الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم (سورة النور 07) – 14 أبريل 2016م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

تفسير سورة النور 07

الموافق 14 أبريل 2016م

 

للإستماع :

 

للمشاهد :

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

2P3B7918

 

 

نص الكلمة :

“إضاءات من تفسير سورة النور”

الحلقة السابعة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

قول جل وعلا “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ”، التلقي يختلف عن اللقيا واللقاء، اللقاء قد يكون عن قصد وعن غير قصد فألقاك بلا تصميم مني وتلقاني بلا تصميم منك وأما التلقي ففيه استقبال ومن ذلك ما يقال عنه “تلقي الركبان” ففي ما كان من جلب القوافل البضاعة من البادية ومن البلدان الأخرى إلى مثل مكة أو غيرها كان يخرج أهل التجارة لتقلي الركبان واستقبالها طمعا في أن يحصلوا على ثمن أرخص بحيث أن هؤلاء القادمين ببضاعتهم لا يعرفون مستوى الأسعار في هذه الأسواق، وهنا الآية الكريمة تقول “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ”، لم تسمعوه فجأة ولم يفاجئكم خبر الإفك وحديث عن الإفك ومن يأتيكم به وكأنه لا يصدمكم به ويفاجأكم به وإنما كنتم تعيشون روح الاستقبال لمثل هذا الخبر والرغبة في استماعه وفي تلقيه، وربما كان ذلك بعدما أخذ الخبر شيئا ما من الإنتشار وقد تكثر رغبة جماعة من الناس في تلقي الخبر واستقباله.

“إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ”، وهنا مسألة أخرى مرة يتلقاه بسمعه فيكشف ذلك عن رغبى لا ينبغي لمثل المؤمن لإيمانه حين يتلقى هذا الخبر ونوعه ما كان ينبغي له هذا التلقي بالسمع، ومرة وكأن الخبر لا يمر بالأذن ولا تستقبله الأذن وكأنه لم يطرقها وإنما تلقاه اللسان مباشرة، وتلقي اللسان مباشرة يعني استعداد للنشر وفيه روح مشاركة في نشر الخبر.

“إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ”، الألسن ليست لتلقي الكلام وإنما أداة نطق وأداة تعبير وليست أداة سمع واستقبال للخبر وهنا شذوذ لساني وهو أنه هناك تلقيا بالألسن وأن هناك تهيئ واستعداد نفسي جاهز لنشر هذا الخبر والمشاركة في نشره، خبر فيه هدم الإسلام وفيه النيل من الحرمات وفيه زعزعة المجتمع الإسلامي وفيه التشكيك في قدسية رسول الله صلى الله عليه وآله أو على الأقل نيل من سمعته وأذىً لنفسه.

“إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ”، مباشرة تلقي بالألسن ونطق بالأفواه وتغيير في التعبير والتي تنطق هي الألسن وقيل جاءت هذه اللفظة تنويعا في التعبير “وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ”، لو كان ذلك الخبر معلوما ما جاز للمؤمن أن ينشره وأن يستمع له مصغيا فضلا عن أن يتلقاه باللسان وينضاف إلى ذلك أن الخبر ليس محل علم من هذا الناشر والمسموع منه الخبر فما قيمته وما وزنه وما مقدار إيمانه وما مقدار تريثه وتعقله وتقواه وما مقدار معرفته الخطورة في النشر؟ لا أعلم فأقول فهذا أمر فضيع آخر فليس لي وليس لك أن نقول ما لا نعلم أو نتأخر عن الأخذ عما بما نعلم في حدود ما أمر الله، وليس لنا أن نقيم أمر من أمورنا على غير علم -قواعد ثابته-.

“إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا”، لا تقدرون خطورته ولا تقدرون مسؤولية ولا تقدرون ماذا سيكون من آثاره وماذا تتحملون من ثمن باهض لهذا الخبر في تلقيه ونشره وما هو الموقف الذي تقفونه بين يدي الله عز وجل من موقف مهول شديد بمثل هذه المشاركة “وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا”، وما هذا حال مؤمن في يقظته وتقواه وتحرزه في دينه.

الموقف الشرعي الصحيح تكشف عنه “وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا”، توبيخ على سلوك غير السلوك الإيماني وعلى سلوك يضاد السلوك الإيماني في التعامل مع هذا النوع من الخبر، “لَوْلا” وهي هنا للتوبيخ والتقريع والتلويم ومن الجليل العظيم والتلويم يأتيك من هذا أو ذاك تتفاوت وطأته فكيف يأتي من أعظم عظيم ومن بيده كل قدَرِك.

“وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ”، يأتي الحكم عليه بالبهتان “وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا”، لا يليق بإيماننا أن نتكلم بهذا وأن نشارك في نشر هذا الخبر وإيمااننا يجب أن يرتفع بنا عن هذا المستوى وعن هذا الإنحطاط وعن هذه السذاجة إذا كان ذلك عن سذاجة.

“وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ”، سبحانك أن ترضى بهذا وجل الله وتعالى الله أن يرضى لعبده المؤمن بهذا، وهذا  يكفي “سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ”، كذب فضيع ومن النوع الغليظ الشديد والذي لا يقوم على علم، وهذه المشاركة بهت وكذب وافتراء على المؤمنين وعلى من نقل عنه ذلك السوء، نحن الآن هل لنا أن نُقَدِر ما يجري على ألسنتا مسترسلين متفكهين من مثل هذا الخبر أو ما يدخل في سياقه أو لا؟ وليعتبر من لا زال يرمي عِرِضَ رسول الله صلى الله عليه وآله بمثل ما تتحدث عنه هذه الآيات.

وشيعي يدّعي أنه شيعي يشوه مذهب أهل البيت عليهم السلام بأن يشارك نوع مشاركة في هذه الأخبار وبالأخص فيما يخص عَرِض رسول الله صلى الله عليه وآله من حيث النيل من إحدى حريمه.

الحكم عليه بالبهتان يكفي فيه أنه مشاركة في تلويث وإسقاط شرف الآخرين من غير علم ولا مسوغ شرعي وفقد المسوغ الشرعي يجعله عند الله بهتانا.

“يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، “وعظه: أمره بالطاعة ووصاه بها، وإتعظ: إتمر” بأمره وسمعت لوصيته وأخذت بها، وفي مقاييس اللغة، الوعظ: التخويف. وفي لسان العرب، الوعظ والعِظة والعَظَة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب، وفي اللسان كذلك عن إبن سيده: هو تذكريك للإنسان بما يلينه قلبه من ثواب وعقاب.

أنَّ الوعظ ومنه أمر ونهي هو النصح وطلب مصلحته المخاطب وفيه زجر وتخويف وقد يأتي بأسلوب الترغيب والحث وتحبيب المأمور به والمنصوح به وذلك بالتذكير بالعواقب للترك والفعل وأن ترك الخير ما عاقبته وترك الشر ما عاقبته وفعل الخير ما عاقبته وفعل الشر ما عاقبته وهو خطاب موجه للعقل والقلب وقصده تليين القلب -حتى في الخطاب للعقل- القصد تليين القلب وخلق موقف عند المخاطب فيه تجنيب له عن المضره وتحقيق للمصلحة والآية الكريمة تقول “يَعِظُكُمُ اللَّهُ”.

والوعظ يعتمد على أسلوب ومتعلق هذا الوعظ بأن يتركوا ما حدث منهم من أمر كبير وهؤلاء هم من قالوا عنهم من مثل عبدالله بن أبي ومن أساس حديث الإفك أو من المشاركين والآية الكريمة جاءت في سياق المؤمنين الذي تلقوا الخبر بألسنتهم وهذا أمر عظيم وجاء وعظ الله عز وجل من أجل تطهير المؤرمنين من التلوث به مرة أخرى.

“يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ”، هنا أسلوب زجر وليس ترغيب ويبيّن أن وراء الإستمرار عواقب وخيه وعقوبة أليمة، “يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ”، لا تغلط مرة ثانية ولا يجري منك تكرار هذا الحديث ولو لمرة أخرى واحدة ولا تنسى طول عمرك فتقع في مثل هذا الخطأ الكبير مرة أخرى.

“يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”، هذا الوعظ تسمعونه إن كانت عندكم قلوب حية واعية ولئن كانت عندكم هذه القلوب فستعرفون قيمة هذا الوعظ وقد جاء من الله تبارك وتعالى، وإيمانكم إذا صدق فهو يتنافى تماما مع عليه وحدث على يديكم وإيمانكم إذا ادعتيمهم فإنه لا يصدق حقا إلا أن تمنتعوا تمام الامتناع وتتوقفوا نهائيا عن العودة إلى ما كنتم عليه وهذا اختبار لإيمانكم وفي عودتكم وعدم عودتكم لمثل هذا الحديث اختبار كاف وامتحان لكم في إيمانكم فإن ترجعون فلا إيمان وتنتهون وترجعون لأمر الله محترمين لأمره ونهيه يكشف ذلك عن إيمان.

“وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، الآيات من الله عز وجل آيات كونية وآيات تشريعية موحاة وآيات واعظة ومنبهة وموقظة لحقائق الإيمان التي تسكن باطن النفس ولا تتنكر لها الفطرة كل ذلك آيات “وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَات”، لكم ولهدايتكم لرشدكم ولمصلحتكم ولضمان أمنكم ولسعادتكم الدنيوية ولسعادتكم الأخروية ويبين لكم الآيات لنجاتكم من النار ومن هلكات الدنيا وهلكات الآخرة لكم وليس له ولا لحاجة منه إلى ذلك إليكم وإنما لكم ومن أجل مصلحتك والله غني عنكم.

“وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، أي آية يأتيكم بها مدى قدرة الآية وكفائتها على معالجة أدوائكم ورفع نقائصكم وسد ثغراتكم وإصلاح شأنكم وهذه الآيات لابد أن تكون ناهضة بكل ما يراد لها من الله عز وجل حيث إنَّ الله عليم حكيم، يعلم ما وزنكم وما تحملكم وما أنتم عليه من قوة وما أنتم عليه من ضعف وما يتهددكم من شيطان ونفس أمارة بالسوء وما يحيط بكم من إضلال المضلين وما يمكن أن يكون عذرا لكم وما لا يمكن أن يكون عذرا لكم ومتى ينزل عليكم هذه الآية ومتى يختار لكم تنزيل الآية الثانية، الله عليم حكيم لا يتهم بجهل ولا بخلل في الحكمة لتأتي منه الآية مختلة معيبة ناقصة الدلالة أو مجانبة للحق حاشا الله وحاشا علم الله وحكمته أن يحدث لآية من آيات شيء من ذلك أو لأمر من أوامر ونهي من نواهيه.

“وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”، ولن تجدوا رشدا ولا دليلا على هدى ولا منقذا من هلكة ولا ضامن لمصلحة إذا تخليتم وأعرضتم واستهزأتم وكان منكم الاستخفاف بآيات الله تبارك وتعالى، وهل لغير الله أن يأتيكم بشيء من هدى وبشيء من خير وبشيء من صواب وكل شيء في الكون وهدى كل شيء ورشد كل شيء بيده سبحانه وتعالى؟ فهل يحدث لأحد أن يكسبكم خيرا أو يهديكم رشدا من غير إذن الله؟ أبحثوا ما اشتهيتم أن تبحثوا عن دليل على صواب ومنبه على خطأ  ومجنب لكم عنه من دون الله بحيث يكون يكون ذلك الغير مستقلا عن الله لن تجدوا.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى