الحديث القرآني لسماحة آية الله قاسم (سورة النور 06) – 30 مارس 2016م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

تفسير سورة النور 06

الموافق 30 مارس 2016م

للإستماع :

 

للمشاهد :

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

photo_2016-03-31_11-15-27

 

نص الكلمة :

“إضاءات من تفسير سورة النور”

الحلقة السادسة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين

قوله تبارك وتعالى في “لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ”، لولا للتوبيخ والتقريع والتلويم، فالآية مفتتحة بهذا اللون من الخطاب لأصحاب الإفك، وهذا التوبيخ لأنهم جاءوا بدعوى كاذبة خطيرة فيها زعزعة المجتمع وفيها النيل من أشرف بيت من بيوت أهل الإسلام بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك فيه النيل الكبير منه، كان عليهم وهم يتقدمون بهذه الدعوى بأن يأتوا بأربعة شهداء على ما ادعوه وهؤلاء شهداء مؤمنين عدول من غير أن ينقص عددهم عن الأربعة، وعندما أتوا بدعوى الفاحشة يتهمون بها مسلمة من المسلمين وزوج من زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله أو حرما من حريمه كما ذكر في سبب النزول فذلك عظيم عند الله مما يجعلهم محل التوبيخ والتقريع ويُحلُ عليهم حكما فيه حط لشخصيتهم وطابع لها بطابع يخالف الإيمان.

“فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ”، تلك الشهادة صادقة في واقعها أو كاذبة عندما خلت من أربعة الشهداء جعلا فعلهم حقيقة في الكذب “فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ”، إذا بحثت عن كاذب كذبا صدقا وبالغ الكذب فتجدهم في من ادعوا تلك الدعوى، ولم يصفهم بالكذب فأؤلئك كاذبون درجة من الكذب يدخلون تحت صدق الكاذب بل يمثلون حقيقة الكاذب، اشد مصاديق الكاذب وأشد مصاديق الكاذب “فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ”، أخس نموذج في الكاذبين، وضعهم واضح جدا أنه يكشف عن عِظَمِ قبح الفعل، والإسلام يمقت الكذب وأهله، وكان كذبا في أمر كبير أو صغير فكيف بمثل هذا الكذب البالغ في الخطورة، فمن أراد أن يكون مؤمنا حقا فليجنتب كل الكذب -إلا ما استثني والاستثناء قليل وله موارده الفقيه المحددة-.

والرمي العاري عن أربعة شهداء معدود في الآية كذبا واضح وافتراءا سواء كان صاحبه صادقا في نفسه وفيما يدعيه أو كاذبا، قد يكون رأى ولكن الآية لم تُوقِف صدق وصفه بالكذب على أن يكون كاذبا حقا وواقعا بما شهد به بل حكمت عليه بمجرد أن دعوى هذا المدعي قد خلت من أربعة الشهداء، لا تقل أنه ربما كان صادقا ولم يكن له أربعة من الشهداء العدول فحكم الله عليه وفي هذا الحالة بأنه كاذب وبأنه يمثل حقيقة الكذب؛ لأنه قول من غير أذن شرعي، ومعدود ولخطورة الموضوع ولعِظَمِهِ لأنه خبر كاذب وإن كان يحمتل أنه صادق في الواقع.

حكم فيه احترام للأعراض وفيه حرص على عرضك وعرضي وعرض كل مؤمن ومؤمنة وحرص شرعي وحفاظ إلهي على سمعة نساء المؤمنين ورجالهم، ولك أن تنظر كم وزنك عند الله ووزن شرفك فعلينا أن لا نهدر شرفنا، ولك أن تنظر كم هو احترام الإسلام للإنسان حتى حرم رمي المحصن وإن كانت كافرة، وكل فضح للناس في هذا الأمر الخطير وفي غيره مرفوض في الإسلام ما لم تكن له دواعيه الضرورية الشرعية، فليس كلما وقفتَ على قبيح مني أو وقفت على قبيح من أحد ساغ لنا أن نبيحه، فإن رأيت فلتبقى رؤيتك لك نفسك ولا نتخذ من ذلك مادة للتفشير وفضح الآخرين، أخطأ فقال كلمة أو أخطأ فغتاب فصحح له موقفه ولا تقل عنه في الناس بأنه مغتاب وهكذا في الأمور الأخرى، ونحن نتعدى العلم في ذلك ونُرخِض لأنفسنا أن تُشيعَ الناسِ الأخبار المسقطة لشخصيتهم وإن كان عندنا في ذلك الظن أو أقل من الظن، ولنا أن نقيس أنفسنا في هذه الموافق من موقف الإسلام المتشدد من قضية الكذب ومن احترام أعراض المؤمنين وشرفهم وسمعتهم ومن شجبه وعدم اعتباره بالأخذ بالظن، الإسلام لا يعتبر الأخذ بالظن ولا يرى الظن طريقا لبناء المواقف وبناء الأخبار وكأني أطرح هذا الخبر بلغة الجازم.

قد يدخل قلبك الظن وحتى السيء من غير إرادة ولك أن تتفحص ولك أن تحتاط لنفسك وعليك في الأمور الكبيرة العامة أن يكون احتياطك أكبر بل لا نأخذ في الأمور العامة طريقا ولا نخلق علاقة إلا بماء على التحقيق بخطورة الموقف، وكان الرسول صلى الله عليه آله يتلقى الخبر من المسلم المؤمن فيما يخص الشأن العام ولكن ليس كلما وصل الرسول صلى الله عليه وآله يبني عليه وهو يستفيد بحسب العلم الظاهري من هذه الأخبار، وفي اجتماع اخبار معينة قد يوفر قرينة على شيء ما.

تقدم ذكر عقوبة أصحاب الإفك وأن التوبة منهم قائمة على تكذيب أنفسهم فيما ادعوده علنا بحيث كما عُلِمت منهم الدعوة وسمع منهم الإتهام وشاع في الناس بأن فلان المتهم فعليهم أن ينشروا براء المتهم مما قالوا، ومن لم يتراجع عم ادعاه حيث لم يأتي بالأربعة الشهداء في هذه المسألة بقيت عليه عقوبة الآخرة ولا عقوبة في الدنيا تعدل عقوبة الآخرة، وخَفِّف عقوبة الآخرة ما خففت إلا أنها ستبقى أغلظ من عقوبة الدنيا.

تقول لي: إذا تشددت الشريعة المقدسة في اثبات ما يوجب حد الزنا -حد الزنا غليظ وهو مائة جلدة لمن لم تكن ذات بعل أو من كانت له زوجة- وسهل عليه أن يقضي مأربه منها، وهذا الرجل أو تلك المرأة، وهذا الرجل وتلك المرأة عقوبتها الرجم وهي عقوبة مغلظة ولكن الغير يعترض بأنه ما جدوى التغليظ في هذه العقوبة؟

فما نعرفه أن التغليظ لتردع ولتكف عن أعراض المسلمين الأذى والتشهير الظالم ولكن إذا وضعت هذه العراقيل في طريق إثبات حد الزنا أربعة شهود عدول وإذا تخلف منهم واحد يستحقون حد القذف وتوبتهم صعبه -علنية فاضحة جدا- وتوبتهم بعد القذف لا تجدي من ناحية اسقاط العقوبة ولهم عذاب أخروي عظيم إذا لم تعلن توبتهم وتقبل من الله سبحانه وتعالى في واقع الأمر، وهذه الصعوبات كبير جدا وعراقيل ضخمة في الإثبات فمتى يجتمع أربعة من الشهود العدول يرون القضية والموضوع كرؤية الميل في المُكْحُلَة، متى يحدث ذلك؟ ومتى يُضْمن بأن لا يتخلف منهم متخلف ويخاف، فالزنات في أمن من جانب وقوع العقوبة عمليا وأن شرعت غليظة، وعلى كونها غليظة في التشريع مشددا فيها إلا أنه لا يُرتقب عمليا لصعوبة إثبات هذه الجريمة وبهذا اللون من الإثبات، ومتى تحصل على فرد يعرض نفسه للرجم أو على الأقل لمائة جلدة فيعترف على نفسه أربع شهادات يترك فيها لحرية المحضة المرة بعد الأخرى ويعود على الشهادة على نفسه فالطريق شبه مسدود، هذا السؤال ومشروع وله وجاهته على مستوى البشري العادي.

ومن جدوى هذا الحد المشدد:

الأثر الأول: إن الحد الذي حدده القرآن الكريم بما هو عليه من شدة وغِلَظ يكشف لكل مسلم ومسلمة شدة الجريمة التي وضع من أجلها هذا الحد عقوبة على ذلك، القذف الخالي من أربعة شهداء يواجه عقوبة في الإسلام هي هذه العقوبة المغلظة العنيفة، فما أثر ذلك في نفس الإنسان المسلم، فهل هو بلا أثر أو يعتبر رادعا نفسيا لمن له حس إسلامي ولمن له درجة من الخوف من الله تبارك وتعالى، ولمن يحسب لشرفه لا شك أن كشف هذا الحد عن مدى القبح الشديد لعملية القذف في نظر الله تبارك وتعالى تجعلني أحترم شريعة الله وأوقر الله ولا أخالفه وأخاف من عقوبته الآخروية وهي ليست عقوبة دنيوية فقط فالعقوبة الدنيوية كاشفة عن مدة المبغوضية الشديدة من الله تبارك وتعالى لهذه الجريمة وإنصافا فيه درجة كبيرة من الردع وكافية لمن كان له قلب فيه وعي وفيه إيمان ولو بدرجة عادية.

الأثر الثاني: أنه يمنع من كان يمارس هذه الجريمة عن التظاهر والتفاخر بها، إذا لم يكن هذا الحد بهذه الشدة وهذه العقوبة وحتى في المجتمع المسلم فلا يكثر على الكثيرين ولا يمتنع على نفسية الكثيرين أن يجاهروا بإرتكابهم جريمة الزنا ويفاخروا بها، انظروا إلى حالة الغرب فإنه يفاخر بأنه زنا بفلانة وهذا يسعه وأنه في حياته عاشر مائة واحدة وأكثر من هذا العدد بالزنا وهذا يسهل عليه، وفي المجتمعات الإسلامية المتحللة يجاهر بهذا من يجاهر والمجتمعات المسلمة التي لا تعي هذا الحكم والمجتمعات الكافرة التي تخلو قوانينها من هذا الحد ومن الحد المشدد في الزنا فتصل المسألة إلى التفاخر بهذه الجريمة.

لا يسع أحدا أن يجاهر بجريمة الزنا في مجتمع مسلم يؤمن بهذا الحد ويقدره ولو هيبة من المسلمين لا خوف من الله تبارك وتعالى، وهل ترى أن توقي المسلمين بصورة عامة وإجمالية ونفرتهم واستقباحهم الشديد لجريمة الزنا إلا ناشئا من مثل هذا الحد المغلظ كما جاء به القرآن الكريم؟ لو كان العقوبة لوما خفيفا وعليكم أن تلوموا الزاني والزانية أترى أن غلظة حرمة الزنا وقبحها لدى النفس الإسلامية تبلغ حد ما هي عليه؟ لا يكون.

الطفل لما يعرف من والده أن عقوبته على فعل معين ضربة بالأصبع غير أن يعرف أن العقوبة هي صفعة شديدة فالطفل يقدر هذا، تهيبه من العقاب الأول أسهل بكثير جرأته على الأول أكثر بكثير أكثر من جرأته على المخالفة في ظل العقوبة الثانية المشددة، وكما هم الصغار هم الكبار أيضا، الجريمة المهدد عليها بالإعدام جرأت النفس على إرتكابها تختلف عن الجريمة المهدد بها سجن خمسة أيام، هو ليس تشريع لحد لا فاعليته له وإلا لم يكثر تطبيقه وإن صعُبَ إلى حد ما قد يمتنع عمليا من تطبيقه إلا أنه محتفظ بفاعليته وأثره في تطهير المجتمع المسلم وفي إنكار هذه الجريمة وفي ترفع النفس المسلمة عليها وخوف الله عز وجل من مقاربتها وفي إنكار المجتمع على من قاربها.

الأثر الثالث:  ولو جاهر بها مجاهر لكان من العقوبة المشددة المادية الجسدية والعقوبة المشددة المعنوية من الحكم عليه بالفسق والكذب ويمثل حقيقة الكذب ومما يتوقعه من عقوبة الآخرة ومن جاهر بها أقام من نفسه بإقامة الحد عليه والأحكام المعنوية الوادرة عليه موعظة للآخرين، وهذا الذي رأى فلانا يقام عليه حد الجلد أو حد الرجم للذة دقائق وتسقط شخصيته واعتباره عند المجتمع المسلم بحكم الله ولا شهادة له إذ يحكم بالفسق ويُطبعُ بطابع الكذب ويختم عليه بأنه كاذب -ختم الكذب- وبلسان القرآن الكريم، هذا يمثل موعظة للآخرين ورادعا لهم.

“وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، تعريف بعد تعريف و تذكير بعد تذكير وتحذير بعد تحذير من مسألة الإفك ومن مسألة الزنا، السورة وقفت مع القضية أكثر من وقفة وأطالة الحديث عن قضية القذف وقضية ارتكاب الفاحشة، والآية الكريمة تعبر بالإفاضة ” مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ”، والإفاضة تعحمل معنى الكثرة والاندفاع خذ صورة من إفاضة الحجيج إلى عرفات وإلى المشعر الحرام فتجدهم يتدفقون ويتسارعون وهم حشود، فالإفاضة والماء الفائض هو الكثير المتدفق ويقال “فاضت البركة” كثر واندفع.

وقع المسلمون يوم حديث الإفك في الإفاضة فيه فاندفعوا وأكثروا الخوض فيه من غير أن يكون ذلك منسجما مع الوعي الإيماني ومع التقوى التي يبنيها الإيمان، وكان ذلك منقوما عليه عند الله سبحانه وتعالى، إلتفت أخي المسلم عن أن ننفع في الدعاية ضد المؤمنين وأن نشارك في ترويجها واستماعنا للناقل ونقل خبره للغير، وهذا التوقي مطلوب في الأمور الصغيرة والأمور الكبيرة من مثل أمر الأعراض وإتهام النماذج الإيمانية الكبيرة من مثل الفقهاء العظام بأي ما يسيء إلى شخصيتهم، ونحن مأمورن بأن لا نكون دعاة ضد المؤمنين وضد شرفهم وأعراضهم وأمانتهم وفي كل الأمور.

“وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، العقوبة المستحقة لإفاضة المؤمنين في ذلك الخبر وتلقيهم إليه بسهولة ونقلهم إياه عقوبة تصل إلى عذاب عظيم بحسب تعبير الآية والمقدر لعظمة لهذا العذاب هو أعظم عظيم وأعلم عليم والخبير بما تتحمله النفس البشرية وما لا تتحمله. وصفي للشيء بأنه عظيم يأخذ درجة من الموضوعية والدقة، ويأتي آخر أدق مني وأعلم مني وأتقى يعطي وصف عظيم لشيء معين تكون الموضوعية أكثر والدقة في هذا التقييم أكبر، وكيف وهذا التقدير يأتي من الله عز وجل بأن العذاب المستحق على الإفاضة في حديث الإفك هو عذاب عظيم ولا تستطيع تقدير هذه العظمة ولا تستطيع تقدير شدة هذا العذاب.

ونحن بنفوسنا الأرضية وبإحساساتنا الدنيوية وبخوفنا على دنيانا أو بحبنا لدنيانا فالعقوبات الدنيوية هي التي نخاف منها في البدء والتي نخاف منها كثيرا والمغريات الدنيو ية هي التي تغرينا كثيرا، ولو انكشف لنا الغطاء لهان علينا عذاب الدنيا وهان عندنا نعيمها ولكننا غافلون غيرُ مبصرين ومن علم ليس كمن لا يعلم، ولذلك أهل التقوى وأهل الخشية الحقيقة من الله عز وجل كالأنبياء الأئمة عليهم السلام ومن كان أصدق قربا لهم يخاف من الله خوفا لا يعرفه الآخرون ويخافون الآخرة خوفا لا يعرفه الآخرون ويرجون الآخرة رجاء لا يعيشه الآخرون ، ويتلذذون بسماع نعيم الآخرة وليس تذوقه أكثر مما يتلذذون بما يحصل لهم فعلا من نعيم الدنيا -هذا حاصل فعلا وذاك مسموع- وتلذذ علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر مما يسمع من نعيم الآخرة يقاس أكثر بما لا يقاس من تلذذه بالحصول على نعيم الدنيا ولذتها؛ ذلك لـه يرى.

من الآية “وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، عرفنا كم هي الخطورة البالغة في الخوض في مسائل الأعراض وليس في الإلتهام المباشر وفي الإفاضة في مسائل الأعراض بالسوء وتَلَقِي أخبارها بيسر وسهولة وفي نقلها من غير تمعن وغير إذن شرعي.

رحمة الله في الدنيا والآخرة “وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ”، متفضل تبارك وتعالى يمهل ويعطي فرصة ويستر ويصفح “وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ”، بالعفو ويرحم وبالعطاء ولولا ذلك وأنه متفضل رحيم “فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”، بمعنى مسكم عذاب في الدنيا لولا فضل الله ورحمته ومسكم في الآخرة عذاب عظيم لولا فضل الله ورحمته، ما يدرأ عنكم هذا العذاب وقد ارتكبتم ما ارتكبتم من المبغوض العظيم لله عز وجل إلا أنه متفضل عليكم رحيم بكم ولكن إلى أن أين تفرون لو تماديتم ولم تستفيدوا من المهلة ولم تسمعوا النصح ولم تأتمروا بأمر الله وخالفتم وعدتم للإفاضة والخوض في أعراض المؤمنين وفي الإفك عليهم والعقوبة هنا في الدنيا “عَذَابٌ عَظِيمٌ”، عذاب عظيم يتلقاه الفرد ويناله المجتمع المتساهل في هذه المواقف هو مجرم فينال من عذاب الله العظيم في الدنيا قبل الآخرة.

وإذا كان العذاب المستحق للمفيضين “وهم الذين تلقوا الخبر بشبه ما هو ترحاب أو بتساهل على الأقل وتلقوه بألسنتهم ونقلوه إلى غيرهم” وإذا كان العذاب المستحق على هؤلاء عذاب عظيم في وصف الله تبارك وتعالى فقل كم هو عظيم ذلك العذاب المستحق على المُتهِم المنشأ والمصدر لهذا الإتهام والذي اطلقه في الناس بداية، والذي سمع بتساهل ونقل وليس كشهادة منه، وإذا كان هذا الدور يستحق صاحبه العذاب العظيم فكيف بالدور الفاعل الأول والمحيك الأول لحديث الإفك والمتصدي الأول لنشره فأي عذاب عظيم ذاك له؟

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى