خطبة الجمعة (606) 14 شعبان 1435هـ – 13 يونيو 2014م

الخطبة الأولى: البركة
الخطبة الثانية: يوم فريد في التاريخ – هل يوجد حوار؟ – حكام اليوم وحكام الأمس

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الخالق الذي لم يُخلق، الأول الذي لم يُسبق، الرازق الذي لا يُرزق، الكامل بالكمال كلِّه، العالي العلوَّ كلَّه، لا يُحدُّ له جلال ولا جمال، ولا كمال، ولا مثيل له، ولا نظير، ولا مقارب ولا شبيه. كلُّ خلقٍ من خلقه، وكلُّ موجود من فيضه، وكلُّ حركة بإذنه، وكل ما في الكون تحت علمه.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عبادَ الله إنّ أحقَّ وصية أوصى بها عبدٌ عبدًا، ونصح بها ناصح هي تقوى الله وهي وصيّة الله لعباده ووصيّة كلِّ أنبيائه ورسله للناس إذ لا خير بحقٍّ، ولا سعادة لأمة أو فرد في دنيا أو آخرة إلّا بتقوى الله، والناس بلا تقواه ضُلّال لا يهتدون السبيل، ولا يُصيبون الغاية.

       وما زلّت قدمُ عارف بالله، متّقٍ له، آخذٍ بنهجه عن طريق الهدى، وما انحرفت له لحظة من لحظات الحياة عن قصد الغاية.

       فلنُقِم حياتنا كلّها على معرفة الله سبحانه، وطاعته، والاهتداء بهدى المنهج الذي ارتضاه لعباده.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا وللمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم يا من لا مفرّ إلّا إليه، ولا مفزع إلا لرحمته، ولا إسعاف إلّا منه ارحم فِرارنا إليك، وفزعنا لرحمتك، وتفضَّل علينا بعونك وإسعافك وأنقِذنا من معاصينا وخُذْ بنا إلى طاعتك، ونجّنا من سوء الدّنيا والآخرة إنّك الربّ الكريم الرّحمان الرّحيم.

       أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه عودة استكاليّة للحديث في موضوع البركة:

       ليس من ديننا الحقّ ما هو خَرَفٌ أو هَذَيان، أو جزاف واعتباط، وليس من نظامه اعتماد المصادفة والتخلّف عن الأخذ بالأسباب. ديننا دينُ علم واعتمادٍ لنظام الأسباب والمسبّبات، ودين جدٍّ واجتهاد وإعمار وبناء، وتحريك لإرادة الإنسان على طريق العمل الصَّالح والإنتاج الطيب النافع، وما تصلح وتتقدم به الحياة. إنَّ الطريق لإعمار الأرض، وإصلاح الأوضاع، وتقليل المصاعب، والتخلُّص من الأزمات، والتقدّم على طريق الرُّقي وطلب المزيد من الخير إنما هو طريق طلب الأسباب([1]).

       يقول الكتاب الكريم عن ذي القرنين:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا}([2]).

       فالإسلام لمَّا يتحدّث عن البركة والبركات وما هو خير وانتشار ذلك وتركُّزه وطلب دوامه لا يفصل ذلك عن الأسباب الخاصَّة الموصِلة إلى ذلك ممَّا على الإنسان أن يطلبها ويسلك إلى ما يطمح من خير عن طريقها.

       وخالق كلّ ما في الكون منه الخير كلّه، ولا خير إلّا بيده، ولا خير يُعجزه، وبيده تنزُّله على عباده، وهو المقدِّر له، ولا طريق إلى خير وبركة إلّا الطريق الذي جعله، ومنه تُتعلم أسبابُ تنزُّل البركات وموانِعُه.

       وتغنى نصوص إسلاميّة كثيرة ببيان هذه الأسباب والموانع فلنقف على شيء من هذا وهو كثير.

       أسباب التنزّل للبركات:

       وجامع أسباب الخير وبابها الواسع هو التمسُّك بالسنن الإلهية في الكون مما أتاحته قدرة الله تبارك وتعالى للإنسان، ووضعته بين يديه، والتمسكُ بمنهج الدين الذي ارتضاه ودلّ عباده عليه.

       وعلى مستوى التفصيل نذكر هذه الطائفة من الأسباب التي تتناولها النصوص:

  1. قيادة أهل البيت عليهم السلام([3]).

عن الإمام الحسن عليه السلام:“لو أن النّاس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما اختلف في هذه الأمة سيفان([4])، ولأكلوها خضراء خَضِرة إلى يوم القيامة”([5]).

وعن الحسين عليه السلام في بيان ما يحدث في زمن ظهور الحجّة عليه السلام:“ولتنزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى إن الشجرة لتقصف بما يزيد الله فيها من الثمرة، ولتؤكلن ثمرة الشتاء في الصيف، وثمرة الصيف في الشتاء وذلك قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}([6])([7]) يعني أن هذه البركة مصداق من مصاديق البركة التي تعنيها الآية الكريمة.

وفي كلمة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه قالها بالفارسية ومعناها:“لو بايعوا عليًّا لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم”([8]) ويعني ذلك أن فاضت عليهم كلٌّ من الأرض والسماء من خيراتها.

  1. العدل: عن الإمام عليّ عليه السلام:“بالعدل تتضاعف البركات”([9]) وعن الإمام الصادق عليه السلام:“إنّ الناس يستغنون إذا عدل بينهم، وتُنزل السماء رزقها وتُخرج الأرض بركتها بإذن الله تعالى”([10]).

إنه كلما زاد العدل في الأرض ازدادت البركات، وكلما طغى الظلم فيها أغرقتها الفتن، واضمحلّ منها الخير، وشحّت الثروة وبؤست الأحوال. ومنبع العدل والظلم في الأرض العدلُ والظلمُ في الحكم، وصلاحُ السياسة وفسادها في الأوطان.

  1. حسن العمل:

وهو طريق للبركة في الأعمار، وهي بركة تتعدّد أسبابها. من هذه الأسباب:

  • حسن العمل:

عن الإمام عليّ عليه السلام:“بركة العمر في حسن العمل”([11]).

  • صلة الرحم:

عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:“من سرَّه أن يُنسأ له في عمره، ويُوسع له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه”([12]).

وعنه صلّى الله عليه وآله:“إنّ القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمى أموالهم، وتطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبرارًا بررة؟!”([13]).

  • بر الوالدين:

إذا كانت كل قرابة نسبية معروفة رحمًا، وكانت صلة الرَّحم سببًا للمدِّ في العمر، فإن البر بالوالدين وهما أشدّ قرابة وألصق رحمًا، وأعظم حقًّا يتميّز على ما كان من برٍّ بسائر القرابة، وأولى في تعاظم البركة.

عن الرسول صلّى الله عليه وآله:“من برَّ والديه طوبى له زاد الله في عمره”([14]) والبر بالوالدين طاعتهما والرِّفق بهما وتوخّي محادِبهما كما يفيده المصباح المنير.

  • الصدقة:

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:“إن صدقة المسلم تزيد في العمر، وتمنع مِيتة السوء، ويذهب الله بها الكبر والفخر”([15]).

       وعن الإمام عليّ عليه السلام:“بالصدقة تفسح الآجال”([16]).

  1. صنائع المعروف:

عن الإمام الصادق عليه السلام:“من يموت بالذنوب أكثر ممن يموت بالآجال ومن يعيش بالإحسان أكثر ممن يعيش بالأعمال”([17]).

عن الإمام عليّ عليه السلام:“كثرة اصطناع المعروف تزيد في العمر وتنشر الذكر”([18]).

جريان المعروف على يد المرء، وكثرة إحسانه للنّاس من جزائه زيادة العمر، وأن يورث ذكرًا حميدًا له فيهم.

هذا وللحديث في أسباب البركة وفي غيرها من محاور الموضوع تتمّة.

ونسأل الله الكريم تمام النعم ودوامها، ودفع النقم وسطواتها، وهناءة الحياة وهناءة الموت، وسعادة المصير. ربّنا افعل بنا ذلك يا ذا المنّ الجميل والفضل العميم والرَّحمة الواسعة يا غنيّ يا قدير يا حميد يا مجيد.

اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}([19]).

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي جزاؤه لأهل الطاعة من عباده إحسان، وقد كتب على نفسه بتفضّله أن يَجزي من أحسن منهم عملا، وعقابه لعصاتهم عدل، ولا من يمنع من إحسانه، ولا من يقف في وجه عقابه. وهو الذي يَسأل ولا يُسأل، ويُحاسِب ولا يُحاسَب، ويحكم بما يشاء ولا معقِّب لحكمه، ولا يحكم إلّا حقًّا، ولا يقضي إلّا عدلًا.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله لا يُقدَّم قول جاهل على عالم، ولا نُصْح من يخطئ على نصح من لا يجوز عليه الخطأ، ولا يرِدُ في حقّه الاشتباه.

       وليس كعلم الله علمُ أحد، وليس كتنزُّهه وجلاله تنزُّهٌ أو جلال فلا تساووا بين قول الله سبحانه وقول غيره، ولا بين نصحه ونصح من سواه، فقول الله عزّ وجلَّ لا يُضاهى، ونصحه لا يرقى إليه نُصْح، وحكمه لا يمكن أن يُساوى.

       فدين الله هو الصَّواب وما خالفه خطأ، وهُداه هو الهدى وما جانبه ضلال، وحكمه هو الحقّ وما عارضه باطل. ولا ريب في هذا عند عقل أو فطرة ولا تردُّد.

       فاعرفوا الطريق واسلكوه، ولا يعدِلنَّ بكم عنه شيء، ولا ينحرف بكم عن تقوى الله حارف، ولا يقومَنَّ لأحدٍ منكم في نفسه شأن مقام شأن الله العلي العظيم.

       وليستقم أحدنا على صراط ربّه العزيز اهتدى النّاس أو ضلّوا، استقاموا أو انحرفوا، رجعوا إلى الحق أو ظلوا في غيِّهم يعمهون.

       اللهم نسألك الهدى والاستقامة عليه، والأخذ بالحق والصبر عليه، ومفارقة الباطل وعدم الدخول فيه، وأن تغنينا بك عمّن سواك يا كريم يا رحيم.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر من آل محمد، واجعلنا من أنصاره وأعوانه في غيبته وحضوره، والممهدين لدولته، والمستشهدين بين يديه يا أرحم الرّاحمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا. يا مغيث أغث عبادك المؤمنين، فرّج كروبهم وهمومهم وغمومهم وأخرجهم من محنتهم منتصرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

       أمّا بعد أيّها الأخوة في الله فإلى هذه الكلمات:

       يوم فريد في التاريخ:

       مرَّت في تاريخ الأرض أيام عظيمة أحيتها وأحيت أهلها كان أعظمها أثرًا كريمًا يوم مبعث الرَّسول الخاتم صلَّى الله عليه وآله ورسالته.

       لكن لا يوم كيوم الإمام القائم عجَّل الله فرجه وعليه السلام هيمنةً في الإيمان، وانتصارًا للإسلام، وانتشارًا للعدل، وظهورًا للحقّ، وخمودًا للباطل، وتسليمًا لحاكميّة الله في أرضه وعباده([20]).

       يومٌ فيه إنقاذ للعالم لم يُشهد له مثيل في كل تاريخه، ولأول مرة تغزُرُ العطاءات الجليلة في كلِّ الأبعاد وتزخر بها الأرض بالدَّرجة والسَّعة التي تكون لذلك اليوم.

       العالم اليوم أبعد ما يكون في حياته الحاضرة من تلك العطاءات، وهو أشد ما يكون حاجةً إليها، وإن كان تطلُّعه في الغالبية العظمى من شعوبه وأبنائه لا يمتد إلى الكثير منها حيث يقتصر نظره على محنته المادية، وتطلّعه إلى ما يخرجه منها([21]).

       وعند العالَم خطأ آخر يعيشه على مستوى الغالبية العظمى من شعوبه وأبنائه كذلك وهو تطلّعه إلى المنقذ الأرضي على مستوى الأطروحة وقيادتها في حين يتطلّب ذلك اليوم في مجيئه، وتحقّق ظهوره، وهدفِه اليقينَ بأن المنقذ لابد أن يكون من صُنْع السماء أطروحةً وقيادة، وأن يكون أنصاره وعماد دولته كذلك ومن الباحثين عن الحقّ والخاضعين في إرادتهم له.

       وتُمثّل أعمال الغاب الإرهابية مما فاق إرهابها التصوُّر، والتي تُرتكب باسم الإسلام زورا وبهتانا عملية تشويش ذهني ونفسي عند كثير من أبناء الأمة، فضلًا عمن لا يعرفون من الإسلام شيئًا على قدسية الإسلام، ومانعًا من التصديق بأنه الدين الذي يأتي فرج العالم كلّه على يده.

       وعلينا نحن المؤمنين بالقائم عليه السلام ويومه المجيد أن نسأل أنفسنا عن مدى يأسنا من جدوى قيادات الأرض فكرًا وقيمًا وتطلّعًا، والأطروحات من ولادتها، وما عليه درجة ما لنا من ثقة واطمئنان بأنَّ حلّ مشكلات الأرض لا يكون إلّا بأطروحة وقيادة من عطاء السماء. وكم لنا من استعداد لأن نعمل في أيِّ ميدان من ميادين السياسة والاجتماع وغيرها على طريق يوم التغيير والتعبير عن صِدْق الانتظار للإمام القائم (عج) من غير تطلّع لغنائم الدنيا ومكاسبها؟([22])

       وكم منا من يخوض معركة الجهاد المضني مع نفسه لتترفّع عن هواها وكَسَلِها واسترخائها وتطلُّعاتها الدنيوية، وتنطلق في سبيل الله عزَّ وجلَّ تحضيرًا للغد المنتظَر؟

       وأُذكِّر أنّه على أهميَّة الاحتفالات بمناسبات المعصومين عليهم السلام إذا كانت لائقة بمقامهم الكريم وفيها تقيُّدٌ كامل بما يرضاه الدين من عقائد وأحكام شرعية وأخلاق وبما فيه ظهوره – أي ظهور الدين – وعزّه فألّا يُحتفل وهو تقصير وخسارة كبرى ومسؤولية عظمى خير من أن يُحتفل الاحتفال الذي ينافي شيئًا من الدين، ويهدم الأخلاق، ويناقض العفّة، وفيه غضب الله عزّ وجلّ وغضبهم، فألا ننشر الحق أقل خطرا عليه من أن نشوّهه وفي كلٍّ منهما كارثة.

       هل يوجد حوار؟

       هل يوجد حوار فعلًا بين السلطة والجمعيات المعارضة؟ وإن كان هذا مطلوبًا جدًّا إذا كان للإصلاح والتوصل إلى حل يتّسم بالعدل والمصداقية إلّا أنه لا وجود له لحدِّ الآن والله العالم إلى ما تصير إليه الأمور.

       الموجود الآن ليس حوارًا حول موضوعات الحوار، وإنما ما هو حاصل فعلًا كلام لو سميته حوارًا ولو بنحو المجاز فهو حول الحوار المقصود نفسه([23]) من غير ما يشير إلى التفاؤل بوجود الحوار. وهذا أمر أقرب إلى الهروب من الحوار من إظهار إرادة الدخول فيه فضلًا عن جدّيته واستهداف الوصول من طريقه إلى حل.

       يتركّز الكلام الجاري فيما يظهر ولحد الآن على أن الحوار المطلوب هو حوار بنتيجة محسومة في صالح تثبيت الوضع الحاضر الذي يشتكي الشعب من ظلمه، أو حوار يراد له أن يخرج الوطن من ظلمة هذا الوضع؟ طرف يريد حوارًا من النوع الأول وآخر يريد حوارًا من النوع الثاني.

       الكلام الجاري هو كلام حول هذا الأمر؛ الحوارُ المطلوب حوارٌ نتيجته المضمونة تُقرِّر عدم الوزن للشعب، أو نتيجته تحترم الشعب وتُقرّر له وزنه ومكانته؟ حوار يريده هذا الطرف لا يريده الطرف الثاني من الطرفين. وهكذا تتكرر اللقاءات، ويتكرر الطرح نفسه، ولا خطوة واحدة للأمام.

       وما هو مؤكّد أن المعارضة حريصة على أن يكون حوار من النوع الجاد الهادف والقادر على إنتاج الحل المنقذ للأوضاع من التردّي، والمفضي للإصلاح الحقيقي والآخذ بالوطن إلى شاطئ الأمان، وأن تكون البحرين مصدر استقرار للمنطقة لا مصدر إقلاقٍ وإتعاب لها بما تعجّ به من أزمات.

       وهذا ما يحتاج إلى أن يبادل هذا التوجّه توجّهٌ مماثل من قبل السلطة وهو الشيء الذي يُظهر الموقف العملي لها ما هو على خلافه.

       وعلى الطرف المتشدِّد أن يتجاوز نفسية الاستئثار، ويدرك ضرورة التسريع في الخروج من الخلافات الداخلية للوطن.

       حكام اليوم وحكام الأمس:

       كان يكفي بالأمس لضمان الحاكم من حكّام الأمَّة واطمئنانه للبقاء في كرسي الحكم طيلة حياته أن يصل إلى هذا الكرسي من أي طريق.

       أمّا اليوم فصار على الحاكم الذي يتسنّى له الوصول إلى كرسي الحكم أن يقلق دائمًا للبقاء محتفظًا بموقعه، وأن يشعر بأن موقعه مهدَّد، ذلك لأن الشعوب ارتفع مستوى حسها السياسي ووعيها، وتمسّكها بحقوقها، وأدركت موقعها الكبير والطبيعي في قضية الحكم، وصارت تتابع أخبار السياسة والحاكمين وتراقب تصرفاتهم، وتطّلع على أخبار الداخل والخارج القريب والبعيد منها مما هو متّصلٌ بواقع السياسة، وحركات الشعوب وثوراتها.

       صارت تملك من إرادة الثورة والإصلاح وروح التضحية من أجل تصحيح أوضاعها والتخلُّص من ظلم الحاكمين واسترداد حقها في الكرامة والحرية الشيء الكثير مما يدفع بها للمطالبة بالإصلاح والتغيير.

       ومن جهة أخرى وجد الحاكمون من قلقهم على كرسي الحكم ما يدفعهم إلى أن يبحثوا عن ضمانة الاحتفاظ بالموقع العزيز على نفوسهم عن كل وسيلة من أي نوع من الحيلة والخداع والتضليل الإعلامي الواسع والبطش والإسراف في القوة وعقد التحالفات التي تحمي الكرسي ويرون فيها استقراره.

       وبذلك صار الحكم مَتعَبة للحكّام وعذابًا وشقاء للمحكومين، ومعاناة مرة لكلٍّ من الطرفين.

       وصار على كثير من الحكام أن يرتهنوا للإرادة الأجنبية طلبًا للأمن من الشعوب لما يعرفونه من أذاهم لها.

       والسالكون طريق العدل ورعاية مصالح الشعوب من حكومات الأمة لنيل ثقة شعوبها مما يوفر راحة الطرفين قليل من القليل، بل هو الشيء النادر كلّ الندرة.

       وأنت ترى الملايين يختارون حاكمهم اليوم فيظلُّون يرقُبون سياسته، فلا يلبثون أن يكتشفوا مُضادّته لمصالحهم فيبدأون الثورة في وجهه ليسقطوه، فلا يكاد حكم تُشيده الجماهير بجهدها ودمها حتى تجد نفسها لظلمه واستبداده مدفوعة للثورة عليه والإطاحة به. وهكذا يسود أوضاع الأمة كلّها الاضطراب.

       والله الرّاحم وهو المستعان.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم عجِّل فرج قائم آل محمد صلّى الله عليه وآله وأنقذ به أمة الإسلام والأرضَ كلَّها من بلواها، وأخرجها من ظلمات الظلم والضلال والفساد إلى نور الهدى والعدل والصّلاح على يد وليّك الحق، ودينك القويم يا حنّان يا منّان يا رؤوف يا رحيم.

اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفك أسرانا وسجناءنا، ورد غرباءنا سالمين غانمين في عزّ وكرامة.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([24]).

[1]– مع التوكّل على الله سبحانه وتعالى.

[2]– 84، 85/ الكهف.

[3]– ويعني ذلك القيادة الإسلامية، والقيادة الإسلامية في أعلى مستواها هي قيادة أهل العصمة عليهم السلام.

[4]– هذا يضرب هنا، وذاك يضرب هناك على خلافه، أو يتضاربان.

[5]بحار الأنوار ج10 ص142، 143 ط2 المصححة.

[6]96/ الأعراف.

[7]مختصر بصائر الدرجات ص37، 38 ط1.

[8]– بحار الأنوار ج28 ص279 (الهامش) ط2 المصححة.

[9]– عيون الحكم والمواعظ ص188 ط1.

[10]– الكافي ج3 ص568 ط3.

[11]– عيون الحكم والمواعظ ص195 ط1.

حسن عملك بأن يكون مطابقا لأمر الله، وتريد به وجهه وحينئذ يكون لك من جزاء ذلك طول العمر.

بأن إنسانا صالح العمل يموت في الأربعين، آخر مثله يتوفّى في الثلاثين، ثالث على خلافهما لا يتوفّى إلا في المائة لكن هذه الأعمار هي الأعمار الظاهرية، أما العمر الحقيقي المكتوب أصلا فقد يكون أقلّ من ذلك، قد يكون عشرين، هذا توفي في الثلاثين إلا أنه بعمله الصالح أضيفت له عشر سنوات. فلا نستغرب!

[12]– بحار الأنوار ج71 ص102 ط2 المصححة.

[13]– الكافي ج2 ص155 ط4.

والحديث في هذا السبب أكثر من ذلك.

[14]– ميزان الحكمة ج4 ص3674 ط1.

[15]– الخير والبركة في الكتاب والسنة ص199 ط1.

[16]– عيون الحكم والمواعظ ص187 ط1.

[17]– الأمالي ص305 ط1.

[18]– المصدر السابق ص390.

[19]– سورة الكوثر.

[20]– لا شك أن قيادة الرسول صلّى الله عليه وآله أعظم قيادة وكل تربية ناجحة للأمَّة هي من وحي وعطاء تربيته لها، أمَّا مرجع ما ذكر هنا فهو اختلاف الظروف، والقناعة التي ستتوفر للعالم بعدم الجدوى في غير الإسلام وقيادته التي تتناسب مع قامته.

[21]– الناس في الغالب مشغولون بهمٍّ واحد هو همّ استقرار الحياة من الناحية المادية.

[22]– خطوة الخير الظاهرية على يدي كم قصدي للدنيا منها، وكم قصدي للآخرة؟!

[23]– الحوار حول قضية الحوار وليس في موضوعات الحوار.

[24]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى