلمين كابل أيام الوليد بن عبد الملك ، والذي فتح كابل هو الإسلام والإرادة الإسلامية وهمة المسلمين وما كان الوليد بن عبد الملك ولا أمثاله من الخلفاء أو من الملوك المنحرفين عن الإسلام يستطيع أن يحقق منجزات الفتح، إنه الموج العالي الذي لم يستطع الانحراف أن يرتد به سريعاً عن اندفاعته السريعة المتقدمة، موج ولده رسول الله (ص)، موج الإيمان والإرادة الإيمانية، والهم الرسالي، والهدف الكبير، روح الإخلاص للإسلام التي تدفع بأن يأخذ المسلم على عاتقة إيصال الحق وإيصال الهدى وإيصال كلمة العدل لكل إنسان وفي كل شبر من الأرض، موج ولده الرسول (ص) والقرآن فطغى يكتسح كلما كان قد بنته يد الكفر من صروح تبدو شامخة وهي أمام الإيمان وزحفه ضئيلة، هذا الموج عبر القرون، ولازال هو المؤثر فينا ولازال يعطي الدفع الملايين من المسلمين على طريق الحق وعلى طريق النهضة وعلى طريق تصحيح أوضاع الدنيا كل الدنيا، إذا كانت فئة من المسلمين تعيش الانهزامية واللإلتقاطية لتبحث عن كلمة لإرسطو وكلمة لاستالين وكلمة لآخر لتختلق نظرية مهلهلة أرضية مهترئة، فإن مسلمين كثيرين يمتلكون عزة الإسلام وروح الإسلام والثقة بالإسلام والإيمان الكامل بعظمة الإسلام ويصرون على الطرح الإسلامي وألا بديل له في الأرض وإذا كانت الظروف تفرض من ناحية إسلامية أن يتعايش معه وأن يتفاعل معه إلا أن هذه الظروف لا تقتضي منا أن يتحول ما ليس بحق إلى حق في أنفسنا وفي عقولنا وأن نتلقف الاطروحات الأرضية السافلة المنحطة بديلاً عن اطروحة الإيمان وعن اطروحة القرآن التي ننتظرها بالكامل على يد الولي الأعظم مدخور آل رسول الله (ص) بقية الله في الأرض أرواحنا فداه وعجل الله فرجه وسهل مخرجه، إن علينا أن نعد أنفسنا جنداً له وجيشاً مهيئاً ليومه.
أيها الأخوة الكرام شباب في الغرب قد يبلغون الملايين ينقل النقلة بأنهم يعدون أنفسهم ليوم المسيح، وهم يحملون أرواحهم على أكفهم لم تخدعهم الحضارة المادية الغربية وهم في غمارها، يرون الإنقاذ في يوم المسيح (ع) وهو يوم القائم (عج) وأفواج منا تنهزم أمام الفكر المنحط، لا ينبغي لمؤمن أن يرى فيما يأتي من غير الله شيئاً كبيرا.
اليوم العالمي لمناهضة التعذيب :
ونقف مع اليوم العالمي لمناهضة التعذيب ، ومناهضة التعذيب ومناصرة المعذبين قضية مرة ترفع لافتة إعلامية ومرة تتخذ قضية جدية، والغرب في نظري، الغرب الرسمي في نظري وفي نظر كل صاحب عين إنما يرفع قضية مناهضة التعذيب لافتة إعلامية، فمن هو الغرب ؟ الغرب هو الذي يصنع ويصدر أدوات التعذيب وأحدث آلياته، الغرب هو الذي يدرب المعذبين على أحدث آلات التعذيب والإيذاء للبشر، والغرب هو الذي يصدر المعذّبين وقد صدر لنا من المعذبين ما صدر، الغرب هو الذي يدرب على كيفية التعذيب الفردي وعلى كيفية التعذيب الجماعي والشعب العام، هذا هو الغرب التي تنطلق بعض مؤسساته لترفع راية مناهضة التعذيب وراية حقوق الإنسان لتستعمل ذلك في مواجهة أنظمة إسلامية وبلاد إسلامية مهما أوغلت في السوء إلا أنها قد لا تبلغ سوء الغرب، الغرب لو تعرضت مصلحته السياسية لأدنى زوبعة لقتل الملايين وبروح باردة والحروب الصليبية شاهد.
كيف يناهض التعذيب شعبياً ؟؟ ليس بكلمة تقال في يوم، الكلمة والمؤتمر والندوة وكل الفعاليات في هذا المجال محمودٌ ومطلوب ويجب أن يكثف ويركز ولكنه مع ذلك يجب أن يستمر والإسلام وحده الذي يجعل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة يومية لابدية، ومن أبشع المنكر أن يعذب إنسان إنسان برئ والتعذيبات التي تحصل إنما تحصل لانتزاع اعترافات لا يصح أن تعتبر في شرع ولا في قانون ما دامت تستل تحت مطرقة التعذيب، أقول مناهضة التعذيب واجبٌ إسلامي واجب كل مسلم فلنحول حديث مناهضة التعذيب إلى حديث يومي مستمر طوال العام وفي كل مجالسنا وفي كل مجامعنا وفي كل نداواتنا، وعند أول حادثة تعذيب يطالها النظر يجب أن يكون الإنكار سريعاً ومكافئاً أيضاً.
كيف يناهض التعذيب على المستوى الرسمي ؟ الدولة إذا أرادت أن تناهض التعذيب ماذا تفعل عليها أولاً التصحيح والتطهير للأجهزة المخابراتية ، تصحيح الجهاز المخابراتي من كل المعذبين ومن كل أصحاب السوابق في هذا المجال، أما ما بقت رموز التعذيب في مواقعها فلا أستطيع أن أفهم أن هناك نية كافية وعزماً كافياً لاقتلاع هذه الجريمة، جريمة التعذيب، ينضاف إلى هذا التطهير التعقب وتوقيع الجزاء لكل المعذبين، وهل المعذب فوق القانون أسأل ؟؟ ، هذا التعذيب بإذن القانون أو أن هذا التعذيب خارج القانون ؟؟ ، إن كان هذه التعذيب في ظل القانون وبإذن القانون فهو جريمة دولة، وإن كان هذا التعذيب خارج القانون فلابد للجزاء على الخارج على القانون، رعاية المعذبين والمشوهين الدولة تتولى رعاية المعذبين والمشوهين وتعويضهم على أن هذا التعويض لا يغسل الجريمة ولا يسقط العقوبة على المستحق، إشاعة ثقافة عدم التعذيب على مستوى وسائل الإعلام ومن خلال كل المواقع.
اللهم إنا نستغفرك ونستهديك ونسترشدك ونسألك أن تملأ قلوبنا بالرحمة وتجنبنا الفظاظة والغلظة، وتزيننا بخلق الإيمان، وتجعلنا سعاة خير وأدلة هدى ودعاة حق وعدل، قوّامين لله شهداء بالقسط، قوامين للصدق مناهضين للظلم والغيّ والضلال والفساد.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .