الحديث القرآني الإسبوعي – 08 اغسطس 2014م

سماحة آية الله

الشيخ عيسى أحمد قاسم

في

إضاءات قرآنية في رحاب (سورة لقمان)

الحلقة الرابعة عشر

للمشاهدة :

 

 

نص الدرس :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”[1].

في استعراض آيات من آيات القدرة الإلهية ألامتناهية وربوبيته التي يتفرد بها دون أن يشاركه أحد فيها وألوهيته ووحدانيته تبارك وتعالى تأتي هذه الآية الكريمة “أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”[2]، إلفات لنظر هذا الإنسان إلى آية من آيات الله عز وجل ونعمة من نعمه.

“أَلَمْ تَرَ”[3]، تنبيه لقلبه وعقله ووجدانه تضعه الآية أمام حقيقة يشهدها ولا ستطيع أن ينكرها وتفرض عليه هذه الآية أن يتذكر قدرة الله عز وجل ويشكر نعمته ” الْفُلْكَ” وهي السفن في البحار والمحيطات وفي النهار “تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ”[4] جريان الفلك في البحر ظاهرة ليست سطحية ونراها نحن بالنظر السطحي فلا تثير الكثير فينا من الاهتمام ولشدة ألفتنا ما أنتجته القدرة الإلهية وما تنتجه لا يلفت نظرنا شيء من ذلك فالشمس تطلع يوميا دون أن تستوقفنا في طلوعها وغيابها ويتعاقب الليل والنهار من دون أن ينبه فينا  حسا إيمانيا خاصا والسماء تظلنا والأرض تقلنا ونحن لا نلتفت من ذلك إلى ما بنته يد الإبداعية الإلهية من هذا الكون ولو أن شيئا من ذلك يحدث الآن توا ولم يُعْهد من قبل لألفت نظرنا ولو انخسف القمر انخساف كاملا وتغيّب بالكامل أو تغيّبت الشمس لحظة من اللحظات أو تغيّبت الشمس تغيّبا كاملا لا يُرى لها شعاع أثر ولا شعاع فإلى أي حد سيستحوذ علينا الرعب وسنشعر بالوحدة القاتمة وسنتذكر نعمة الله عز وجل؟ ولو طلعت شمس جديدة مع هذه الشمس في الجهة الأخرى فكم سيلفت نظرنا هذا؟فالإنسان يحتاج دائما إلى إلفات نظره إلى ما عليه آيات الله عز وجل من عظمة وإلى إثارة تفكيره ووضع هذا التفكير على الطريق العلمي ليكون تفكيرا صحيحا ومنتجا لتين شيئا محدودا من قدرة الله ألا محدودة.

“أَلَمْ تَرَ”[5]، فكيف تمرون مرورا عابرا فنمر مرور البهم العجم على خلق السموات والأرض وعلى آيات الله عز وجل التي تنطق بالقدرة والعلم والرحمة والحكمة وهذا عجيب من الإنسان ولا يُراد للإنسان أن يكون بهذا المستوى المتدني وبهذا المستوى الساذج وبهذه الغفلة القاتلة.

“أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ”[6]، جريان الفلك في البحر هل هو بلا قانون وبلا عدد من السنن الإلهية وبلا تسخير وبلا خلق وبلا علم وبلا حكمة؟ أو أن الكثير الكثير من ذلك وراء جريان الفلك في البحر بنعمة الله وإنها لا تجري إلا بنعمة الله وعلمه وقدرتهوبعدد من القوانين والسنن والمعادلات التي أوجدها الله سبحانه وتعالى.

كثافة الماء وكثافة المادة التي صنعت منها السفينة وهل صنعت من خشب أو غير خشب؟ وهذه الكثافة لو لم تكن على موازنة معينة ما كانت السفن لتجريَ في البحر ولولا ضبط حكيم ودقة في المعادلة للتيارات المائية والتيارات الهوائية لما كان للسفينة في البحر إلا أن تنكفئ وتنقلب أو تنغمر أو تتيه من غير أو تستطيع أن تصل إلى هدفها ودرجة الحرارة وطبيعة الماء كل ذلك قائم على دقة وعلم وموازنة خاصة دقيقة تتيح للسفن أن  تجري في البحر ولا أحد خلق شيء من ذك ولا أحد يتحكم في شيء من ذلك غير قدرة الله سبحانه وتعالى أيكفي هذا لأن تخر الوجوه وتخضع الأعناق للإله الحق والرب الواحد الأحد أم لا تكفي؟

“أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ”[7]، الباء للسببية بمعنى سبب نعمة الله وقد يكون الأقرب فيها وهناك من يقول أنها للمصاحبة والمعية بمعنى أنها تحمل نعمة الله للتعدية تعدي هذا الجري للنعمة فهي تحمل النعم من بلد إلى بلد لحاجة هذا البلد إلى نوع من النعمة وحاجة تلك البلد إلى نعمة أخرى وفي هذا تواصل بين البشر وتسهيل الحياة والسفن كانت ولا زالت وسيلة رئيسة في نقل البضائع خاصة الثقيلة منها.

“أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ”[8]، يجعل آياته في معرض رؤيتكم ويجعلها نورا تهتدي بها قلوبكم وتستدل بها عقلكم على عظمة الله وتستفيدون منها في بناء وجودكم وحياتكم.

“لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ”[9]، هذا ليس عبث فكل شيء من جريان الفلك في البحر قائم على دقة وبحكمة وهو من أجل حكمة وهو أن يريكم من آياته أبعد من نقل التجارة وأبعد من التواصل الذي تحتاجه بينكم إرائتكم آيات الله عز وجل لتحيى قلوبك وتحيى نفوسكم وتستقيم طرائكم وتعبدوا الله عز وجل وتعرفوا الله وتعبدوه، وهذه الآيات التي تمنع عنكم غش الدعايات وغش التضليلات وغش الكتابات الزائفة وغش السيسات المنحرفة التي نمنعكم عن معرفة الله وعبادته.

” إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”[10]، الوصول إلى كون هذه الآية آية فعلا والآية هي الأمر الواضح البيّن المشع الدال الهادي ولكي نصل إلى أن هذه الآيات آيات فعلا ونكتشف آييتها لابد من علم يقوم على الصبر وعلى روح صابرة ولابد من فهم للوقوف على آيات الله وأنها بصفة كونها آيات، فمرة أقف على الشمس وعلى سير الشمس ووجود الشمس وعلى وجود القمر وسير القمر والليل والنهار وكل شيء من غير أن أعطيه صفة أنه آية ومن غير أن أعلم أنه دليل ومن غير أن أتبين أنه هدى وأنه يدل على عظمة الله عز وجل وهذه نظرة سطحية يراها حتى الحيوان، ومرة أرى الشمس وأرى أنها دليل ودليل كبير على عظمة الله عز وجل والقمر كذلك وكل الظواخهر الكونية.

معرفة أن هذه الآيات آيات وأنها داله ورائها معرفة الله عز وجل ومعرفة الله سبحانه من أجل أن أشكر نعمته وأصبر على بليته فأمامي نعم وأمامي ابتلاءات ومحن ومصائب لا أعرف تفسيرها وقد أمعن النظر فيها من غير أن أصل إلى ما ورائها من حكمة ولكن حين أعرف الله عز وجل وأعرف عظمته ولطفه وحكمته ودقة صنعه ورحمته بعباده من خلال هذه الآيات أعرف أن ما من بلية إلا ولها حكمة ولا تخرج عن العلم ولا تخرج عن القدرة ولا تخرج عن التخطيط الدقيق وأتعرف وزن النعم وأن عليّ أن أشكرها.

إذا لم تكن عني روح الشكر وروح الصبر وإذا لم تنشطفيّ روح الشكر وروح الصبر فلا حاجة لي ولا دافع لي يكون للنظر في هذه الآيات وأنها آيات أو غير آيات بل أمر عليها مرور العابر ومرور الحيوان الفاقد للقدرة على التأمل والتفكر فنحتاج إلى روح صبر وشكر عظيمتين.

“صَبَّارٍ شَكُورٍ”[11]، صيغتان للمبالغة بمعنى شديد الصبر وشديد الشكر وكثير الصبر وكثير الشكر وهذه الروح لابد أن يغنى بها الإنسان لكي يعطي النظر التي تستند إلىالآيات وتستحقها آيات الله تبارك وتعالى، ثم أن الاستفادة من هذه الآيات لو وقفت على أن هذه الآية ووقفت على شيء من عظمة الله عز وجل من خلال مطالعة الآيات والإمعان فيها وتوقفت من خلال دلالتها إلى الوصول إلى خاليقة الله وألوهية الله وربوبية الله ووحدانيته فهل أستفد لهذا الحد من الآية أو علمت بعظمة من عظمة الله وبقدرة من قدرة الله سبحانه وتعالى وبعلم من علم الله فلحد الآن هذه الآية لم أوظفها لصالحي ولم أضعها في موضعها فأحتاج لأن أتحلى بالصبر عند المصائب وعلى التكاليف وعن المعاصي وعلى القيام بالواجبات ولأن اكون شكورا لتكون هذه الآيات محل استفادة فعلية فهي آيات”لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”[12]، وهي حجج لمن لا يصبر ولا يشكر.

“أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ”[13]، نحن ننظر إليها نظرة ساذجة جدا ولا نفكر في سبب وننسبها إلى كثافة الخشب وإلى كثافة الماء وهذان من أين جاءا ومن أي هذه المعادلة الدقيقة وأما ظاهرة الأمطار فكما تعلمنا من المدرسة أنها ناتجة من تبخر مياه المحيطات البحار عن طريق الحرارة وهنا أكون قد اكتشفت الموضوع بالكامل وكأني خلقت البخار وخلقت الماء وخلقت الحرارة وكأني أنتجت المعادلة وأنتجت المطر فقد علمت من الأسباب الظاهرة للنعمة ولكن من واضع هذه الأسباب ومن مسببها ومن مقدرها ومن واضع موازناتها ومعادلاتها فهذا كله يغيب وماذا لهذا الصانع العظيم وماذا لهذا المنعم العظيم من شكر؟

” لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ “[14]، مع كونها آيات في نفسها ليست فيها نقص على الإطلاق على مستوى شأنيتها في كونها دلالات هادية وهذه الظواهر والمخلوقات كفائاتها كاملة لكونها دالة للعقول والقلوب على عظمة الله سبحانه وتعالى ولكن أن تكون آيات بالفعل لهذا أو ذاكيبقى تنتظر هذه الفعلية كون المتلقي المتفاعل صبار وشكورا وإلا تبقى دالة في نفسها غير دالة لي من ناحية فعلية ولم تصلني هداياتها أو فائدة هداياتها.

والحمد لله رب العالمين

[1] سورة لقمان، الآيتين 31.

[2] سورة لقمان، الآية 31.

[3] سورة لقمان، الآية 31.

[4] سورة لقمان، الآية 31.

[5] سورة لقمان، الآية 31.

[6] سورة لقمان، الآية 31.

[7] سورة لقمان، الآية 31.

[8] سورة لقمان، الآية 31.

[9] سورة لقمان، الآية 31.

[10]سورة لقمان، الآية 31.

[11] سورة لقمان، الآية 31.

[12] سورة لقمان، الآية 31.

[13] سورة لقمان، الآية 31.

[14] سورة لقمان، الآية 31.

زر الذهاب إلى الأعلى