خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ليلة العاشر من محرم 1441هـ
خطاب سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ليلة العاشر من محرم 1441هـ في الحسينية البحرانية بمدينة قم المقدسة – 9 سبتمبر 2019م
للمشاهدة :
نص الخطاب :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليك سيدي سيد الشهداء، وعلى الأرواح المضرجة بين يديك، والدماء التي صبغت أرض كربلاء لتكون أرضاً مشعة بالإيمان والتقوى والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله.
يا يوم عاشوراء، يا يوم الإسلام والإيمان والقرآن والرسالة الإلهية والحسين “عليه السلام”، يا يوم فاجعةٍ لا تُنسى، ونصرٍ كبيرٍ لا يبلى، وإرادةً إلهية ثابتة، يا يوم فرقانٍ بين إمامٍ حقٍّ وكلمة حقٍّ وسيف حقٍّ من جهة، وإمام باطلٍ وكلمة باطلٍ وسيف باطل من جهة أخرى.
يا يوم عاشوراء، أنت يومٌ تجحفلت فيه الجاهلية لتقتل الحسين “عليه السلام”، لتقتل الإسلام، لتُنسي الأجيال القرآن، لتدفن الإسلام دفناً دفناً فقابَلَتها صفوة من أهل الله لا يبالون إن وقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم، وهكذا هم المؤمنون في كل عصرٍ من العصور وفي كلّ مكان من الأمكنة.
هتاف الحضور: لبيك يا حسين.
يا يومٌ زلزل عروش الطغاة ممن ينتسب لهذه الأمة وممن لا ينتسب لها، -من خالف الله وحارب دينه انتسابه لدين الله انتسابٌ زور ليس صادقاً- وهو يومٌ برّأ الإسلام من الطغاة، من الحكم الجاهليّ، من الحكم الوراثي الذي ليست له حجةٌ في الإسلام.
يومٌ بقي يزلزل هذه العروش ويُسقطها في نظر الأمة حتى تسقط في الواقع.
يا يومٌ ربّى للأمة بواسل لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يخشون أحداً إلا الله، تجدهم في لبنان، تجدهم في إيران، تجدهم في العراق، تجدهم في اليمن، تجدهم في البحرين، تجدهم في كلّ مكان من بلاد الإسلام وحتى غير بلاد الإسلام، بواسل تُعلّق عليها الآمال اليوم لإنقاذ الأمة وإحياءها، وتقف مع الحسين في كل عصر، ومع المظلومين والمستضعفين والمضطهدين في كلّ معتركٍ طمعاً في مرضاة الله.
صنعتَ رجالاً تخافهم الطاغوتيّة خارج الأمة وداخلها وحقّ لها أن تخاف، باعوا أنفسهم لله ومن باع نفسه لله لابد أن يخافه الكفر والظلم والطاغوتيّة.
أنت يا يوم عاشوراء، تناصبُكَ الجاهليّة العِداء اليوم كما ناصبتك بالأمس وستبقى تناصبك وتريد لك أن لا تبقى لك راية ولا شعار ولا مظهر ولا كملة ومنبر ولا موكب، وهكذا هي سياسة بعض الحكومات الدنيويّة القائمة.
ويريد أعداء الإسلام في الجاهلية القديمة والحديثة أن لا يذكر في الناس، وأن تنساه ذاكرة المسلمين تماماً.
والعداء لك يا يوم كربلاء ولحسينك العظيم لا يكون إلا بعداء الله ورسوله والإسلام والقرآن، من عادى الحسين عادى الإسلام، ومن عادى الإسلام لابد أن يعادي الحسين.
الحسين “عليه السلام” لا تصالحه ولا تهادنه، ولا تُخفّف من عدائها له أيّ سياسةٍ جاهليّة تباين القرآن، لا أساس لها من الإسلام ويضيق صدرها به وتتناقض مع كلّ حقٍّ والإسلام كلّه حقّ، تتناقض مع أُسسه وقيمه وأهدافه، وتجد فيه المناقض لها إذ أنّ الحسين تجسيدٌ للإسلام، وهو قرآنٌ ناطق من عاداه عادى الإسلام عاداه ومن عاداه عادى الإسلام.
الإسلام والحسين “عليه السلام” وكلّ غيورٍ على الدين، وكلّ ناصرٍ للمظلومين، وكل محامٍ عن المستضعفين، مُخافٌ مُعادى محارب من الظالمين والطغاة والمستكبرين.
وليس من ظالم و طاغية مستكبر إلا ويخاف من تفتّح العقول وإنتشار المعرفة وظهور الحقّ وانكشاف الحقيقة ويقظة الضمير وصحة الإرادة المُناهضة للظلم والجور والجهل والإستكبار والطاغوتية والتفرعن والإذلال في الأمة ولأيّ إنسانٍ محتفظٍ بإنسانيته سائرٍ على خط الفطرة المغروسة في داخله من الله.
وهذا كلّه، المعرفة، يقظة الضمير، تفتح العقول، حيوية الإرادة، الإندفاع في سبيل الله والتضحية في سبيل استنقاذ المستضعفين، هذا كله مما يعطيه الإنشداد للإسلام وثورة الحسين “عليه السلام”، ثورته الظافرة.
ولذلك لابد أن يرعب الطغاة الإسلام الحق، وتعادي الأنظمة السياسية التي لا خلفية لها ولا قاعدة في الإسلام الحسين “عليه السلام” وإحياء ثورته المباركة، وكلّ كلمةٍ من كلماته الباعثة على التحوّل من العبودية للعبيد وعلى إخلاص الطاعة والعبودية لله وحده، ومواجهة الظلم والفساد والبغي في الأرض ومجابهة الباطل وإحقاق الحقّ وإقامة القسط، والإصرار على العزّة والكرامة.
ولن تجد من كلمات أبي الأحرار إلا ما يُغيظ الباطل ويرضى به الحق، فلابد أن يعاديه الباطل، ولابد أن يؤيده الحق.
وللحسين “عليه السلام” في ثورته المباركة على آلامها الضخمة، وفجائعها الشديدة، كلماتٌ وشعاراتٌ ونداءات هي من صلب يقينه بالله وجلال الله وجماله وخلوص عبودية الحسين له سبحانه وتعالى، وخشوعه لعظمته وما هيّم قلبه من حب الله وما أضاءات به روحه من نور الله، وما استيقنته روحه من حق الله وحق عباده، وما ملأ نفسه من رحمةٍ وشفقةٍ للناس كل الناس، وما شغله من همّ الإسلام والأمة الإسلامية وحرصٍ على سلامة الدين وعلى بقائه إلهياً نقيّاً لم تمسسه الجاهلية بشيء من أرجاسها، هكذا أراد الإمام الحسين “عليه السلام” للإسلام، ليس أن يبقى شكلاً صورةً مزوّرة، وإنما يبقى إلهياً على ما جاء عليه من نقاءٍ وصدقٍ وإستقامةٍ على طريق الحق.
نداءات الحسين “عليه السلام” لوجه الله، مخلصةٌ لأمة الإسلام وكل العالم، نداءاتٌ عابرة بحقانيّتها –بسبب حقانيتها، لابسبب الإعلام فقط- ونورانيتها صدقها وضرورتها للناس، وعدم استغناء الأرض عنها لحظة من اللحظات، عابرة لكل القارات والقرون، لا حدّ لها من مكانٍ ولا زمان، كلماتٌ تُنبت الحياة الراقية الطاهرة الطهرة الكريمة وتقضي على حياة الذل والهوان والخسّة والفساد والسقوط، لأن تلك الثورة لأن تلك الكلمات إسلام، والإسلام لا غنى عنه لأحدٍ في يومٍ من الأيام، والإسلام مُسقطٌ لكل باطل رافعٌ لراية الحق في الأرض.
نداءات الحسين “عليه السلام” للأفراد والشعوب والأمم، نطقت بها -هذه الجراحات وهذه النداءات- جراحه النازفة ودماؤه المتدفقة والسهم المنتزع من القفا والرأس المرفوع على القنا والخدّ المترب في الثرى ومصارع الأحبة من أهل بيته وصحبه وسبي حريمه والتطواف بهن من بلدٍ إلى بلد لتفرج المتفرجين وشماتة الشامتين وإذلالهن في مجلس الخِمّير السِكّير يزيد وقبله بن زياد.
نداءات الحسين “عليه السلام” نطق بها كل ذلك، تضحياته، دماؤه، سبي نسائه، تصديقاً لجدّيتها.
كفاح كفاح كفاح، ولا تضحية عندي؟ أنا كاذب.
الحسين “عليه السلام” ما قال كلمة حقٍّ إلا وبرهن عليها من ألف موقفٍ عمليّ صادق، ذلك هو الحسين.
كل ذلك تصديقاً لجدّيتها -جدّية شعاراته ونداءاته- وإخلاصها وأهمّيتها البالغة في نظر الإسلام.
سلام الله عليك يا أبا عبدالله الحسين.
وكونها -كون تلك النداءات- من منطلق الإخلاص لله وللمؤمنين، وحقّ الإنسان على أخيه الإنسان.
نداءاتٌ يوم تستجيبَ لها الأمة بحقّ تخرج من ذلّها وهوانها وتسترد حريّتها وكرامتها وتعيش حياة العدل والأمن والسلام وتهتدي وتقوى وتغنى وتكون السبّاقة للأمم في كلّ خير وصاحبة الكلمة العليا من بينها ورائدة التقدّم على طريق القوّة البنّاءة الصالحة والقيم الإلهية الرفيعة -قوة ليست كقوة أمريكا وغيرها من دول الكفر للتدمير والفساد في الأرض- وسرّ ذلك أنّ الحسين “عليه السلام” الإسلام، وأنّ الإسلام الحسين.
وما أعرضت الأمة عن نداءات الحسين “عليه السلام” وهداياته وكلماته وأنواره إلاّ وذلّت وهانت وبَؤست وعمّها الصَغار وكانت نُهزة الأمم وغنيمة الطامعين، وهذا واقع الأمة اليوم وعليها أن تعود للحسين، لخط الحسين، لخط الإسلام، حتّى تجد فرجاً وتخرج من مضيقها وأزماتها المتتالية.
نداءات الحسين “عليه السلام” نداءات بالجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بأمر الدين وحمايته من جهل الجاهلين وبغي الظالمين والسياسة الجاهلية للطغاة والمتآمرين.
نداءاتٌ لتطهير الأرض من الجَوْر والسياسة الطاغوتيّة الغاشمة، وما دامت سياسةٌ طاغوتيةٌ غاشمةٌ فرعونيةٌ وإستكبارٌ في الأرض فتلك منابع فساد وتلك منابع كوارث وفجائع للإنسان.
أنظمةٌ تحرق إنسانية الإنسان، وتأتي على خير الأرض، وتزرع الشرّ في الأرض والخوف والهلع والرُعب.
نداءاتٌ لتطهير الأرض من الجَوْر والسياسة الطاغوتيّة الغاشمة والفرعونية والإستكبار ومنابع الفساد، لتطهيرها من روح الإستعباد والإستخفاف والتجهيل والإستحمار للشعوب والأمم، ومن الإباحيّة والتسافل والقتل والذبح بغير حقّ والفتك والسجن والتعذيب للأحرار ممّن يطالبون بالحق ويدافعون عنه ويناهضون الباطل حمايةً لكراسي الظلم وعروش الضلالة والكيانات الجاهلية.
نداءات الحسين “عليه السلام” من أجل وقفةٍ جادّة صارمة صُلبة لا تراجع فيها من أبناء الأمة الحقيقيين ضد الأنظمة الرسمية التي تحكم أمّتنا على خلاف إرادة الله تبارك وتعالى وإرادة الأمة.
هتاف الحضور: هيهات منّا الذلة.
تحكمها متاجرةً بدين الأمة وعزّتها وكرامتها وببيع مقدّراتها وأرضها وثرواتها وإمكاناتها على أعدى أعداء الأرض والرؤوس الطاغوتية من إسرائيليين وأمريكيين وإنجليز وغيرهم.
هتاف الحضور: الموت لأمريكا.
لماذا تبيع كلّ ذلك للطغاة الكبار؟ لتطاغوتيّتها، تبيعها إحتماءً بهم من غضبة الشعوب المظلومة المقهورة المنهوبة وثورتها وخوفاً من طوفانها الجارف للكيانات الظالمة الطاغوتية ولكل فسادٍ في الأرض.
نداءات الحسين “عليه السلام” صرخةٌ في وجه كلّ ظالم، وهبّة في وجه كل باطل، ولإفشال كل مؤامرة على الإسلام والمسلمين، وسلب إنسانية الإنسان، من أين جاءت هذه المؤامرة وعلى أيّ يدٍ كانت.
نداءاته “عليه السلام” بريئةٌ كل البراءة من ضعفٍ في النفس، من وأدٍ في العزيمة، من تردّدٍ في مواصلة طريق الجهاد من أجل الله، من الإستيحاش من قلّة الناصر وكثرة العدو. وكيف تصاب نفس الحسين “عليه السلام” بشيءٍ من ذلك، بعيدٌ هو كل البعد عن الذّل.
ربّاه بيت الرسالة، تشرّب بعزّة الإسلام، وثقة الله تبارك وتعالى، باع جمجمته لله، أصرّ منذ لحظة خروجه وقبلها من المدينة حتى يوم الطف رغم كل النداءات التي تظهر النُصح بالتراجع وبالتنازل وبالسكوت وبالهروب، باللجأ إلى أماكن بعيدة مع كفّ اللسان عن الكلمة واليد عن الفعل، وهو يرى أنّ تكليفه هو أن يواجه ضغط الحكم الطاغوتي الجاهلي حتى يسقط على الأرض شهيداً.
هذا الإمام أيحتمل فيه أحدٌ أن تكون إستغاثته، استنصاره في يومٍ من الأيام، في أي مضيق من المضائق، في أي لحظة شدّة أمام الموت، هل يحتمل فيه أن تصدر منه كلمةٌ فيها شمّة ذلٍّ أو شمّة هوان، حاشاك يا أبا عبدالله، لبيّك يا حسين.
لبيك يا حسين بإيمانٍ صادق، بعزيمةٍ صُلبة، بثباتٍ على الطريق، بمواجهة باطل النفس وباطل الخارج.. لبيك يا حسين نُصرةً خالصة لوجه الله عزّ وجلّ يعيشها أبطال الإسلام اليوم.. اليوم كَثُر أنصار الحسين، اليوم كَثُر أبطال كربلاء، اليوم للحسين “عليه السلام” أنصارٌ تخافهم الدنيا والجاهلية كلّها.
هتاف الحضور: لبيك يا حسين..
وكيف تُصاب نفس الحسين “عليه السلام” بشيءٍ من ذلك ممّا ذكرت، أو يمس عزيمته الخور أو تلامس قلبه وحشة على طريق الله وهو الذي سعى للموت بقدمٍ ثابت ولنيل الشهادة بأغلى ثمن ليس من نفسه فقط، وإنما من أهله وحريمه وأطفاله، وهو الذي سعى للموت بقدمٍ ثابتٍ ولنيل الشهادة بأغلى ثمن وأثمن حياة، وهل على الأرض حياة هي أثمن من حياة الحسين “عليه السلام” يوم كربلاء؟ ..وأثمن حياة وأزكى دمّ وقد عَلِم بمصرعه الشريف وأعلن عنه في خطبته في مكة وثبت وحيداً غريباً في أهله وأنصاره وعلى نظرٍ منه للأرامل واليتامى من أهل بيته، وكل ذلك يكسر الظهر يُسقط العزيمة، وكل ذلك يدفع للإنسحاب من المواجهة، وهل انسحب الحسين عليه السلام قيد أنملة في المعركة؟ وهل عُرف منه غير الإقدام؟ وهل عُرف منه إلاّ أنّه أسدٌ مغوار صهورٌ في وجه الظالمين؟ فكيف نحتمل فيه أن يذّلّ، لم يفاجئه الموت، لم تفاجئه ساعة الشهادة، لم يفاجئه التضييق والعطش، لم يفاجئه صراخ الأرامل واليتامى، لم يفاجئه ذلك وكان يعلمه.
وعلى نظر الأرامل واليتامى من أهل بيته الذين يرتقبهم الأسر من بعده، وتحفّ بهم المخاوف، وتتهددهم الأخطار من بعده، هذا كلّه والحسين ثابت رابط الجأش متحدٍ للجاهلية كلها، لا ينظر لعشرات الألوف من علوج بني أمية إلا كما ينظر للحشرات.
ثبت الحسين “عليه السلام” في وجه الموت على يدي جيشٍ جاهليّ عرمرم يتسمّى بإسم الإسلام والإسلام الحقّ منه براء، والقرآن يلعنه، ثبت كالجبل الأشم ثباتاً لا يعرفه أسدٌ هصور وكأنّه البركان المندفع بأقصى قوة في وجوه الظالمين الوحوش الأشرار لا يشدّه للحياة الدنيا شيء وكل إنشداده لله، وكل طلبه أن يرضى عنه ربّه.
إنه البطل في كل أبعاده الكريمة، ليس بطل سواعد فقط، هو بطل الإيمان، هو بطل الصدق، هو بطل الحقانية، هو بطل القلب، هو بطل البصيرة، هو بطل في كل إيجابيةٍ من الإيجابيات، وفي كلّ بُعدٍ يعتز به الإنسان.
إنّه البطل في أبعاده الكريمة ومواقفه الشامخة حتى لم يُرَ أربط منه جأشاً وأمضى منه عزيمة وأثبت قدماً وأشد صبراً وأعظم اطمئناناً، ومن يسبق الحسين “عليه السلام” في كل ذلك إلا جده النبي الأعظم “صلى الله عليه وآله”، ومن يكون قدوته في كل ذلك إلا جده وأباه أمير المؤمنين “عليه السلام”، ومن يلحق الإمام في ذلك كله إلا إمامٌ مثله.
وسيأتي الحسين الجديد الذي تخاف منه الجاهلية اليوم ولا تريد له الذكر اليوم وتريد أن تقضي على ذكره..
والآن مع نداءاتٍ من نداءات الحسين، استقبلوها بقلوبٍ مفتوحة، بعزائم قويّة، بصدقِ إيمان، بفولاذيةً من العزيمة، بسامقٍ من الشموخ والإباء، وبتوّقدٍ من الغيرة على الإسلام..
والآن مع نداءاتٍ من نداءات الحسين، وكلماتٍ من كلماته، وحقّ لكلمات الحسين أن تُصغي لها القلوب قبل الأبدان، وحقّ لنداءاته أنْ تُلبّى.. لبيك يا حسين..
هتاف سماحته والحضور: لبيك يا حسين..
هتاف سماحته والحضور: أرواحنا فداك..
وحقّ له أن تُبذل من أجله النفوس وأن ترخُص أمام دعوته المُهج.. هل مُهَجكم أغلى من الحسين؟.. بالروح بالدم نفديك يا حسين..
هتاف سماحته والحضور: بالروح بالدم نفديك يا حسين..
كونوا كلّكم حبيب بن مظاهر.. كونوا كلكم مسلم بن عوسجة، كونوا كلكم عابس.. كونوا كلكم الأكبر.. كونوا كلكم العباس في معركة اليوم كما كانوا في معركة الأمس..
هتاف الحضور: مقاومة مقاومة..
هنا نصوص لا تخفى لغةً ولا مدلولاً، ولا يخفى دفعها على طريق العزّة والكرامة والإباء والحريّة والإيمان..
قال سيد الشهداء “عليه السلام”: وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب.
ثورة استنزفت دماء الصالحين ودم الإمام المعصوم الحقّ، ما قاعدتها؟ قاعدتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتسع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الإمام الحسين “عليه السلام” لثورةٍ من نوع ثورته حين يُهَدّد الإسلام ويراد الإطاحة به.
علينا أن ندرس الحركات الإجتماعية والسياسية ونقيسها بهذا الفهم للحسين ومنطلق ثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، فلتكن كل سياسةٍ نابعةٍ من غير الإسلام الحقّ مواجهةً من المؤمنين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنْ تلفت النفوس في بعض الظروف، وفي بعض الفروض، كالفرض الذي واجه الحسين “عليه السلام” بمسؤوليةٍ عاليةٍ كفوءة أمينةٍ صادقةٍ مع الله، في مثل ذلك الفرض.
وكتب إلى رؤساء الأخماس في البصرة: وكنّا أهله -يعني رسول الله، وهنا بيان أين تكون الإمامة- وأوليائه وأوصيائه وورثته –هل يعني هذا أن النبي مليونير؟ ورثة موقع الإمامة والتبليغ والهداية- وأحق الناس بمقامه في الناس –هنا حدد أين تكون الإمامة- وأن أدعوكم إلى كتاب الله وسُنّة رسوله “صلى الله عليه وآله” فإنّ السنة قد أميتت -هذا هو سر الثورة- والبدعة قد أحييت فإن تسعموا قولي أهدكم إلى سبيل الرشاد -أنا أنقذكم وأنقذ الأرض وكل شيء على وجه الأرض من إنسان وطير وكل شيء ممن يستحق الإنقاذ-.
والإسلام كله يتعرّض اليوم للخطر من أنظمةٍ فاسدةٍ تحكم الأمة وتنفّذ سياسة أعداءها من الخارج ضده وضد أمّته، ولا سكوت للمسلمين على القضاء على الإسلام، فهل ترى يرى المسلمون أن الإسلام يُقضى عليه شيئاً فشيئاً وتحل الجاهلية محله في كثيرٍ من الساحات، وتُغزى قلوب الشباب والصبية والرجال والنساء بكلمة الضلال وكلمة الجاهلية والخُلق اللئيم، الأمة المسلمة تجد كل هذا وتصبر عليه؟
لا سكوت للمسلمين الحقّ على القضاء على الإسلام وإذلال أمّته وإنهاكها.
وقال أبو عبدالله “عليه السلام” متعّبّداً بما عليه رسول الله “صلى الله عليه وآله”، أيها الناس، إنّ رسول الله “صلى الله عليه وآله” قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عبادالله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخله مدخله -مدخل ذلك الظالم ومدخله النار-.
وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود (1) وأستأثروا بالفيء (2) وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله (3)، وأنا أحق من غيّر (3).
(1) -كم من هذا اليوم نعيش؟ كم من هذا الذي يقوله بن رسول الله يعيش على أرض الإسلام؟-.
(2) -آبار من النفط تتدفق، وتملأ الخزائن من الأموال، والبطون لاهثة في كثيرٍ من البلاد الإسلامية، ثروات منهوبة للسلاطين، والثروة معطاة ثمناً من جهة أخرى للطغاة الحامين للطاغوتية المحلية-.
(3) ولو تتبعت لوجدت الكثير الكثير من تحريم حلال الله وتحليل حرامه.
(4) أعلن النفس بأنه هو القائد هو الإمام هو وصي رسول الله “صلى الله عليه وآله”.
(لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد).
فلنطلقها صرخة من صرخة الإمام الحسين “عليه السلام” لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد..
(لا وإنّ الدعي بن الدعي قدْ ركز بين اثنتين، بين السلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة)
إما الذلّ وإما السيف، إما الخضوع، إما الخنوع، هذه لغة اليوم، هذه هي لغة السياسة الجاهلية اليوم، إما الذلة أو السجن أو القتل أو التهجير أو ما إلى ذلك.
هتاف الحضور: هيهات منّا الذلة..
حتّى نكون أعزّاء، وحتى نكون رجالاً كباراً، وحتى نكون أسوداً في معركة الإسلام مع الجاهلية، نسمع كلمة الحسين “عليه السلام”..
(وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون)
إنتمِ لله بارادتك، بوعيك، بموقفك، تُصنع هكذا، تُصنع قوياً حبيب بن مظاهر، مسلم بن عوسجة، العباس، الأكبر، القاسم.
(يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحُجور طابت وحجور طهرت)
فلنحرص على سلامة الأعراض، لتُخرّج النساء أبطالاً للحاضر والمستقبل.
(..وأُنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام).
أنت خيّرت بين السلة والذلة، وأنا الحسين أختار مصارع الكرام، ولستُ وحدي، معي صحبي الذين هم نجومٌ من صناعة الإسلام، وأسودٌ من تربيته القوية الصالحة.
(..ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة على قلّة العدد وخذلان الناصر)
لا والله لا أجيبهم إلى ما يريدون حتّى ألقى الله، قائد هكذا تخرج منه كلمة استغاثة عن ذلّ؟
الحسين لا تصدر منه كلمة ضعف، ولا تصدر منه كلمة فيها هيبة من عدو غاشم، ثم صاح: (أما من مغيث يغيثنا؟) أنتم تستطيعون أن تغيثوا الحسين اليوم، الحسين إغاثته في إغاثة دين الله تبارك وتعالى.
(أما من دابٍّ يدبّ عن حرم رسول الله “صلى الله عليه وآله”) واليوم النساء المسلمات يحتاجون إلى من يدبّ عن أعراضهن وعن شرفهن.
(هل من دابّ عن حرم رسول الله، هل من موّحدٍ يخاف الله فينا، هل من مغيث يرجوا الله باغاثتنا، وهل من معين يرجوا الله في اعانتنا)
بيان لنوعية المخاطبين، فضح لهذه النوعية، بيان لسقوطهم، بيان لوحشيتهم، بيان لخلوّ قلوبهم من الإيمان، هذه وظيفة من وظائف هذا النداء، هذه الإستغاثة، وهو تحشيد ضد عدو غاشم، والتحشيد ضد العدو الغاشم واجب وحكمة وسياسة رشيدة، فمن السياسة الرشيدة أن ينطلق هذا النداء وهذه الإستغاثة من الحسين “عليه السلام، إنّه يريد أن يلقي الحجّة على المخاطبين حتى لا يكون عذرٌ لمعتذرٍ منهم عند الله، ذهبوا إلى الله بلا عذر، ذهبوا إلى الله بسفكهم دين الحسين “عليه السلام”، تحميلهم مسؤولية الإشتراك مع يزيد في الحرب على الإسلام.
إلى من يهمه أمر الدين، إلى من يخشى الله، إلى عشاق القيم الرفيعة، إلى الحريصين على الإسلام، إلى التوّاقين للعدل، إلى المتشوّفين للحرية، إلى من ينشدون الأمن والسلام للعالم، إلى من ضاقت صدورهم بظلم الظالمين وطاغوتية الطواغيت، إلى أصحاب الضمير الحيّ والفطرة السليمة، نداءٌ من الحسين “عليه السلام” لكم جميعاً، بأنْ كونوا صفّاً واحداً ضدّ الظلم والطاغوتيّة والفساد وسياسة الإستعباد والإستئثار والتجهيل والإستحمار للشعوب.
هو نداءٌ يخاطبنا اليوم كما خاطب من قبلنا ويوم كربلاء، وحدّوا كلمتكم وصفوفكم وجهودكم واهتدوا بهدى بارئكم وانتصروا للحق والفضيلة وحرية الإنسان وكرامته ووفائه والأخوّة الإنسانية لأبناء الأسرة البشرية في هذا العالم.
والطريق إلى ذلك، ألاّ نعبُد غير الله، أن نناهض الفرعونية في الأرض، وروح الظلم والإستكبار عند كل طاغيةٍ ومستكبرٍ ومفسدٍّ يسدّ عن ذكر الله ويقيم من نفسه صنماً يُعبد.
هتاف الحضور: لن نركع إلا لله..
وأخيراً، ماذا يعني استدعاء حكومةٍ من حكومات الأمة للمنع من أن تُستعرض سيرة يزيد الخبيثة المسرفة في باطلها للتحقيق والتقريع والإرهاب، ماذا يدفع هذه الحكومة لمثل هذا الموقف الشائن؟ -في حين أن علماء من الأخوة الكرام السنّة سابقين واليوم هم موجودون أيضاً يُبيحون لعن يزيد-، ألا يعني هذا نصرةً ليزيد على بن بنت رسول الله “صلى الله عليه وآله” وطمساً للحق، ودفاعاً عن الظلم والرذيلة، ورضىً بقتل الحسين “عليه السلام” وسبي حريم رسول الله، ورضىً بهدم الكعبة وإباحة مدينة الرسول “صلى الله عليه وآله” والفتك بالأنفس وأعراض المسلمين استهتاراً وفجوراً وخسّة وظلماً وجوراً، وكل ذلك قد فعله يزيد، ألا يعني هذا الموقف مساندةً لزيد الطاغية الباغي المفسد في الأرض؟
إنّ الإنتصار ليزيد من أقبح الظلم لدين الله وللأمة وللإنسانية جمعاء.
وماذا تعني محاربة شعار “مع إمامٍ منصور” ومنعه والمحاسبة عليه، والإمام المنصور هو الإمام القائم “عليه السلام”، والمقابل لدعوته وإمامته والمحارب له هو السفياني وأعور الدجّال، وهل يراد من ذلك أن يكون المسلمون مع السفياني والدجّال في الحرب ضد القائم “عليه السلام”؟
وكون هذا الشعار صادراً -هناك احتجاجٌ بأنه صادر من جهة معيّنة إرهابية كما سمّاها البيان الرسمي- من أي جهة من الجهات التي تُجرّمها السياسة والإعتذار في منعه بذلك لا يجعل لهذا الإعتذار قيمة أبداً، فماذا لو صدرت كلمة التوحيد، كلمة “لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله” ممّن تُعاديه السياسة؟، هل هذا يبرّر منع الشهادة بالتوحيد والرسالة وتهديد من يعلنها؟ أجب أيها المانع لشعار “مع إمامٍ منصور”.
السلام على الحسين وعلى الشهداء بين يديه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.