ناشيونال إنترست: تساقط أحجار الدومينو: الاضطراب الطائفي في البحرين

جنيف عبدو ولولوة رزق الله، ناشيونال إنترست
ترجمة: مرآة البحرين

بعد فترة وجيزة من الانتخابات البرلمانية في البحرين الشهر الفائت، داهمت القوّات الأمنية منزل المرجع الديني الشيعي والمرشد الروحي للمعارضة، الشيخ عيسى قاسم، وهو عمل يُعَد انتهاكًا للمقدسات وفقًا للأعراف الإسلامية.

زعمت الحكومة أنّها اقتحمت منزل الشيخ قاسم بحثًا عن إرهابي، لم يتم العثور عليه داخل المبنى. ولكن يشك الكثيرون في أنّ الهجوم جاء ردًّا على انتقاده العملية الانتخابية، غير الديمقراطية والتي تستهدف الأغلبية الشيعية من سكّان البحرين.

الشيخ قاسم، وهو ناقدٌ منذ زمن طويل لسلالة آل خليفة السنّية الحاكمة ويوازي موقعه في البحرين موقع آية الله العظمى السيد علي السيستاني في العراق، دعا الشيعة إلى مقاطعة الانتخابات، وهي نصيحة استجاب لها التيار الشيعي المعارض الأساس في البلاد، المتمثل في جمعية الوفاق الوطني الإسلامي. ونتيجةً لذلك، انخفضت نسبة المشاركة في الاقتراع انخفاضًا حادًا؛ وعلى الرغم من زعم الحكومة أنّ نسبة الإقبال بلغت 51% في الدوائر التي تتضمن مقاعد مفتوحة، قدّر البعض أنّ نسبة المشاركة كانت ضئيلة أي حوالي 30%. وفي أي حال من الأحوال، يُعَد هذا تراجعًا كبيرًا مقارنةً بنسبة المشاركة التي بلغت 67% في الانتخابات التشريعية الكاملة التي جرت منذ عامٍ واحد فقط.

وبشكل غير مفاجئ، أشعل الاعتداء على منزل الشيخ قاسم احتجاجات في البحرين. ولكنّ ماهو أبرز من ذلك هو أنّ الحادثة أثارت موجة من التّظاهرات الغاضبة من العراق، إلى لبنان وإيران وألمانيا، مظهرة الأثر العابر للأوطان للسياسة الطائفية في الشرق الأوسط. وبعد أربع سنوات تقريبًا من انطلاق حركة الربيع العربي، بما في ذلك الانتفاضة في البحرين في العام 2011، تلعب الهوية الطائفية دورًا ذي أهمية متزايدة داخل المجتمعات العربية.

واحدة منّ، وهي لولوة عبدو، شهدت هذا الأمر مباشرةً، خلال زياراتها للبحرين منذ العام 2011، حيث كان التباعد الطائفي في غاية الوضوح. إذ يتزايد التفاعل الاجتماعي بشكل منفصل لدى الشيعة والسنّة على حدٍّ سواء في الأماكن العامة، بالإضافة إلى التفرقة الذاتية في الجامعات أيضًا. وعلى الرغم من وعود الحكومة، لم يحدث إلّا القليل من التّقدّم على مستوى معالجة المظالم السياسية والاجتماعية-الاقتصادية للمعارضة. وحتّى قبل بدء الانتفاضة في البحرين، طالبت المعارضة، التي في فترة من الفترات تضمّنت تيارات سنّية مختلفة أيضًا، بانتخاباتٍ ديمقراطية لحكّام الدّولة، بما فيهم رئيس الوزراء، الذي يتم تعيينه حاليًا من قبل الملك.

والجدير ذكره أنه مقارنةً بالحرب الطائفية العنيفة القاسية في سورية، يُعَدّ الصراع في البحرين خفيف الوطأة. ولكن لا ينبغي تجاهله.

في وقت من الأوقات، كانت الدول والجهات الفاعلة غير الرسمية ذات الأغلبية الشيعية تتردّد في الدفاع علانية عن إخوانها الشيعة في البلدان الأخرى، لأنّ ذلك يسلّط الضوء على كونهم أقلية في المنطقة. بيد أنّ هذه المخاوف تلاشت في السنوات الأخيرة، بعد بروز عدد من العوامل التي أحدثت تحولاً في ميزان القوى الإقليمية لصالح الشيعة.

أولًا، شدّ بقاء نظام بشار الأسد في سورية وحكومة قوية يقودها الشيعة في العراق من أزر إيران وحزب الله. وثانيًا، ألقى ظهور الجماعات الجهادية السنية، كتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، بظلال سلبية على السنّة في المنطقة. لذلك، أصبحت القيادة الشيعية السياسية محط إعجاب الكثيرين. أما ثالثًا، فإنّ الإنفراج المتنامي في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، سواء كان حقيقيًا أو وهميًا، قلب المفهوم الذي يقول إنّ الشيعة هم المستضعفين في منطقةٍ يغلب فيها السنّة رأسًا على عقب. فأصبحت الجهات الفاعلة إقليميًا ترى في الشيعة قوّة يجب الاعتراف بها والتكيّف معها.

وكان هذا الأمر جليًّا نظرًا لموجة التّأنيب القاسية من قبل القوى الشيعية في المنطقة وخارجها عقب الاعتداء على منزل الشيخ قاسم. فعلى سبيل المثال، اتّهمت قناة العالم، التي يموّلها حزب الله، الحكومة البحرينية بإشعال نار الفتنة الطائفية و”ترهيب” الشخصيات الوطنية والدينية. أمّا حزب الله نفسه، فقد أدان الاعتداء، واصفًا إياه بـ “جريمة” فيها “إيغال في الاستهانة بالرموز والمقدسات، وإصرار على انتهاك كل القوانين والأعراف التي تحمي كرامات وحقوق المواطنين في البحرين”. في بغداد، تظاهر أنصار مقتدى الصدر ورددوا الشعارات أمام السفارة البحرينية. وفي ألمانيا، أصدرت رابطة العلماء والمبلغين بيانًا قالت فيه إنّ “سماحة الشيخ عيسى قاسم ليس شخصية بحرانية فقط، بل له امتداد في كل قلب مؤمن على كل بقاع الدول اﻹسلامية”.

وقد استنكرت الحركة الشبابية البارزة في البحرين، ائتلاف 14 فبراير -التي تتلقى وفقًا لتقارير استخبارية موثوقة تمويلًا من مصادر إيرانية بشكل غير مباشر- هذا الاعتداء، واصفةً إياه بـ “حماقة جديدة غير محسوبة العواقب يرتكبها النظام”. وفي إدانة للهجوم على منزل الشيخ قاسم، أصدرت إيران بيانًا رسميًّا تقول فيه “إنّ الإساءة إلى حرمة الرموز الدينية وإهانة القادة وعلماء الدين البارزين تعبّر عن فشل السياسة الأمنية والقبلية للحكومة البحرينية في معالجة احتجاجات الشعب البحريني السلمية”.

الحكومة البحرينية استنكرت فورًا البيان الإيراني باعتباره تدخلًا في شؤونها الداخلية. لطالما كان النظامان البحريني والإيراني خصمين، وقد أثار احتدام الصراع بين الشيعة والسنّة المزيد من التوتر بين البلدين على المستوى الدبلوماسي.

غير أنّ مداهمة منزل الشيخ قاسم لم تثبط عزيمته إذ واصل إلقاء خطب صلاة الجمعة الناقدة للحكومة البحرينية بشكلٍ متتالٍ. وفي إشارة إلى النّشطاء الشيعة في مجال حقوق الإنسان القابعين وراء القضبان منذ العام 2011، قال الشيخ قاسم في كلمة له: ” تدعوني للمشاركة في الانتخابات وابني أو ابن أخي… سجينٌ ظلماً عندك؟ ماذا تريد أن تقول لي؟ تريد أن تقول لي: أفعل ما أشاء بابنك وابن أخيك…وعليك أن تذعن وتخضع لي؟”.

 

31 ديسمبر/كانون الأول 2014

 

النص الاصلي

زر الذهاب إلى الأعلى