خطبة الجمعة (8) 2 ربيع الاول 1422 هـ – 25-5-2001 م
مواضيع الخطبة:
الغيرة-وفاة الرسول(ص) انتصار المقاومة في لبنان
، ما تعرض له الشيخ علي سلمان
، ذكرى الشيخ يوسف
ستبقى يد العالم
المؤمن تبني الأمن ولا تهدمه، تطلبه ولا تدفعه، تلتزم به ولا تتخلى عنه. وهي يد
لغرس المحبة لا البغضاء ، ولإقامة العدل لا الظلم، ولتخط ما يحي، لا ما يميت وما
يهدي لا ما يضل ، وما يصلح لا ما يفسد، ويد سماحة الشيخ على سلمان من هذا النوع
الخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم
تمجيد الله والثناء عليه
الحمد لله الذي احتجب عن العقول بالعزة ، وظهر للأشياء بالقدرة ، وأجرى الأمور بالحكمة ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ذل كل شيء لعظمته ، وغلب كل شيء بقهره ، وحكم كل شيء بإرادته ، واستقام النظام بمشيئته ، ولا يقوم شيء لأخذه ، وتذل الجبابرة لبطشه ، وتنهد السماوات ، وتمور الأرض وتتبدد الراسيات لغضبه .
ذكر النبي والصلاة عليه
أشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالمنهج الأقوم ، والطريقة الأكمل ، والشريعة الأتم ، وأيده بآياته ، وصدقه بمعجزاته ، وأكمل له الخلق الكريم فأقام منه حجة بذاته ، وبرهان صدق من فعله وصفاته . اللهم صل وسلم على محمد وآله المصطفين الأخيار . اللهم وكما جعلتهم هداتنا إلى ملتك فاجعلهم شفعاءنا إلى جنتك ، وأحينا حياتهم وأمتنا مماتهم ، وابعثنا في زمرتهم ولا تفرق بيننا وبينهم في دنيا ولا آخرة يا كريم .
دعاء
اللهم اغفر لنا مغفرة تخرجنا بها من كل ذنب أذنبناه ، ومن كل إثم اقترفناه ، ومن كل قبيح أتيناه ، ومن كل معصية سبقت منا ، وكل خطيئة جرت على أيدينا ، واعصمنا في ما تستقبله من بقية العمر ، واجعله عامراً بالخير والطاعة ، والتفاني في خدمة دينك ، والسبق إلى رضوانك يا أرحم الراحمين .
موعظة
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمارة بالسوء بتقوى الله والحزم في طاعته وطلب مرضاته ، والاقلاع عن دروب المعصية ، ومواطن سخطه ، فإنه ما من حمق أسد من حمق قاد إلى سخط الله ، وما من خسران أكبر من خسران التعرض لغضبه وشديد نقمته .
ألا فخذوا بما أمر الله ، وذروا ما نهي عنه ، فليس على العباد مثلُ الله من شفيق، ولا مثل علمه علمُ أحد ، ولا كإحاطته بكل الأمور احاطة من أحد ومَن مثل الله بعداً عن محاباة بعض على حساب بعض؟ ومن أعز منه حتى يخضع تشريعه لرغبة بعض بظلم بعض ، ومن أغنى منه حتى يحتاج إلى ظلم عبد مقر ؟! ومن أقدر منه حتى يفر من عقابه ؟ ومن أصدق منه حتى يخلف وعده ؟ ومن أقدر منه حتى يفوت المحسنين جزاؤه والمسيئين عقابه ؟!
الغيرة حماية وتزكية
ألا إن مما دعا الله إليه عبادة حماية لهم ، وتزكية لقلوبهم وأنفسهم ، واعلاء لقدرهم ، وحفاظاً على أمنهم واستقرارهم الغيرة والحمية ، والشرف والعفاف.
تدعو الحضارة المادية للضلال والانحلال
وهذا على خلاف ما تدعو إليه حضارة الضلال المادية وما وراءها من قوى الاستكبار العالمي والشركات العملاقة الفاسدة المفسدة التي تتاجر بشرف الانسان وأمنه واستقراره وقيمه ، وتروّج بمختلف الوسائل المتطورة للاستهتار والفجور وفوضى الجنس وبهيمية الشهوات المنحلة ، وهي تنطلق في ذلك من منطلق جمع المال الحرام ، وسرقة أتعاب الشعوب ، والسيطرة على ثرواتها الطائلة ، لتبني من جهود المحرومين ، ومخزون الثروة الطبيعية في البلاد المستضعفة قوة. واستنزاف خيراته من أجل عربدة ليالي الفحش والتبدل والسقوط التي تعيشها فئة قد اهتزات انسانيتها وسقطت تماماً ، وخلصت لحيوانيتها الجشعة ، وشهوانيتها الغارقة ، وبهيميتها المنحدرة إلى الحضيض .
كما تنطلق من أغراض ساسية وعدوانية دنيئة موغلة في السقوط مما يتمثل في استفراغ الطاقة الشبابية عند الفتى والفتاة في مهاوي الرذيلة ومستنقعات الفحش والفجور قطعاً للطريق على نهضة الشعوب والأمم وانبعاثها وتفكيرها بحاضرها ومستقبلها خوفاً من أن تقوم حضارة انسانية قوية قويمة يكون على يدها السقوط النهائي لقوى الضلال والاستغلال والتلاعب بمقدرات الأمم .
تخشى القوى الطاغوتية صحوة المسلمين وقوتهم
وان اعدى ما تعاديه القوى الطاغوتية في العالم وأشد ما تحذر منه ، وتخطط ضده هو أن تقوم قائمة للاسلام والمسلمين . ذلك لما عرفته هذه الدول من قبلُ من نزاهة الاسلام وعظمته ، وجدارته في انقاذ العالم من سياسة الخداع والتضليل والتجهيل واسقاط القيم واللعب بالألفاظ وسحر الفن السافل والتهويل وزرع الرعب ، وتغيب الذات الانسانية التي تنشد إلى السمو والرفعة ، وتطالب بهما ولا تلتذ بمثل ما تلتذ لهما.
أساليب الطاغوت في تخريب الشعوب المسلمة
ومن أكبر شباك هؤلاء الشياطين وأخفاها على بصر الرائين ، وأخبرها بالعقول والأفئدة ، وأكثرها جاذبية للاغرار والسطحيين وسيلة الجنس المبتذل ، والإباحية الجنسية المفتوحة ، وما لها من مقدمات وأجواء ممهدة مشحونة بأنواع الاستثارة الرخيصة والمجون العابث من عري واختلاط غير مهذب وغناء وكلمات بذاءة وصور خليعة ، وأزياء متهتكة ، وعروض مخزية واعلام حيواني ، وتخطيط شيطاني.
وهذه أساليب كما تسرق من الشعوب والأمم عرق جبينها وحصيلة جهدها وضناها ، تمزق وحدتها ، وتنهك عرى المحبة والوئام في داخلها ، وتنشر الفوضى والرعب في أوساطها ، وتفتك بروحيتها و قيمها ودينها ، وتقتل منها الارادة ، وتحبط الهمة ، وتميت الشعور بالاباء والكرامة ، وتذهب بالعفة والشرف ، وتفتل انسانية الانسان ، وتنحط به عن موقعه الكريم ومنزلته التي شرفه الله بها ، ومكانته التي بوأه إياها .
الغيرة من الايمان
أيها المؤمنون والمؤمنات ، إن للغيرة منبتاً ، ولفقدها منبتاً آخر منبت الغيرة الايمان ، وذهاب الغيرة ينبته النفاق . فعن الرسول “ص” إن الغيرة من الإيمان ، ميزان الحكمة ج 7 ص 357 ،
وعنه “ص” إن الغيرة من الإيمان ، وإن البذاء من النفاق المصدر ، والمنقول عن البذاء لغة أنه كسماء جمع الرجال والنساء وتركهم يلاعب بعضهم بعضاً أو هو الدياثة . وهذا هو الأسلوب الذي يستهدف الكفر العالمي استخدامه في كل البلاد الاسلامية جامعاتها ومجامعها لتمييع مجتمعاتنا ووأد النهضة الاسلامية المباركة وصحوة الايمان الوليدة في ربوع أوطاننا قبل أن تقيم العدل ، وتعيد للانسان قيمته وكرامته ورفعته وعزته .
الغيرة من خلق الله
الغيرة في حدها الذي يلتقي مع رضوان الله خُلُقُ يتسابق فيه النبيون فعنه (ص)” كان ابراهيم غيوراً وأنا أغير منه ، وأرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين ” فمؤمن لا يغار على عرضه لا يكاد يكون له ايمان ، فإن للإيمان آثاره ، ومن غياب هذه الآثار يستدل على غيابه . وقبل أن تكون الغيرة من خلق النبيين فهي في الحديث عن خاتم النبيين (ص) من خلق الله ” ألا وإن الله حرّم الحرام ، وحدّ الحدود ، وما أحدٌ أغير من الله ، ومن غيرته حرّم الفواحش ” المصدر السابق ص 357 . ومن غيرته سبحانه كما في الحديث عن عبده ورسوله الخاتم “ص” … وغيرة الله أسيأتي للمؤمن والمؤمنة السقوط والتسافل ، وإذا كان منهما هذا اسخطه ، وباعد منه ومن رضوانه ورحمته ، وكان في ذلك الهلاك ، والذهاب في الخاسرين .
حث الأئمة على الغيرة
وتقول الكلمة عن أمير المؤمنين وأمام المتقين عليه السلام ” دليل غيرة الرجل عفته ” ميزان الحكمة ج6ص362 . والعفة أيها الأخوة والآخوات نزاهة وطهر وترفع عن الدنايا والسقطات ، وشموخ في ا لنفس يجعلها لا تقارف الخطايا ولا تهبط إلى المنحدرات والرذائل . وهي من العقل كما تقول كلمته الأخرى عليه السلام ” من عَقَل عفَّ ” . ومن عفّ استعلى على الرغبة واكتسب قدرة على المقاومة أمام ضغط الشهوة حتى تنكسر سورتها أمام ارادته فلنسمع الكلمة عن امام الفكر والحكمة والعدل والبيان أمير المؤمنين عليه السلام ” العفّة تضعف الشهوة ” ، وما أجمل العفة في حفاظها على الكرامة ، وصونها للشرف ، وجماليتها من العار كما ترشدنا كلمة الغرر عن الوصي المطهر ” ثمرة العفة الصيانة ” ومثلها ما عنه عليه السلام ” من أتحف العفة والقناعة حالفه العز ” . ومن صمد أمام اغراء اللذة ، واغواء الشيطان ، وصرع الشهوة ، وقهر الرغبة فهو من ذوي العفة والقوة والوعي والطهر ” ومن أبرزهم ” ألا وإن القناعة وغلبة الشهوة من أكبر العفاف ” ميزان الحكمة ج6ص364 . كما عن الوصيّ الأول من السادة الأئمة الكمّل عليهم السلام .
ولأن شهوة البطن والفرج ضاغطتان جداً ومُستعرتان استعاراً شديداً ، كان الصمود أمامها نصراً كبيراً ، والرد على تحديهما ايمانا عظيما، وعبادة كبرى ، وعفة عظمى، وشجاعة وبطولة ، ورفعة وجمالاً فعن الإمام الباقر عليه السلام ” ما عُبد الله بشيء أفضل من عفة البطن والفرج ” الميزان ج6ص361 . ولما عليه هاتان الشهوتان من غلوّ وغليان ، وشدة وطغيان كان الصرعى أمامهما أكثر ، والداخلون بهما جهنم أزيد فعن الصادق الأمين (ص) ” أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان : البطن والفرج ” المصدر فلا يغلبن الأجوفان أحدنا على دينه وعقله فيهويا به إلى النار وبئس القرار . نعوذ بالله من جهنم ولظاها ومن بؤسها وشقائها وآذاها .
اللهم اغفر لنا ولاخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين ، وانصرنا على أنفسنا ، ولا تستعبدنا لشهواتنا ، ولا تذلنا لرغبات الشيطان فينا ، وأجعل ما يستهوينا رضاك ، وما يسرنا طاعتك ، وما يؤمننا قربك ، واجعلنا من أهل العفاف والسداد والرشاد إنك أرحم الراحمين .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالْعَصْرِ(1)إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)
الخطبة الثانية
حمد وثناء
الحمد لله الذي لا ينازع في ملكه، ولا يجاري في عظمته ، ولا تناهض ارادته، ولا ترد مشيئته ، ولا يمكن الفرار من حكومته ، ولا دوام إلى له ، ولا سبب إلا من أمره، ولا نجاة إلا به ، ولا مهرب منه إلا إليه ، يجير ولا يجار عليه، ويؤمن ولا يؤمن منه، يسأل ولا يسأل، ويحاسب ولا يحاسب، ويستغنى به، ولا يستغنى عنه أبداً .
توحيد وتمجيد
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا عديل ولا وزير . حي به حياة الأحياء، قيّوم به وجود الأشياء وحفظها ونظامها ومددها ، وما يكون لها من أثر أو فعل، ومن موت أو حياة ، أو نمو أو سقوط ، أو حركة أو سكون إلا بعلمه وتقديره وتحت قبضته . لا تغيب رعايته عن العوالم ، ولا ينقطع مدده عن شيء قائم حسيب لا يحتاج إلى حسيب، رقيب فوق كل رقيب . أنفاس العباد عنده معدودة ، وآجالهم في علمه محدوده ، وسيئاتهم منه مرصودة ، وأموالهم لديه مقدرة ، وأرزاقهم بفضله ميسّرة .
ذكر النبي وآله والصلاة عليهم
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . عبادته له مخلصه، وطاعته دائمة ، وجهاده فيه دائب ، وكفاحه في سبيله مستميت، وقيامه بأعباء الرسالة شهود ، ونهوضه بمسؤوليات الدين متواصل لم يتوان عن تبليغ الرسالة، ولم يهن في مواجهة الباطل، ولم يقصر في مناصرة الحق، ولم يدخروسعاً، ولم يستكثر بذلا، ولم يرتض عن الجهاد بديلا، ولا عن مقارعة الظلم سبيلا، اللهم صل وسلم عليه وعلى الخيرة المصطفين من آلة صلاة كثيرة نامية دائمة زاكية متتابعة ، وسلاماً طيبا كريما ثابتا متصلا …
اللهم ضاعف الصلوات والتحيات والتسليمات على نبيك الكريم وآله الطاهرين أبي القاسم محمد .
اللهم صل وسلم على بضعة رسولك المصطفى، وكريمته الطاهرة النوراء ، وحبيبته المعصومة الزهراء .
اللهم صل وسلم على الوصي الأول، والخليفة الأكمل، والقائد المظفر، والامام المبجل، أخي رسولك وناصره ومن كشفت به الكرب عن وجهه ، عبدك ووليك علي بن أبي طالب القمر الأزهر .
اللهم صل وسلم على السيدين النجيبين والولين الكريمين، والسبطين الطاهرين، والإمامين العادلين، أبي محمد الحسن ، وأبي عبدالله الحسين .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على أئمة العباد، وقادة الرشاد، والمنقذين من النار، والسادة الأخيار : علي بن الحسين ، زين العابدين ، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، الأئمة الهداة الأبرار .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على بدرالإيمان، ومجلي الظلام ، ومنقذ الأمة، وكاشف الغمة ، وقاتل الكفار، ومبدد الأشرار، ومبيد الطغاة، إمام الأبات فخر المفتخر، وأمل المنتظر محمد بن الحسن المهدي المنتظر .
اللهم اجعلنا له من المنتظرين، وبيومه من المصدقين، وعلى طريقه سائرين، ولدولته من الممهدين ، اللهم اجعل يومه قريبا، ومهد له تمهيدا، ومكن له تمكينا ، واجعل نصره عزيزا ، ويومه على الكافرين شديدا ، وللمنافقين مبيدا .
اللهم انصر المنتصر لدينك، والآخذ بأمر وليك ، الممهد لنصر حجتك، واخذل من عاداك وناوءك وناوأ أولياءك ، والّب على دينك والمؤمنين من عبادك .
عظة ودعاء
عباد الله اتقوا الله المالك لأنفسكم وما قد ترونه بأيديكم والذي لا مجير لكم من دونه، ولا مهرب من سلطانه، ولا مفر لكم من ملكه، ولا راحم لكم بعد غضبه، ولا منقذ لكم من عذابه ، ولا عاصم لكم من عقابه إلا أن تدخلوا في طاعته، وتجانبوا أهل معصيته، وتبرءوا من العاملين بمكابرته، ومعاندة أهل ولايته .
اللهم اغفر لنا وتب علينا واجعلنا من أهل التقوى، ووفقنا للتي هي أقوم وأزكى، اللهم اجعلنا من صالحي العباد ، ومن أهل الرشاد والسداد، ولا تجعلنا من المطرودين من رحمتك، والأشقياء من أهل عداوتك يا رؤوف يا رحمن يارحيم .
أما بعد فهذا عدد من القضايا وإن لم يمكن المكث عندها إلا أنه لا بد من المرور بها ولو مروراً سريعاً لما لها من شأن في الدين والدنيا، والأولى والآخرة .
وفاة الرسول (ًص) وافتقار الحياة الى مدد الوحي
أولاً : لم يفجع العالم الإسلامي بل العالم كله بمثل ما فجع به لوفاة الرسول الأعظم (ص) ذلك لما جعل من بداية للافتراق عن خط الوصي أو الإختلاف عليه بوفاته، ولأن الأرض لا تستقيم الأمور فيها ولا تشرق ا لحياة على ظهرها، ولا تبلغ هذه الحياة أهدافها، ولا ينعم الإنسان بالعدل والأمن أثناءها، ولا تجد إنسانية حياتها فيها ما فقدت الأرض هدى الله إذ لا هدى دونه
( قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ ) 73 آل عمران – ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ ) 71 الأنعام
وما بعدت الحياة عن وحي الله وكلمته المحيية ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ.. “24الأنفال .
نعم إن تشط الحياة عن خط الله تفقد هداها وعندئذ يظلم على أهلها الطريق فلا يبصر مصلحة دنيا ولا دين، وإن يكن الغنى فيها ما يكون إلا أنه لا يخرج عن كونه سبب شقاء لغني وفقير، وسبب فتنة وفرقة واقتتال وفساد في الأرض كبير . ولا يعالج أمر الأرض وأهلها في غياب اشعاعات الوحي، وأنوار الهدى الإلهي عن ساحة الحياة، تقدم في علم وخبرة وتجارب ووسائل وامكانات كما تشهد لغة الواقع وتتحدث به الأرقام .
ولا تحيا الأنفس ، ولا تتنفس الأرواح نسيم الحياة، ولا تنبعث انسانية الإنسان، ولا تخرج القلوب من موتها، ولا يتوجد مجتمع الإنسان إلا بالانشداد إلى كلمة الوحي، والاستجابة الجادة العملية المنطلقة من الأعماق لله ولرسوله “ص” في الدعوة لما يحيي الناس، ويطهرهم ويزكيهم ويفجر طاقات الخير فيهم، ويبلغ بإنسانيتهم مبلغها من النمو والتنور والتطهر والكمال .
يوم المقاومة والتحرير
ثانياً : هناك يوم من أيام الإسلام وظهوره سماه الأبطال لما أملاه الواقع بيوم المقاومة والتحرير . وهو من الأيام الشاهدة للاسلام والخطاب الإسلامي والتربية الإسلامية وكفاءات الإسلاميين وقدرتهم على الانقاد والتغيير بما ينفع الناس ويمكث في الأرض ليخصبها من عطاء السماء وينيرها بكلمة الوحي، يوم المقاومة والتحرير يوم طرد العدو الغاشم الإسرائيلي من جنوب لبنان على يد الإرادة الإسلامية الصلبة والتربية الإيمانية الفاعلة والرجولة والحزم والأخلاق والوعي والحنكة والاستماتة في الحق والاسترخاص للدنيا والتفوق على ألم الجراحات وبعد النظر وصوابيته، وعشق التضحية والتسابق على الجنة والثقة بمدخور الجزاء، وكثيراً من رصيد ضخم، وعدة معنوية كبيرة وما توفره وتغرسه وتنميه وتزكيه في العقول والأنفس والأفئدة كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله “ص”.
وما المقاومة؟ مقاومة قلة مؤمنة بضئيل من عدة وسلاح للكفر العالمي في أعتى قلاعه وأشر رموزه وأضخم جبهاته أميركا وأوربا والربيبة اسرائيل. ومع هذه الجبهة العريقة العنيفة الطاغية الإرهابية المرهبة اسناد من دول شتى كان ينبغي لبعضها أن تكون لانتمائها للاسلام نصيرة حق على الباطل، ومظلوم على ظالم.
وما التحرير؟ تحرير لأرض من أرض الإسلام، من قبضة باغ عنيد بثمن مكلف، وكلفة باهظة، وأكبر من ذلك أنه تحرير لإرادة الإنسان المسلم من قبضة الكفر العالمي، ومن لف الثقة من فاعلية الإيمان، ومن ضياع الوزن، ومن الظن السوء لقيمة الإنتماء للإسلام، وبأن الطرح الإسلامي فاشل فشل الطروحات الأخرى التي كثيراً ما قادت الإمة لانتكاساتها وانسحاباتها المخزية .
ما تعرض له الشيخ علي سلمان مما لا يليق بحق العلماء
ثالثاً : ستبقى يد العالم المؤمن تبني الأمن ولا تهدمه، تطلبه ولا تدفعه، تلتزم به ولا تتخلى عنه. وهي يد لغرس المحبة لا البغضاء ، ولإقامة العدل لا الظلم، ولتخط ما يحي، لا ما يميت وما يهدي لا ما يضل ، وما يصلح لا ما يفسد، ويد سماحة الشيخ على سلمان من هذا النوع من اليد النظيفة الكريمة النافعة البناءة المخلصة وما كان من ا لعدل ولا الأمن، ولا مما يبني من المودة، ويرص الصفوف ويوحد الأهل ، ويخلق أجواء الصفاء والثقة في كل المنطقة أن تقيد هذه اليد الكريمة الأمينة البيضاء يد العلم والإيمان والفضيلة، والقلم الرشيد، والكلمة الباقية الهادية ليفهم أن يداً من هذا النوع لا بد أن تقيد، وتقطع، وتستأصل في بلدان الإسلام والإيمان. وسنبقى دعاة أمن وسلام ووئام وعدل وكرامة وهدى وقيم رفيعة ودين قويم وعمل صالح ومحبة ومودة واحترام .
ذكرى الشيخ يوسف
رابعاً : تمر في الأسبوع القادم ذكرى وفاة الشيخ يوسف العصفور (قده) الفقيه اللامع من فقهاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام الذي ورّث تراثاً علمياً وفقهياً يعد به من أساطين رجالات هذه المدرسة على مستوى العالم الإسلامي كله ممن أسهموا بعلمهم وجهادهم وسعيهم المتواصل في الحفاظ على الإسلام ونقائه وتوعية الأجيال المسلمة وتربيتها. وهو من ثمار هذا الوطن المؤمن الكريم الذي ما فتئ ينجب الكثير من رجالات العلم والإيمان ليبرهن على انتمائه الأصيل لخط الإسلام والإيمان ورفضه لكل خط منحرف عن هدى الله وكل بدعة ضالة مضلة من صنع الهوى والزيغ والفضول والأطماع. ومن التخلف جداً وعدم الوفاء أن تمر مثل هذه المناسبة من غير أن يذكرها ذاكر.
اللهم احفظ لهذا البلد هداه وأمنه، وأحيه بالإسلام، وكرمه بالإيمان وشرفه باتباع كتابك وسنة نبيك، اللهم اغفر لنا وتب علينا وافعل بنا ما أنت أهله من الإكرام والإنعام والمغفرة والرحمة ولا تفعل بنا ما نحن أهله من العذاب والنقمة يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين .
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين .