العلامة صنقور في خطبة الجمعة: استهداف آية الله قاسم طامَّةٌ كبرى.. وأوحى باستهداف الطائفة الشيعية كلّها في البحرين

 

لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الحيِّ بغيرِ شبيهٍ، ولا ضدَّ له، ولا ندَّ له، الحمدُ لله الذي لا تفنى خزائنُه ولا تبيدُ معالمُه، الحمدُ للهِ الذي لا الهَ معَه، سبحانَه مَن هو قيومٌ لا ينامُ، ومَلِكٌ لا يُضامُ، وعزيزٌ لا يُرامُ، وبصيرٌ لا يرتابُ، وسميعٌ لا يتكلَّفُ ومُحتَجِبٌ لا يُرى، وصمَدٌ لا يَطعمُ، وحيٌّ لا يموتُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداَ عَبْدُه ورسولُه(ص).

أُوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى الله، ألا فأفيضوا في ذكرِ اللهِ جلُّ ذكرُه، فإنَّه أحسنُ الذكرِ، وارغبوا فيما وُعدَ المتقونَ، فإنَّ وعْدَ اللهِ أصدقُ الوعدِ، وكلُّ ما وعدَ فهو آتٍ كما وَعَدَ، فاقتدوا بهديِّ رسولِ اللهِ (ص) فإنَّه أفضلُ الهديِّ، واستنُّوا بسنتِه، فإنَّها أشرفُ السُننِ، وتعلَّموا كتابَ اللهِ تبارك وتعالى، فإنَّه أحسنُ الحديثِ وأبلغُ الموعظةِ.

قال اللهُ تعالى في محكم كتابه المجيدِ مخاطباً نبيَّه الكريمَ (ص): ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾.

ما هو المرادُ من البخوعِ في الآيةِ المباركةِ؟

يذكرُ اللغويونَ أنَّ المرادَ من البخوعِ هو إهلاك النفسِ غمَّاً وحزناً وحسرةً، وعليه فالآية المباركة تُعبِّرُ عن الإشفاقِ على النبيِّ (ص) حيث إنَّه (ص) ولفرطِ حزنِه وحسرتِه على قومِه نظراً لعنادهم، وجحودهم، وعدم إصغائهم إلى دعواه وبراهينه، كأنه لشدَّةِ حزنِه يبتغي إهلاكَ نفسه، كأنَّه لا يعبأ بنفسِه ولا يهمُّه شأنُها، فهو يَكاد يُهلكُها حزناً على رجالٍ كلَّما دعاهم إلى الهدى أعرضوا، وكلَّما بذل من وسعٍ في سبيل استنقاذِهم من الضلالةِ تمادَوا في غيِّهم، وقابلوا حرصه على هدايتهم بالعناد والجحود والإستكبار، فهو لذلك شديدُ الحزن عليهم، فالآية كانت بصددِ التسلية والتعبير عن الإشفاق على نفس رسول الله (ص).

والملفتُ للنظر أنَّ عدداً غيرَ قليلٍ من الآياتِ تصدَّت لذاتِ هذا المضمونِ، وهو ما يكشفُ عن أنَّ الرسول (ص) كان دائمَ الحزنِ والأسفِ على قومِه، يقولُ اللهُ تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ أي لعلَّك مُهلكٌ نفسَك أسفاً وحزناً عليهم لعدم إيمانهم واذعانهم لحديثِك الذي تُحدِّثُهم به، ويقول تعالى في مورد آخر: ﴿ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾. ويقول الله تعالى: ﴿ طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾، نحن بعثناك رسولاً ومبلغاً ومنذراً، وما بعثناك لتُشقي نفسَك وتُهلكها غمَّاً لمجرَّدِ أنَّهم جحدوا دعوتَك وتنكَّروا للهدى الذي أُرسلتَ به.

 

وهنا يحسنُ بنا الوقوفُ سريعاً على بعض ما يمكنُ استلهامُه من مفادِ هذه الآيات، ونذكرُ لذلك أمرين:

الأمرالأول: إنَّ الآيةَ التي صدَّرنا بها الحديثَ وكذلك الآياتِ الأخرى التي تلوناها تُعبِّرُ عن حرصٍ شديدٍ انطوى عليه قلبُ رسولِ اللهِ (ص) فكان حريصاً على أنْ يهتديَ الناسُ بهديهِ، ويستولي الهمُّ على مجامعِ قلبِه حين يجدُ منهم اعراضاً وصدوداً عن الحقِّ ، فكأنَّ هذه الآياتِ التي توصِّفُ لنا  ما كان عليه رسولُ الله (ص) من حرصٍ على الدعوةِ تُوحي للدعاة إلى الله تعالى على اختلاف مراتبِهم أنّ الدعوةَ والهدايةَ للناس هي ما ينبغي أنْ يشغلَ اهتمامَ الداعية، والداعيةُ إلى الله تعالى قد يكون رسولاً، وقد يكون وصياً وإماماً، وقد يكون شأنُه التبليغُ والإرشاد، ولكن فئات الدعاة إلى الله لا تنحصرُ بهؤلاء، فكلٌ منَّا داعيةٌ إلى الله -عز وجل-، فالأبُ من الدعاةِ إلى الله في أسرتِه ومع أطفالِه، والمدرِّسُ مع تلامذته والصديقُ والكاتبُ والشاعرُ، والمسئولُ في مؤسستِه التي يعمل فيها، كلُّ هؤلاء ومثلهم ينبغي أن يعتبروا أنفسَهم من الدعاةِ إلى الله كلٌّ بحسب موقعِه وطاقتِه، ولهذا يتعيَّنُ علينا تلقينُ أنفسِنا الحرصَ على الدعوةِ  والهدايةِ لمَن حولنا، وأن يكون ذلك هو أبرزُ ما يشغلُ اهتمامَنا.

ثم إنَّ مقتضى الحرصِ على الدعوةِ إلى الله تعالى هو أنْ يتوسَّلَ الداعية بكلِّ وسيلةٍ متاحةٍ ومباحةٍ وناجعةٍ للوصولِ إلى قلوبِ الناس، فحينما لا تُجدي وسيلةٌ فينبغي أنْ لا ينتابُه اليأسُ بل ينصرفُ لوسيلةٍ أخرى، وحينئذٍ فإنْ كانت مجديةً وإلا بحثَ عن ثالثة وهكذا، شأنُه في ذلك شأنُ الأب فلأنَّه شديد الحرصِ على مصلحةِ ولده لذلك فهو حين يجد ولدَه يأبى أنَ يفعلَ ما يُصلحه، يشعر بالحزنٌ، وذلك هو ما يدفعُه للتوسل بوسائل أخرى لإصلاح شأنه، فالولدُ رغم انَّه قد لا يشعرُ بحُزنِ أبيه، ولو شعر بحزنه فهو قد لا يكترث ورغم ذلك  يظلُّ الأبُ حريصاً على مصلحة ولدِه، فهو يتوسَّلُ بكلِّ وسيلةٍ لإصلاحِ شأنِه، هكذا ينبغي أنْ يكونَ الدعاةُ  إلى اللهِ تعالى يتوسَّلون بشتَّى الوسائلِ الناجعةِ من أجل إيصالِ النورِ والهدى إلى قلوبِ الناس، ولا ينتابهم اليأسُ ولا يساورُهم شعورٌ بالإحباط.

وقد ضربَ القرآنُ لنا مثالاً رائعاً بنبيِّ اللهِ نوحٍ (ع) فقد لبِثَ هذا النبيُّ الكريم في قومِه ليس عقوداً من الزمنِ بل لبِثَ فيهم ما يزيدُ على تسعةِ قرونٍ، فما وهِنَ رغم صدودِهم واعراضِهم، وما ضعُفَ ولم يساورْه يأسٌ ولا انتابه احباط، فإذا هامَ به الوَجدُ والحزنُ والأسى لإعراضِ قومِه لجأ إلى مناجاةِ ربِّه،  يشكو إليه صدودَهم وما ينالُه منهم: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾، فهو يشكو بثَّه وحزنَه إلى الله، لكنَّه يصبر على أذى قومِه واعراضِهم ، هكذا كان الأنبياء، شأنهم الحرص المنتج للتوسلِ بكلِّ وسيلةٍ من  أجل الوصول إلى الغاية، مع الأطفال إن كنت أباً أو أماً، ومع الأولاد إنْ كنت معلِّماً، ومع الأصدقاء، ومع كل أحدٍ، فالمؤمنُ في كلِّ موقعٍ يحملُ بين جوانحِه همَّ الدعوة إلى اللهِ تعالى.

إننا نلاحظ في هذا الزمن العصيب، الدعاة إلى الضلال يحملون همَّ الترويج لضلالاتهم فهم حريصون على أن يُؤصلوا لقيمهم وأفكارهم ومبادئهم، ولا يدَّخرون وسيلةً في هذا السبيل، فإذا أعيتهم الوسائلُ المتاحة، ابتكروا وسائلَ أخرى من أجلِ أنْ يؤصِّلوا للقيم التي يؤمنون بها  ونحن الذين نحملُ الهدى والنورَ الذي جاء به الرسولُ الكريم (ص) أجدرُ بهذا الحرصِ منهم، يقولُ أميرُ المؤمنين (ع) فيما رُويَ عنه:” فلا يكوننَّ أهلُ الضلالِ إلى باطلِهم أشدَّ اجتماعًا على باطلِهم وضلالتِهم منكم على حقِّكم”  لماذا لا يحملُ أحدُنا إلا همَّ نفسِه وشأنِه الخاص؟! حتى أصبحَ همُّ العملِ التطوعي والعملِ الدعوي والعملِ الرسالي لا يحملُه إلا رجالُ معدودون، ونحن نطمحُ أن يكونَ لنا جيلٌ يحملُ القيمَ التي نحملُها، ويسلكُ الطريقَ الذي نسلكُه، كيف ونحن سادرونَ وغارقونَ في شئونِنا الخاصةِ لا نكترثُ بما حولَنا ولا يسترعي شأنُ الدينِ شيئاً من اهتماماتِنا.

أكتفي بهذا المقدار.

{ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ على حِلمِه بعد علمِه، والحمدُ للهِ على عفْوِه بعد قدرتِه، والحمدُ للهِ القادرِ بقدرتِه على كلِّ قُدرةٍ، والحمدُ للهِ باسطِ اليدينِ بالرحمةِ، والحمدُ للهِ عالمِ الغيبِ والشهادةِ، وهو عليمٌ بذاتِ الصدورِ، والحمدُ للهِ خالقِ الخلقِ وقاسمِ الرزقِ، والحمدُ للهِ الخالقِ لما يُرى وما لا يُرى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّداَ عَبْدُه ورسولُه (ص).

أُوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى الله، فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، ومَلْبَسُهُمُ الِاقْتِصَادُ، ومَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ، كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ، فَمِنْ عَلَامَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ، وحَزْماً فِي لِينٍ، وإِيمَاناً فِي يَقِينٍ، وحِرْصاً فِي عِلْمٍ، وعِلْماً فِي حِلْمٍ، وقَصْداً فِي غِنًى، وخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ، وتَجَمُّلًا فِي فَاقَةٍ، وصَبْراً فِي شِدَّةٍ، وطَلَباً فِي حَلَالٍ، ونَشَاطاً فِي هُدًى، وتَحَرُّجاً عَنْ طَمَعٍ، يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وهُوَ عَلَى وَجَلٍ، يُمْسِي وهَمُّهُ الشُّكْرُ،  ويُصْبِحُ وهَمُّهُ الذِّكْرُ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمَامِ الْمُتَّقِينَ ورَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ وصَلِّ عَلَى عليٍّ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ ووَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلِّ على السيدةِ الطاهرةِ المعصومة فاطمةَ سيدةِ نساءِ العالمين، وصلِّ أئمةِ المسلمين، الحسنِ بنِ عليٍّ المجتبى، والحسينِ بن عليٍّ الشهيد، وعليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدين، ومحمدِ بنِ عليٍّ الباقر، وجعفرِ بنِ محمدٍ الصادق ، وموسى بنِ جعفرٍ الكاظِم، وعليِّ بن موسى الرضا، ومحمدِ بن عليٍّ الجواد، وعليِّ بنِ محمدٍ الهادي، والحسنِ بن عليٍّ العسكريِّ، والخَلفِ الحجَّةِ بنِ الحسنِ المهديِّ صلواتُك وسلامُك عليهم أجمعين.

اللهمَّ صلِّ على وليِّ أمرِك القائمِ المهديِّ، اللهمَّ افْتَحْ لَه فَتْحاً يَسِيراً، وانْصُرْه نَصْراً عَزِيزاً، اللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِه دِينَكَ وسُنَّةَ نَبِيِّكَ حَتَّى لَا يَسْتَخْفِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخَافَةَ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.

 

أما بعدُ أيُّها المؤمنونَ: فإنَّ التطوراتِ الأخيرةَ التي ألمَّت بالبلادِ وكان وقعُها على النفوسِ والعقولِ وقعَ الصاعقةِ، ذلك لأنَّها مهولةٌ، ولم تكنْ منتظَرَةً، ولم تكن المعطياتُ الموضوعيَّةُ مقتضيةً لوقوعِها ، ولأنَّ ارتداداتِها التي قد تنشأُ عنها يَشقُّ على العقلاء التنبأُ بمداها وحجمِ خطورتِها، ولأنَّ الشعورَ الذي أوْحتْه هذه التطوراتُ هو أنَّ الطائفةَ بقضِّها وقضيضِها مستهدفةٌ في وجودِها وتأريخِها وهويتِها وشعائرِها ، لذلك كلِّه فإنَّ التعقَّلَ يقتضي بل ويُحتِّمُ المراجعةَ والتروِّيَ وإمعانَ النظرِ في أثَرِ هذه التطوراتِ وتداعياتِها، وحينذاك سنجدُ أنَّ الظروفَ الموضوعيَّةَ لم تكنْ مقتضيةً لهذه التطوراتِ وأنَّ طريقَ الحلِّ لما ابتُلي به هذا الوطنُ ليس عسيراً ولا مستصعباً، فهو ليس بحاجةٍ لأكثرَ من مدِّ الجسورِ والإصغاءِ لهواجسِ الناسِ وتطلعاتِهم وذلك بالتداولِ والتحاورِ، بعيداً عن مشاعرِ الغضبِ، فإنَّ الأوطانَ لا تُساسُ ولا يستقيمُ أمرُها بمثلِ هذه المشاعرِ.

إنَّ واحداً من أهمِّ الأسبابِ التي أفضت إلى تعقيدِ الأزمةِ واطالةِ أمدِها هو فقدانُ الثقةِ بين أطرافِها، وفقدانُ الثقة إنَّما نشأ عن انكفاءِ كلِّ طرفٍ على نفسِه يقرأُ أفكارَ الآخرِ عن بُعدٍ، ويخافُه على نفسِه ومصالحِه، ولو أنَّهم تواصلوا وتحاوروا فيما بينهم لتبدَّدت أكثرُ الهواجسِ والمخاوفِ، وحين تتبدَّدُ المخاوفُ والهواجسُ يكونُ الطريقُ لحللةِ الأزمةِ مُعبَّداً وميسوراً.

إنَّ ثمة مَن يَروقُ له ولدوافعَ طائفيَّةٍ أو شخصيَّةٍ توسيعُ الهوةِ وتغليظُ الحواجزِ لذلك فهو يعملُ ليلَ نهارَ على التعميقِ من هواجسِ الدولةِ ومخاوفِها، وذلك بالتحريضِ والكذبِ والإفتراءِ والتوظيفِ الماكرِ للأزمةِ الطائفية التي تعصفُ بالعالمِ الإسلامي رغم أنَّنا أبعدُ ما نكونُ عن هذه الأزمة، فلا تُعاني بلدُنا من أزمةٍ طائفيَّةٍ.

إنَّ الإصغاءَ لهؤلاءِ يُغلقُ كلَّ منفذٍ للحلِّ، وإنَّ عودةَ الثقةِ هي الطريقُ المُفضي لتبدُّدِ كلِّ هاجسٍ تتحسَّبُ منه الدولةُ أو يتحسَّبُ منه الناسُ ويخشونَه، وسبيلُ العودةِ إلى الثقةِ المتبادلةِ لا يخفى على أحدٍ، ولا يضرُّ بمصالحِ الدولةِ ولا يمسُّ من هيبتِها واعتبارِها.

وهنا وفي هذا السياقِ أودُّ التذكيرَ بأنَّ فتحَ جميعةِ التوعيةِ بعد أنْ كانت مغلقةً أسهم في معالجةِ ما كنَّا عليه قبلَ عقودٍ، وأنَّ جمعيةَ الوفاقِ لم تكن يوماً ما عائقاً في طريقِ معالجةِ الأزمةِ الراهنةِ بل إنَّ رجالَها بذلوا ما في وسعِهم في طريقِ معالجةِ الأزمةِ، وما زالوا على استعدادٍ كاملٍ للمضيِّ في هذا الطريقِ، فتعليقُ أنشطةِ جمعية الوفاق لا يقعُ في إطار الحلِّ للأزمةِ بل يقعُ في إطارِ التعقيدِ لها.

وأما الطامةُ الكبرى التي كان لها وقعُ الصاعقةِ على القلوبِ فهي استهدافُ سماحةِ آيةِ اللهِ الشيخِ عيسى أحمد قاسم والذي أوحى استهدافُه شعوراً عميقاً بأنَّ الطائفةَ برمَّتها مستهدفةٌ في وجودِها وتأريخِها وهويتِها وشعائرِها.

فما الذي يأخذونَه على هذا الشيخِ الكبيرِ أليس هو من يشهدُ له التأريخُ الطويلُ على حرصِه الشديدِ والمتميِّزِ على السلْمِ الأهلي؟ أليس هو في طليعةِ الدعاةِ إلى الوحدةِ الوطنيَّةِ ونبذِ الطائفيَّةِ؟ أليس هو المؤثرَ الأكبرَ في حمايةِ النهجِ السلميِّ في أحرجِ الظروفِ وأدقِّ المواقفِ المقتضيةِ بطبعِها للإنزلاقِ؟ ألم يكن الداعيةَ والأكثرَ تأثيراً في منابذةِ العنفِ وإدانتِه والتحذيرِ من تداعياتِه؟ ألم يكنْ من أكثرِ الناسِ تأكيداً على ضرورةِ المعالجةِ للأزماتِ بالحوارِ والمصالحةِ الوطنيَّةِ؟ ألم تُسهمْ مواقفُه وخطاباتُه وارشاداتُه لأمنِ واستقرارِ الوطنِ؟ إنَّ حقَّ مثلِ هذا الرجلِ الوطنيِّ بقامتِه الشامخةِ هو التكريمُ والإكبارُ والإجلالُ لشيبتِه وعمقِ تأثيرِه ونصوعِ تأريخِه.

إنَّ القطيعةَ وتعميقَها بمثلِ استهدافِ هذا الرجلِ الوقورِ والمتواضعِ لن يعودَ بمحصَّلٍ نافعٍ لهذا الوطنِ، وإنَّ الخيرَ كلَّ الخيرِ لهذا الوطنِ وأهلِه يكونُ بالتواصلِ ومعالجةِ الأمورِ على قاعدةِ الدفعِ بالتي هي أحسنُ، فما يبدو عسيراً ومُستصعبَاً سنجدُه ميسوراً وسهلاً بالتواصلِ والتحاورِ والمبادرةِ إلى تعزيزِ الثقةِ وتبريدِ الأجواءِ والإبداءِ لحُسنِ النوايا والتجاوزِ للمشاعرِ الباعثةِ على التشنُّجِ والإنفعالِ.

 

اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الطيبينَ الطاهرينَ الأبرارِ الأخيار، اللهم اغفرْ ذنوبَنا واستُرْ عيوبَنا واكشِفْ ما نزلَ بنا، وارحم موتانا وشهداءَنا وفكَّ أسرَانا، وأرجعْ مسافرينا واشفِ مرضانا وجرحَانا، اللهمَّ اغفرْ للمؤمنين والمؤمناتِ والمسلمين والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ تابعِ اللهمَّ بيننا وبينهم بالخيراتِ إنَّك مولانا مجيبُ الدعواتِ وغافرُ الخطيئاتِ، ووليُّ الباقياتِ الصالحاتِ إنَّك على كلِّ شيءٍ قديرٌ شهيد.

{ إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسَانِ وإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ويَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ والْمُنْكَرِ والْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى