خطبة عيد الفطر المبارك 1 شهر شوال 1435هـ 29 يوليو 2014م

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة عيد الفطر المبارك 1 شهر شوال 1435هـ 29 يوليو 2014م

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي هو أهل الحمد، ومصدر الفضل والإحسان، والكرم والامتنان، ولا شيء إلَّا ويشهد بفضله وإحسانه، وكرمه وامتنانه، وخير كل مخلوق من عنده، وبيده. وهو وحده الغنيُّ المطلق عن جزاء المجازين، وحمد الحامدين، وشكر الشاكرين، ولا نفع له في طاعة مطيع، وعبادة عابد، وإنما كلّف عباده بطاعته لصلاحهم، وأمرهم بعبادته لكمالهم، وهم بطاعتهم وعبادته يسعَدون ويشرفون.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله لنخرج من معصية الله فنخرجَ بذلك من الشقاء، ولندخل في طاعته فندخلَ بها في السعادة. القوة، والعزة والقهر والجبروت، والملك والغنى والمشيئة لله؛ فمن عاند الله لم يجد من أحد دعمًا، ولا نصرًا، ولا عزًّا، ولا مأوى، ومن استجاب لله وجد عنده كل ما يحتاجه ويصلحه ويسعَد به. فممن يطلب العاقل الخير، ودفع الشر، ولمن يأوي وبمن ينتصر من دون الله الملك الحق المبين؟!

       ألا فلنتق الله عبادَ الله حقّ تقاته، ولا يزلَّنا الشيطان عن صراطه، ولا ينحرفْ بنا عن التوجه إليه، ولا نستثقلنَّ طاعة فيها نيل رضاه.

       اللهم إن قلوبنا في يدك الرحيمة، وتصرفك الحكيم، وقدرتك التي لا يعجزها شيء، وتحت إرادتك التي لا مقاوم لها، ولا مانع منها فتولّها برعايتك وكلاءتك، واحرسها من الزيغ، واجعلها في مأمن من شر الشيطان الرجيم، وخداع النفس الأمّارة بالسوء.

       أما بعد

       فإن طالب الخير لنفسه خير الدُّنيا أو الآخرة من دون أن يفكر في طريقةٍ ليهتدي إليه، ومن اهتدى لما يريد من خيرٍ الطريقَ، ولكن تخلّى عنه وضيّعه، أو لم يستكمل سيره عليه إلى هدفه كاذب في طلبه، غاش لنفسه.

       فلا بد لطالب النجاح من التعرف على طريقه، وسلوك هذا الطريق، والصبر في مواصلة السير حتى التحقّق لما يريد.

       على أن كل خير من خير الدنيا يُفضي بصاحبه إلى شر من شر الآخرة إنما هو شر يندم له من فَرِح به يوم لا ينفعه ندمه، ولا ينقذه مما فعل بنفسه من سوء أن يأسف أبلغ الأسف.

       وطلب الآخرة لا يسيء للدنيا، ولا يَحرِم من طيباتها، ولا يصرف صاحبه عن إصلاح شأنه فيها. وكلّ ما على طالب الآخرة أن يتوقّى مما يضره في عقله وروحه وقلبه وبدنه، ويجتنبَ ما فيه ظلم لإنسانيته والناس، وما فيه إفساد للبلاد والعباد.

       أمّا طالب الدّنيا فلا ينال الدنيا التي يمتدّ إليها نظر شهوته، وجنونُ وانفلاتُ لذته، وما يحكم نفسَه من طمعها وجشعها وغرورها إلَّا بخسارة عقله، ودينه، وهدفِ حياته، وسلامة إنسانيته، وبأن يقبل لنفسه سوء المصير، وخِسّة المنقلب، وشقاء الأبد، ومأوى النّار.

       ومنهج الله عز وجل الذي جاء به وحيه، وبلّغه للناس رسلُه قد تكفَّل بحق وصدق للآخذين به بخير الدنيا والآخرة وسلامهما، وأعظمِ سموّ ونجاح وسعادة يمكن تحققها للإنسان.

       ومنهج الله فيما انتهى إليه من صورة تلبي حاجة البشرية في حركتها الحضارية النّامية على امتداد الزمن وتدفق الأجيال إنما يُتلَقَّى من القرآن وسنة المعصومين من الرسول الخاتم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام جميعًا، والطريق إلى كل من القرآن والسنة هم فقهاء الحقّ وعلماؤه الصادقون. فهم اليوم المرجع الذي يُفزع إليه في طلب الدين، والوصول إليه. ولا طريق آخر اليوم لطالب الدين غيرُ هذا الطريق.

       ربنا اجعلنا لا نشرق ولا نغرب عن دينك، ولا نبتغي غير سبيلك، ولا نقْصِدُ إلّا قصدك، ولا نأخذُ إلا بمن أذنت بالأخذ منه، ولا نتبعُ إلا من أمرت باتباعه فإنه لا ربّ لنا غيرك، ولا معبود سواك.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{ وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([1]).

 

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي لا موجب للحمد إلّا وهو له، وهو الذي لا محدودية في كماله، ولا منتهى لجماله، ولا ساحل لجلاله، ولا أدنى قبح في فعله، ولا شائبةَ في عدله، ولا نقص في حكمته، وقد وَسِع كل شيء كرمُه، وعمّ السماء والأرض إحسانه، ولا وجود لشيء، ولا حياة لحيّ، ولا رزق لمرزوق إلّا من فضله.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله المؤمن لا يخرج في حزن أو فرح، في رضى أو غضب، وفي حال من حالاته عما ارتضاه له ربّه، ورسمه دينه، وحكمت به شريعته.

       وما من عاقل انحدر به عقله عن طريق الإيمان، أو مال به عن صراطه. وكل معصية من معاصي العباد لله عزّ وجلّ ضلالة، وكل تخلّف عن مقتضى الإيمان سفه وغِيَابُ عقل وعمى بصيرة.

       عباد الله لا يصدق شكرُ عبدٍ لله يكون التعبير عنه بما لا يرضاه، ولا فرحٌ بنجاح ديني وطاعة من طاعات الرب، وعز الدين ونصره إذا كان التعبير عن ذلك بما لا يطابق حكم شريعته، ولا يكون الحزن من أجل مصيبة الدّين وأولياء الدّين إذا جاء التعبير عنه بما يغضب الله، ويعاقِب عليه.

       وإن تقوى المؤمن لربّه لَيمنعُه كلَّ المنع من أن يكون له موقف مغاير لشريعة الله، أو كلام لا ترتضيه أحكامه. وهذا يوم عيد وفرحة إيمانية تُعقِبُ التوفيق للاستجابة لله سبحانه لأداء فريضة الصوم، وتأتي لانتصار العبد على النفس الأمارة بالسوء، ووسوسة الشيطان التي تقعُدُ بالكثيرين عن الطاعة وتوقعهم في المعصية. وقد دل منهج الله سبحانه على طريقة الشكر بهذه المنسابة والفرح بأجوائها الإيمانية العَبِقة، ولا تعدّي عن هذا المنهج الكريم وتعاليمه الحكيمة.

       وليكن يومنا هذا يوم إصرار وتصميم وعزم لا يلينُ ولا يتراجع ولا يصاب بوهن وذبول على مواصلة طريق الطاعة لله، والإخلاص في عبوديته، وعدم مفارقة طريقه، أو الميل عن صراطه، أو التخلي عن مناصرة دينه، ومنهجه، وموالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه.

       وليكن عزمنا في كل ما بقي من العمر أن لا نقولَ إلا ما يرضيه، ولا نفعلَ إلا ما يوافق إرادته، ويؤديَ إلى ثوابه، ويجنبنَا عقابه.

       ولنأخذ على أنفسنا في هذا اليوم المبارك السعيد أن نخلص لله سبحانه في عبادته، والعملَ على تعليم جاهلهم، وهداية ضالّهم، والسعي في تفريج كرب المكروبين، وهمّ المهمومين، وغوث المستغيثين، ونصرة المظلومين، وردّ غائلة المستكبرين عن المستضعفين من دون منٍّ على أحد، ولا استكثار لِجَهْدٍ تحمَّلْناه، أو بذل بذلناه، أو تضحية وفّقنا الله إليها.

       ولنعزم العزم الأكيد على أن يكون مستقبل العمر خيرًا من ماضيه، وتقرُّبنا فيه إلى الله أشدَّ من سابقه، وجِدُّنا في طاعته أقوى مما كان منا.

       ولنمنع النفس أشدّ المنع وأقوى المنع مما حرَّم الله عزّ وجلّ عليها من كلمة تُحدث فتنة في المؤمنين والمسلمين، وتمزّقُ جماعات الأمة، وتزرع السوء والشحناء والبغضاء في صفوفها، أو تنالُ من حرمة عِرضٍ أو دم، أو مالٍ لمؤمن أو مسلم، أو تنشر فسادًا في الأرض، أو تحدث إضرارًا ببريء، أو تساعد على باطل، أو تعطّل من نيل حقٍّ، أو تعين ظالمًا على مظلوم.

       ولنكن أنصارًا لمن انتصر لله، ومناهضين لمن حارب الله، لا نخذلُ الحق وأهله، ولا نسكتُ على الباطل ومن يروّج له.

       اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم اجعلنا من أهدى من هديت، وأرشد من أرشدت، ومن أصوب النّاس قولًا وعملا، وأخلص المؤمنين طاعة وعبادة وتوحيدًا لك يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، يا عليّ يا عظيم، يا رؤوف يا رحيم.

      اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، ورد غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة وأَمنٍ برحمتك يا أرحم الراحمين.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([2]).

 

[1]– سورة العصر.

[2]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى