مقال : آية الله قاسم قارئُ مستَقبلٍ وصانع تاريخُ ( شرارة ١٤ فبراير ٢٠١١ مثالا )

تحديداً قبل ٣ أيام من الموعد المقرر في ١٤ فبراير ٢٠١١ كانت الأنظار متوجهة إلى منبر الجمعة وخطاب سماحة آية الله قاسم في ظل تزاحم الأحداث في أهم الأمصار والبلدان العربية.

كان يوم ١١ فبراير ٢٠١١ يوماً يترقبه القريب والبعيد، القاصي والداني: كيف سيقرأ قاسم هذه الأحداث؟ كيف يراها؟ كيف تنعكس على البحرين …. وماهي اللَبنة التي سيضع فيها لتغدو بنياناً قويماً رصينا.

بدأ الشيخُ كلمة المرتقبة بعنوان ( الاحتياط المبكر حكمة ) وهي كلمةٌ فيها من النُصح والاستشعار للطرف المقابل مايكفي.

ثم بدأ بإيجاز صورة الحدث فقال ( ما يحدث ليس صدفة، ولا مفاجأةً كاملة، ولا شذوذاً في سير التاريخ، ولا خروجاً عن صنعه ).

وقد أسهب في رصّ كلمات الحلول والمعالجة والاستبصار لمن كان له قلب، وماكان لهم من قلب، فأتتهم الراجفة، إذ ألحقَ آية الله قاسم ماقاله بعبارةٍ تاريخية لازالت أيقونةً في نفوس فتية البحرين رجالها ونسائها حين قال ( والطوفان بدأ لا ليهدأ، ولا ليقف عند حد بلدٍ وشعب، وهو غير قابلٍ للالتفاف والمغالطة والتخدير والتأجيل ).

اختلطت الأنفاسُ في الجامع بين شهيقٍ وزفير كان المشتَركُ بينهما طمأنينة الصدور والعقول التي تجسدت بمدّ الأعناقِ أكثر ….

حذّر أن الشعوب لم تُعد تقنع بالقليل، وعظ لسلامة الوطن وشعبه قارئاً بِبُعد ( وقد رأينا أن ما يمتنع عن إعطاءه للشعوب اليوم، لا ترتضيه غداً على مضاعفته )

تحدث قاسم عن السخاء بالمغريات التي يريدها الطغاة مانعاً لحدوث الطوفان فأوجز ( وأن الذين يتذرعون بألوان التذرع، ويعتذرون بألف عذر عن الإعطاء للقليل والتغيير في حال السعة، يعلنون عن استعدادهم للإعطاء الواسع والتغيير الكثير إذا ضاقت بهم الأمور، وعند فوات الأوان ).

ولكنهُ يؤكد عدم سقوط مطلب التغيير قائلاً ( ومطلب التغيير والتطوير قائم في هذا البلد منذ سنواتٍ وسنوات، وقد كلف الكثير ولازال يكلف، وهو مطلبٌ لا يقبل السقوط والتجاهل ).

أمران مهمان وضعهما قاسم في دستور الطوفان الذي قد ينطلق ( وقد تكرر أمران من هذا المنبر، أولهما: أن المطالبة بالحقوق لا يصح التنازل عنها. والثاني: الأخذ بكل الأساليب السلمية في المطالبة دون غيرها من الأساليب ).

وقبل أن يختم عادَ الرجل البصير لقراءة المستقبل وعاد الرجل الفذّ لقراءة التاريخ بالنُصح لوُجهة الظُلم ( بمقتضى الحق قبل الظرف، وبمقتضى مصلحة الوطن وسلامته، انصح واطالب بكل قوة وتشديد، على تفريغ كل السجون ……. ) وفصّل في الأمر،  إلا أن الضرير لم يبصر نور العدل.

ختَم قاسم خطاب الطوفان قائلا ( أما من يستكثر المطالبة اليوم بهذه الحقوق، فهو يعيش زمناً غير هذا الزمن، وعقليةً غير عقلية اليوم ).

انتهى الخطاب، ولكن ثمة روحٌ أخرى نُفِخت في المشاركة في ١٤ فبراير، ثمة روحٌ خارقّة تولدت في إرادة الجماهير وشوقها للتحرر من الطين والأغلال، وشوقها للتنفس ….. إنها كلمةٌ خرجت من فَمِ مَن؟ وبصيرةٍ مَن؟ وقراءة مَن؟ وصناعة مَن؟ كلمةٌ لمن لم يعرف تأثيرها في نفوس الجماهير بـ فبراير ٢٠١١ فحتماً تيقّنَ بها في يوم التاسع من مارس الخالد.

السلام على الدماء الزاكيات
السلام على عِمّتكَ النوراء في حلكة الجور.

محمدهادي حسن
١٤ فبراير  ٢٠١٥

زر الذهاب إلى الأعلى