خطبة الجمعة (619) 23 ذو القعدة 1435هـ – 19 سبتمبر 2014م

مواضيع الخطبة :

الخطبة الاولى : البشاشةُ والبِشْر

الخطبة الثانية : ديموقراطية الجميع أم البعض؟ – المشكلة في البحرين بين الحلّ والتأزيم – ثاني مدن الخطايا

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي لا تفتر الكائنات بطبيعتها وتكوينها عن التسبيح بحمده، ولا تسبيح لشيء منها لغيره، ولا توجّه منها للحاجة إلّا إليه، ولا يأتيها خيرٌ إلّا من جهته، وهو وليُّ كلّ نعمة، ومنتهى كلّ حسنة، وغاية كلّ طالب للنِّعَم الكريمة، والمواهب العظيمة، وصلاحٍ وفلاح وعلوٍّ وكمال.

       لا ينقطع سيبه، ولا يضيق ملكه، ولا تنقص خزائنه، وهو الجواد الكريم الذي لا تفقده كثرة العطاء، ولا يُبرمه إلحاح الملحّين.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله لا نكن صبيانًا تشغلنا اللحظة عمّا يأتي، وما قرُب من أمر عمّا بعُد، ولا مَظهرٌ عن مَخبَر، أو مهمٌّ عن أهمّ.

       وفي الدّنيا حالٌ قائم، وحالٌ قادم، والدُّنيا كلّها حاضر، والآخرة مستقبَل. وللحاضر من الدنيا نصيب، وللقادم نصيب، ولكلّ الدنيا نصيب، وللآخرة نصيب وكلٌّ من ذلك لابد للإنسان من التفكير فيه.

       ونصيب مستقبل الآخرة لا يمكن إهماله، ولأنّ الآخرة غاية الدنيا، وشأنَ الدنيا تافهٌ عند شأن الآخرة كان لابدّ أن تكون الآخرة هي المصبُّ الرئيس للنظر، وأن يتركّز عليها الاهتمام.

       ولقد أمرنا الحكيم تبارك وتعالى بأن نُولي الآخرة اهتمامنا ولا ننسى نصيبنا من الدنيا {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا…}([1]) فإن كان لنا نصيب من الدنيا غير ما تؤدّي إليه بأهل الصلاح فيها إلى رضوان الله والجنّة من منافع نحتاجها في حياتنا على الأرض فهو الوسيلة، وهو الأقلّ، أما النصيب الأكبر، والأهميّة العظمى، والغاية السامية فهي الأُخرى، إن لم يكن كل النصيب الحقيقي إنما هو في الآخرة، وما النصيب من الدنيا إلّا بما تُعطيه من نصيب في الآخرة.

       فليأخذ المؤمن بما اختاره الله، أو دلّه بلطفه عليه، وإلّا فأين الإيمان، وأين النجاح، وأين الفلاح؟!

       ألا فلنتّق الله، فمن اتّقاه سلك الطريق، وبلغ الغاية، وأدرك المنى، ومن اختار الفجور فقد اختار الخسار والعذاب والهوان.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       ربنا اجعلنا مؤمنين لا نخالفك في أمر ولا نهي، ولا نختار إلا ما اخترته لنا، ولا نطمئن إلّا إليك، ولا نُعوّل إلا عليك، ونخلص لك الطاعة، ونستقيم على طريقك عابدين لك، يا من هو على كل شيء قدير، وبالإجابة لمن طلب الخير حقيق جدير.

       أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في موضوع:

       البشاشةُ والبِشْر:

       حياة الإنسان الدّنيا يعرضها بلاء وانفراج، وخير وشرّ، ورخاء وشدّة، وفي كل حال حكمة وتجربة واختبار، وعلى الإنسان في هذا الوسط من الحلوِ والمرّ، والسّعة والضيق، وما يُسرّ ويؤلم أن يشقّ طريقه للنجاح، ويسبح جاهدًا في اتجاه الغاية من دون أن يُمضي أوقات سعته لهوًا، ولا يذوب من ضيقه كربا.

       عليه أن يطلب كلّ الوسائل الممكنة الصحيحة البنّاءة التي تُعينه على مواجهة الشدّة، ويسعى للتوفّر على النفسية القويّة المقاومة لضغط البلاء حتى لا يُهيرها البلاء.

       وأن يطلب ما يُخفِّف من المشكلات، ويُقلّل من أجواء الكآبة في حياته وحياة الآخرين، إلى جنب الحفاظ على قيمة الوقت، وجدّية الحياة، واستحضار غايتها الكبرى في الفكر والشعور والعمل، وملأ أيّامه ولياليه بالعمل الصالح المنتج حتّى لا تذهب حياته ضياعًا، وتنحدر منزلته، ويؤول أمره إلى سوء.

       وما أعظم الإسلام الذي لم يترك أمرًا فيه صلاح دين أو دنيا للإنسان إلّا دلّه عليه، وأرشده له، وما من أمر يُفسد عليه حياته، أو يضرّه في عاقبته إلّا وحذّر منه، وحمله على تجنّبه.

       والبشاشة والبشر من الأمور التي قد لا نُعيرها اهتمامًا، ولا نلتفت إلى قيمة دورها. أمّا التربية الإسلامية الواعية فتُعطيها ما تستحقّه من اهتمام شأنها شأن كلّ أمر فيه تأثير إيجابيّ أو سلبيّ على الإنسان.

       وسيأتي التعرّض للنصوص الإسلامية في هذا الموضوع.

       وبشاشتك في وجوه الغير بريدك إلى القلوب، ورسالة خُلُقية كريمة منك إلى الآخرين. وبِشْرُك لمن تواجه هو لك قبل أن يكون لغيرك.

       لحظة بشرك لحظة راحة لنفسك وانبساط، ولحظة تجهُّم وعبوس لحظةٌ من لحظات ضيق النفس والانغلاق.

       راحة النفس سبب صفاء وحيوية ونشاط، وضيقها فيها تكدّر وخمول وانكفاء.

       ثم لبشرك وبشاشتك أثره الطيب في نفسية الآخرين، وانفتاحها، وخلق الجوّ المريح لمن تُعاشر وتُخالط، وتلقى من الإخوان.

       ولو انتشرت البشاشة في تعاملات الناس لخفّفت من كُرَب النفوس، وشاركت في معالجة الأضغان، وقلّلت من سوء الظنّ، وهدمت حواجز تحول بين القلوب، وأعطت لها الانفتاح على بعضها البعض.

       البشاشة التي يعرف كلّنا أنها انبساط في أسارير الوجه، وسمة انفتاح وسماحة تعلوها مفتاح للقلوب على صاحبها، والدنوّ، والإقبال، وطرد وحشتها منه لغربة أو شيء من سوء الظنّ.

       ومن انبساط الوجه أو انقباضه، وبشاشته أو عبوسه نقرأ راحة النفس ومعاناتها، وانفتاحها وانغلاقها، وإقبالها ونفورها، وأحيانًا خير ما تُضمره وشرّها، وما تُبشّر به وما تُنذر.

       ولأفكار الإنسان، ونوع تربيته، وطبيعة ظروفه أثر بالغ على بشره وعبوسه، وبشاشته وتقبيطه.

       ومن الظروف ما يكاد يقهر على اختفاء الابتسامة، وغياب حالة البشر حتى ممن كانت الغالبة عليه في كلّ أحواله.

       ومنها ما يقف وراء بشر نادر، وابتسامةٍ يطول غيابها عن ثغر لتكون الشيء الشاذ في حياة إنسان لا يُعرف إلّا بالعبوس والتجهُّم ومظهر الغضب والكآبة.

       والكلام إنما هو عن الحالة الغالبة في حياة هذا الإنسان أو ذاك، وفي الظروف غير الشديدة والقاهرة، وفي غير الموارد التي قد يقتضي ظرف معيَّن تكلُّف البشاشة، أو اتخاذ مظهر التعبيس فيها.

       والخُلُق الطبيعيّ لأهل الإيمان هو البشر والبشاشة إلّا ما اقتضته الحكمة، والغرض الصحيح الخيّر مما هو خلاف ذلك.

       ولنقف على عدد من النصوص في الموضوع اهتداءًا بها واستنارة تحت عدد من العناوين:

       خُلُق كريم، وصفة للنبيّين:

       عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“إن من مكارم أخلاق النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين البشاشة إذا تزاوروا، والمصافحة والترحيب إذا التقوا”([2]).

       عن أبي سعيد الخدري:“إن رسول الله صلّى الله عليه وآله كان… طلق الوجه من غير ضحك، محزونًا من غير عبوس”([3]).([4])

       عن الإمام الحسن عليه السلام:“سألت خالي هند بن هالة عن حلية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وكان وصّافًا للنبيّ صلى الله عليه وآله فقال:…. كان دائم البشر، سهل الخُلق، ليِّن الجانب”([5]).

       وهناك أحاديث أخرى تتحدّث عن هذا الجانب في شخصية رسول الله صلّى الله عليه وآله([6]).

       وخُلُق عليّ عليه السلام، وكل العارفين من أئمة الهدى، ومن سار على هداهم من خُلُقه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

       ففي وصف عليّ عليه السلام:“كان عليه السلام بشره دائم، وثغره باسم”([7]).

       وعنه نفسه عليه السلام:“العارف([8])وجهه مستبشر متبسّم، وقلبه وجل محزون”([9]).([10])

       ومن أثر الإيمان بالله سبحانه وطاعته وهيبة الجليل في النفس، ومن معرفة بحقّه على عباده مخزون كبير في نفوس العارفين، ولكنّه يبقى مخزوناً في نفوسهم إلّا ما ينعكس منه من أضواء على حياة الآخرين، بُعدًا عن أي رياء، أو طلب لزكاة عند الناس.

       أمّا مُحيَّا عليّ عليه السلام وكلِّ العارفين فيزخر بالبشاشة، ويطفح بالبشر، وثغره عليه السلام يغنى بالابتسامة لترطيب أجواء الحياة، ونشر حالة الأنس والاستئناس بين المؤمنين.

       ولأنّه عليه السلام كذلك وهو سيد العارفين بعد الرسول صلّى الله عليه وآله تراه يصف نوع العارف بذلك.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم اجعل دليلنا فيما نُضمر ونُظهر، وننوي من فعل خير ونبذ شرّ كتابَك الكريم، وهادينا دينك القويم، وقدوتنا أنبياءك ورسلك وأئمة الهدى من خلقك الطيبين الطاهرين.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([11]).

 

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي ما نال عبد خيرًا مثل ما يناله من خير يجده في معرفته لربّه، وما أصاب توفيقًا كتوفيق يُدركه باتباع دين الله ونهجه، وما بلغ شرفًا يدنو رفعة وسموًّا من شرف يصل إليه بالأخذ بطاعته، وتجنُّب معصيته، وما عاد عليه ربح كما يعود عليه ربحٌ من حمده وشكره، وما انتهى أحد إلى فوز كالفوز العظيم الذي تنتهي إليه حياة أهل تقواه، والإخلاص في عبادته؛ ذلك لأنه هو العظيم الحقّ، الغنيّ الحميد، الكريم الجواد المحسن، القادر المطلق، المضاعف للحسنات، المجزي بالكثير عن القليل.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله في الأرض اليوم مصائب شداد، ومجتمع تختفي فيه مظاهر من مظاهر إنسانية الإنسان بدرجة مرعبة تنشر الوحشة في مجتمع الإنسان. وما وراء ذلك هو الكفر، والفهم المنحرف للدين عن حقيقته وتشريعه وأخلاقه.

       وحبُّ الدنيا لا انضباط ولا نظافة لعلاقات الناس بينهم في صحرائه، ولا عدل ولا قيم حاجزة عن الشرّ إلّا بطاعة الله عزّ وجلّ، وطاعةُ الله لابد فيها من مفارقة التولُّع بالدنيا.

       فاعرفوا اللهَ تُؤمنوا به، ولا يجحد الجاحدون، ولنحسن فهم الدين، ولنحسن الطاعة لله سبحانه، ولنأخذ بتقواه يذهب الشقاء، وتحسن الأحوال، وتستقم العلاقات، وتطب الحياة، ويسعد المصير.

       اللهم ارحم عبادك في أرضك بهزيمة الكفر والطغيان، وصحّح فهم أهل الدين للدين الذي ارتضيت، وما ارتضيت دينًا غير الإسلام، واجعلهم مُسلِّمين به، مستجيبين لما قضى، متّبعين لما هو عليه كلّه من الهدى، واكتب لهم الاستقامة على ذلك إنقاذًا لهم من شرّ الدنيا والآخرة، ومنًّا عليهم بخيرها يا رؤوف يا رحيم، يا جواد يا كريم.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يا ربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.

       أما بعد أيها المؤمنون والمؤمنات فإلى هذه الكلمات:

 

       ديموقراطية الجميع أم البعض؟

       يتبنّى الغرب الديموقراطية، وله تنظيره لها، وهي من مقدّساته المعلنة، ويُبشّر العالم بها، وإعلامه يرفع رايتها، ويعدّها مفخرة من مفاخره.

       ويتخذ ساسة الغرب الديموقراطية طريقا للتدخّل في شؤون البلدان الأخرى، وحتى غزوها، والسيطرة عليها بحجّة إنقاذ الشعوب من شرور الديكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان، وتهديد السلم العالمي، وحماية الأقليات وذلك حيث يريدون، وتسمح لهم الظروف.

       والديموقراطية فيما يطرحه أولئك الساسة اليوم ليس نموذجًا واحدًا، ولا على حدّ واحد، ولابد فيها أن ينظر إلى كل قسم على حده، وإلى كل شعب بمفرده، وما يناسبه من مستويات الديموقراطية المتعدّدة، ولا يُعطى أكثر من مستواه، وكثيرًا ما تُواجَهُ الشعوب التي تُطالب بالديموقراطية، وتحكمها حكومات ديكتاتوريَّة، والحكم الفردي من الحكومات الموالية للغرب من الغربيين بأنّ مستوى هذه الشعوب لا زال قاصرًا بدرجة كبيرة عن مستوى الديموقراطيات المتقدمة، وعليها الصبر حتى تستكمل نضجها ورشدها، أما الشعوب الغربية فقد استكملت رشدها منذ زمن بعيد.

       وأنت تجد أن الغرب يعادي أنظمة حكم متقدمة في ديمقراطيتها، ويصر على محاربتها، وينتقدها في لون ديموقراطيتها المتقدّم لأنه لم يأت صورة طبق الأصل للديمقراطية الغربية القائمة على إنكار حقّ الله سبحانه في التدخّل في الشؤون الاختيارية لعباده، والقيم الخلقية الأصيلة العالية، مع ما عليه ذلك النموذج واللونمن تفوّق في تلك الديمقراطيات التي يوجه إليها الغرب سهام نقده، في حين أنه يدعم بقوّة نظم حكم من النظم السياسية البالية لأنها تقبل بتبعيتها له، ويرى منها الإخلاص في خدمته.

       وأكثر من ذلك أن ساسة الغرب الذين يرفعون شعار الديموقراطية ضد الأنظمة غير المنسجمة مع مصالحهم، ويشنّون حربًا باسم الدفاع عنها يضغطون على الشعوب المحكومة لحكومات معادية للديمقراطية من أجل التفاعل مع هذه الحكومات، والانخراط في مشاريعها التي تُكرّس الحالة الدكتاتورية ذلك حين تكون تلك الحكومات وجودها قائم في مصلحة الغرب، وسياساتها تصبّ في مصلحة الغرب.

       نعم، قد تسمع منهم أحيانًا كلاماً مجاملًا للمعارضة، غير جادّ، وفيه تشجيع تعرف الحكومات المخاطَبة به عدم جدّيته، يدعوها لتطوير الديموقراطية، ويُضغط بمثل هذا الكلام أحيانًا أخرى على هذه الحكومات، ويُصعّد من نبرته ابتزازًا لها، ولحملها على إعطاء تنازلات أكبر لحساب المصالح الغربية، وشراء مزيد من الأسلحة تغذية لميزانيات الغرب.

       قارن بين ديمقراطية الغرب المتلوِّنة تلوّن الحرباء، والدعوة الكاذبة لما هو ديمقراطية عندهم، وبين الإسلام الواحد لكلّ أهل الأرض، والذي يرى كلّ الناس بقيمة إنسانية واحدة، تستحق الإسلام العظيم، وصدق الدعوة الإسلامية التي لا تُفرّق بين شعب وآخر، وأمة وأخرى، وترى الناس أمّة واحدة، يجمع الإسلام شتاتها، ويضعها على طريق الغاية الواحدة، ويحكمها المنهج العادل الواحد، ولا يقيم حكومته من قوميّة معيّنة، ومن لا من عرق خاص، أو لون واحد.

       المشكلة في البحرين بين الحلّ والتأزيم:

       من أراد الحلّ فلا حلّ مع جبر أو إكراه، لا حلّ مع تحايل أو خداع، لا حلّ في طرح لا يملك أن يُقنع أغلبية الشعب عن وعي واختيار، لا حلّ في بقاء الوضع الذي خلق المشكل وفاقمه، لا حلّ في إهمال مواضع الخلل الكبير فيما يحكم العلاقة بين الشعب والسلطة.

       الحلّ ليس في طرح يُجرّ الناس إليه جرًّا تحت التخدير الوقتي، أو الترهيب المرعب، والدعاية المضلِّلة.

       ولا حلَّ في انتخابات طاردة للمترشّح والناخب لأن مشاركة المواطن فيها تزيد من خناقه، وتشديد الطوق حول عنق الشعب.

       الحلّ في طرح صريح ينال قناعة واسعة في أوساط الشعب، ويستطيع حصد غالبية أصوات الناخبين، ويكون محلّ التوافق بين طرفي الخلاف الحقيقيين: الشعب والحكومة.

       هناك طروحات ليست للحلّ، وإنما لتوفير مادة إعلامية تُقابل ما يطالب به الشعب من حلّ يجسّد حقيقة الحل، وإن سُمّيت تلك الحلول المدَّعاة حلولًا، وسوّقت لها دعاية إعلامية واسعة، وأُحطيت بهالة من الخيال والسراب الكاذب، والوعود التي قد جرّب الشعب أمرارًا أمثالها خداعاً لمن يمكن أن يخدع في الداخل والخارج، ولتسجيل موقف مشاغب ومادة إعلامية زائفة.

       وأي شخصية مؤثّرة، وأي مجموعة من الأشخاص لهم نفوذ في أوساط من أوساط المجتمع لا يمكن أن يُتلقّى رأيهم وإن خالف رأي غالبية الشعب بالتسليم الكامل على حدّ ما قد يحصل لدى شعوب غير الناضجة. فالشعب قد قفز في وعيه السياسي قفزات واسعة وهائلة على مستوى مثل هذه المسائل.

       ولا أحد يملك ما تملكه السلطة من وسائل الإكراه على رأي معيّن، في حين أن قوة السلطة التي فعّلتها لسنوات وإعلامها الواسع لم يستطع أن يخلق القناعة التي تريدها عند الشعب.

       ولا بيعة من هذا الشعب لأي مؤسسة، ولا لأي شخص أومجموعة أشخاص من أبنائه على تنازله عن إرادته لإرادة هذا أو ذاك، وتقديم رأيه على رأيه، ومتابعته فيما يصير إليه من قرار، وإن كان الشعب يميّز بين رأي ورأي، ويقبل هذا الرأي عن وعي، ويردّ ذلك الرأي عن وعي واختيار.

       وكلّ الذين يخلصون لشعبهم ووطنهم لا يعيشون حالة تصلّب ولا عناد لما يرون فيه حلًّا عادلًا لأزمة هذا الوطن المعذّب، والخروج به من عنق الزجاجة، والنفق المظلم إلى سعة الأفق، والفضاء الحرّ، والنور والهواء.

       ولكنّهم يأبَون أن يرتكبوا وزر المشاركة في تمرير ما يُكرّس الظلم، ويُعقّد الأزمة، وإن أُعطي زورًا اسم الحلّ، ولا يُبيحون لأنفسهم أن يُخادعوا الشعب ويغالطوه.

       الكل يتطلّع إلى انتخابات عادلة منقذة، ومصحّحة للأوضاع، ولا يلغي قيمة نتائجها الإيجابية مجلس للشورى معيَّن ينسف فاعلية تلك النتائج، أما ما دون هذه الانتخابات، أو مع مجلس معيّن يقضي على جدواها فهي انتخابات لا دافع للشعب للمشاركة فيها وإن تكثّفت الدعاية الإعلامية الداعمة لها، وجُمع لها الأنصار من هنا وهناك، وشاركوا للترويج لها عن قناعة أو غير قناعة، ولا أظنُّ أن هذا خافٍ على سلطة أو شعب، أو بعيد أو قريب.

      

ثاني مدن الخطايا:

       المنامة، وتعني هنا البحرين أصبحت من تقوى سياستها، وحرص هذه السياسة على الإسلام، وشرف الشعب، وكرامة الوطن ثاني مدن الخطايا في هذا العالم الواسع بكلّ ما يملؤه من مفاسد وخطايا وموبقات.

       نعم، البحرين بلد الإيمان، والعراقة الإيمانية، والسمعة الحميدة، والتاريخ النظيف، والستر والعفّة والاعتزاز بالأعراض([12]).

       سياسة يضجُّ منها الشعب، ويخزى بهذا اللون من نتائجها الوطن، وتفسد به أجيالٌ، ويعيب به الآخرون، ويكتب تاريخًا مخجلًا من التاريخ القبيح ليس لها أن ترفع رأسها، ولا تدّعي الأمانة، ولا تتبجّح بإنجاز، ولا تستمرّ على مكابرة الله، ولا تأمن من عقابه، ولا تفاخر أحدًا في الأرض إلا واحدًا من أصحاب هذه السياسة السوداء المدمّرة، وحيث تصحّ المفاخرة بالقبيح والفساد([13]).

       مما يجعل البحرين ثاني مدن الخطايات، ويُبوّءها هذا الموقع الخسيس، وينحطّ بها إلى هذا الحد، في عالم لم يعد في كثير من بلدانه يُستقبح القبيح([14])، ويُنكر المنكر هو المبالغة في الاتجار بالجنس، وهدر كرامة الإنسان، واللعب بقدر المرأة، والنظر إليها دُمية نهبًا لشهوات سقطة الرجال، وأطماع الطامعين في المال الحرام، وفاقدي الإنسانية والدين والضمير.

       صحّحوا سياستكم، اقتلعوا جذور أنواع الفساد فيها، استبدلوا عن مفسديكم، توضّؤوا من خطاياكم، اغسلوا عن هذا البلد العار الذي سببته لهم هذه السياسة بنقلة هائلة إلى الخط الصحيح من الجذور.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم ارزقنا هدى لا نضلّ به شيئًا من الحقّ، ولا نعدل عنه أبدا، ولا نتخلّف عن اتباعه، ولا يستهوينا باطل بعده، ولا نقع في شيء من شرِّه.

       ربّنا انصر أمة الإيمان، وارفع ذكرها في الناس، وانهج بها نهج دينك، واسلك بها إلى الغاية التي ارتضيتها لعبادك، واجعل لها الهيبة في صدور أعدائك، واجعل أفئدة الشعوب والأمم تهوي إليها يا فعّالا لما يشاء، يا من هو على كل شيء قدير.

       اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا سالمين غانمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([15]).

 

[1]– 77/ القصص .

[2]– كنز العمال ج9، ص39.

[3]شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج11 ص196.

[4]يعتريه ما يحزنه كواحد من البشر، لكن صورة الحزن لا تظهر على وجهه لتنشر كآبة في جوّ الآخرين.

[5]– عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص284.

[6]– وإنّ فيه لقدوة حسنة لكلّ مؤمن ومؤمنة.

[7]بحار الأنوار ج41 ص51 ط 3 المصححة.

[8]– العارف بالله عزّ وجل.

[9]عيون الحكم والمواعظ ص60 ط1.

[10]حزنه لنفسه، وبشره لغيره.

[11]– سورة التوحيد.

[12]- آل مآلها إلى هذا الحدّ بأن تكون ثاني مدن الخطايا ليس في المحيط الإقليمي، ولا العربي، وإنما في العالم.

[13]- وهل تصحّ هذه المفاخرة؟!

[14]- نحن في عالم لا يستقبح القبيح في كثير من بقاعه، مع ذلك نكون ثاني مدن الخطايا.

[15]– 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى