قبسات من وحي عاشوراء

مقدمة المقاوم للثقافة والإعلام:

تطل ذكرى عاشوراء الحسين “عليه السلام” مرة أخرى، ولا زالت تدعو المؤمنين للإلتزام بالإسلام الأصيل، وتبث فيهم روح الإباء، وتلهمهم الثبات على الحق، وتدفعهم لرفض الذل والظلم والاستعباد، وتدّلهم على قيادة الفقهاء.

وانطلاقاً من المسؤولية الإعلامية التي وضعتها “المقاوم للثقافة والإعلام” على عاتقها، فإنها تقدم مجموعة من القبسات العاشورائية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم (أرواحنا فداه)، للمصممين والمستفيدين من العاملين لإحياء عاشوراء.

إنّ “المقاوم للثقافة والإعلام” تدعو لتلّمس كلمات القائد آية الله قاسم التي تمثل وهجاً من شمس عاشوراء، ونوراً أصيلاً لم تجعله كل هذه الحقبة الزمنية أن يكون غير ذلك؛ فهو يضع الأجيال كل الأجيال على خطّ تطلعاتها وآمالها في الوصول للحسين “عليه السلام”.

 

1

أن أكون من أنصار الحسين عليه السلام أو أنصار يزيد راجع إلى كيفيّة صناعتي لذاتي، وانتصاري في معركتي مع نفسي أو هزيمتي فيها.

 

2

لن أنصر الحسين ما غلبت لنفسي، ولن أتأخر عن نصرته ما انتصرت عليها. وكلّ مهزوم لنفسه مهيّأ لأن يكون مع معسكر يزيد.

 

3

إن معركة كربلاء ليست لمرة واحدة في التاريخ، ويوم عاشوراء ليس يومًا شاذًّا من بين كلّ الأيام، إنما كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء.

 

4

عاشوراء المعركة بين الدين والكفر، والتقوى والفجور على اختلاف مستوياتهما بين العقل والجهل، بين النفس الأمّارة بالسوء والنفس اللوّامة، بين قيم الدنيا وقيم الآخرة، بين إرادة الخير وإرادة الشرّ في كل مجتمع.

 

5

ثورة كربلاء ثورة الدين الحقّ على دين مغشوش مزوَّر ممزوج بالجاهلية، مسخَّر لخدمة الطواغيت، مخدّر للأمّة، إباحيّ إلى حدّ كبير، مبرّر للظلم، يشرّع للأثرة والنهب والاستحواذ بغير حقّ على الثروة.

 

6

ثورة كربلاء ثورة عقل في قّمة النضج والرشد والبصيرة على عقول قاصرة فجّة بلا رشد، ولا حكمة، ولا بصيرة.

 

7

كربلاء ثورة القيم الروحيّة الطاهرة في أعلى طهرها ونقاوتها، على قيم الطين الهابطة، والشهوات المادية المتدنّية، والحيوانية والبهيمية حين تكون السيادة لها على الإنسان.

 

8

ما لم نُدِم النظر في النفس ومعاقبتها ومحاسبتها وما لم نحملها على ما لا تشتهي النفس الأمارة بالسوء فإننا لا نملك أن نكون منتصرين على أنفسنا، وبالتالي لا نملك أن نكون في معسكر الحسين عليه السلام

 

9

ستبقى كربلاء تمدّ الأمّة ما عاشت بوعي الدّين، وتتجه بها إلى خطِّ الرّسالة، وتشدّها إلى قيادة الأنبياء، وقيادة وريثهم الموعود المنتظر عليه السلام

 

10

ما دام وعيُ كربلاء فلن يسمح بأن تأسنَ حياةُ الأمّة، أو تستسلم لمحاولات الهروب بها عن الإسلام، وتخسر هُويّتها وأصالتها، وتتراجع إلى الوراء.

 

11

شعارُ كربلاء بإصلاح أمّة رسول الله صلَّى الله عليه وآله هو الانطلاقة الجادّة لإصلاح العالم كلِّ العالم، لأنَّ العالم لا يُصلحه إلا هدى السماء، وكلمةُ الوحي، ولا هُدى للسّماء في الأرض كهدى الإسلام.

 

12

يوم كربلاء لشهادة لا إله إلا الله، ولتملأ هذه الشهادة بهُداها كل ساحات الحياة، ولتقود حركة الإنسان، وتقضيَ على الطاغوتية في الأرض، وتُذِلَّ المستكبرين.

 

13

في كل المواقف، وعند كل الامتحانات، عند كل رغبة، عند كل شهوة، عند كل تحد، هيات منا الذلة.

 

14

كل ما لكربلاء من قيمة عالية إنما هو من سموّ هدفها، من صدق إمامها، من تقيّدها بالحكم الشرعي في الموقف الكبير وفي الموقف الصغير، في الموقف الفردي، وفي الموقف الجماعي.

 

15

عاشوراء من أجل أمة قويمة تُحكِّمُ في حياتها كتاب الله وسنة رسوله والمعصومين من آله عليه وعليهم السلام، ولاتعبد غير الله، ولاترضى من دونه إلاهاً ولا حَكَماً…

 

16

على كل منّا أن يراجع نفسه، أن يراجع سلوكه، أن يراجع واقع أسرته، فكم منّا للحسين(ع)، وكم منّا ليزيد.

 

17

ما إن تتأخّر عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا ويكبر المنكر في الأمة ويضمر المعروف، وكلما كبر المنكر، وضمر المعروف كان الناس في كارثة ليست على مستوى الدين فقط، وإنما أيضا على مستوى الدنيا.

 

18

لا تعادوا أمريكا يوماً وتصالحوها دهراً، ونحن نفعل ذلك… نحن نعادي أمريكا يومَ أن تشهر أمامنا السيف، ويوم أن تتحدانا بالقنبلة، أما يوم أن تصدِّر لنا أفكارها الساقطة وأخلاقياتها المهترئة فنحن نفتح باعنا نستقبلها بكل سرورٍ وبكل ترحيب. إنه موقفٌ خطأ، إنه موقفٌ ساذج، إنه موقفٌ أبله، من المؤسف أن ترتكبه الأمة، وأن تقع في مستنقعه..

 

19

الجادّون في إحياء عاشوراء هم حضّار المجالس الحسينية في المأتم، والمشاركون فعلاً في المواكب بوعي حسيني وروح حسينية وأخلاق من أخلاق الإمام الحسين (ع).

 

20

أتدرون ماذا تعني واحسيناه؟ واحسيناه تعني وإسلاماه، تعني واعدلاه، تعني وا عفافاه، تعني وإنسانيتاه، كل شئ من هذا المعنى الكبير، من هذه القيم الرفيعة مفقود، والأمة والإنسانية فيه مفجوعة، حين تفجع الإنسانية في الإمام الحسين (ع)، لكن أيصح لنا أن ننعى الحسين؟ وننعى العدل؟ وننعى الدين؟ وننعى الإنسانية؟ لا، الحسين (ع) ليس للنعي، كيف ننعاه وهو يعطي هذه الأجيال ومدرسته تخرّج هؤلاء الأبطال، هذه الصفوف الثورية التي تعد ذاتها لمواجهة الكفر العالمي وإسرائيل اللقيطة (…)

 

21

السلام على القرآن الناطق مرفوعاً على رأس الرمح، السلام على كلمة الوحي تتضرج بالدماء على أرض كربلاء، السلام على رسالة السماء تخمد أنفاسها للتفجر وتملأ الفضاءات كلها نوراً وجمالاً وجلالاً، السلام على الصوت الهادر في أفئدة الأجيال يحييها، يبعثها، يسدد خطاها على الطريق اللاحب الصاعد إلى الله..

 

22

السلام على الثورة العارمة التي تخاطب الأجيال بلسان الاسلام، بكلمة الله أن تتشرب العزة والكرامة، وأن تثبت على الدرب، وتتصلب ارادتها في ذات الله.. السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين. 

 

23

يقولون لنا لماذا تتفجعون؟ نحن نبكي لغيابٍ الروح الإنسانية، وغذاء الذات الإنسانية العليا، وقائد المسيرة الإنسانية إلى الله، نحن نتفجع للضمير الإنساني يذبح على يد الفجرة، نحن نتفجع للقلب الزاخر بحب الله، نتفجع للروح تشع على الأرض شعاعات الإله، شعاعات العدل، إشعاعات الهدى..

 

24

 السلام عليك يا أبا عبد الله.. السلام عليك يا ريحانة رسول الله (ص).. السلام على الجسد المضرج بالدماء.. السلام على الرأس المرفوع على رأس الرمح في السماء.. السلام على كل قطرة من دمك الفائر الثائر الزكي الذي ينبض بحياة الإسلام، ويقدّمُ للأجيال الوعي واليقظة، وينادي الأجيال كل الأجيال نداءً عل حد نداء إبراهيم “عليه السلام” أن حجوا لبيت الله، وكونوا دائماً لله، وأعطوا من أنفسكم كل شيء لله سبحانه وتعالى..

  

25

تبقى الأجيال يا أبا عبد الله تستمد من دمك الفائر، وتستمد من كلماتك الساخنات، وتستمد من آهاتك الحارة، وتستمد من تمتمات شفتيك المقدسة لله، المسبحة باسمه.. تبقى الأجيال تستمد من كل خاطرة من خواطرك، من كل نبرة من نبرات صوتك، من كل موقف من مواقفك؛ وعيها وحركتها واندفاعها وصمودها وإرادتها وصلابتها وإصرارها على الهدف، واتجاهها لله سبحانه وتعالى.

 

26

السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ثائراً من أجل الله، يا شهيداً من أجل الله، السلام على دمك الفوار الذي تفور في القلوب لوعة بفورانه، السلام على أشلائك المبددة التي بددت من شعور الأمة مالا يعيد إليها استقامته واجتماعه إلا أن تجتمع وراء رايتك وتأخذ برأيك، وتنتمي إلى صفك، وصفك سيدي صف الفقهاء، وهم الدليل عليك، وأنت دليل الكل على الله عز وجل.

  

27

يا يوم عاشوراء الحسين عليه السلام.. نحتاجك إيمانا ورشدا وهدى ونورا، وخلقا كريما وطهرا، وإرادة صلبة وعزما، وصمودا ومضاء، وصدق دين وسلامة نيّة؛ نحتاجك لوعينا، لإيماننا، لعزّتنا، لكرامتنا، لهدانا، لتصحيح رؤيتنا، لانتشال إرادتنا، للإباء، للصمود، للشموخ، للوقوف كل حياتنا مع الحقّ وإن عزّ أهله في مواجهة الباطل وإن كثر ناصره، وكثر الناعقون به، نحتاجك في كل موقع ومنعطف يا مدرسة الأجيال، ويا معلّم الأمم.

 

28

علينا أن نقول لبيك ياحسين.. علينا أن نقول معك ياحسين.. ولكن علينا أن نصدق هذه الكلمة. وحين يكون علينا أن نصدقها فإنه علينا أن نصدقها في كل لحظات الحياة وفي جميع مساحة الحياة وعلى مستوى كل التحديات.

 

29

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة كربلاء ثورة على تعملق الغرائز المادية وسيادتها وعلى حب الدنيا الذي يقضي على إنسانية الإنسان، قرار الإنسان ومسلكة وثورة على حب الدنيا الذي يقضي على إنسانية الإنسان ويوقعه في ألوان المحن، ويفصله عن هدف الحياة، وثورة على العمى والجهل والضلال.

 

30

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الأهداف الدونية الحقيرة التي تصدّ الإنسان بما هو إنسان عن هدفه الكبير. وأؤكد لكم أن كل هدف دون الوصول إلى الله ونيل مرضاته وأن كبر في عين أهل الدنيا فهو صغير حقير حقير.

 

31

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الخوف الذي يشل عن الحركة ويفسح الطريق للظلم أن يتبذخ ويتبجح، وعلى الرعب الذي يقتل النفس ويستعبدها للطامعين.

 

32

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الوقوف عند أي انتصار من الانتصارات الصغيرة، وكل انتصار منفصلٍ عن الانتصار على النفس، كان انتصارك سياسياً أو عسكرياً أو من أي نوع فإنه صغير ساقط حقير.

 

33

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة كربلاء ثورة على خمود الإرادة وعلى فتورها وعلى استسلامها للظروف المحيطة وهي تملك -أي تلك الإرادة- أن تغير ولو على المدى الطويل.

 

34

كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على نفس تقبل أن تهون أو تهان.

 

35

عاشوراء ليس للوقوف في وجه ظلم انطوى وجاهلية انحسرت ولفّها التاريخ، ليس لمواجهة فسادٍ ارتكبه يزيد الماضي، وإنما عاشوراء لمواجهة ظلمٍ قائمٍ الآن في الدنيا، أوضاع جاهلية تتستّر براية الإسلام، وهي تتآمر عليه وتنحرف به، وتقيم على الأرض أوضاع جاهلية صارخة تنقض البناء الإسلامي حجراً حجراً.

 

36

أنت دائما تلتقي في هذه الحياة مع خطّين ومع دعوتين، مع دعوة للحسين(ع) ومع دعوة ليزيد. في أي معصية الموقف يكون نصرة ليزيد، وفي أي طاعة الموقف يكون نصرة للحسين(ع)، فكم من مرة في اليوم ننتصر ليزيد وخطّه؟ وكم من مرة في اليوم ننتصر للحسين(ع) وخطه؟ على كل منّا أن يراجع نفسه.. أن يراجع سلوكه.. أن يراجع واقع أسرته.. فكم منّا للحسين(ع) وكم منّا ليزيد.

 

37

كيف ننصر الحسين (ع)؟ لا أريد منك أيتها الفتاة سيفاً تجاهدين به، أريد منك إرادةً فولاذية وعزيمةً جبارة تستقينها من زينب عليها السلام، تسترفدينها من الحسين عليه السلام  بل من طفلة من طفلات كربلاء، أريد منك يا فتاة الإسلام، يا فتاة البحرين، أيتها الفتاة العربية، يا فتاة الإسلام في كل مكان، أريد منك إرادة جبارة تستسقينها من طفلة من طفلات كربلاء، وتقولين بكل جبروتك وبكل اعتزاز، وبكل صلابة.. لا للنمط الأخلاقي الأمريكي والغربي لا وألف لا..

 

38

المطلوب من جماهير الأمة أن تكون حاضرةً وعياً.. أن تكون مرهفةً حسّاً، أن يكون شعورها حاضراً فاعلا، وأن يكون لها مقياس دقيق يعطي انذاراً مبكراً بالنسبة للمعارك الأكثر خطراً، المعارك الخفية، معارك الثقافة ومعارك التغيير النافذ للعقول والنفوس والارواح.

 

39

كربلاء، عاشوراء، قادة كربلاء، إمام كربلاء، إمام عاشوراء، الحسين من جهة ويزيد من جهة، مسألة تاريخية مستمرة.

 

40

ما لم تكن الثورة الدائمة على الذات لن تستطيع أن تقف موقفاً من طبيعة موقف الإمام الحسين عليه السلام. تحرروا من الدنيا، تحرروا من شهواتها، تحرروا من وساوسها، تحرروا من الشعور بالعظمة والأنانية الكاذبة، تكونوا كباراً حقاً، تكونوا كباراً وعظاماً من نوع عظمة الإمام الحسين عليه السلام.

 

41

كيف تنتصرين للحسين (عليه السلام)؟ أنتِ لن تملكي شخصيّة فولاذية تستطيع أن تقوم بدورٍ من أدوار زينب إلاَّ بأن تكوني شيئاً من عفاف زينب، شيئاً من إيمان زينب، شيئاً من وعيها، شيئاً من عبادتها، شيئاً من تقدّسها، هذا هو الطريق إذا أردتِ لجيلٍ جديد أن يهزّ الأرض كلّ الأرض…

 

42

  أن أكون من أنصار الحسين عليه السلام أو أنصار يزيد راجع إلى كيفيّة صناعتي لذاتي، وانتصاري في معركتي مع نفسي أو هزيمتي فيها. لن أنصر الحسين ما غلبت لنفسي، ولن أتأخر عن نصرته ما انتصرت عليها. وكلّ مهزوم لنفسه مهيّأ لأن يكون مع معسكر يزيد.

إن معركة كربلاء ليست لمرة واحدة في التاريخ، ويوم عاشوراء ليس يومًا شاذًّا من بين كلّ الأيام، إنما كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء.

 

43

إنّ عقلاً مخدوعاً لا يجعلني نصيرًا للحسين عليه السلام، دينًا مهزوزًا مضطربًا، سذاجة في التشخيص، ضحالة في معرفة جبهات الصراع، إرادة شريرة، إرادة خائرة، نفساً دنيوية جشعة، آمالًا دنيوية عريضة، نفسية مرتجفة، شعورًا يركن للباطل، تعلّقًا غير طبيعي بالدنيا، ضعفًا أمام شهواتها، تربية غير رشيدة، أو إهمالًا تربويّا كل ذلك يبعُد بأي إنسان ويحول بينه وبين أن يُقدم على نصرة الحسين عليه السلام واختيار معسكره، وكل ذلك إنما يدفعه لأن يكون من أنصار يزيد.

 

44

إذا أردتم وعيًا سياسيًّا ورساليّة نادرة فاطلبوا ذلك من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم صمودًا وثباتًا على الحقِّ لا يردّكم عن ذلك صعوبةٌ أو موت فتعلَّموا الصمود والثبات من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم التحرُّر من الدنيا وكلِّ ما تضغط به على العقل والدين والضمير فخذوا أعلى دروس الحريّة من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام).

 

45

إنّ الظلم يتحدّاك، وإنّ الهوى يتحدّاك، وإنّ الشيطان يتحدّاك، وإنّ قوى الإغراء، والتهديد والوعيد، والتهويل تتحدّاك، فهل تصمد؟ هل تبقى حسينيًّا؟ إذا قالت لك الشهوة: أنا شهوة، هل تقول لها أنا حسيني؟ قولوا: لبيك يا حسين. قولوا لكلِّ رغبة ساقطة ولكلِّ شهوةٍ سافلة ولكلِّ فرصةٍ شيطانيةٍ مُغرية – قولوا لها -: نحن حسينيّون فوق كلِّ ذلك.

 

46

لا بدَّ من انضباط، كربلاء كلّها انضباط؛ أيّ مقاتلٍ في كربلاء ما كان يتقدَّم أمر الحسين (عليه السلام)، كان أحدهم يحترق؛ من أجل نيل الشّهادة، ولكنّه لم يكن يراها شهادةً إلاَّ بأنْ يكون إذنٌ من الحسين (عليه السلام).

كانت عواطفهم مشبوبة، ونفوسهم تغلي، وإباؤهم وشموخهم يريد أنْ يسارع بخطاهم إلى الموت، إلى الشّهادة، ولكن قد رُبُّوا على أنَّ العاطفة يجب أنْ تسير في الخطّ الإلهيّ الصّحيح. وعي العباس (عليه السلام)، فهمه السياسيّ، إيمانه الكبير، شجاعته، استهانته بالموت ما كانت تسمح له بأنْ يتقدَّم الإمام الحسين (عليه السلام) في كلمة.

 

47

ثورة كربلاء ليست ثورة قبيلة ولا ثورة مذهب ضد مذهب.. ما كان يزيد يمثل مذهباً من المذاهب الإسلامية. وليس هناك مذهب من المذاهب الإسلامية اليوم يشرفها أن تنتسب إلى يزيد وأن تتخندق مع يزيد في مواجهة خندق فيه الإمام الحسين (ع).

 

48

عاشوراء للتأكيد على الهوية الإسلامية الخالصة؛ فلا شرقية ولا غربيَّة وإنما صراط إلهي مهيب لاحب… صراط القرآن والسّنة. والقرآن والسّنة وأهل البيت (عليهم السلام) مثلث متكامل؛ فلا مباينة ولا مزايلة وإنما ملاقاة ومعانقة، وانسجام واندغام..

 

49

عاشوراء من أجل أن يرفع من مستوى فكرنا ووعينا فنقرُبَ شيئًا ما من الفكر العملاق للإمام الحسين عليه السلام، وأن نستضيء روحيًّا من أنوار روحه وهداه فتشفّ حياتنا بدرجة، وينتفض إيماننا فنقوى، وتتصلب إرادتنا في الخير فنندفع على طريقه، وتشتد عزائمنا فنكون قادرين على المقاومة، ونتعلَّم على يده من خلوص القصد لله سبحانه واسترخاص التضحية في سبيله ما تعِزّ به حياتُنا وتكرُم اليوم في الدنيا، وغدًا في الآخرة.

 

50

يا رجال الأمّة ونساءها، يا شيوخ الأمّة وشبابها وناشئتها، إذا أردتم أنْ تكونوا أقوياء فكونوا على ذِكرٍ من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم أنْ تكونوا مُضحِّين فاستلهموا روح التضحية من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم وعيًا سياسيًّا ورساليّة نادرة فاطلبوا ذلك من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)..

 

51

إذا أردتم صمودًا وثباتًا على الحقِّ لا يردّكم عن ذلك صعوبةٌ أو موت فتعلَّموا الصمود والثبات من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم التحرُّر من الدنيا وكلِّ ما تضغط به على العقل والدين والضمير فخذوا أعلى دروس الحريّة من الحسين ويوم الحسين (عليه السلام)، إذا أردتم عشق الشهادة النابعة من عشق الله فإنّه يقدِّمه لكم حيًّا وفيًّا الحسينُ ويومُ الحسين (عليه السلام).

 

52

إنْ كنتم تطلبون نصرًا في ساحة المعركة مع النفس، ومع كلِّ الأوضاع الجاهليّة، ومع كلِّ المغريات، ومع كلِّ التوعُّدات والتهديدات والتهويلات، فخذوا إرادةً وعزمًا وتصميمًا من إرادة وعزم وتصميم الحسين (عليه السلام).

 

53

الانتماء للحسينِ (عليه السلام)، بمقاومة وساوس النفس وشهواتها، وضعفها وضغطها، وهواها في الخلوات والانتشار، حين نجتمعُ وحين ننفردُ بأنفسنا، الانتماء للحسين لمقارعة كلِّ ظلم وكلِّ استكبار وكلِّ طغيانٍ في الأرض.

 

54

مَنْ جهِلَ الحسين (عليه السلام) جهِلَ الدين، لا تجهلوا ذلك فتجهلوا الله (تبارك وتعالى)، ومَنْ جهِلَ الله كان من الأخسرين، الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة، فالتمسوا الهدى واطلبوا النجاة بالانتماء الصادق للإمام الحسين (عليه السلام).

 

55

ما استُشهد الإمام الحسين عليه السلام ليموت، ويُنسى، ويُهمل وينتهي أو يُهمّش. إنما استُشهد ليبقى، ويُذكر، ويكون محلَّ نظر الأجيال، ومحطّ أملها، ويدوم، ويأخذ موقعه في الصَّدارة…يقود هذه الأمّة على طريق ربّها، ويأخُذُ بها إلى هدايات السماء، ومنهجها المنقذ، ويُصحِّحُ إرادتها، ويُنقذُها من محاولات الوئد، ويُثيرُ في داخلها شوقَ الحرية، والاعتزاز بالكرامة، ويُخلِّصها من الصّبر السّلبيّ على الظلم والتخلّف وأسر الذل، ومن هزيمة النفس في طريق الحق..

 

56

يوم كربلاء لشهادة لا إله إلا الله، ولتملأ هذه الشهادة بهُداها كل ساحات الحياة، ولتقود حركة الإنسان، وتقضيَ على الطاغوتية في الأرض، وتُذِلَّ المستكبرين. ولتستبدل عن الجهل علماً، وعن الظلم عدلاً، وعن الهوى حُكماً للدين والعقل والحكمة.

 

57

يوم كربلاء لتمنع أن يستعبد إنسانٌ إنساناً، وأن يدخل إنسانٌ في عبادة إنسان، ويرضى بألوهية الطاغوت.

  

58

يوم كربلاء لشهادة أنَّ محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأن لا بديل للنّاس عن نهج الحياة الذي جاء به عن ربِّه، وعن دينه الذي ارتضاه له وللناس أجمعين، ولا قيادةَ لهم إلاَّ من خطِّ قيادته، ولا يأتمنُ أمرَهم إلا من اقتداه، واهتدى بهداه، واستنَّ بسنته، وأتقن فقه شريعته، ولم يكن له توجهٌ إلا لله.

  

59

يوم كربلاء يوم الحسين عليه السلام لتنتهيَ قيادات السوء من وجود الأمة، وفي كلّ العالم، ويختفيَ جميع الأقزام من موقع القيادة، ولا يُهانَ الإنسان وتُسحق كرامته، ويُستلبَ وعيُه، ويُضلَّلَ عن هدفه.

 

 60

يوم كربلاء حتى لا تتحوَّل الحياةُ الكريمة المسئولة للإنسان إلى مأساة وملهاة، بعيداً عن بناء الذّات، والسّير على طريق الغاية الرّفيعة التي ارتضاها الله سبحانه لعباده، وأهّلهم لبلوغها، ومَنَحَ لهم نور هداها، وفتح واعيتهم عليها، ودلّهم على طريق السلوك إليها.

 

 61

يوم كربلاء يوم الحسين عليه السلام لحرمان الطّامعين من أهل الهوى والقامات الإنسانية القصيرة، والمستويات المعنوية الحقيرة من التحكُّم في مصير هذه الأمّة، وأيِّ أمّة، والعبث بثروات الأرض وكنوزها، وبعثرتها كما يشاء الهوى، ويشاء الظلم، ويشاء السَّفَه، وتُحبُّ الشهوات. وحتى لا يُظلم الإنسان، ويُذلَّ وتُسلبَ إرادتُه، ويُخوّف، ويقلق وتُقيّد يداه بما أنتجته من أسباب قوّة سيطر عليها الظالم، ومال تصبّب من أجله عرقه، وأعطى قوّتَه وشبابه، وَسَرَقَتْه أيدي الظالمين.

 

 62

يوم كربلاء يوم الحسين عليه السلام من أجل ألا يكسر طغيانُ الظلم، وشدةُ البطش الذي تمارسه القِوى الحاكمة الظالمة إرادةَ الشعوب والأمم، وتنهار نفسيّتها فتقعَ في الذُّلّ الدائم، والهوان المقيم، وتُصاغ كما يشاء لها هوى الظالمين.

 

 63

يوم كربلاء يوم الحسين عليه السلام من أجل ألا يبقى الفهم الزُّور، والتطبيق المكذوب لعنوان أولي الأمر في قوله تعالى:{… أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ …} على يزيد وأمثاله حاكماً لعقليّة الأمّة، ومُهيمِناً عليها، فيكون مؤثِّراً على إرادتها في مقاومة ظلم الظالم، وانحراف المنحرف، واستكبار المستكبر من حُكّام أمَّةٍ أراد لها الله عزَّ وجلَّ أن تكون الأمة الوسط التي لا تميل عن خطِّ الحقّ والعدل والهدى، ولا تُفرِّط في شيء من ذلك، وأن تكون الأمّةَ الشاهدة على سائر الأُمم، والمنار لكل العالم.

 

64
مطلب ثورة كربلاء عودة الأمّة للإسلام الحق وتوحّدها على موائد هُداه، انطلاقًا لوحدةٍ إنسانيّة شاملة تسعد فيها كلّ الشعوب والأقوام والأقطار، ويكون الناس إخوانًا وأمّةً واحدة.

 

65

ثورة كربلاء لم تكن بمنظورٍ جغرافيٍّ قصير، لا تريد أن تقف عند إصلاح شأن الجزيرة العربية وشأن الداخلين في حدود الدولة الإسلامية يوم ذاك، إنّها ذات نظرٍ أبعد ما يكون، وأسمى ما يكون، وأرحم ما يكون، وأعلم ما يكون، إنّها تستهدف سعادة البشريّة كلّها، وحدة أبناء الإنسانيّة كلّهم.

 

66

إنّ علينا أن نعلم ونتذكّر أنّ هدف الإمام الحسين عليه السلام في معركة الطف على تبايُنٍ كاملٍ من هدف الحزب الأموي، منظور الحسين عليه السلام متّجهٌ إلى الله سبحانه، والله سبحانه ربّ الجميع، خالق الجميع، الرؤوف بالجميع، ورحمته شاملةٌ للجميع، أمريكي روسي مكّي لا فرق بينهم، كلّهم عبادُ الله وكلّهم محلّ عناية الله ولطف الله، ودين الله للجميع، والله يريد إنقاذ الجميع من خط النار، ومن المصير الأسود، ومن شقاء الدنيا ومن شقاء الآخرة.

 

67

إنّ منظور الإمام الحسين عليه السلام من ثورته وحدة الأمّة على هدى ربّها، واتخاذها منطلقًا للوحدة الإنسانيّة الكُبرى، وهدف إحياء عاشوراء إنّما هو من هدف الحسين عليه السلام، ولا يصحُّ أن يحيد عنه قيد شعرة، فلا بدّ أن نكون وحدويّين، ومن أجل أن نكون وحدويّين بالحق ونستهدف الوحدة الحقيقية النافعة للأمّة وللإنسانية لا بدّ أن نكون إسلاميّين، وألاّ نقبل أيّ تزويرٍ للإسلام، وألاّ نجامل على الإسلام وصفائه ونقائه، وألاّ نمسّ تعليمًا واحدًا منه بأيّ تغيير.

 

68

ينبغي أن يشدّنا موسم عاشوراء إلى هدف التوحّد للأمّة على هدى الإسلام، وحول محور التوحيد والعبوديّة للواحد الأحد القهّار، وكذلك توحّد المجتمع الإنساني كلّه حول المحور نفسه، وهو المحور الوحيد القادر على جمع كلمتها ورعاية مصالحها بعدل، فإنّه علينا – مع ذلك- أن ننشط من وحي ثورة عاشوراء، وعلى خطّ همّها الكبير، وأخذًا بهدفها المقدّس، وخدمةً لقضيّة الإسلام والإيمان، وتثبيتًا للأمّة على خطّه.

 

69

ينبغي أن يشدّنا موسم عاشوراء إلى أن ننشط في التضامن الذي دعانا إليه الإسلام وحثّنا عليه في مجتمعنا الإسلامي المؤمن. فلا يجوع أحدٌ بيننا نستطيع سدّ جوعته، ولا يشقى مريضٌ بمرض نستطيع علاجه والتخفيف من مرضه، ولا نترك مسلمًا بلا منزلٍ نستطيع أن نُنقذهُ من محنته، ولا ندع مظلومًا يُعاني من ظلامته ونحن على قدرةٍ لرفع هذه الظلامة، لا نترك لجاهلٍ يبقى على جهله، لضالٍّ يبقى على ضلالته، لواقعٍ في شبهة تأخذ من إيمانه شبهته ونحن نستطيع تخليصه من جهله وضلاله وشُبهته.

 

زر الذهاب إلى الأعلى