آية الله قاسم يفتتح الحديث القرآني باستخلاص دروس “سورة الحمد”

افتتح سماحة آية الله قاسم الحديث القرآني الذي يقام في مقر جمعية التوعية الإسلامية في الدراز بتناول “سورة الفاتحة”، مؤكداً أن هذا اللقاء مائدته تتجه إلى محاولة الاستفادة من بعض الدروس من القرآن الكريم، نافياً أن الطرح سيتجه إلى تفسير الآيات وإنما هو محاولة وسعي للاستفادة من بعض إنارات وإشعاعات كتاب الله العزيز الحكيم، وقد تمر التوضيحات ولها صلة بالتفسير تكون طريقا للاستفادة من هذا الدرس أو ذاك الدرس.
 .
 للإستماع :

 

اضغط على الصورة لمشاهدة الألبوم :

 

IJ0A7116

للمشاهدة:

 وفيما يلي نص الحديث:

إضاءات قرآنية

“سورة الحمد”
الحلقة الأولى
3 شهر رمضان 1436هـ، 20-06-2015م

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

بارك الله لنا ولجميع المؤمنين والمؤمنات أجمعين هذا الشهر الكريم ورزق الجميع صيامه وقيامه وهو شهر القرآن الكريم بمعنى أنه ربيع القرآن وهو ربيع والقرآن ربيع وكل منهما فيه حياة القلوب.

هذا اللقاء مائدته تتجه إلى محاولة استفادة بعض الدروس من القرآن الكريم وليس هذا تفسيرا وإنما هومحاولة وسعي للاستفادة من بعض إنارات وإشعاعات كتاب الله العزيز الحكيم، وقد تمر التوضحيات ولها صلة بالتفسير تكون طريقا للاستفادة من هذا الدرس أو ذاك الدرس.

المختار اليوم هو الحديث حول سورة الحمد، والحديث لن ينصب إلى أخره في الشهر الكريم على السور وإنما قد يأخذ الحديث هذه الآية موضوعا أو تلك الآية موضوعا وقد ينحو منحا آخر بأن يتحدث بعض الحديث بما يجعله من نوع التفسير الموضوعي. مع سورة الحمد المباركة ومع الآية الأولى فيها وهي أول آية في القرآن الكريم “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” وهي الآية التي لكثر ما نكررها في صلاتنا وغير صلاتنا وما أحرى بنا أن نقف عندها لنقولها عن شيء من العلم ونقولوها ونحن نعي شيء مما تتضمنه من معاني كبار.

والحمد هي السورة الأكثر ومعها “قل هو الله” قراءة على لسان الإنسان المسلم ومن غير الصحيح مطلقا أن نكرر هاتين السورتين عمرنا كله من عمر التمييز ونحن لا نكاد ندرك من هاتين السورتين إلا شيئا من المعاني السطحية أو أن يقتصر الكثير منا على التريد اللفظي للسورتين المباركتين من دون أن يتلقى عقله منهما علما وقلبه منهما شعورا كريما وطهرا ونقاوة.

” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” عندنا كلمة إسم وكلمة الله وكلمة الرحمن وكلمة الرحيم، وقبل أن ندخل في التركيب نقف مع المفردة لنتبين معناها في هذه الآية الكريمة، لفظة الإسم يقولون أنه مأخوذ من السمو بغض النظر بأنها تعني أسم الله عز وجل أو أسم غيره، وكيف يكون الإسم سموا؟ المسمى يبقى غير مذكور وغير معلوم وبإطلاق إسم خاص عليه ينتشر ذكره ويُعلم ويكون له الظهور من حيث الذكر في الآخرين وهذا كأنه فيه سموا ورفعة للمسمى. ولدك أو ولدي لو بقي من غير إسم طول حياته لا يكاد يعرف وإن عرفه قليل، وباسمك أنت تعلمك الدنيا خاصة في هذا مثل هذا الوقت، أو أن الأسم مأخوذ من السِمة والسِمة هي العلامة ولأن الإسم علامة على المسمى أطلق عليه هذا العنوانو أطلق الإسم على المسمى بما أنه علامة ودليل عليه. الإسم يكون للشيء الصغير والكبير والشيء الحقير والشيء العظيم والعِبرة بالمسمى.

هنا الله تبارك وتعالى يبتداء قرآنه ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ” هل هذا الابتداء بقول ” بِسْمِ اللهِ ” وهي أول آية هل الله يبداء العمل باسمه؟ وهل يشرف هذا العمل لأنه عمله؟ أو أن هنا أمرا للعباد بأن يقولوا ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ “؟ منهم من يقدر قولوا وأبدؤا ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ” أبدواء قراءتكم وتلاوتكم وأبدؤا تعاملكم مع القرآن بـ ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ “.

“اللهِ” لفظة الجلالة هو وجود لفظي للذات المقدسة، وحروف كلمة “اللهِ” هو ليس الله وهذا لفظ موضوع إسما للذات المقدسة، وهذا وجود لفظي وهو عبارة عن حروف مرة مكسوة ومرة ملصوقه، فتكتب الحروف الألف واللام المدغمة والهاء فتنشأ عندك كلمة مكتوبة هي كلمة “اللهِ”  أو تقولها على لسانك وتظهر هذه الكلمة كلمة “اللهِ” فهل هذا هو الله عز وجل؟ لا ليس هو.

هذا اللفظ لا فاعلية له ولا خلاقية أي لا يخلق وفي حد ذاته لا يداوي وهناك وجود ذهني عن الله ووجود فكري عن الله في ذهننا وتصور أن للكون خالقا وتصور في ذهنك أن وراء كل الممكنات الناقصات كاملا هو الله، وهذا التصور وهذه الصورة في الذهن هذه ليست الله فالله هو الخالق وهو الفاعل والمدبر والرازق والمتصرف وهو المريد وهو الذات الإلهية المقدسة خارج الذهن، وليس هو الوجود الذهني وإنما هو وجود حقيقي حيّ عليم قدير مريد ذلك هو الله تبارك وتعالى.

حين نقول “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” مأخوذان من الرحمة ولكن هل بينهما فرق؟ منهم من ينكر الفرق بينهما والكثير يرى بنهما فرقا فكل منهما فيه مبالغة في اللفظ كمثل الرحمة الشديدة والواسعة، أو فلان راحم أي له شيء من الرحمة وله رحمة أو يتصف برحمة وحين تقول رحيم أي شديد الرحمة وغزير الرحمة، والرحمن عندهم تعني سعة الرحمة “الرحمة الواسعة التي وسعة كل شيء” فالرحمن هو من له الرحمة الواسعة التي لا تضيق عن شيء، والرحمة التي ينال منها الكفر وينال منها المؤمن وينال منها الأحياء من الإنسان والحيوان والجماد وكل شيء في الكون تغمره رحمة الله، الرحمن ليس هو المتصف بالرحمة بحسب وإنما المتصف بالرحمة التي وسعت كل شيء، ولذلك يأتي الحديث عن الإمام المعصوم عليه السلام بأن الرحمن إسم خاص بصفة عامة وهو أسم خاص بمعنى ولا يطلق إلا على الله عز وجل ولا تستطيع أن تسمي أحدا باسم الرحمن، والرحمن أسم خاص به عز وجل، وهو ذو صفة عامة بحيث أن الرحمة والتي يحملها هذا الوصف تعم كل شيء، فالصفة التي تتحدث عنها صيغة الرحمة هي صفة عامة وليس لها دائرة معينة وتنطبق على جميع الخلق فرحمة الله وسعت كل شيء.

بينما الرحيم إسم عام بصفة خاصة، إن رسول الله “بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ” فالآية تصف رسول الله أنه بالمؤمنين رءوف رحيم وتقول أن فلان رحيم بعياله، فصفة رحيم يمكن أن تطلق على غير الله ولكن بقيد، بينما رحمن لا تطلق على غير الله سبحانه وتعالى فإسم الرحيم يطلق على الله ويطلق على غيره ولكن الرحمة التي يتضمنها على القلب وهذه الصغية من اللفظ هي الرحمة الخاصة، الله رحيم بالرحمة الخاصة بعبادة المؤمنين، ورحمن بكل عبادة وكل خلقة ورحيم بعبادة المؤمنين وأكبر رحمة لعبادة المؤمنين هي هدايتهم إليه.
هذه الرحمه لم تعطى مجانا وإنما مطلوب أن يصل إليها الإنسان بجهد ورحمانية الله عز وجل لا يحتاج بلوغها إلى جهد فهي تصل حتى الحجر والمدر والشجرو الكافر والمؤمن، فحتى يستفيد الإنسان من صفة الرحيمية لله عز وجل في قبال الرحمانية عليه أن يسعى إليها بعض السعي وكلما سعى أكثر كلما نال منها أكثر على أنه فيما يُرى وفيما يميل إليه الفهم أن الرحيمية بدرجة ما تنال غير المؤمن وهذا يكون بأن هذا الإنهال من الله عز وجل من باب الاستدراج أو من باب إعطاء الفرصة والتروي والتأمل والتراجع، وتوبة الله عز وجل على الكافر هذه رحمة خاصة، فقد لا يخلو الكافر من الرحمة الخاصة من الله عز وجل -والله العالم- ولكن الحظ الأوفر من الرحمة الخاصة وأكبر درجة من الرحمة الخاصة تخص للمؤمن.

“بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” الله تبارك وتعالى هذا اللفظ موضوع علما على ذات الإله الحق الكامل المتعالي جامعِ كل صفات الجلال والكمال، أنت تقول عن ولدك زيد بأنه طويل وبأنه ذكي وبأنه هادئ فهذه صفات تعطيها ولدك وتقولها له عن استحقاق، ولكن عندما تقول “ولدي طويل” كلمة طويل لا تغطي كل ذات زيدٍ ولدك ولا تشير إلى كلِ خصائصه وكل مقوماته وكل حدوده وإنما تشير إلى صفة الطول فقط وهي صفة خاصة وكذلك صفة الذكي تضع أصبع السامع على على ناحية وحيثية واحدة وصفة واحدة من صفات هذه الذات وأجهل كثير من صفاته وكلمة ذكي لا تقدم لي صورة ولا تحكي لي أبنك بكامل خصائصه ومواصفاته ومقوماته، وكلمة ذكي تحكي عن جنبه واحده محدوده مما لولدك، ولكن عندما تطلق كلمة محمد أو زيد على ولدك أو أي إسم آخر ليكون هو الأسم الرئيسي العلم الذي يتحدث عن كامل الذات، فحين تقول “جاء محمد ولدي” فأنت لا تتحدث عن ذكائه فقط وإنما تتحدث كل خصائصه ومقوماته ومواصفاته وحدوده وتنقل لي صورة ذات متعينه معينه متميزة عن كل من عداها من الذوات ولا يختلط بأي ذات ثانية.

“الرَّحْمنِ” إسم لله و “الرَّحِيمِ” إسم صفة فحين تقول أسماء الله الحسنى فهي صفاته العليا فالرحمن والرحيم أسم من الأسماء الحسنى، الحي والقادر والعليم والحكيم وغيرها من الأسماء فهناك أسماء للذات وهناك صفات لأفعاله بما هو فاعل، وأما  لفظ الجلاله “الله” فهو الأسم الجامع لكل صفات الكمال والجمال والجلال لله تبارك وتعالى على أنه لا تعدد في ذات الله ولا إثنينيه ولا تركيب وكذلك لا تركب في صفاته.

نقول عنه خبير ونقول عنه حي ونقول عنه قادر ونقول عنه عليم وليس هناك علما هو ليس قدرة لله عز وجل ولا قدرة غير العلم فحياته قدرته وقدرته حياته وعلمه حياته وحياته وعلمه وقدرته، وصفاته ليست متعددة في الخارج فهذا التعدد ذهني تحليلي نحن نحلل صفات الله عز وجل الكامل والذات المقدسة نحللها إلى ذات وصفات في ذهننا وهذا تصرف ذهني فقط وصفات إلى علم وقدرة وحياة، إلا كما يقولون صفاته عين ذاته وذاته عين صفاته وعلمه عين قدرته وقدرته عين علمه هو هو نفسه.

إن هناك فرقا بين أن نقول الرحمن أو الرحيم أو القادر أو العليم وبأن نقول “الله” فقولك الله فهذا يحكيك الذات المقدسة بكل ما فيه من التحليل الذهني من صفات للذات المقدسة وصفات الكمال أو صفات الجمال فالله هو الإسم الجامع للذات المقدسة.

“بِسْمِ اللهِ” الباء هنا لها وجهان كما قالوا إما إنها للابتداء والافتتاح أو أنها للاستعانه، “بِسْمِ اللهِ” بمعنى استعين بالله، أو بمعنى افتتح تلاوتي أو افتتح عملي أو افتتح قولي “بِسْمِ اللهِ” فالباء هنا هل تريد أن تفهمنا بأن افتتاح الأمور أو افتتاح الأمور أو افتتاح العمل يكون “بِسْمِ اللهِ”؟ أو تريد أن تفهمنا بأن نستعين “بِسْمِ اللهِ” في كل عمل وكل قول، فحين تأكل وتشرب وكل عمل تقول أستعين بالله أو أفتتح بالله، يقول أحدهم: “أنني باسم الشعب أفتتح هذه المشروع الكبير” فهنا ليس استعانة، فمرة يقول أنه يمثل الشعب ومرة يريد أن يعطي العمل شرفا وعظمة وأبهة والكلام حول مشروع فرد ووراءه قوة فرد وراءه منزلة فرد “باسم هذه الأمة العظيمة أدشن هذا المشروع” وكأنك تريد أن تعطي هذا المشروع شرفا وعظمة عز وخلودا فهذا ليس مشروع فرد يذوب بسرعة وإنما هو مشروع أمة فالافتتاح يأتي بهذا المعنى.

فحينما نأخذها على معنى الافتتاح يعلمنا أن أي عمل نريد أن ننتسب به إلى الله وأن تضيفه إلى الله وأن يتشرف بنسبته إلى الله وأن يعز ويخلد ويثمر فهذا القول مختار أو لا؟ مناسب أو لا؟ شريفا أم لا؟ وهل يصح نسبته إلى الله عز وجل أو أي عمل؟ فذاك يأتي بحرام ويأتي بخسيس من القول أو العمل ويوقل “بِسْمِ اللهِ”؟ وكأنه يوقل أبتداء بهذا العمل وهذا القول “بِسْمِ اللهِ” فهذا لا يناسب ولا يليق، فنتعلم من “بِسْمِ اللهِ” بأن كل قول لنا وكل عمل أن نقول “بِسْمِ اللهِ” وكل قول عظم أو صغر كما عن الإمام الباقر عليه السلام، فإذا كان مطلوب مني أن أقول “بِسْمِ اللهِ” في كل عمل كبر أو صغر، عظم أو حقر في وزنه النسبي -بالنسبة لغيره- ولكن لا يحقر في معناه ولا في نظافته ولا في طهره فلا يكون في أي عمل رجس أو قول قذر وأشرع فيه “بِسْمِ اللهِ”. ذاك يريد أن يهدم العقول والنفوس بقول فلا يصح أن أبتداءه بقول “بِسْمِ اللهِ” فعليه أن يبتداءه بإسم الشيطان ولا يفتتحه بإسم الله.

والاستعانة، ذاك يريد قتل هذا المؤمن فهل يقتله مستعينا بالله -إن كانت الباء للإستعانة-؟ أو ذلك البعيد يزني هل يصح أن يقول استعين بك يا ربي في الزنا؟ هذا لا يليق، فعلينا أن نختار ما هو الحسن بل ما هو الأحسن في أعمالنا وأقوالنا ونحن نشرع فيها “بِسْمِ اللهِ” ونستعين فيها “بِسْمِ اللهِ”.

هنا الاستعانة بالله أو “بِسْمِ اللهِ” أو بالإسم اللفظي؟ لا يوجد الاستعانة بالإسم الفظي وإنما الاستعانة بذات الله ويوجد استعانة “بِسْمِ اللهِ” لأن الإسم كما يطلق على إسم الرحمن يطلق على صفة الحقيقة الواقعية هو إسم لله عز وجل، وكلمة الرحمن أسم لله عز وجل وورائها إسم آخر له الشأن الكبير وهو الرحمة الحقيقة الواقعية التي يتصف بها الله عز وجل والذي نتمسك به هو الرحمة الواقعية الحقيقة وليس اللفظية.

فقولي “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” فأنا اتمسك بذي الجلال والإكرام والقدرة والعلم والإرادة المطلقة وبالذات الجامعة لكل صفات الجمال والجلال والكمال، وأشرف عملي وأخلد عملي فاطلب له الخلود والعطاء الثر والقيمة العالية بنسبته واببتداءه وبافتتاحه منسوبا إلى الذات الإلهية وليس إلى لفظ الله، وشرفه ليست بنسبته إلى لفظ وإنما للذات المتعالية.

والاستعانة ليست باللفظ المكتوب على الورق وليس بالحروف وإنما بذات الله عز وجل الذات الكامل المريد الفاعل العليم الحي الذي لا يموت وتشرف الأعمال وخلودها بنسبتها لله سبحانه وتعالى ذاتا.

فالاسم عند بعضهم أقيم مكان المسمى فولك “بِسْمِ اللهِ” قد أقيم الإسم مقام المسمى والمقصود المسمى، فتقول “مررت بزيد” فالباء سلطتها على ذات زيد وليس على لفظة زيد، فلصقت مرروك بزيد عن طريق لاصق معين وهو الباء ولكن مرورك الخارجي بذات زيد وليس بلفظة زيد، ويقولون أن ما هنا على حد ما هناك فأقيم الإسم مكان المسمى “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ”.

لم تقل الآية بإسم الرحمن ولا بإسم الرحيم فلم تكتفي بالرحمن ولا بالرحيم ولا بالرحمن الرحيم وإنما قدمت إسم الله، العبادة وابتداء الاستعانة وشرف العمل وخلوده يكون بالتوجه إلى الله تبارك وتعالى بكل ما له من صفات، ولفظة الله جعلت عملك مربوط بذات الله تبارك وتعالى بكل ما لها من كمال وجلال وجمال وبالقدرة والحكمة والعلم والحياة وليس بصفة خاصة ولكن صار التركيز وذكرت صفة الرحمانية والرحيمة، لماذا؟ فلما لم تقل القدير العليم الخبر الرحمن الرحيم الحكيم وغيرها من الصفات والاسماءونما اكتفت بالرحمن الرحيم؟ تقول وأنت في ظرف لا ينجك منه أحد ولا ترى قدرة يمكن أن يتدخل في أمر إنقاذك فتقول “يا الله يا قدير” وأنت يائي وتوجه جهة عجز من كل الاصدقاء والأحبة ومن كل الدنيا وكل ما في الكون عن إنقاذك فتتحدث عن وصف القدرة لمن تلجئ إليه، “يا من لا قادر غيره” “يالله يا قدير” محتاج فقير مردود ممن سأل “يا جواد يا كريم” يستعطف بصفة الجود في الله عز وجل، مذنب غارق في ذنبه قد استيقظ من سباته يقول “يا تواب يا تواب” يستغيث بصفة كون الله توابا على عباده فهنا، استعانة تتناسب مع صفة الرحمانية والرحيمة وبالتعلق بالرحمة العامة الواسعة والرحمة العامة في كلمة الرحمن والرحمة الخاصة في كلمة الرحيم، لهذا اختير من بين الصفات الأخرى من صفات الله عز وجل هذان الوصفان “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ”.

الله عز وجل وهو العظيم المطلق القادر الذي لا يهاب أحد ولا يخاف أحد ولا  يحتاج إلى أحد ولا داعي عنده من ضعف لأن يتودد لأحد يتعامل معنا بالرحمانية والرحيمة، فأول آية في القرآن الكريم يذكر فيها هاتين الصفتين من صفاته سبحانه “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” ليقول لنا عن سعة رحمته وعن غزارة وشدة رحمته لمن تعلق برحمته وهو العظيم سبحانه وتعالى وهذه الآية الشريفة ونحن نقرئها كثيرا كثيرا في قيام أو قعود أو صعود أو نوم أو يقظة ويعلمنا ويوصينا الله عز وجل بذكر أسمائه الله الحسنى بأنه الحي والعيم والقدير واللطيف وأنه الرؤوف ليس لنسمع ولنعلم فكل القرآن ما جاء إلا ليصوغنا وليصنع إنسانينا إنسانية في أعلى درجات رقيها ونضجها وكمالها وتلقينا للإسماء الحسنى وإيصال الأسماء الحسنى لنا ذكرا من أجل نري أنفسنا على ضوئها ومن أجل نقبس منها في فكرنا وشعورنا وسلوكنا ما نستطيع اقتباسه، وأن نأخذ بذواننا على طريق هذه الأسماء و فيضوئها.

فحينما يقول الله عز وجل أنه “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” فأنا العبد حينما أسمع عن ربي وعن معبودي بأنه “الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ” فعليّ أن لا أكون القاسي والجافي لعباده ولا أكون الشديد عليهم أو المؤذي لهم بل عليّ أن أءخذ من رحمانيتة رحمانية فتصل حتى الكافر وتصل حتى الحيوانو وتصل حتى الجماد.

فحينما يقول الرحيم ويتحدث هذا الوصف عن الرحمة الغزيرة الشديدة فعلي أن لا أكون مع إخواني المؤمنين نهابا ولا أفتك بعرض فلان ولا ألوّث شخصية فلان بإعتدائي على عرضه وهو صغير ولا أهتك حرمة فلانة أو أحتال ألف حيلة لسحب المال من الآخرين عن طريق الحرام ولا أعتدي بل أهمل شأن يتم أو فقير أو مريض وأنا أملك أن أنفعه بشيء.

فلو سرت الرحمة في نفوسنا ومجتمعاتنا لكفت كلا منا عن أن يصل للآخر بشر، وأنت رحيم كيف يصل أخاكم منك شر عن عمد، وأنت رحيم كيف تكف خيرا عن أخيك وهو يحتاجه، فهذه الصفة صفة الرحمة لو سرت فينا لأصلحت كل مشاكلنا وأصلحت الكثير الكثير وسأكون سندك وستكون سندي وسأكون سترك وتكون ستري وتكون محل استغاثتي وأكون محل أستغاثتك ولن يصلك مني شر ولن يصلني منك شر، والآية الكريمة تخاطبنا بهذا.

والحمد لله رب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى