خطبة الجمعة (627) 5 صفر 1436هـ – 28 نوفمبر 2014م

الخطبة الأولى: من حقوق العباد والبلاد
الخطبة الثانية: من أحوال الأمم ، نتيجةٌ مُطَمْئِنَة ، ما كان الشعب جاهلا ، كلمة للشعب….للمؤمنين

للاستماع للخطبة : الجمعة (627) 5 صفر 1436هـ – 28 نوفمبر 2014م

الخطبة الأولى

       الحمد لله العالم بكل ما أذنب ويذنب المذنبون، والذي لا ينسى معصيةً من معاصي العاصين، ولا يستر أحدٌ كما يستر، ولا يرأف أحد كرأفته، ولا يُمهل كإمهاله. ومن رحمته يقبل التوبة، ومن كرمه يعفو عن الكثير من الذنوب.

       وقد وعد-وهو صادق الوعد، ولا مخلف لوعده-بمغفرة الذنب، وستر العيب على من تاب من عباده، والجزاء بالإحسان بأضعاف ما عمل المحسنون، وكلّ إحسان إنما هو بعطائه وتوفيقه.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله أيّام حياتنا لا تستوي راحةً أو تعبًا، صحّةً أو مرضًا، ولا تدوم كلّها سعةً أو ضيقًا، أو في أمن شهدته أو خوف، في خير يمرّ بها أو شر. أيام دنيانا لا تستوي في حال، ولا تستمرّ على وتيرة واحدة. إنها كذلك حياة فرد كانت أو أسرة أو مجتمع.

       وحياة هي كذلك ظروفها متقلّبة، وأوضاعها متحوِّلة، وكلّ يوم يواجهك فيها جديد تحتاج في مواجهتك لها، وتحمُّلك إياها إلى بناء عقلي ونفسي متين، وإرادة مقاوِمة، ونفسيّة قادرة.

       وكلّ ذلك لا يبنيه شيء كما يبنيه منهج الله المتمثّل في دينه الحقّ، وتقواه الصدق، والأخذ الجادّ بما دعا إليه دينُه، ودلّ عليه منهجُه.

       فلنطلب القوة والثبات على الحقّ والصمود أمام رياح التحديات العاتية، وسعادة الأولى والآخرة عن طريق منهج الله والتزام تقواه، ولا طريق إلى شيء مما نطلب من ذلك الهدف الأسمى غير هذا الطريق.

       فلنروّض النفس على تحمّل تكاليف دين الله.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم اجعلنا ممن يسمع القول ويتّبع أحسنه، ويعي الأمور ويأخذ بأقومها، ويعرف المناهج ويهتدي بأهداها يا من هو بعباده المؤمنين رؤوف رحيم.

       أما بعد أيها الأعزاء من الإخوان والأخوات المؤمنين والمؤمنات فالحديث تحت عنوان:

       من حقوق العباد والبلاد:

       ما من عبد من عباد الله إلّا وله حقّ على الآخرين، وعليه واجب. وهناك حقوق عامّة وحقوق خاصّةكحقّ المسلم على المسلم، والمؤمن على المؤمن، وكحقّ الأب على ولده، وحقّ الولد على أبيه.

       ومن الحقّ العام أن لا يأتي أحد ظلمًا لأحد، ولا يُحدث له ضررًا من غير حقّ.

       ومن هذا النوع من الحقّ رعاية المنافع العامّة بالحفاظ عليها، وعدم الإضرار بها.

       والحقّ من جهة أخرى حقّ أصلي كاحترام حياة الآخرين، وحقّ مكتسب كالحقوق المترتبة على العقود المعتبرة

       ولا تقدير لحقّ عام أو خاص، أصليّ أو مكتسب كتقدير الله عزّ وجلّ، ولا علم بها كعلمه، ولا مبيّن لها كتبيينه، ولا حفاظ عليها كحفاظه.

       وهو المجازي على الوفاء بها، والمحاسب والمعاقب على التضييع لها، وما من مصدر يُتلقّى العلم منه بهذه الحقوق كاملة بصدق ودقّة كشريعة الله العادلة الشاملة.

       وإن للمخلوقات التي تقع في دائرة تعامل الإنسان جمادًا ونباتًا وحيوانًا لحقًّا عليه ليس له أن يتعدّاه، ولا يملك حرية التعامل معها كيف ما يرى حسبما عليه التعامل الشرعي الصحيح.

       ومن الحقوق العامة ما يأتي:

  1. عدم الإضرار بالطريق وسدّها:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“من أخرج ميزابًا أو كنيفًا أو أوتد وتِدًا أو أوثق دابّة أو حفر بئرًا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن”([1]).

وعن الإمام الصادق عليه السلام:“من أضرّ بشيء من طريق المسلمين فهو له ضامن”([2]).

وعنه كذلك في رواية الحلبي عنه: قال سألته([3]):…. قال الإمام عليه السلام:“كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه”([4]).

وفي رواية لسُماعة عنه عليه السلام: سألته عن الرجل يحفر البئر في داره أو في أرضه، فقال:“أما ما حفر في ملكه فليس عليه ضمان، وأما ما حفر في الطريق أو في غير ما يملكه فهو ضامن لما يسقط فيه”([5]).

وعن سدّ الطريق ما عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“ثلاث ملعون من فعلهن: المتغوّط في ظلّ النُزّال([6])، والمانع من الماء المنتاب([7])، والساد الطريق المسلوك”([8]).

فسدّ الطريق المشترك، وتعطيل حركة المرور فيه كافٍ للعن الفاعل ولو لم يتسبب فعله في ضرر آخر لأحد.

والفتاوى الفقهية على عدم جواز التصرف ففي الشارع مما فيه الناس شَرْعٌ سواء ببناء حائط أو حفر بئر أو شقّ نهر أو ما إلى ذلك مما فيه تعطيل لحركة مرور الآخرين وإن لم يتسبب ذلك بوقوع مخاطر لهم.

وهناك أكثر من استفادة لأصحاب البيوت الواقعة على جانبي الشارع العامّ وهو الشارع النافذ من جهتين كإحداث شرفة تمتدّ إلى فضائه ولا تؤثّر على حركة المرور فيه، ولا تُهدّد بالسقوط لوهنها، وعدم إحكامها([9]).

وعلى المؤمنين أن يراجعوا الناحية الفقهية ليتبيّنوا ما يجوز وما لا يجوز من التصرف في الشوارع العامة حفظًا للحقوق، وتجنّبًا للمخالفة الشرعية.

  1. عدم قطع الشجر:

عنه صلّى الله عليه وآله:”لا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعا”([10]).

وفي النخل والشجر طعام للمجتمعات كثيرًا ما يتعدّى حاجة مالكها للطعام، ولا تستغني عنه المجتمعات البشرية، كما يقتات الحيوان والطير على كثير منها([11]).

وعن الإمام الصادق عليه السلام:“لا تقطعوا الثمار فيبعث الله عليكم العذاب صبًّا”([12]).

وعن الإمام الرضا عليه السلام وقد سأله أحمد بن محمد بن أبي نصر عن قطع السدر:“سألني رجل من أصحابك([13]) عنه فكتبت إليه: قد قطع أبو الحسن عليه السلام سدرًا وغرس مكانه عنبًا”([14]).

أما زمننا هذا فتنتشر فيه ظاهرة إهدار الحقوق على المستوى العالمي بفعل الطغاة وأذناب الطغاة في الأرض وفساد الأنظمة السياسية وعملها التخريبي ابتداءًا من التنكّر لحقّ الله سبحانه الذي لا يبقى شأنٌ لأي حقّ من حقوق العباد من أمم وشعوب وفئات وطواف وأفراد بعد هدره وتضييعه والاستخفاف بشأنه([15]).

والمنتظَرُ للاعتراف بالحقوق على تنوّعها وتعدّدها على مستوى العالم أن يعمّ حكم الإسلام العادل كلّ الأرض.

فإلى ذلك اليوم والأرض تعاني من هدر الحقوق والتنكّر لها.

اللهم اجعل إيماننا تامًّا بالإسلام، ولا تجعل لنا إيمانًا بما خالفه، أو اتّباعًا لمن دعا لغيره، وأخذ بالناس على غير طريقه، ولم يحكم بما يراه. ربنا أعذنا عن أي انحراف في فكر أو شعور أو عمل عن دينك، وألزمنا صراطك القويم ما أحييتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([16]).

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي لا يرضى لعباده الكفر، ولا يقر من أحد شيئا من الظلم فالظلم قبيح، والكفر أظلم الظلم وأوّله، وتنزّه الله عن أن يرضى قبيحا، وعدلُ الله لا يهمل ظلم ظالم، ولا يُفوّت حقّ مظلوم، ولا يُنقص من حقّه شيئا.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله رابح سعيد من اهتدى بهدى الله، وقدّم آخرته على دنياه، وقبل التعب في سبيل الدين، ولم تغرّه الدنيا وأهلها، واستصغر ما في أيدي جامعيها أمام ما هو عليه من الحقّ، وقال القول الذي يُرضي الله وإن أغضب من يُغضب من العباد.

       فلنأخذ أيها المؤمنون بتقديم الدّين على الدنيا، والآخرة على الأولى، ولنكن مع الله سبحانه يكن معانا، ولنتَّقْهِ ما بقينا نكنْ في مأمن يوم النشر والحساب، ويكنْ منقلبنا إلى الجنّة والرضوان.

       اللهم اجعل لنا حبًّا لك ولدينك الحقّ فوق كلّ حب، وكرهًا للكفر والشرك والظلم فوق كلّ كره، وولاءًا صادقًا لك ولأوليائك، ومباينة ومفارقة وتباعدًا عظيمًا عن أعدائك، واجعلنا من المرضيين لديك، وكفى رضى الرب غنى لأي عبد نال رضاه، ارحمنا ربّنا، واغفر لنا، وتب علينا يا رحمن يا رحيم.

اللهم صلِّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يا ربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.

       أما بعد أيها الأحبّة في الله فإلى هذا الحديث:

       أولًا: من أحوال الأمم:

       للأمم منشأ ونهاية، وشباب ومشيب، وترعرع وتضعضع، وظهور وضمور. وكل ذلك راجع إلى أسباب موضوعية منتِجة بطبيعتها لهذا الوضع أو الوضع المعاكس.

       الأمم والشعوب والأقطار تتقدّم وتتأخّر، ويقفز مستواها وتنتكس.

ومن عوامل تقدّم الأمم وأكثرها أهمّية:

صلاح القيادة:

وأقوى وأصلح قيادة هي قيادة المعصوم عليه السلام التي تجمع بأكبر درجة بين كفاءة الدين وكفاءة البدن، والخبرة، والسياسة، والعدل، وصحّة الإرادة، والقوّة، والشجاعة، والحكمة، والحزم، والرحمة في شدّة، والشدّة في رحمة، وصلاح القصد والتقوى.

ثم يأتي من هو الأجمع لهذه الأوصاف ممن هو دون مستوى العصمة وفي مقدمتهم اليوم فقهاؤنا العدول العظام المعروفين المشهورين المقلَّدين في هذا الزمن.

إنَّ صلاح القيادة ضرورة من ضرورات تقدّم الأمّة، ولا تقدّم لأمة ولا لشعب ولا بلد من دون القيادة الصالحة. والأصل الصحيح أن قيادة الدّين والدنيا تكونان معًا بيد واحدة هي الأكفأ والأعلى مستوى في الأمّة كما في حال الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، وعليّ أمير المؤمنين عليه السلام.

وإذا صارت قيادة الدنيا منفصلة عن قيادة الدين، وعلى خلاف الأصل الصحيح ثبتت الخسارة، وأعظم ما تعظم الخسارة وتطغى أن تكون كِلا القيادتين بلا كفاءة ولا أمانة.

عن شرط صلاح القيادة لسلامة الأمم وتقدّمها ما عن الرسول صلّى الله عليه وآله:“لن تهلك الأمّة وإن كانت ضالّة إذا كانت الأئمة هادية مهديَّة”([17]).

وإنّ ضلال الأمّة لَيُعالج بدرجة وأخرى فيتغير إلى الهدى بمستوى وآخر بصلاح الأئمة ومن هنا لا تهلك.

وعن الإمام الصادق عليه السلام:“… إن الله ليستحيي أن يعذّب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة”([18]).

ثانيًا: نتيجةٌ مُطَمْئِنَة:

انتهت الجولة الأولى من انتخابات المجلس النيابي، ولا وقفة لي هنا معها إلا في أمر واحد تاركًأ كل الأمور الأخرى.

وصلت نتيجة المشاركة في هذه الانتخابات إلى 52% حسب إعلان الجهة الرسمية، ولن ندخل في محاسبة لهذه الدعوى.

وإذا سلّمنا هذه النتيجة المدَّعاة، وأنها كانت بالإرادة الحرّة للمشاركين في التصويت من قوّات الجيش ورجال الأمن والمجنَّسين وغيرهم فإنها نتيجة لابد أن تُعطي السلطةَ طُمأنينة كاملة بأن تُقْدِمَ بشجاعة على قبول أيّ مقترح لإجراء استفتاء أو انتخاب مضمون النزاهة، وبإشراف مشترك بينها وبين الشعب، أو وبإشراف ورقابة دولية في أي موضوع من الموضوعات([19]).

بل أن تبادر بطرح هذا الأمر على المعارضة تحدّيًا منها لها، وإثباتًا بأن الإرادة الشعبية متفقة في أغلبها مع سياستها.

فهل يمكن أن تبرهن السلطةُ عمليًّا بهذا القبول والمبادرة على النتيجة المزعومة، وعلى طمأنينتها بموافقة أغلبية الشعب على سياستها؟!

الشعب ينتظر ذلك من الشعب، وفي ذلك إنهاء للخلاف.

وعن المشاركة والمقاطعة- والحكومة تعلم تمامًا أيهما أظهرت الانتخابات أنه رأي أغلبية الشعب، وإن ادّعت أن الأغلبية مع المشاركة، ومناصرة رأي السلطةِ من المهمّ أن يُوضَّح هذا الأمر بشأنهما.

بالنسبة للعلماء المعارضين أصرّوا على حقّهم السياسي في إبداء رأيهم في المسألة مختارين المقاطعة، وبلغة غير حادّة، ولا مفسّقة، ولا محرّضة على من يشارك، ومن غير أن يحمل بيانهم لهذا الرأي شمّة الفتوى الدينية في حدود ما اطّلعت عليه، وجاءت النتيجة كما تعلمها الحكومة تمام العلم وبلا فتوى دينية وقد ادعت أنها في صالح المشاركة وضدّ المقاطعة([20]).

بينما جاء التوقيع المنشور في الصحافة لخمسة وعشرين عالمًا من وجهة النظر الأخرى من بينهم قضاة شرعيون، وأئمة جماعة وجمعة، وممن يُعلنون مناصرتهم للسياسة القائمة، ويُخالفون موقف المعارضة بوجوب المشاركة من ناحية شرعية، بل ذهب بيانهم إلى أكثر من ذلك وهو كون المشاركة وبلحاظ الظروف القائمة في تقديرهم ضرورة من الضرورات الشرعية([21]).

والكل يعلم أنه لو كان الرأي الشرعي عند علماء المعارضة هو استحباب المشاركة فضلاً عن ضرورتها أو وجوبها لما تخلّف عنها إلّا النزر اليسير.

ومن كان من علماء الدين الحقيقيين لا يُتاجر بدينه مع شعبٍ أو سلطة. وما ينبغي للدولة أن تيأس منه أن يُتاجر أحد علماء الدين الحقيقيين بدينه من أجل مال أو يقدم على ذلك من أجل تهديد([22]).

ثالثًا: ما كان الشعب جاهلا:

ما كان الشعب في انطلاقة حراكه الإصلاحي بطرًا ولا مفسدًا، ولا يحمل نفسًا طائفيًّا، وهو ما زال كذلك وسيبقى كما كان.

وما كان حراكه عن جهل بالقوة الأمنية والعسكرية عند السلطة، وما كان عن استخفاف بوزنها، وما كان التصور أن الحكومة ستبادر مسرعة للإصلاح، والاستجابة للمطالب لمجرد المطالبة من الشعب والتحرّك على طريقها.

وما كان التقدير أن السلطة رؤوفة بالشعب، حريصة على دمه وحرماته ومقدساته مما يمنعها أن تُنزل به ضربات قوية، وتلحقه متاعب جمّة، وخسائر فادحة، وأذى شديدًا كثيرا.

ولا زال الشعب يعرف أن لدى الحكومة من قوة التدمير المشتراة بأمواله ما يكفي لإفنائه، وأنها مستعدة لأن تُقدم على كثير من التدمير كلما سمحت لها الظروف العالمية وأوضاع الأمم والشعوب اليوم بذلك.

كان الحراك ومن أول يوم له وإلى الآن منطلقه الشعور المؤلم الذي يتملّك نفوس أبناء الشعب، ويُهيمن عليها من الظلم والذلّ وسلب الحرية والإمعان في الاستهداف بالمزيد من التهميش والحرمان والإضعاف وطمس الهوية الإسلامية العامة من ناحية عملية مباشرة ومكشوفة.

وانطلق الحراك الشعبي الإصلاحي سلميًّا، وأصرّ أن يبقى كلّ ذلك الزمن الذي قطعه الحراك رغم العنف والإرهاب الحكومي بألوانه المتعددة، ولا زال الإصرار أن يستمرّ سلميًّا ولا يحيد عن سلميته.

وما كان منطلقًا للحراك في أوّله هو المنطلق لاستمراره؛ فالشعور بالألم للظلم، وسياسة التهميش والازدراء والاستضعاف في تفاقم وتعمُّق واتّساع مما يعني حتميّة الاستمرار في الحراك.

ونهاية هذا الحراك لم يضع لها الشعب سقفًا زمنيًّا دون لحظة الحل المطلوب، ولا حدًّا من المتاعب قبل ذلك الحد.

وقد برهنت السنون السابقة من عمر الحراك على هذا العزم والتصميم نهايتها أن يتحقق الإصلاح، وتبتدأ مرحلة جادّة من مسيرة العدل الجدّي المتطلَّع إليه، وذات سقف مقنع ومتطوّر.

مضى من عمر الحراك ما يقارب أربع سنوات، وتصميم الشعب أن يستمر حراكه لأربع وأضعاف الأربع من السنين وحتى يتحقق مطلب الإصلاح([23]).

كلُّ ذلك يُمليه شعور الشعب باستمرار الظلم وانتهاك الحريات، وارتفاع درجة التهميش، والاستهداف البشع لحريته ودينه ووحدته ومصالحه وأمنه وحياته، وليس لأي أمر آخر.

رابعًا: كلمة للشعب….للمؤمنين:

أيها الشعب الكريم، أيها المؤمنون الأعزّاء.. حقَّ لكم على السلطة أن تُنصفكم وتستجيب لمطالبكم العادلة، وهو حقّ أصيل لكم، وواجب على السلطة، وهذا ما يُسلّم به كلّ منصف وآخذ بالحق.

وحقّ لكم وأنتم الأوفياء لدينكم ولوطنكم، وأنتم المخلصون لقضيتكم العادلة، المضحون من أجل مصلحة الجميع الذين لا ترضون بظلم، حقّ لكم على أصحاب المواقع القيادية في حراككم وعلى الإخوة العلماء الأجلّاء أن يقابلوا إخلاصكم بالإخلاص، ووفاءكم بالوفاء، وأن يشاركوككم التضحية، ويكونوا من رموز الفداء لكم بما هو فداء في سبيل الله تبارك وتعالى، ومن أجل دينه القويم الذي لا يرضى إلا بإحقاق الحقّ، وإبطال الباطل.

ولكم ألف تحيّة من إخوانكم العلماء الذين أجدهم حفظه الله في مقدمة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وتظهر منهم الغيرة الصادقة على الدين، ومصلحة الشعب والوطن والأمة، فهنيئا لكم بالأخوة العلماء، وهنيئا للأخوة العلماء بكم.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

يا من لا تنفع رحمة من أحد من غير رحمته، ولا تغني حماية من حمايته، ولا يُؤمن الخائفين غيرُ أمنه، ولا يخترق مخترق حصنًا أراده لعبد من عبيده، ولا يملك الأقوياء من الخلق أن يهزموا من قضى بنصره عبادُك المؤمنون يستنصرونك، ويسألون أمنك، ويتحصّنون بحصنك، ويحتمون بحماك، وثقتهم بك، وأملهم فيك، وحاشا أن تُخيب أمل من أمّلك، وأنت الغني الحميد الجواد الكريم.

اللهم ارحم الشهداء المؤمنين والموتى، واشف الجرحى والمرضى، وفك السجناء والأسرى، ورد الغرباء سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([24]).

[1]الكافي ج7 ص350 ط3.

[2]– الكافي ج7 ص350 ط3.

[3]– من جوابه على سؤاله.

[4]– الكافي ج7 ص349، 350 ط3.

والرواية كاملة كما يلي: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الشيء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره، فقال: كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه.

[5]الكافي ج7 ص349. ط3.

[6]– مسافرون ينزلون للراحة والاستجمام مثلا.

[7]– والماء المنتاب هو ماء يتناوب عليه عدد من المشتركين في ملكه، فإذا منع أحدهم الآخر من نوبته أصابته اللعنة.

[8]الكافي ج2 ص292 ط4.

[9]– وهذا من استثناءات تذكرها الرسائل العملية.

[10]الكافي ج5 ص29 ط3.

[11]– ومن هنا فإتلافها فيه ضرر على المنفعة العامة، وإن كانت هي مملوكة لفلان الخاصّ.

[12]– الكافي ج5 ص264 ط3.

[13]– أي من أصحاب أحمد.

[14]الكافي ج5 ص263، 264 ط3.

فهنا يقول لنا الحديث بأن الإمام عليه السلام حدث منه أن قطع شجراً لكنّه غرس مكانه شجرا آخر، وهذا من الاستبدال إلى الأفضل الأنفع، وليس من الإتلاف والعبث بالثروة، والإضرار بالمنفعة العامة.

[15]– ماذا يبقى من حرمة من شأن لحق من حقوق العباد في نفس تُقدم بكلّ جرأة على هدر حقّ الله تبارك وتعالى؟!

[16]– سورة التوحيد.

[17]تاريخ بغداد ج9 ص466 ط1.

[18]– الكافي ج1 ص376 ط5.

[19]– يجب أن ينتهي تهيّب الدولة من أي انتخاب حرّ نزيه في أي موضوع من الموضوعات المختلَف عليها.

هذه هي النتيجة الطبيعية لاطمئنان الحكومة ولصدق الحكومة بأن نسبة التصويت في ظل هذه الظروف المعارضة وفي ظل التصريحات بموقف المعارضة بهذا المستوى. فذلك يعني طمأننية كاملة عند السلطة لابد أن تدفعها لتحدي الشعب بأن تقبل للتصويت في أي موضوع يقترحه.

[20]– هكذا تدّعي السلطة.

[21]– انظر كم كان دعم المشاركة من علماء يرون رأي السلطة، وإلى أي حد كان التصريح بالوجوب الديني بل الضرورة الدينية بالمشاركة، وانظر ماذا بذلت الحكومة من وسائل إغراء، وما أخذت به من أساليب الترهيب في سبيل المشاركة. والحكومة من بعد ذلك كلّه تعلم تمام العلم بما هو حجم المشاركة، وبما هو حجم المقاطعة، وإن ادعت أن المشاركة أكبر.

[22]– هتاف جموع المصلين (معكم معكم يا علماء).

[23]– هتاف جموع المصلين (ثورة ثورة حتى النصر).

[24]– 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى