الحديث القرآني الرمضاني – 25 رمضان 1435هـ / 23 يوليو 2014م

سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم

في إضاءات قرآنية في رحاب (سورة لقمان)

الحلقة الثامنة

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

قوله تعالى “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”[1].

يتكرر نداء لقمان لابنه بصيغة يا بني ليحمل ما يحمله من تذكير بالعلاقة القوية بينه وبينه وبأن المنطلق في وعظه هو الإخلاص والشفقة، وهذه هي المرة الثالثة يأتي هذا النداء من لقمان في وصايا لابنه في هذا السياق.

“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ”[2]، أن إقامة الصلاة تختلف مستوى عن أداء الصلاة والصلاة التي تقام فتقبل غير الصلاة التي تؤدى فصحة الصلاة درجة وقبولها درجة أخرى، وقد تصح الصلاة بثواب قليل وقد لا تقبل أما إذا قبلت فقد جمعت بين الصحة وبين القبول ومع توفر شرائط الصلاة والتزام أحكامها الظاهرية وجودة وصحة القراءة والركوع والسجود وياتي حضور القلب وإخلاص العبادة لله عز وجل، فصلاة يتخلل ثلاثة أرباعها سهو وغفلة عما أنا فيه من وضع فينما أنا أركع وأسجد وأنا أكل وأفكر في الطبخة والحلوى الفلانية وهذه تسمى صلاة ولا تجب عليه الإعادة ولكن لم يصلي الصلاة المقبولة والصلاة التي تبني.

فوصية لقمان لابنه بأن لا يقتنع بأداء الصلاة وبطلب الصلاة وإنما عليه أن يجهد نفسه ويني معرفة وأن يقبل على الصلاة إقبالا يمكنه من إقامتها والإقامة من القيام أشد حالات الاستقامة في الإنسان والقدرة على أداء الوظيفة وهذه قائم مستقيمة لا عوج فيها فلا تجعلها منحنية ومائلة بل أقمها.

“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ”[3]، وتعرف أن إقامة الصلاة ليس شيئا سهلا والقدرة على إقامة الصلاة ليس وليد ساعة الصلاة بل وليد بناء نفس وبناء فكر ونظافة سلوك واعتياد الجدية واعتياد الحضور واعتياد ذكر الله تبارك وتعالى ونتيجة خوف من الله عز وجل ورجاء لله عز وجل وحب لله عز وجل وعشق للصلاة فهذا كله هو الزاد الذي يمكن من إقامة الصلاة وليس بان يكون طول اليوم جدول أعمالي أكثره غير مرضي لله عز وجل ووقت الصلاة سأقيم الآن الصلاة، لا فالنفسية والعقلية ليست موجودة والروحية ليست موجودة فنحتاج إلى بناء وإلى مسلك خاص.

وإقامة الصلاة على صعوبتها وتحتاج إلى جهاز روحي نقي وجهاز إرادي قوي وجهاز فكري مدرك وتحتاج إلى فطرة لئلائة وهذه وصية .

“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ”[4]، الصلاة تبني الشخص بناء داخليا متينا وتجعله صالحا جاهزا لأداء الدور الصالح وتربط فكره وروحه وإرادته بالله الكامل تبارك وتعالى وترفع همته عن الأرض ودنايا الأرض وتقيم الله في نفسه أعظم عظيم وهذا يكسبه قوة ويكسبه نشاط وثقة وأمل ويشعره بالدعم وكل هذا تفعله الصلاة.

“وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ”[5]، قضيته وأمر بالمعروف وأنت هنا سيد وآمر وحاكم وتصدر أمرا وأبو المعروف لأبي المنكر وصاحب المنكر في موقع سيادة من ناحية التصحيح ومن ناحية الآمرية وله الأمر عليه وصحيح أنه يتلطف معه ويسلك السبيل الصحيح ولكن أعطاك الله عز وجل موقع الأمر للفعال للمنكر والتارك للمعروف بأن تأمره بالمعروف وتناه عن المنكر وسؤالك ما شأنك بي فأنا مأمور من الله عز وجل وعندي أمر وملوك الملوك ورب الأرباب إله العالمين أعطاني هذه السيادة وأعطاني حق هذا الأمر وأعطاني هذه الآمرية، ألا ترى هذا يقول أني موظف وقد أكون موظفا عادلا أو ظالم وأنت تقول أني مأمور من الله عز وجل فلا أستأذن منك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

“وَأْمُرْ” والأمر يأتي من العالي إلى الداني والرجاء والدعاء يأتي من الداني إلى العالي، وهذا طلب وهذا طلب هذا يقول أفعل كذا وذاك يقول أعطني طلب ورجاء ويكون معه في مستوى واحد الالتماس وأما الأمر فيحتاج إلى فوقية الطالب، فهنا المقدم للطلب تقديمه للطلب ليس من موقف الضعف وليس من موقع المسكنة وإنما من الموقع الأرفع وكان أرفعا باستقامته وبطاعته لله عز وجل وبعبوديته لله سبحانه وتعالى فعز عند الله وأرتفع شأنه عند اله وأعطي موقعا متقدما على صاحب المنكر في حكم الله فصار له الأمر عليه في حدود المنكر المخاطب، وقد يكون المخاطب صاحب معروف في جانب ثاني أحسن من المخاطِب ففي ذلك الجانب تكون السيادة للمخاطب على المخاطِب فذاك يأمر ويتحول إلى مخاطِب وهذا يتحول إلى مخاطب.

“وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ”[6] وليس التمس وليس هذا هو الموقع إنما هو موقع أمر وليس بزجر والله عز وجل يخاطب بخطاب لين وعلوه لا يُدانا ولا يمكن أن يقترب منه وهو يخاطب بخطاب لين وهو له موقع العلو وله الأمر وله النهي تبارك وتعالى، فمعنى أن لك الأمر عليّ أن تزجرني مباشرة وتغلظ علي ولكن يصل الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله أو أمير المؤمنين هدد من تخلفوا عن جماعته الواجبة وحسب الخبر هدد بحرق البيوت ويقيم الحد عن من تخلف عن الصلاة عن عمد وهذا من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وذاك لرسول الله صلى الله عليه وآله وللأئمة المعصومين عليهم السلام ولكل حاكم شرعي حده.

“يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ”[7]، يفسد المجتمع كل الفساد ويسقط كل السقوط ويدوي كل الدوي ويذوب كل الذوبان بتخلف وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يفسد عضو المنزل في الأسرة الواحدة فلا يكلمه الأب ولا تكلمه الأم وتخطئ الزوجة ولا يكلمها أحد ويخطئ الزوج ولا يكلمه أحد فيأتي الثاني والثالث ويتشجع الرابع والخامس، فواحد منتظر على الخط أين من يتساهل في السلوك فهو يشتهي العبث واللعب والفساد ولكنه متهيب من المجتمع فينتطر واحد وأثنان فيكون هو الثلاث والرابع لأنه يريد تحقيق امنيته للانطلاق فيما يشتيه فيشيع الفساد وتشيع الفاحشة ويشع الظلم ويتقوض المجتمع ولكن هل يبقى أحد سليما أو لا يبقى فهذا أمر آخر، ومراد الإسلام ليس أن لا يبقى فردا أو فردان أو عشرة على سلامة من فكرهم وسلوكهم وسيرتهم وليس أن يوجد أفراد يلتزمون بينهم وبين ربهم في صلاة أو صوم فقط، أن مطلوب الإسلام أفراد صالحون ومجتمع صالح، وهذا لا يصنعه إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن نفس الإنسان ضعيفة والإنسان كثير الخطأ وكثير الغرور فلو ترك وشأنه يفسد كثيرا ومع رقابة الله يعلم الله من هذه النفس البشرية أنها تحتاج إلى الردع الاجتماعي، وصوت السلاطين يؤدب وقد يفسد وإذا كان صوت السلاطين يؤدب في بعض الأحيان وعلى بعض الأيدي فإن الرأي الاجتماعي والإنكار الاجتماعي والرضا الاجتماعي والغضب الاجتماعي يؤدب الكثيرين ويردع الكثيرين، فلا يستكيع العيش في بيت كله ينكر عليه سلوكه وفي قرية كلها تنكر شرب الخمر ويأتي ذاك ويشرب الخمر أمام الناس فلا يكون ذلك. “وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ”[8]، هذا لبناء النفوس الصالحة وبناء الغير على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمعات.

“وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ”[9]، فكل الإصابات صعبة والإصابات بمعنى النوائب التي تصيب الإنسان وكأنها قصدته بذاته وقصدت أذاه فأصابته ووصلته ويقال أصاب السهم الهدف بمعنى نشب فيه، والنائبة تقصدك فتنشب.

“وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ”[10]، فالأمراض مصائب والفقر مصائب والخوف مصيبة والمصائب كثيرة “وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ”[11] ذكر في طول “وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ”[12]، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون سببا ظاهريا للفقر وإلا فهو كما في الحديث لا يقرب أجلا ولا يقطع رزقا ولكن في النفس أنا آمر سلطانا ففيها خوف من الفقر وفيها خطر من الموت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروطه وأحكامه الدقيقة التي يجب استيعابها مقدمة لأداء هذه الوظيفة.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طريقه صعب وظيفة صعبة تعادي بينك وبين صدسقك وتعادي بينك وبين حبيبك وتزعج الزوج من زوجه والزوجة تزعجها من الزوجها والولد الحبيب يتغير لونه معك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنت الأب الشفيق إذا جاءت كلمة معروف من الولد وانت الذي ترى نفسك القيم على الزوجة وجاءت منها كلمة معروف أو جاءت كلمة معروف من زوجي فإلى أي حد تستعلي هذه النفسية على الولد وعلى الزوجة، فالأمر بالمعروف ثقيل والنهي عن المنكر ثقيل وإذا كان يملك سببا من أسباب الرزق الظاهرية يخافه فالطريق صعب، ولتنظر حينما تريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع واحد بعيد أو قريب هل تقبل بسرعة أم توازن وترى وتتوقع هل يقبل أم لا وهل يتقبل أم لا يقبل وهل يضربني أم لا؟ فهذه الوظيفة بخصوصها تحتاج إلى صبر كبير وإذا كان صبر الصلاة يحتاج إلى نصف ساعة أو عشر دقائق للصلاة ويصبر نفسها عليها وهو أمر صعب جدا جدا ويحتاج إلى زاد ضخم على مستوى الروح والفكر والإرادة، إلا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفاجأك في أي لحظة من اللحظات واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتتعرض لهذا الواجب كثيرا وتحمله ويأتي في أوقات أنت مستعد فيها نفسيا وأوقات غير مستعد لها نفسيا وفي كل ذلك عليك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

“وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ”[13]، والصبر هو حبس النفس على الشيء أو عن الشيء والمحبوس يتضايق والحبس فيه ضيق، والنفس لا تريد تعبة ومرهقة ولكن لابد “وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ”[14] أحبس نفسك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأحبسها على الصلاة وعلى البذل في سبيل الله، وعلى الرياضة التي تبني بدنك ليس لديه مزاج أن يتروض ولكن اصبر فمن الضروري بناء بدنك والفعل الثاني ضروري لبناء روحك والفعل الثالث ضروري لبناء إرادتك والفعل الرابع ضروري لتحسين وضعك الاقتصادي والفعل الآخر ضروري لتحسين وضعك والنفس تريد الاسترخاء والراحة لأنها تتعب فاحبسها.

” إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”[15]، ذلك أسم إشارة للبعيد في قبال هذا أسم إشارة للقريب فهذا يعني صعوبة الأمور وتلك الصعبة وتلك ذات الأفق البعيد والكريم وتلك الأمور الضرورية جدا والمرتفعة في مستوى ضروريتها، ذلك الشيء الذي يمتلك من الأهمية من اشيء الذي لا تتصورنه، وإن ذلك أسم إشارة للبعيد يرى بعضهم لما تقدم كله من هذه الأوامر إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما أصاب “إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”[16]، وبعضهم يرجعه للصبر فقط على ما أصابك، وتوجد آيتين كريمتين تصف الصبر بخصوصه تقول عنه أن  ذلك من عزم الأمور وليس في سياق ذكر صلاة وصوم وأمور أخرى وإنما هو بصورة مستقلة، فمن هنا بعضهم يأخذ من ذلك قرينة على أن المعني بذلك هو خصوص الصبر والصبر مطلوب في الصلاة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي كل الواجبات.

والصبر مطلوب في داخل ومطلوب في كل عمل من الأعمال الصالحة وفي الامتناع عن كل عمل من الأعمال الفاسدة المضرة وكما أن الصلاة تحتاج إلى مقاومة نفس وتصبير نفس وحبس نفس والجهاد المر بالسيف يحتاج إلى هذا الكثير كذلك الإمتناع عن التدخين يحتاج إلى صبر، وإذا كان ذاك يعاقر الخمر من أربعين سنة ولتوه ألتفت فكم يحتاج إلى صبر ليمتنع عن الخمر.

“إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”[17]، والعزم عقد القلب على الاستقامة عقدا صحيحا لا ينفك ولا يهن ولا يضعف وبصورة دائمة والصبر يتطلب هذا العزم الذي يعني عقد اقلب عقدا محكما شديدا لا يقبل الانفكاك، والعزم يولد من وعي  وعقد القلب يقوم على وعي وتقدير قيمة ما أربط قلبي به ولإرداك خطر الإهمال وإدراك فائدة وجدوى الالتزام ويقوم على توقيروتقدير من أفعل من أجله هذا الفعل وأعزم أجله هذا العزم.

“وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ”[18]، الصعر هو مرض في الأبل يلوي بعنقها ويجعلها على جانب في صورة مشوهة، والتصعر لا تُمل بخدك وهذا الميل يأتي ميلا عن نفسية مستعلية مستكبرة عمن يعرض عنه هذا المستكبر وكأنه لا يريد أن يراه وأنه أعلى من أن يراه وأن هذا دوني وليس محلا ليشبع نطره أين أنا وأين أنت؟ فيعرض عنه فهو مستوى ثاني، خمسة مليارات وأنت لا تملك دينار في جيبك فيعرض عنه، مريض منحول الجسد وهذا مفتول العضل وأنا والموقع الفلاني وأنت النكرة المهمل فيعرض عنه، يوجد نفسية مريضة مستعلية وكل النفوس المتسعلية تعيش حالة مرضية خطيرة وهو لا يعرف نفسه ولكن ليتذكر ما في جوفه وليرى نفسه حينما يذكر لبيت الخلاء من هو؟ وحينما ينحبس ماء مسالكه البولية ماذا يحدث له؟ وحينما ينحبس بطنه ماذا يحدث له؟ فإذا نسينا صغرنا طفولتنا فلا ننسى واقعنا ولا ننسى أن أي واحد من الناس له مرحاض في داخله قبل المرحاض الخارجي ويمشي بمرحاضه ويخطب بمرحاضه ويعلو على الكرسي فهذه خلقتنا ولا نذل، ونحن نتذكر وضاعتنا ونحن نفتخر بهذا الجانب البدني والبدن وضيع وهذا حالنا في الدنيا وهذا حال أكلنا الذي نفخر به وهذا حال الماء الذي نشربه ونبني جسدا ينتهي بعد الموت بساعتين يجف ويحمل، وغرورك أيها الإنسان بهذا وتنافسك بهذا فنستكبرا جهلا والجهل مصيبة.

“وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ”[19]، أي أناس؟ إنسان فاحترم  إنسانية الناس وإنسانية الإنسان وأنت مؤمن وتصلي كثيرا وتصوم كثيرا وتحج كثيرا فهذا لك ولكن إذا مرت بي فلا تعرض عني كل هذا الإعراض إلا ا،تأمرني بمعروف أو تنهاني منكر فهذا أمر آخر وأما أنك من مستوى ثاني وانك متفوق فاترك عنك هذا الأمر فأنت لا تدري وأسال الله حسن الخاتمة.

“وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ”[20]، يهلكك هذا ويذلك عند الله عز وجل فربما جاءك العقوبة سريعة لتعلم المستكبر أنه صغير وأنه حقير وإذا أجل له فمصيبته أكبر.

“وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا”[21]، والمرح هو شدة الفرح وهذا يفقده توازنه و لا يجعل عنه حالة انضباط وتعقل وحالة إدراك، فشدة الفرح تستخف كما هي شدة الخوف فأي شعور من المشاعر يطغى على الإنسان ينسيه نفسه ويخرجه عن توزانه وانضباطه.

“وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا”[22]، وكأنك متمكن في الأرض وكأنك متميز بين الناس وكأنك على ثقة تامة بنفسك وترى نفسك عظمة وكأن الأمور مواتية لك وبين يديك وفي طوعك، تذكر أنك عبد والعبد الذي يشعر بعبوديته لا يفرح كثيرا، فأفرح بنعمة هي ليست بيدي وأفرح بصحة وأفرح بأي شيء فأنا لا أقبض عليه القبضة النهائية وليس لدي تمكن منه بحيث لا يسلبه أحد فأي نعمة بيدي هي بيد مالكها الحق، وهذا الدنيار الذي أعطانيه فلان وصار في يدي فاخرج من ملكه لا هذا ملك الله ويبقى في قدرة الله وفي قبضة الله وليس عندي، فليس هناك مبررا ولا أرضية لشدة الفرح الذي يُخرج عن الحق ويُخرج عن معرفة النفس.

“وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”[23]، فهذا فرح خيلاء والمختال هو من ملئته الخيلاء والمختال هو من لديه تخيلا غبي وسابح في الوهم إلى حد كبير والأوهام تأخذ به إلى أنه عظيم وتأخذ به إلى أنه كبير أكبر من الناس  وأعظم من الناس وأنه صاحب مستوى متميز وتفكيره من صنع هذا الخيال المريض ونفسيته من صنع هذا الخيال المريض وتتبع ذلك إرادته ويتبع ذلك موقفه العملي.

“إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”[24]، وحين تكون خيلاء والخيلاء أمر داخلي وحالة إعجاب بالنفس وتقديم للنفس على الأخرين بصورة غريبة عجيبة وكل الناس منْ حول صغار وهو الكبير في نفس والفخر سلوك خارجي والفخور كثير الإفتخار بمنجزاته وبعلمه وبصحته وماله وجاهه وبنسبه فموقف داخلي مريض وموقف خارجي يفصله عن الناس ويسقط في عيون الناس ويبغضه عنده الناس فأنا وأنا وأنا لأن لا أحد مستعد للصبر عليّ ومن سيقترب مني وكأنه يقول للآخر أينك مني وأين عائلتك من عائلتي، فهذا يفصل ويعزل ويخلق عداوة من الآخرين لك ويخلق بغضاء ويسقط في عيون الناس وقبل ذلك يبغضك الله عز وجل لأن الله يريد عبدا يعترف عبوديته لله سبحانه وتعالى وهذا لا يعترف بعبوديته فلو أعترف بالعبودية لما صار مغرورا، ولو عرف أن هذا ملك الله وأن هذا امتحان من الله ونعمة من الله لما صار مغرورا بل يشكر ويخاف من عدم الوفاء بشكر النعمة “إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”[25].

والحمد لله رب العالمين

 

[1] سورة لقمان، من الآية 17 إلى الآية 19.

[2] سورة لقمان، الآية 17.

[3] سورة لقمان، الآية 17.

[4] سورة لقمان، الآية 17.

[5] سورة لقمان، الآية 17.

[6] سورة لقمان، الآية 17.

[7] سورة لقمان، الآية 17.

[8] سورة لقمان، الآية 17.

[9] سورة لقمان، الآية 17.

[10] سورة لقمان، الآية 17.

[11] سورة لقمان، الآية 17.

[12] سورة لقمان، الآية 17.

[13] سورة لقمان، الآية 17.

[14] سورة لقمان، الآية 17.

[15] سورة لقمان، الآية 17.

[16] سورة لقمان، الآية 17.

[17] سورة لقمان، الآية 17.

[18] سورة لقمان، الآية 18.

[19] سورة لقمان، الآية 18.

[20] سورة لقمان، الآية 18.

[21] سورة لقمان، الآية 18.

[22] سورة لقمان، الآية 18.

[23] سورة لقمان، الآية 18.

[24] سورة لقمان، الآية 18.

[25] سورة لقمان، الآية 18.

زر الذهاب إلى الأعلى