خطبة الجمعة (616) 2 ذو القعدة 1435هـ – 29 أغسطس 2014م

مواضيع الخطبة :

الخطبة الاولى : البصيرة

الخطبة الثانية : هل يعود الربيع ربيعاً؟ – احتمالان لا ثالث لهما – حادث مسجد ديالى – الحرب الأخيرة على غزة

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي جعل أسماع أوليائه سميعة، وأبصارهم بصيرة، وقلوبهم منيرة، وجعل أسماع أعدائه صمّاء بما عاندوا، وأبصارهم عمياء بما جحدوا، وقلوبهم غارقة في الظلمة بما استكبروا. لا يظلم أحدًا، ولا يُضلّ إلا من سلك طريق الضلال، واختاره على طريق الهدى، ولم يحرم طالب الهداية مزيدًا من الهداية، ولا متّجهًا إلى النور مزيدًا من النور.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله ما ضعفت إرادة عبد من عباد الله عن تكليف شرّعه سبحانه إلا بسابق تفريط من هذا العبد أو نقص في تربيته؛ ومن ذلك تربية نفسه.

       وكلُّ من رُبّي التربية الصحيحة، ولم يُفرّط في حقّ نفسه، ولم يلوّثها بالمعاصي والتخلّف عن طاعة الله المقدورة له لم تقصر إرادته، ولم تهنْ نفسه عن تحمُّل ما فرض عليه الرحيم الحكيم.

       فلنُحسِن تربية النفس، وتربية الولد، وتربية الأهل، ونتجنّب تلويث النفس، والتقصير عن عمد ليسهل علينا وعلى من كان لنا من ولد ما كلّفنا به الله عزّ وجلّ.

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

اللهم اجعلنا لا نتوانى في الاستجابة لأمر من دينك، ولا نسمح للنفس أن تخوض حرمة من حرماتك، ولا تفتر همّتنا في طاعتك، وهيّئ لنا من أمرنا رشدا، واكتب لنا من كل ضيق وضلال مخرجا يا رحمان يا رحيم يا كريم.

أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه خاتمة للحديث في موضوع البصيرة:

لا تمام لبصيرة الإنسان إلّا بالدين الحقّ، وما كلّ إنسان بمحيط بالدين الذي أنزل الله على أنبيائه ورسله، وورّث علمه خاصّة أوليائه ممن اصطفاه برحمته لهداية عباده.

ومن اصطفى الله سبحانه من أنبياء ورسل وأئمة هدى للناس قد وهبهم تمام البصيرة في الدين والدنيا علمًا وعملا، ولا غنى لأحدٍ من غيرهم عنهم لاستكمال هذه البصيرة، والرجوع إليهم لصلاح أمر دينه ودنياه واستقامتهما([1]).

وهذه بعض النصوص التي تتحدث عن بصيرة قادة البشر الإلهيين من أنبياء ورسل وأوصياء لهم:

فمن القرآن الكريم:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}([2]).

وأصل البصيرة ثابت في كل إنسان خلقة، وإنما أعطت الآية الكريمة هذا الوصف لخصوص من ذكرتهم وأثنت عليهم به مع وصفهم بالقوة لما ميّزهم الله به من هذه النعمة في من ميّزهم من خاصّة عباده دون غيرهم.

{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([3]).

والمأمور في الآية الكريمة هو خاتم الرسل محمد صلّى الله عليه وآله، ومن بصيرته التامة الفائقة كان الرسولَ الرّحمةَ للعالمين أجمعين، والقدوةَ والإمامَ لكلّ أهل الدنيا من بعده.

وبصيرة الرسل، ومن ورث الوحي المنزّل عليهم بالدين، بصيرة شاملة لكلّياته، وجزئياته، وتفاصيله.

عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله الله سبحانه:{..أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}:“يعني أولي القوّة في العبادة والبصر فيها”([4]). وكل مساحة الحياة هي مساحة عبادة في حياة الرسل وسيرتهم. فهم على بصيرة في كلّ أمر من أمور الدنيا، وأمور الآخرة.

وعن بصيرة خاتم الرسل صلّى الله عليه وآله من الحديث:

عن الباقر عليه السلام:“أتى رجل النبي صلّى الله عليه وآله فقال: إلى ما تدعو يا محمد؟ فقال صلّى الله عليه وآله: أدعو إلى اللهعلى بصيرة أنا ومن اتبعني”([5]).

وأدعو إلى الله أدعو إلى توحيده التوحيد الشامل، وإلى التمسّك بالمنهج الذي اختاره لأن يأخذ به عباده في كلّ حركة لهم في الأرض، وحياتهم عليها.

والبصيرة التي هو عليها صلّى الله عليه وآله مستوعبة لكل عبادة من عبادات الإسلام، وأمر من أوامره، ونهي من نواهيه، وفكرة من أفكاره، ورؤية من رؤاه، وهدف من أهدافه، وأسلوب من أساليبه، ولكل شيء منه، وما يصحّ أو لا يصحّ أن يُنسب إليه.

وعن الإمام عليّ عليه السلام في بيان صفة النبي صلّى الله عليه وآله:“فهو إمام من اتّقى، وبصيرة من اهتدى”([6]) فمن اهتدى وكانت له بصيرة فاعلة يجد نفسه محتاجًا للاستنارة بهدى رسول الله صلّى الله عليه وآله، واستضاءة بصيرته بدرجة أكبر مما هو عليه من بصيرة.

ولا يشعر بالاستغناء عن هداه صلّى الله عليه وآله، وعظيم بصيرته إلّا أعمى لا يعرف من غنى الرسول صلّى الله عليه وآله شيئًا. وإلا فلا إنسان بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله يجد من نفسه الاستغناء عن الاستمداد من بصيرة الرسول صلّى الله عليه وآله التي وفّرها له ربّه الكريم.

وعن بصيرة عليّ عليه السلام قوله:“إنّي لعلى بيّنة من ربي، وبصيرة من ديني، ويقين من أمري”([7]).

إنّه عليه السلام على بصيرة من معرفة الله، ومن معرفة ما اتخذه من حق، وبصيرة من أمره كلّه؛ أمر الإمامة والسياسة وما هو غير الإمامة والسياسة.

وعن بصيرة أهل بيت العصمة عليهم السلام كلّهم تقول الكلمة عن الإمام الصادق عليه السلام – حين سُئل عن النعيم-:“النعيم نحن؛ الذين أنقذ الله الناس بنا من الضلالة، وبصّرهم بنا من العمى، وعلّمهم بنا من الجهل”([8]).

فهم بما هم عليه من هداية منقذة للناس من ضلالتهم، وبصيرة تُخلّص الناس من عماهم، وعلم ينتشل الناس من جهلهم من أوضح مصاديق النعيم، وأظهر مظاهر البركة في الناس أجمعين.

وعلم أئمة الدين من رسل وأوصياء لهم، وبصيرتهم النافذة، وهداهم المشعّ لا يزال حاضرًا في الناس، وهو باقٍ ما دام مجتمع الإنسان بما أبقاه الله من هداهم وآثار بصيرتهم، ومن كلماتهم، وذكر سيرتهم، وكل ذلك كانوا يصدرون فيه عن هدى الوحي المتنزّل على الرسل، والكتب الإلهية والمُهيمن عليها القرآنُ العظيم.

ونور آل محمد صلّ الله عليه وآله ومن جهة أخرى لا زال قائمًا في شخص إمام العصر عجّل الله فرجه المبشَّر بأنه سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورا، ومدد السماء إلى الأرض بالنور لا ينقطع ببركة بقاء الدين.

اللهم اجعل بصائرنا مفتوحة على هداك، وقلوبنا مقبلة على دينك، وسرائرنا صالحة بتقواك، ونهايتنا إلى مرضاتك يا وليّ يا حميد، يا رحيم يا كريم.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([9]).

 

 

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي هدى عباده لطريق الحقّ، وجعل لهم أسماعًا وأبصارًا وأفئدة لا يضلّون معها عن طريق الهدى، وجعل من آيات الأنفس والآفاق ما هو بصائر للناس يهتدون بها إليه.

       والحمد لله الذي وعد المحسنين بمزيد من الإحسان، وتوعّد العاصين بشديد العقوبة.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا.

       عباد الله لا ييأس قلب له حياة وإن ضعفت من عفو الله ورحمته؛ ذلك لغناه الذي لا يُقاس، وكرمه الذي لا يُبلغ، وجلاله العظيم، وجماله المطلق، ولما وعد به العاصين من عباده بقبول التوبة عند صدق الأوبة، وجميل العفو والستر على الذنب، ولا صدق لوعد كصدق وعد الله، ولا خُلْف لما وعد به عباده، ولا يأمن قلبٌ فيه شيء من صلاح وقد أسرف صاحبه على نفسه من أخذ الله ونقمته.

       وكيف يأمن عبد ضعيف مملوك ملكًا حقًّا لا اعتبارًا فحسب من مالكه القويّ المطلق الذي لا يقوم لقدرته شيء، وقد عصاه وعانده؟! وهو الذي توعّد أمثال هذا العبد بالعقوبة المؤلمة، والعذاب الشديد.

       فلنتّق الله عباد الله، ولنطمع في عفوه ورحمته، ونطلبهما بالقول والعمل، ولنحذر من معصيته كلّ الحذر.

       أعنّا ربّنا على أنفسنا، وأيئس منّا الشيطان الرجيم، واعصمنا من معصيتك، وأهّلنا لرضوانك والجنّة، فأنت أكرم من كلّ كريم، وأرحم من كلّ رحيم مهما كان كرمه، ومهما بلغت رحمته.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس يا ربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.

       أما بعد أيها الأحبّة في الله فهذه بعض كلمات:

هل يعود الربيع ربيعاً؟

 

السؤال: هل يعود الربيع الذي عاشته الآمال – وقد تلاشى عند الغالبية العظمى – ربيعاً حقاً في الواقع؟

إذا اكتسح الخطر القائم اليوم في الأمة كل الحدود والسدود فهو الشتاء القاسي الطويل، والمميت، والكارثة العظمى.

وأنظمة الحكم في الأمة وحكومات شعوبها، وليس منها إلا ما هو تحت طائلة الخطر الزاحف، والحريق الآخذ في الامتداد، ولا يُظنّ أنَّ أيًّا منها بغفلة من هذا تمنعها فرقتها، ومُضادّة بعضها لبعض أن توحِّد جهودها، وتكوّن جبهة موحّدة لحد الآن في وجه ما يتهددها من خطرٍ محدقٍ كاسحٍ مدمّر عنيفٍ لا يقبل التسويف ولا التراخي.

ومن جهة أخرى، لا تُبدي أيَّ لينأو مرونة في تعاملها القاسي الجافي الظالم مع شعوبها، ولا تريد أن تُخفِّف من حدّته وتجنح للإصلاح، وهي بهذا الموقف وذاك إنما تَقْدُم على الانتحار.

هذا هو واقع أغلبية الأنظمة الحاكمة للأمة في هذا الظرف العسير.

وهناك الأنظمة الغربية والشرقية والتي مهما كان يتهددها من خطرٍ من جهة موجات الإرهاب والفوضى داخل أمتنا والتي تتحدث عنها كلُّ الدنيا، فهو لا يبلغ ما عليه الخطر الذي فيه هلاك هذه الأمة([10]).

وأنت تجد تلك الأنظمة تتوحد كلمتها، وتُنسّق جهودها في مواجهة احتمال امتدادات الخطر إليها، ولإبقاء هذا الخطر في حدود أمتّنا، وبما يُحقّق الغاية من ذلك، ويحمي من الخسارة التي تُواجهها تلك الأنظمة الأجنبية من ناحية حرمانها من الثروات التي تمدها من ثروات أرضنا وأمتنا.

فعليك أن تقارن بين موقفٍ تقفه الحكومات البعيدة من الخطر، والموقف الذي تتخذه حكومات أمّتنا التي تعيش في ساحة الخطر، ويترصدّها وشعوبَ الأمة لحظة بلحظة.

إذا كانت حكومات الأمة تتخذ احتياطاتٍ لأمنها من وصول الخطر إلى حدودها فهيإنما تحترس لحدودها ونظامها فحسب، وكأن بلدان هذه الأمة جزر متنائية، ووصول الخطر إلى حدود بعضها لا يُهدِّد البعض الآخر ولا يعنيه في شيء.

وحتى لو كانت هذه الحكومات والأنظمة لا تجد الشعور بالانتماء القوي الكافي لهذه الأمة، وما يجب عليها لدرء الخطر عنها، وحتى لو كانت تضمر لبعضها البعض العداء، وتتمنى له الضعف والزوال إلا أنه ومن باب الانتصار للذَّات وحمايتها عليها أن توحّد الموقف من الخطر المُستهدِف للجميع والذي لا تدفعه الجهود المجزّأة والمبعثرة، ولا يُنتظر من أي بلد يداهمه بعد اشتداده أن ينقذ نفسه منه بموقفه مفرداً.

وإنَّ درء الخطر عن الأمّة مرّة بلحاظ صورته المؤقّتة، وأخرى بصورةٍ ثابتة. على المستوى المؤقت والسريع، السرعة التي تتطلبها مستجدات الوضع المتفاقمة للخطر العامّ المُحدِق الذي يتهدّد الحكومات والشّعوب، والقادر على سد الطريق أمام الحريق الهائل لا يتم هذا الدرء إلا باتخاذ موقف قويّ موحَّد يعالج المستجدات الخطيرة المشتعلة التي طرأت على واقع الأمة والآخذة في التوسع والامتداد.

أما الحلّ الجذري، والطويل الأمد، والمُنقذ بحقٍّ وكفاءة للأمة من أزماتها المتوالية فإنما يكون بعودة الأنظمة إلى أحضان الأمة وهويتها، ودينها، وقيمها، وأحكام الشريعة الإلهية التي تنزَّلت على نبيِّها الكريم صلى الله عليه وآله، يكون بأن تتصالح حقاً مع الأمة، وتصدُق مع الدين، وتستمدّ قوتها منهما، وتتخذ من الدين أوّلًا، ومن الأمة ثانياً مرجعية لسياستها.

وكأنَّ إحساسًا جدّيًا بصعوبة الأوضاع والتهديد للجميع، والحاجة الملحة لموقف عملي من الخطر وجد بدايته العملية الأوّلية على مستوى التمهيد لحدِّ الآن لإنتاج هذا الموقف الموحَّد، وهو أمرٌ برغم تأخُّره جيدٌ، ومن الضروري أن لا يتأخر أكثر مما تأخر، وإلا فاته الأوان، وإن لم يصدُقْ مثّل كارثة للجميع.

وأمر المواجهة لا يتطلب تنسيق المواقف الحكومية مع بعضها البعض فحسب، وإنما لابد من حلٍّ سريع لمشكلة هذه الحكومات مع شعوبها.

احتمالان لا ثالث لهما:

لا يوجد في الأزمة في البحرين، وهي أزمة بين الشعب والحكومة غيرُ احتمالين لا ثالث لهما:

احتمال أن تجد نهايتها عن طريق حلٍّ عادل تسلم به الحكومة والشعب، ويُحقِّق حالة استقرار ثابتة على المدى الطويل.

وهذا الحل قادرٌ على إنقاذ الوطن من استمرار النزيف، وتراكم المشكلات والمضاعفات الأشد.

– واحتمال أن تستمر السلطة في الموقف الرافض لأي حلٍّ من هذا النوع، وفي التمسّك بالحل الأمني، وسياسة القمع، والمماطلة، وتضييع الوقت، والتحايل، والتضليل الإعلامي، وشراء مواقف الشركات الإعلامية، وشركات العلاقات العامة، ومواقف الدول والأشخاص من الداخل والخارج، وتوظيف الذِّمم الرخيصة، والألسن البذيئة الوقحة ضد المعارضة والشعب محاوَلةً لكسر إرادة هذا الشعب الأبي، والتراجع عن مطالبه([11]).

وبهذا تكون الحكومة قد اختارت عمليًا بقاء الأزمة وامتدادها وتوسعها، ومزيدًا من الخسائر للوطن وإنسانه من غير أن تُحقِّق غرضها؛ حيث أنَّ طول التجربة قد أثبت صدق القول بأنَّ إرادة الشعب لا تتراجع بها المصاعب، وأنه لا يكِلّ من بذل التضحيات في سبيل الإصلاح الذي ينشده.

وأما انتخاباتٌ غير عادلة، ولا تُعطي الشعب وزنه، ولا تُلبّي تطلُّعه، وتُكرّس الصورة الظالمة التي يريد الخروج منها، وبَذَلَ من أجل ذلك الكثير، فإنها تثبيتٌ لأساس المشكل، وتعقيدٌ له بدرجةٍ أكبر، وليست حلًا ولا جزءًا من الحل.

ومن يخاف الحل العادل فإن أيّ طرحٍ ظالم لا يستثني من شرّه أحدًا أبدًا.

 

وإنّ السلطة إذا أرادت الحلِّ فهي على هدى منه ومن الطريق إليه، وأخذها لطريق آخر لا يُحمل على الجهل أو الغفلة، ولا يُحمل إلا على العلم والإصرار، وتعمّد الإساءة للنفس والغير والوطن.

حادث مسجد ديالى:

وهو الحادث الذي أودى بحياة عددٍ من المصلين من أبناء العراق في مسجدٍ من مساجد الأخوة السنّة.

والاحتمال موزّعٌ على أكثر من جهة تكون قد ارتكبت الحادث، وهو حادثٌ إجراميٌّ بشعٌ مدانٌ شرعًا وإنسانيًا، ومن كل ذي ضمير إنساني.

وهناك من بادر وقبل أيّ تحقيقٍ لرمي الشيعة بهذا الإثم قبل إجراء أيّ تحقيقٍ في الموضوع.

ولو ثبت أنه من فعل جماعةٍ شيعية فإنه لن يبقى شيعيٌ واحدٌ بحقّ إلا ويُدينه، ويبرأ منه لما هو عليه من قبحٍ ومخالفة صريحة لمذهب أهل البيت عليهم السلام، ولا يمكن أن يَلتمس أحد عذرًا لفاعله أيًّا كان ذلك الفاعل.

وكل التفجيرات الآثمة التي طالت مساجد الشيعة وحسينياتهم والمزارات الشريفة ومنها مرقد العسكريين عليهما السلام لا يمكن أن تُبرّر شرعًا ولا في الضمير الشيعي هذا الجرم الخارج عن مقاييس ومسلّمات مذهب التشيّع.

والمقطوع به أنَّ كلّ شيعيّ يعرف المذهب ومسلّماته، ويتقي الله، وينطلق في سلوكه من أحكام مذهبه لا يمكن أن يرتكب فعل هذا الإثم.

وما يصح لأيّ مسلمٍ من أي مذهبٍ أن يسترخص دم المسلم الآخر، ولا يسعه إلا أن يستنكر هتك حرمة أيِّ مسجدٍ من مساجد المسلمين، ويواجَه ما استطاع الخارج على حرمات الإسلام بالمواجهة اللائقة.

وإنّ جهل كثير من المسلمين بالإسلام، وبُعْدَهم عن أحكامه ومسلّماته يجعلهم يفرحون لجريمة قتل المسلم والعدد الكبير من المسلمين إذا كانوا من المذهب الآخر، وهذا من أضلّ الضّلال، ومن أشد التضييع للشريعة البيضاء والدين الحقّ.

الحرب الأخيرة على غزة:

هدف الحرب الأخيرة لإسرائيل على غزة إنهاء قوة المقاومة وقدرتها على الصمود، وتحطيم سلاحها، ومنعها من بناء قدراتها التسليحية من جديد.

وقد دمّرت إسرائيل في هذه المعركة الكثير، وهدّمت البيوت على رؤوس أصحابها، وأسرفت في قتل وجرح الألوف من الفلسطينيين، وفعلت من القتل والتدمير ما يعرف منه الكثير، ولكن لم تُحقّق هدفها، وانتهت الحرب، واحتفل بنتائجها أهل غزة احتفالات جماهيرية واسعة برغم كلّ ما أخذته من أرواح، وما أحدثته من تدمير هائل.

أما في إسرائيل، فساد اللوم لنتنياهو، وخرجت تصريحات بخسائر فادحة، وسَخِطَ جمهورٌ إسرائيليٌ واسع، وانتشر تذمّر المستوطنين، وصدر التصريح بأن المعركة لم تُحسم.

وقد دخلت إسرائيل الحرب التي ابتدأتها عدوانًا بجيش قوي عددًا وتدريبًا وتسليحًا، وقابلت غزة العدوان ببأس شديد، وإرادة مثالية، وصبر كبير على التضحية والخسائر والبذل السخيّ للأرواح العزيزة، وهو الشيء الذي يفتقده التحمُّل الإسرائيلي.

ولقد خرجت غزة بعزيمة أهلها وإرادتهم الضخمة، ومقاومتها الشّرسة،  وصبرها على الخسائر منتصرةً نفسيًا وسياسيًا على القوة المادية والجبروت الإسرائيلي بما يستوجب أن تُراجع إسرائيل نفسها ألف مرة قبل أن تُقدم على شنِّ عدوان على غزة أو غيرها كالمقاومة في لبنان من جديد لتُعيد لنفسها الهزيمة النكراء، والخزي والهوان مرة تلو أخرى.

وإنّ الأمة لتبارك لغزة خروجها من الحرب الظالمة التي شُنّت عليها منتصرة، وتطالب الفلسطينيين كلّهم أن تتوحّد كلمتهم في مواجهة العدو حتى هزيمته النهائية الكبرى.

اللهم أنقذ هذه الأمة المسلمة من كل جهل وضلال، ومن التصدع، ومن الانقسامات الجاهلية والحروب، واهدها لنهجك القويم، واحفظ كل أوطانها من شرّ الفتن، وما يحيط بها، ويتهددها من أخطار ودمار.

اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، وردّ غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة ونصر برحمتك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([12]).

 

[1]– ويستوي في ذلك الأفراد والأمة.

[2]ص: 45.

[3]– يوسف: 108.

[4]بحار الأنوار ج12 ص7 ط2 المصححة.

[5]تحف العقول ص41-42 ط2.

[6]نهج البلاغة ج1 ص185. ط1.

[7]موسوعة معارف الكتاب والسنة ج8 ص376 ط1.

[8]بحار الأنوار ج10 ص209 ط2 المصححة.

[9]– سورة العصر.

[10]– إذا كانت للأمم الأخرى، للشعوب الأخرى، للأقطار الأخرى أخطار تتهددها من موجات الإرهاب فإنّه ليس من مثل الخطر الذي يتهدد هذه الأمة بكاملها.

[11]– هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلة).

[12]– 90/ النحل.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى