الثورة التي أبقت الإسلام حياً – 3

الجزء الثالث من كلمة سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الحسينيّة البحرانية بقمّ المقدسّة، والتي جاءت تحت عنوان (الثورة التي أبقت الإسلام حيّاً) – 5 سبتمبر 2019م / 5 محرّم الحرام 1441هـ

للمشاهدة :

نص الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
عظم الله أجورنا جميعاً وأجور المؤمنين والمؤمنات أجمعين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.

**أهداف ثورة الحسين “عليه السلام”، ماذا تحقق منها وماذا لم يتحقق؟
جاء الإسلام رحمةً للعالمين، والإسلام كلمةٌ تُفهَم، وهي الكلمة التي تُطبّق، الإسلام للفهم وللتطبيق، وإذا كانت معرفة الإسلام رحمة فإنّ الرحمة التامّة والحقيقية والتي تُغيّر لون الحياة وتأخذ بالحياة إلى شاطئ الأمان وكأنما هي متمثلة في تطبيق الإسلام.
معرفة الإسلام مُقدمة، وتطبيق الإسلام هو الهدف، فإذا كان هدفٌ رئيس لثورة الإمام الحسين “عليه السلام” ولأي عملٍ إسلامي آخر ولأي حركة إسلامية في أي نقطةٍ من الزمان والمكان، الهدف الرئيس لهذا كلّه إنما هو قيادة الإسلام للأرض، قيادة الإسلام للإنسان، أن يقيم الإسلام كياناً عمليّاً شاملاً من صنعه داخل النفس البشريّة وفي أوضاعها الخارجية التي تملأ ساحة الحياة.
فالهدف الرئيس لثورة الإمام الحسين “عليه السلام” هو الهدف الرئيس للإسلام، وهدف إحياء ثورة الإمام الحسين لابد أن يكون هو الهدف الرئيسي للإسلام.
ما هو هدف الإسلام؟ ما هو هدف ثورة الإمام الحسين؟ ما هو هدف إحياء ثورة الإمام الحسين “عليه السلام”؟
أنْ يقوم الإسلام شاخصاً في كلِّ خاطرةٍ من خواطر النفس، في كل فكرةٍ من أفكار النفس، في كل شعورٍ من شعور النفس، في كل هدفٍ من أهدافها، أنْ يقوم شاخصاً في كل وضعٍ من أوضاع الحياة. أنْ نَشهَد الإسلام في السياسة، في الإجتماع، في الإقتصاد، في وضع الأسرة، في كل أوضاعنا، هذا هو الهدف الرئيس.
الإحياء يجب أن يتحرّك في مسار ما تحرّكت فيه الثورة، والثورة لم تتحرّك إلا في مسار الهدف الرئيسي للإسلام سواءً استطاعت أن تحققه أو لم تستطع أن تحققه بفعل الواقع العملي الذي كانت تعيشه الأمة، الواقع المتردّي الذي صنعه الحكم الأموي.
صحيحٌ كل الصحة أنّ ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” لم تحقق -على المستوى القريب ليومها- حكم الله في الأرض، لم تعطي لحكم الله عزّ وجلّ الفاعليّة الشاملة في كل أوضاع الإنسان، وبقي الحكم اليزيدي فترة وجاءت من بعده ألوانٌ من الحكم لا تختلف عنه، هذا صحيح ولكن كان أيضاً هو الهدف الرئيس وما كان المانع من نقص تخطيطٍ عند الإمام الحسين “عليه السلام”، ولا من نقص عزمٍ ولا من تضحيةٍ إنما من سوء أوضاع الأمة التي صنعها الحكم الأموي.
هذا هو الهدف الرئيس، لم يتحقق بالشكل العاجل، هناك أهداف مقدّمية ذات قيمة فعليّة في ذاتها، لم تكن مُقدمة فقط للهدف الرئيس وإنما كانت تمتلك قيمةً عاليةً في حدّ ذاتها، وهي في نفس الوقت تُعتبر طريقاً للهدف الرئيس وتفتح الطريق لهذا الهدف المقدّس الكبير الذي جاءت من أجله كل الرسالات، أنْ تجد الأرض الإسلام الرحمة واقعاً حيّاً في حياتها.
ما هي هذه الأهداف المُقدّميّة؟
*أنْ تبقى الصورة الإسلامية على واقعها من غير تحريف ولا تزوير.
*أنْ لا يُقلب الإسلام رأساً على عقب في نظريّته وأطروحته.
*أنْ لا يُصنع إسلامٌ أرضيٌ قائمٌ على الهوى من صنع السياسة الجاهليّة مقام الإسلام في عقول الناس وفي نفوسهم فضلاً عن واقعهم الخارجي.
*أنْ يقوم إسلامٌ مزّوّرٌ أو واقعٌ صريحٌ في بُعده عن الإسلام في حياة الناس.
درجةٌ فضيعةٌ من السوء وكارثة لكن أن تخفى الصورة الإسلامية ويبحث الباحث المُطالب للحق عن الإسلام فلا يجد سبيلٌ للوصول إليه فإنّ الكارثة أعظم وفي هذا إنتهاء فاعليّة كل الرسالات وإنتهاء الأمل في أن تحيا الأرض وتضيء بنور الله تبارك وتعالى من بعد حين.
الصورة الإسلامية بقيت، هذا الهدف تحقق، توجد الصورة الإسلامية الناصعة النقيّة والتي لا يخفى خافٍ منها على مستوى المُهمّات الكبرى، والخطوط العريضة، الخطوط التفصيلية الكثيرة، الأحكام الجزئية، لا تخفى على من طلب الحقيقة.
بقي الطريق مفتوحٌ لثورة الإمام الحسين “عليه السلام” للوصول إلى هذه الصورة، والشاهد على ذلك حيٌ، أنت الآن بجُهدٍ مقبول، مسيحي، متعصّب ناصبي يستطيع أن يصل إلى الإسلام الصحيح الذي لا نجده كامل الصحة نقيّاً صافياً كما نجده في مدرسة أهل البيت “عليهم السلام”. لا نجده مفصولاً عن أهل البيت، لا نجده مفصولاً عن ولاء أهل البيت “عليهم السلام”، هذه الصورة من الإسلام الطريق إليها مفتوح أمام المسلم وأمام غير المسلم.
*إبقاء الإنتماء الإسلامي العام للأمة، كان النظام الأموي وما بعده من أنظمة جدّت من النظام العباسي والعثماني وغير ذلك، باستمرار هذه الأنظمة كان يتوّقع للأمة أن تختلف عن الإسلام، أن تفارق الإسلام، كيف؟
بأن يتكثّف التزوير للإسلام، تغيب الصورة الإسلامية شيئاً فشيئاً، يغرُب الإسلام عن النفس المسلمة، يتغرّب المسلم عن الإسلام، تحْدُث فاصلة فكرية هائلة بين واقع المسلم وفكر المسلم وبين الإسلام، تحْدُث فاصلة هائلة بين نفسيّة المسلم والإسلام، الإسلام يكون في القمة.. الإنسان المسلم يكون في الحضيض، يصعب عليه أن يرتقي له فلابد أن يكفر به.
بأن يقوم واقع يحتاج إلى تبريرٍ خارج الإسلام، السياسة تبرر هذا الواقع، تتلاشى الصورة الإسلامية شيئاً فشيئاً، فنكفر بالإسلام ولو في مساحةٍ عريضة منه ولا نقبل الحلّ الإسلامي.
كان يُخاف على المسلمين أن يختلفوا عن الإسلام، أن يكونوا كلّهم في طريق -لا شيعي ولا سني- كلّهم في بُعدٍ عن الإسلام، هذا لو استمرّ الحكم ليزيد في نوعه، -النتيجة هي هذه- أنْ تنخلق أمة غريبة على الإسلام والإسلام غريبٌ عنها، وهذا ما حمْت منه ثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، وصار المسلمون -شيعةً وسُنّة- يختلفون على الإسلام لا عن الإسلام -هذا يقول الإسلام مع الشورى، وهذا يقول بأن الإسلام يأخذ بوصيّة الإمام بالتعيين من الله ورسوله، هذا يقول المتعة حلالٌ وهذا يقول المتعة حرامٌ في الإسلام، وهذا يحتجّ بالقرآن والسُنّة وهذا يحتجّ بالقرآن والسُنّة، هذا اختلافٌ داخل الإطار الإسلامي، اختلافٌ في الفهم للإسلام، اختلافٌ في الإسلام- أمّا لو استمرّ حكم يزيد نوْعاً فإنّ الحاصل سيكون (في أمان الله للإسلام)، ليس هناك إسلام.
الذي لا يصلّي لعشرين سنة عندما يريد أن يبرّر ذلك فإنّه يقول بأنّ الإسلام خرافة وأنّ تشريع الإسلام خطأ، ابتدأ مُقصّراً ولكنه إنتهى إلى الكفر بالحكم.
هذا بالنسبة لإبقاء الإنتماء العام للإسلام.
كذلك، *إبقاء نموذج عملي إيماني نامي، الإسلام يحتاج النموذج العملي على الأرض، إسلام النظرية يحتاج إلى نموذج عملي على الأرض، يبرهن على صدق الإسلام النظري ويعكس جاذبيته إلى الناس، يعطي برهاناً على قدرة الإسلام على صنع الإنسان النموذجي الكامل، هذه دعوة للإسلام فوق دعوة اللسان، وأكثر أثراً من دعوة اللسان. وهذا يعطي أملاً في أن نتحرك في إتجاه نموذج إسلامي يُغرينا، التحرك في اتجاه واقع إسلامي عريض وكبير لأننا نجد في هذا النموذج نموذجاً رائعاً -نموذج الفئة المؤمنة الملتزمة الرسالية التي تعيش حالة الصدق، حالة الوفاء، حالة الأمانة، حالة الجدّية، حالة الفاعليّة، حالة الرحمة بالمسلمين، حالة الحرص على مصلحة الإنسان كلّ الإنسان- هذا النموذج مغري للدفع بالمجتمع الإسلامي كلّه وبالبشرية كلّها في اتجاه الوصول إلى أكبر صورة ممكنة على الأرض من مثل هذا النموذج.
هذا أبقته ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” بتربية جماعةٍ مؤمنة كانت تتسع شيئاً فشيئاً على يد الأئمة الأطهار من بعد الحسين “عليهم السلام”.

*إسقاط الشرعيّة من أي حكمٍ جاهليٍ نوعاً، وليس شخصاً، المُسقَط ليس شرعية حكم يزيد على المستوى الشخصي لذلك الحكم، أُسقِط نوع الحكم الجاهلي كلّه، في الزمن كلّه وفي المكان كلّه.
كما أسقطت ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” الشرعيّة -في نظر الأمة وفي نفسيّة الأمة- عن حكم يزيد، أسقطته عن أي حكمٍ قائمٍ في الأرض لا يمتلك الشرعيّة القرآنية القائمة على القرآن وعلى سُنّة محمد “صلى الله عليه وآله”.
هذا ببساطة، أنت لا تجدُ مسلماً اليوم يؤمن بالإسلام ويتعبّد بالإسلام يقول لكَ أنّ الحكم البعثي في العراق مثلاً -صدّام الذي يُعلن عن نفسه بأنه ليس إسلامياً-، أنّ الحكم الوراثي المُعيّن الذي لا يعتمد عليه الإسلام ولا يدّعي الإنطلاق من فهم القرآن وفهم السُنّة، وإنما يقول أنّه حكمٌ ورثته من أبي، هذا لا يقول مسلم متديّن بالإسلام بأنّه حكمٌ شرعي، هو يخضع له بحكم الواقع خضوعاً عمليّاً ولكن لا يُؤمن به ولا يجده يُمّثل الإسلام، ويجده منافياً كل المنافاة للإسلام، هذا معنى إسقاط الشرعيّة، وهذا الإسقاط لم يكن مقتصراً على حكم يزيد فقط إنما على كلّ حكمٍ مماثلٍ لحكم يزيد لم يقمْ على أساسٍ من كتاب الله وسُنّة رسوله “صلى الله عليه وآله”.
إضفاء الشرعيّة على التحرّك في وجه أي نظامٍ جاهليّ يستهدف بيْضة الإسلام، يستهدف هويّة الأمة الإسلامية، يتعامل مع الناس على أنّهم عبيد، وعلى أنّهم مملوكون كما كان يزيد قد فعل، فقد طلب من واليه على المدينة أو قائد جيشه على المدينة أن يأخذ البيعة من أهل المدينة بعد سنة واحدة من استشهاد إبن رسول الله “صلى الله عليه وآله” بأنّهم عبيدٌ إلى يزيد، أن يبايعوا -هكذا- على أنّهم عبيدٌ ليزيد.
ثورة كربلاء، ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” أضْفَت الشرعيّة على التحرّك في وجه هذا النوع من الحكم الجاهليّ الظالم -أيضاً نوعاً- سواء كان حكم يزيد أو حكماً مماثلاً لحكم يزيد -منطلقه منطلق حكم يزيد، بحيث يكون منطلقه حق الوراثة والهوى-.
كيف لا تُضفى الشرعيّة على هذا النوع من التحرّك والحسين “عليه السلام” كان منطلق ثورته هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هل حرب الحسين “عليه السلام”، مواجهته للحكم اليزيدي، هل كان داخلاً في دائرة الجهاد الإبتدائي؟ من الطبيعي لا، لم تكن ثورة الإمام “عليه السلام” من نوع الجهاد الإبتدائي الذي يدعو الكفّار إلى الإسلام، المقابل لجيش الإمام الحسين هو جيش من المسلمين، ولم تأتي كلمة من الإمام الحسين تقول بأن يزيد قد كفَر، تقول فاسق، تقول بأنه قاتل النفس المحترمة، تقول بأنه معلنٌ للفسق، مجاهرٌ لمعصية الله، محلٌّ لحرام الله مُحَرِّمٌ لحلاله. هذه هي المضامين التي يمكن أن نجدها في كلمات الإمام الحسين “عليه السلام” في تشخصيه لشخصية يزيد.
هل هناك حربٌ دفاعيّة؟ يعني أنّ هناك غزوٌ كافر على حدود بلاد المسلمين يستوجب هبّة المسلمين في وجهه؟ ما كان الأمر كذلك أيضاً.
فليست حركة الإمام الحسين، ثورته، داخلةً في نطاق الجهاد الإبتدائي ولا الجهاد الدفاعي، وتصريحه “آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”، “الإصلاح في أمة جدي”، منطلقه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت عقبة موجودة، لم يكن هناك فهم بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُعطي الرُخصَة للتحرّك في وجه الظالم، في وجه المتآمر على الإسلام، على الأمة، مع كُلفة الدماء، هذا لم يكن مفهوماً، ولا زال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروطاً في حدوده المعروفة العاديّة بأن لا يكون هناك ضرر، ومعروفٌ أنّ التقيّة كانت قائمة ولا زالت قائمة تشريعاً في الإسلام.
جاءت ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” لتستثني هذا الموْرد، مورد الدفاع عن بيْضة الإسلام في وجه تآمرٍ داخليٍ من أهل الإسلام.
ثورة في وجه تبديل الهويّة للأمة الإسلامية، في التعامل مع الناس على أنّهم عبيدٌ وأموالهم مملوكة، نفوسهم مملوكة، كلّ ذلك للخليفة الشرعيّ أو غير الشرعيّ.
ثورة الإمام “عليه السلام” قالت بأنّ هذا الموْرد يأتي فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنْ كلّف الدماء، وإنْ كان لا يلتقي مع التقيّة.
التقيّة لماذا؟ التقيّة لحفظ الإسلام قبل حفظ النفوس، للإحتفاظ بالفئة المؤمنة في وقتٍ لو ذهبت أو ذهب منها عددٌ كبير لضاع الإسلام، التقيّة لحفظ الإسلام، ليس هناك شيءٌ فوق الإسلام، دمُ الحسين فوق كل دم وقد ضحّى به من أجل الإسلام.
فإذا كان الخوف على الإسلام لم تأتي التقيّة لتعطيل دفْع هذا الخوف، وتعطيل الفاعليّة التي تُنهي هذا الخوف.
ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” المباركة أضْفَت الشرعيّة على التحرّك في وجه الجاهليّات الداخليّة كما هي الجاهليّات من الخارج -ليس هناك فرق بين أن يقضي على الإسلام شخصٌ يرفع عنوان الكفر ويعلن كفره ويحمل راية الكفر الصريحة وبين مسلمٍ يتسمّى بالإسلام ويُظهر المظهر الإسلامي وهو يكيد بالإسلام ويتآمر على الإسلام، لا فرق بين إسقاط الإسلام على هذه اليد أو على تلك اليد الأخرى-.

*تعزيز مكانة البيت النبوي في المسلمين الذين يحتاجون إلى هذا البيت، كان المتوقع أن تحدث فاصلة واسعة كبيرة جدّاً، وعِداء فكري وعِداء نفسيّ من الأمة لأهل البيت “عليهم السلام”، كان همّ يزيد هو هذا، إذا بقي أهل البيت “عليهم السلام” في قلوب المؤمنين وفي أفكارهم يخترب العمل على كل حكمٍ جاهلي، حتى يأمن الحكم الجاهلي على نفسه لابد أن يُطرد أهل البيت “عليهم السلام” من نفوس المسلمين ومن أفكارهم حتى لا تبقى باقية لذكر أهل البيت.
هنا ضرورة أن يبقى موقع أهل البيت “عليهم السلام” في الأمة بمقدار، أنْ لا تفارق الأمة أهل بيت نبيّها المفارقة التامّة، آية الموّدة بقيت على لسان الشيعي والسني، ولا يسع شيعيّاً ولا سنيّاً أن يعلن عداءه لأهل البيت في يومنا هذا، إرتباط الأمة بأهل البيت “عليهم السلام” ولتميّز أهل هذه البيت عن غيره من أهل البيوت، ليس هناك بيتٌ ثان في القرآن وفي السُنّة وفي فهم المسلمين أن بغضه كفر، ليس هناك بيت إلا بيت أهل البيت “عليهم السلام، هذا هو إنكسار حكم يزيد وهيبته وقدسيّته المكذوبة وشرعيّته المكذوبة في نفوس المسلمين.
الثورة أرجعت الأمة إلى إكبار أهل البيت “عليهم السلام” وتقديس أهل البيت “عليهم السلام” وإنْ لم يتخذهم البعض أئمةً على المستوى العمليّ.

**الثورة حيّة، كيف نُحييها؟
الإحياء لمن؟
لنا نحن.. إحياءٌ لأفكارنا، لقلوبنا، لحياتنا، لأوضاعنا العمليّة، لعزّتنا، لكرامتنا، لدنيانا، لآخرتنا. إحياؤكم، البذل من المؤمنين لا يُبذل للإمام الحسين “عليه السلام” إنما يبذلونه لبناء أنفسهم، لتغيير واقعهم، للخروج من الظلمات التي يعيشونها إلى النور، من الأسر إلى الحريّة، من العبودية إلى الحريّة، من حالة القهر إلى فضاء فسيح يعبّرون فيه عن ذاتهم الإسلامية وذاتهم الإنسانيّة، الإحياء لهذا.
بِمَ نُحييها؟ بفكر كربلاء، بإرادة كربلاء، بهدف كربلاء، بالأحكام الشرعيّة في كربلاء، بشخصيّة الإمام الحسين “عليه السلام”، بالإسلام نُحيي وجودنا، نُحيي حياتنا، حياتنا حياة جسديّة بأنْ تحيى الروح، يحيى القلب، تحيى العزّة، تحيى الكرامة، بأنْ نعيش الهدف الكبير، بأنْ لا نكون في مستوى هدفنا صراصير وفئران.
الحكم الجاهلي من الأمس إلى اليوم -وهو يبقى هكذا- أنّه يريدك تعيش للقمةٍ تبيع كلّ وجودك من أجلها، تركض ورائها ليلاً نهاراً وتذلّ وتسجد للطغاة من أجل هذه اللُقمة، هذا هدف صرصور، هدف فأر، هو هذا الهدف أن يأكل ويشرب. نريد أن نرتفع بمستوى هدفنا، ولا نرتفع بمستوى هدفنا إلا بالإسلام، بثورة الإمام الحسين “عليه السلام”.
عمليّة الإحياء حتّى تُحيينا لابد أن تخضع للإسلام، للحسين “عليه السلام”، هدفاً، مفاهيماً، فاعليّةً، إرادةً، أخلاقيّة، قيماً.
عندما نُخضع كلّ إحياءنا للإسلام، لثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، لإمامة الحسين “عليه السلام”، عندما يقود الإحياء الحسين “عليه السلام” في كلّ كليّة وجزئية من كلّياته وجزئياته وتفصيلاته، هنا يكون الإحياءُ مُحيياً، وإلا هناك صور من الإحياء يُمكن أن تُميت، اسمها إحياء وهي إماتة وهي إقبارٌ لوجودنا، تخلّفٌ بنا، وهذا ما يعمل عليه الطغاة، يريدون منّا اسلوب إحياء يُميت الإسلام في حياتنا، يريدون منّا إحياء باهتاً، مزّوراً، شكليّاً، إحياءً مُجيَّراً لهم، يخدم مصالحهم. الطغاة يريدون منّا هذا الإحياء.
هناك إحياءٌ مُميت، وهناك إحياءٌ باعث، دافع، مثير، منّبه، يضعكَ على طريق الإرادة الحرّة المُنطَلِقة.
هذا النوع من الإحياء، النوع الثاني من الإحياء، لا يأتي به إلا حضور الإسلام في كلّ جزئية، في كلّ صغيرة وكبيرة من ممارسات العزاء ومن كلمات العزاء، من خطيب المنبر الحسيني، إلى آخره.
ونحن نُحيي عاشوراء، ماهو الهدف؟
لابد أن نحمل هذا الهدف في أفكارنا وأنفسنا، أنْ يقوم الإسلام، أنْ يقود الإسلام الحياة. الهدف للإحياء، للقراءة، للموكب، للبذل، للطم، شيءٌ واحد هو أن يحضر الإسلام الساحة، أن يحكم الإسلام الساحة، ليس ساحة بلدٍ معيّن إسلامي، الأمة كلّها، الإنسانية كلّها.
الإحياء.. لماذا؟
إذا كان الإحياء لثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، للإسلام الصحيح، فلابد أن يحكم هذا الإحياءُ الإسلامُ وتحكمه الثورة، إذا كان الإحياء للثورة وللإسلام لابد أن يأتي هذا الإحياء على الخط نفسه الذي هو عليه خط الإسلام وخط الثورة -تميل يميناً أو شمالاً عن هذا الخط يكون هذا الإحياء لعائلتك، لقبيلتك، لمأتمك، إحياء لوضع جاهليّ-.
*الإحياء الذي هو إحياءٌ للإسلام وللثورة هو الإحياء الذي لا يَعْدل قيد شعرة عن خطّ الإسلام في كلّ مجالاته وأهدافه ونواحيه وممارساته وما إلى ذلك.
*إحياء من أجل أن يفهم المسلمون مدرسةَ كربلاء، أن يفهموا الحسين “عليه السلام”، أن يفهموا أهل البيت “عليهم السلام”، أن يفهموا الإسلام، هذا الإحياء يجب أن يؤدي هذه الرسالة، أن يستهدف هذا الهدف، أن نُفهم أنفسنا والناس الإسلام، ليس الإسلام القشريّ وإنما إسلام اللُباب.
*لِيتجه المسلمون لتغيير واقعهم المؤلم السيء من صُنع جاهليّات الأرض. فهم تغييري على مسار الفهم وبإيحاء هذا الفهم الجديد للإسلام، الفهم الصحيح القويّ.
*إحياء لإظهار الدين كلّه على الكفر كلّه في الأرض.
*وكيف يكون الإحياء إحياءً حقّاً لعاشوراء، لثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، للإسلام؟ لابد من فهم الإسلام، فهم الحسين، فهم الزمان، فهم المكان.
ماهو مقتضى الزمان؟ ما هو مقتضى المكان؟ لديّ حكم شرعي، -وقد يكون في المورد الواحد أكثر من حكم شرعي لإختلاف الظروف بحسب تشخيص الموضوع- ، لابد أن أفهم الزمان، أفهم المكان، أفهم الحكم، يأتي تفعيل وتطبيق الحكم المناسب للمكان أو بما يراعي المكان والزمان.
نفهم الإسلام، نفهم الحسين، نفهم كربلاء، نفهم زماننا، نفهم مكاننا. لابد من فهم الثورة هدفاً، مُنطلقاً، اسلوباً، أثراً، دروساً، أي درس من دروس كربلاء لابد أن نحصل عليه، نحاول أن نستجمع، أن نُحَصّل، أن نُرَاكم معرفتنا بدروس الثورة الحسينية.
*أنْ يكون الإحياء اسلوباً من أساليب تطبيق أهداف كربلاء، وأخلاقيّة كربلاء، وأحكام كربلاء. هذا الإحياء لا يأتي شاذّاً في هدفه، في أسلوبه، في مطروحاته، في تعامله، لا يأتي شاذّاً عن حكم الإسلام وأخلاقيّة إسلامية وهدف سليم إسلامي وحرص على وحدة المسلمين، كلّ هذا يستجمعه إحياء عاشوراء على المستوى التطبيقي العمليّ، وليس فقط شعارات، أخلاقيّة المعزّين، أخلاقيّة الخطيب، أخلاقيّة إدارات المآتم، اسلوب تعاملهم، علاقاتهم مع بعضهم البعض، بذلهم، إلى آخره، كل ذلك يأتي تطبيقاً في مجالهم هذا لما عليه الإسلام. هذا حتى يأتي الإحياء مؤديّاً لأهدافه، ومطابقاً لثورة الإمام الحسين “عليه السلام”.
الإحياء يقوم بتقديم الحسين “عليه السلام” وأهل البيت “عليهم السلام” كما هم في مستواهم وكما هم في دين الله تبارك وتعالى.
*أنْ نصنع واقعنا مُحاكياً لثورة الإمام الحسين “عليه السلام”، لا بمعنى أن نقوم بثورته كما هي هي، وإنما لنجاري في واقعنا الخارجي -نحن صغنا عملياً واقع إحيائي موكبي على نمط وسمات وأهداف الإسلام- في البيت، في المجتمع، في العمل، في كل مكان، نُقيم واقعاً إسلاميّاً في حياتنا يعطي صورةً عن الإسلام.
*أنْ يشهد لإمامة الحسين “عليه السلام” بالتقدّم، بالتميّز، بأنها قيادة تفتش عنها من بين قيادات الأرض فلا يمكن أن تجد.
*إحياء لا يبقى في مستنقع الأرض، وعند مستوى الولاءات الصغيرة. هذا يُحيي قبيلته باسم الحسين، إحياء دنيوي، إحياء شهرة، إحياء سمعة. ذاك يُحيي حسينيّته، ذاك يحيي منطقته، وذاك يُحيي حزبه، ذاك يُحيي فئته، هذه إحياءات تنطلق من ولاءات صغيرة محدودة مقيتة في دين الله هنا نحن نقيم آلهة من دون الله عزّ وجل نعبدها بهذا الإحياء. هنا كلّما أعطيت رَبطاً بين نفسك، بين شعورك، وبين ولاءك لقبيلتك على حساب ولاء الله، بينك وبين ولاء مأتمك، بينك وبين ولاء حزبك، كلما حصل فاصل بينك وبين الله عزّ وجل، لا يصح أن تقترب من طرفين متقابلين بخطوة واحدة، الخطوة لابد أن تكون في اتجاه هذا الطرف أو ذاك الطرف، لديّ خطوة من الإحياء في اتجاه مأتمي وولاء مأتمي وسمعة مأتمي وشهرة مأتمي، مأتم آل فلان، مأتم أهل المنطقة الفلانية، هذه الخطوة يمكن أن تأخذني في اتجاه ولاء الله أو باتجاه معاكس. بمقدار ما أنشدّ لهذا الولاء أنفصل عن ذلك الولاء. هنا الخطورة.
*إحياءٌ نحشُد له كل خبراتنا، كل كفاءاتنا، كل جهودنا، كل إمكاناتنا الماليّة، كل وقتنا، نحشُد له كلّ ما نملك لكن في حدود رسم خطّة واعية تستقبل محرّم في كلّ عام، تستهدف التطوير، تستهدف الإلتزاميّة أكثر بثورة كربلاء، بخطّها، بأخلاقياتها، خطّة تلتفت إلى تأثير الزمان والمكان، إلى مصلحة الإسلام، إلى نقاء الإسلام وصفائه وصدقه، وهذه الخطّة من أجل تنفيذها نحشُد كلّ ما نملك ممّا يحتاجه الإحياء. عشرة أيام هي عن سنة أو أكثر من سنة، والجهود التي تُبذل الآن ضخمة جداً لكنها تحتاج إلى خطّة، وتحتاج إلى تنسيق، وتحتاج إلى إخلاص نيّة، وتحتاج إلى توّجه لله تبارك وتعالى.
الإحياء لابد أن يخضع للدراسة والتخطيط والتطوير دون الإرتجال والعشوائية وحالة الجمود، وكلّ عام نستقبل بخطّة مرسومة جديدة تراعي التغيّرات ومقتضى الظروف المُستجدّة.
*إحياء يراعي جنبتين مهمّتين جدّاً، الجهة الأولى: هي إظهار الحقيقة، حقيقة الإسلام، وتقديم الإسلام في صدقٍ ومن غير تزوير ومن غير مواربة، والأمر الثاني المهم: وحدة المسلمين.
كيف نوائم بين تقديم إسلامٍ صحيح للعالم، وبين وحدة المسلمين، لابد أن نملك هذه القدرة على الملاقاة بين وحدة المسلمين وبين إظهار الحقيقة، وبين العمل على وحدة المسلمين وإظهار الحقيقة.
*وفي الأخير، إحياءٌ يُخلص لله، لا يأتي إلا بما يُرضي الله، وإلا ما فيه صلاح المؤمنين والمسلمين جميعاً بل الإنسانية كلّها، ها نحن ورثة فكر الإمام الحسين “عليه السلام” ونفسيّة الإمام الحسين ورحمة الإمام الحسين، لابد أن نُشفق على الإنسان كلّ الإنسان.
غفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى