خطبة الجمعة (598) 18 جمادى الآخر 1435هـ – 18 أبريل 2014م

مواضيع الخطبة :

الخطبة الاولى : معرفة الله

الخطبة الثانية : لماذا هذا الإكراه؟ – كيف تصدق هذه الأمور؟ 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي تدلُّ عليه حاجاتُ كلِّ الخلق إليه، وعدمُ اعتمادِ شيء منها طرفةَ عين على ذاته واستقلاله عن رَفده، وتدلُّ العقولُ على توحُّدِه، واستحالةِ تعدُّده وتركيبه وتبعُّضه. لا غنيّ غيرُه ليُمِدَّ الخلائق بشيء مما تحتاج إليه، ولا يقومُ لها وجود ولا حياة ولا أَثَرٌ إلّا به.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عبادَ الله إنَّ كلَّ أسباب الحياة؛ حياةِ الدّنيا والآخرة مملوكةٌ لله وحده، ولا مُلْكَ لأحدٍ سواه لشيء منها. وأسبابُ حياتنا الدنيا لا تبقى. سماؤنا ستطوى، أرضنا سيُذهبها زلزال شامل وستدَكُّ دَكًّا، وتنتهي قوانين هذه الحياة، وتنطفئ شعلة الكون القائم، وتُبدّل السماوات غير السماوات، والأرضُ غير الأرض ليجد الناس كلّ الناس أنفسهم أمام عالم جديد وحياة لم يعهدوها، وأمام كتاب وحساب، ومصير جنة أو نار.

       فلا تُنْسِيَنَّ أحدنا الأسباب عن مسبّب الأسباب ومالك الأسباب، ولا تُلْهِيَنّه دنياه عن يوم آخرته.

       ليكن استمساكُنا عباد الله بالله واعتمادنا عليه، ولا نفارقْ تقواه، ومن اتقى الله أَمِن، ومن لم يَتَقْهِ لم يأمن.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       يا خالقنا ومالك أمرنا ارحمنا، واكفِنا، واهدنا، واجعل ثقتنا بك، واحتماءنا بقدرتك ورحمتك، وتوكُّلنا عليك، واجعلنا على يقينٍ تامٍّ ثابت بأنَّ لا خير لنا ولا شرّ بيد من سواك، وأنه لا غنى لأحد بغيرك، ولا دافع لمحذور سواك يا كريم يا رحيم.

       أمّا بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فلا زال الحديث في الموضوع الأهم من مواضيع المعرفة وهو معرفة الله.

       هل من حجاب عن الله؟

       الله عزّ وجلّ متجلّ لعباده ظاهر لهم في كلّ شيء من خلقه ومن ذلك أنفسهم؛ ظاهرٌ علمًا وحياةً وقدرةً وحكمةً وحسن تقدير ودقّة تدبير ورحمة واسعة.

       عن الإمام عليّ عليه السلام في صفة الخالق جلَّ وعلا:“لا شبحٌ فيُتقصّى، ولا محجوب فيحوى”([1]).

       الله العليُّ العظيم ليس جسمًا يُحسُّ بالحواس ويَنالُه شيء منها فيُطلب الطلبَ الحسّي في أرض أو سماء ليُعثر عليه، وليس هو الوجود الذي يمكن حجبُه عن رؤية العقول، ومعرفة القلوب حتى تُطلبَ معرفتُه ولا يُوصل إليه([2]).

       إنه الوجود الحقّ المتجلّي لكلّ عقل وقلب وهو الدليل على كل شيء من خلقه من دون أن يُمكن لعقل أو قلب أن يُدرك ذاته، أو يحوم حول معرفة حقيقته فضلًا عن أن يحبط بها علمًا.

       وعن كتاب التوحيد عن الحارث الأعور عن الإمام عليّ عليه السلام:“أنه دخل السوق فإذا هو برجل موليه ظهره يقول: لا والذي احتجب بالسبع فضرب عليٌّ عليه السلام ظهره([3]) ثم قال: من الذي احتجب بالسبع؟ قال: الله يا أمير المؤمنين.

قال: أخطأت ثكلتك أمك! ([4]) إنَّ الله ليس بينه وبين خلقه حجاب؛ لأنه معهم أينما كانوا.

قال: ما كفَّارة ما قلتُ يا أمير المؤمنين؟ قال: أن تعلم أنّ الله معك حيث كنت.

قال: أُطعم المساكين؟([5])

قال: لا. إنّما حلفت بغير ربّك([6])([7]).

       والحجاب([8]) الذي يحجب مخلوقات الله سبحانه عن معرفة كنهه وحقيقته([9]) من جهتهم أنهم مخلوقون ومن جهته أنه خالق، وأنهم ناقصون وأنه كامل، وأنهم محدودون وأنّ كماله لا حد له، وحقّ نوره لا تمتدّ إليه البصائر، وتعمى بقصورها عن الاقتراب من حقيقته.

       حجابُ الله جلّ وعلا من جهته جلالُه وعظمتُه التي لا يمكن أن تبلغها عظمة ولا شيء آخر من شأنه أن يحدّه ويُخفي حقيقته.

       “يا من تسربل بالجلال والعظمة، واشتهر بالتجبّر في قدسه”([10]). هذا من دعاء عن زين العابدين عليه السلام.

       والسربال: القميص والدرع أو كلُّ ما يُلبس وهو يستر لابِسَه عن الناظر. وما من شيء يُخفي حقيقة الحقّ تبارك وتعالى عن كلّ مخلوق إلّا ما عليه ذاته من ذاتيّ الجلال والعظمة والنور والكمال المطلق الذي لا حدَّ له([11]).

       يَبقى ما عليه قدرة الله، وعلمه، وحياته، وكل صفات جماله وجلاله لا يملك شيء من خلقه أن ينفذ إلى حقيقته وهو الذي ليس له منتهى ولا حد، وكل الخلق محدودون.

       فالله سبحانه لا يعرف ما هو إلا هو، وإن كان لا يمكن لشيء أن ينكره. تقول الكلمة عن سيد المرسلين صلَّى الله عليه وآله وسلم:“يا من لا يعلم ما هو إلا هو”([12])، “سبحانك ما عرفناك حقّ معرفتك”([13]).

       وينضاف إلى حجاب النقص الذاتي والإمكان والمحدوديَّة عند الخلق حجاب الذنوب عند أهل المعصية حتى لَيَصِل بصاحبه إلى أن لا يرى لله فاعلية ولا نعمة ولا وجودًا ولا أثرًا.

       {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([14]).

       {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}([15]).

       والرين صدأ يعلو الشيء الجليل كما قال الراغب الأصفهاني في كتاب مفردات ألفاظ القرآن. هذا الصدأ منه ما تُمثِّله المعاصي التي توجد غشاوة وظلمة على قلب العاصي لله سبحانه حتى يمنعَ بتراكمه وكثافته رؤيةَ القلب عن رؤية الحقّ والحقيقة، ولا يملك أن يُميّز بين حقٍّ وباطل.

       وهذا القلب الذي عَمِي عن الحقّ يُحجب عنه ما يُنقذه من رحمة الله([16])، ويمنعه منزلة القرب والكرامة.

       وانظر إلى ما يَعنيه اختيار كلمة ربّهم في قوله سبحانه:{… كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ}([17]) وذلك في يوم الحاجة العظمى والكرب الذي لا يطاق، والخوف الذي لا يحتمل. انظر إلى ما تعنيه من أن تخلي الربّ عن المربوب الذي لا ربّ له غيره من ضياع وغربة وشقاء وانقطاع أمل واستيلاء يأس، واستسلام للبلاء والعذاب([18]).

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم لا تُخلِنا من رعايتك وكلاءتك، ولا تحرمنا في الدّنيا أو الآخرة ما نسعَدُ به من رحمتك، ولا تتركنا لما تُحدّثنا به النفس الأمَّارة بالسوء، ولا لتغرير شيطانٍ رجيم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([19]).

الخطبة الثانية

       الحمد لله العدل الذي لا خَلَلَ في عدله، الحكيم الذي لا تَزِلّ حِكمته، القاضي الذي لا يجور في قضائه، المثيب الذي يُجزِل في ثوابه، المعاقب الذي لا يتزيّد في عقابه، الولي الذي لا يغفُل عن شؤون ولايته، القادر المطلق الذي لا تغيُّر في قدرته. هو الله الجليل الجميل العظيم الكامل الذي لا حدّ لجلاله وجماله وعظمته وكماله، ولا أحد مثله.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله ما من أبٍ واع مشفق على ولده تشغله مرحلة طفولته واستمتاعه بها، وحبّه للتوسعة عليه عمّا يتطلبه مستقبله، وما سيستجدّ في حياته مما يختلف عن شؤون هذه المرحلة واهتماماتها وخلوّها من مسؤوليته، وما يقتضيه هذا من إعداد جسمي وفكري ونفسي واجتماعي يؤهّله للنجاح في المستقبل ومواجهة مسؤولياته وتحدياته المنتظرة.

       ولو التفت هذا الأب لأهمية الجانب الروحي وتطلُّب نجاح المستقبل من حياة ولده وقدرتُه على مواجهة المسؤوليات والتحديات حتى لا ينهار أمام ثقلها لأعطى هذا الجانب الاهتمام اللائق لتكتمل مهمة الإعداد لمن أحبَّه.

       ولا مستقبل أخطرَ من مستقبل الآخرة، ولا إعداد للذات كالإعداد له، ولا أشدّ تطلُّبًا من تطلّب ذلك اليوم للرّوح الطاهرة، والقلب النقي، والسريرة الزكية، وهو تطلُّبٌ ليس فوقه مزيد.

       فمن أحبّ نفسه، وأحب ولده، وأهله والآخرين فلا تُلهِه حياة المادّة عن طلب نقاوة الدّين، ونزاهة الروح، وصفاء القلب، وسلامة القصد، وتقوى الله في كلّ ما يأتيه من قول أو فعل ونية وراء ذلك لنفسه وولده وأهله وكل من أحب([20]).

       ألا إنه لا ربح في الآخرة بلا تقوى الله، ولا تقوى بحق ممن لا يعرف من عظمته سبحانه ما يدفعه لطاعته ويغريه، ويكفّه عن معصيته ويردعه.

       اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم ارزقنا من معرفتك ما يُثبّتنا على طريق طاعتك، ويُجنّبنا مقاربة معصيتك وأنت أرحم الرّاحمين.

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين: حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القُدُس ياربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائما.

أما بعد أيّها الأحبّة في الله فهذه بعض كلمات:

لماذا هذا الإكراه؟

لماذا إكراه سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي على مغادرة وطنه وتهديده بالمغادرة قسرًا إنْ لم يُجْدِ الإكراه؟

هذه قضية كانت وسكت عليها مدة شهرين تقريبًا ثم استجدّت وبقوة واندفاعة فُجأةً ومن غير مناسبة خاصة ولا ترقُّب، ولا ظروف طارئة مقتضية.

لكن هل يأتي هذا اعتباطًا وبلا هدف خاصّ عند السلطة؟ هذا الاحتمال لا يملك قيمة عملية تُعطي قناعةً لعاقل.

والمطلوب من سماحته مغادرةٌ تأخذ صورةَ الاختيار وإن كانت في حقيقتها تحت الإكراه الشديد المتكرر، وإن لم تُفِدْ هذه المحاولات فقد يأتي دور القسر المكشوف الذي يتكفّل عملية التنفيذ بصورة فاضحة.

يأتي كلّ هذا من دون إشارة خضراء من دستور ولا قانون محلّي، ومخالفًا لدساتير العالم حيث لا جريمة ولا ما يشبه الجريمة، وحيث الاقتصار على الدور العلمي والتثقيفي والاجتماعي النافع، والصّوت الإصلاحي المعتدل من دون الدخول في الممارسة السياسية المضادَّة والحادّة.

ولهذا الإصرار على ترحيل سماحته لغةٌ تريد أن تقول لا مكان على هذه الأرض للدّين لأنَّ سماحته وجهٌ دينيٌّ بارز، ولا لعلم لأنه رجلُ علمٍ كبير، ولا لدور علمي وثقافي واجتماعي لأنه من أهل الدّور، ولا لمؤسسة علميّة حرة لأنه صاحب لمؤسسةٍ من هذا النوع، ولا لصوتٍ مخلص للوطن في مطالبته بالعدل والإنصاف واحترام حقوق الإنسان لأنه من أهل هذا الصّوت، ولا لنداءٍ بلمّ الصفّ وتوحيد المواطنين ووحدة أبناء الدين الواحد لأنه من أهل هذا النداء.

ولا لشخصيةٍ يحق للوطن أن يفخر بها لأنه من هذا النوع من الشخصية.

ثمّ إنَّ هذا القرار وهذا التصعيد يقولان للشّعب كلِّه بقاءُ أيّ منكم معترَفًا بمواطنته مرهونٌ بالإرادة السياسية وما تذهب إليه بشأنكم بتقديراتها الخاصّة. فأنتم غرباء في وطنكم أو على حدّ المقيم فيه من موقّتي الإقامة([21]).

ونرجع إلى هدف هذا القرار وهذا الإصرار الذي لا نراه بلا هدف في نفس السياسة، وإن كان فاقدًا لأي سند شرعي أو وضعي وغريبًا على لغة الدستور والقانون وكرامة الإنسان وحق المواطنة وما عليه كل     العالم المتحضّر.

ولا يُرى من هدف لهذا الإجراء التعسفي وحملة التصعيد الأمني التي يخضع لها الوطن إلا سدّ كلّ الأبواب والنوافذ والممرات أمام أيّ محاولة حوار جادّ، وإصلاح صادق يُنقذ وضع الوطن، وَيخرُجُ به من أزماته المتراكمة، ويُخلّصه من النفق الأسود الذي يُخاف عليه منه انطلاقًا من روح الأنا والأثَرة وحب السيطرة الظالمة.

وهنا خطاب على مستوى الداخل لكلِّ ذي دين، وكلِّ ذي ضمير حيّ، وكلّ من يحترم إنسانيّة الإنسان، ويحرص على رعاية الحقوق، ويرى كرامةً للإنسان، وحقًّا للأخوّة الإسلاميّة، وتهمُّه مصلحة الوطن أن يرفع عقيدته بالاستنكار لهذا الإجراء الظالم المستخفّ بكلّ القيم والأعراف القويمة وأن يدعو لعملية الإصلاح الشّامل ليُعطي من دوره الإيجابي الوطن والمواطنين، ويحقق له الاستقرار.

وخطابٌ آخر لكلّ ذي ضمير يقِظ في العالم، وكلِّ ذي صوت حرّ وتقدير لكرامة الإنسان ولِقِيَم الحرية والعدالة وحقوق المواطنة من أفراد ومنظمات حقوقية وإنسانية ودول، وتجمُّعات دولية ومؤسسات أممية إلى الوقوف أمام هذا الإجراء وهذا التدهور المخيف في مسألة الحقوق في هذا البلد وفي أيّ بلد من بلدان العالم، وأن يقفوا من هذه القضية وأيّ قضية أخرى من قضايا الشعوب مع الموقف الصريح الذي ينصر المظلوم ويُدين الظالم.

وأن تأخذ أيّ جهة قادرة على التأثير النافع في وضع هذا الوطن المأزوم بالدفع الجادّ الصَّادق في اتجاه الإصلاح الشامل المنقذ.

وقضية الترحيل لسماحة الشيخ واستمرار الإصرار على التعجيل، وهو إصرار متكرّر يعني مضايقته وتهديده إزعاجًا لحياته وحياة أسرته ويُمثّل ازدراءً غير لائق بهذا الشعب كلّه، وهو تعامل ظالم مع حقّ العلم والدين والمواطنة، ولا ينبغي في لغة العدل أن يبقى هذا الإيذاء وهذه المضايقة.

ولا يمكن لهذا الشعب الكريم أن يُفرِّط في حقّ سماحة الشيخ، ويُسلّم بقضية ترحيله كرهًا أو قسرًا عن وطنه.

ويرجع ذلك إلى أمور:

  1. قيمةُ المواطنة لأيّ مواطن لا يضر بمصالح الوطن الكبرى، ولم يخنه فضلًا عن أن يكون له دور إيجابي في خدمته وصوت يطالب بالإصلاح فيه. وهي القيمة التي تتجلّى بشكل كبير في أمثال سماحة الشيخ الكريم([22]).
  2. القيمة الذاتية الخاصة لسماحة الشيخ حيث المكانة العلمية والدينية والاجتماعية والدور الاجتماعي المثمر، والكلمة المصلحة، والنداء الوحدويّ الحريص على الوحدة الإسلاميّة والوحدة الوطنيّة.
  3. ما يشعر به المواطن من تهديد لحقِّ المواطنة المتعلَّق به، وعدم اطمئنانه من اسقاط الجنسية والترحيل عن إكراه أو بالقسر لو تمّ هذا الإجراء الظالم على كل أمثال مثل سماحة الشيخ، وعلى كلّ مواطن من المواطنين([23]).

كيف تصدق هذه الأمور؟

كيف يصدق أنه لا تعذيب في توقيف ولا محبس أو معتقل وتمتنع السلطة المرّة تلو المرّة عن استقبال المحقّق الخاص بالتعذيب مع المطالبة به دوليًّا؟ مع البراءة من التعذيب يكون الإصرار على الامتناع والتأجيلات المتكررة معاكسًا لغرض السلطة.

       وكيف يصدق ما تكرَّر مرارًا من قول السلطة بأنه قد تمت الاستجابة لكل التوصيات المتعلّقة بحقوق الإنسان من لجنة التقصّي للحقائق ومن جنيف أو للمهمِّ منها على الأقلّ ولا زلنا نسمع حديثًا عن ملف العمل وأنَّ مشكلته وصلت إلى نهايتها هذه الأيام، وأعظم من ذلك أنَّ المساجد المهدَّمة لا زالت مشكلتها قائمة وأن تغيير موقع مسجد أو آخر، والقطع من أرض مسجد، والاستيلاء على أرض مسجد من المساجد ذات التاريخ البعيد، والمنع من إقامة الصلاة في هذا المسجد أو ذاك لا زال مستمرًا؟!

       وكيف يصدق أن البلد يتمتع بالاستقرار الأمني الكافي كما تدّعي السلطة بينما يستمرّ قمع المسيرات، والمنع منها أساسًا، وتستمر التوقيفات والمطاردات والمداهمات للمنازل([24]) ومسيلات الدموع، واستخدام السلاح الانشطاري، والمحاكمات، والأحكام القضائية المشدّدة؟!([25])

       وكيف يصدق نيل ثقة الشعب كما تعلنه السلطة وأنه إذا كانت معارضة فهي لا تُمثّل رقمًا ذا قيمة، وإذا كانت مسيرات ومظاهرات فالمشاركة فيها ضئيلة والحال أنَّ استيراد المحاربين للشعب لا زال مستمرًا، وأنَّ الجيوش الخارجية لا تزال مرابِطة في أرض هذا الوطن، وتنكشف مشاركتها الفعلية في قمع الشعب بما صار لا يمكن للسلطة أن تنكره؟!([26])

       لقد صرنا من هذا كلّه أمام واقع ضخم من الأقوال والدعاوى من جانب السلطة التي تُناقضها مواقفها العملية مما من شأنه أن يجعل الوطن في وضع إنساني غير لائق، ولا يُؤسّس لأيّ ثقة ولا كرامة ولا نجاح([27]).

       نريد لهذا الوطن أن يأمن الأمن كلّه، وأن يُحقّق قفزات عالية في التقدّم في مختلف المسارات الإيجابية والأبعاد الصالحة الكريمة، وأن يعيش أبناؤه الأخوّة الإسلامية الصادقة، والأخوة الوطنيّة المستقرة، وواقع الاستقلال والعزّة والكرامة، وأن يكون بمأمن من الفتن الطاحنة، والمواجهات المدمِّرة.

       ولا نرى أي فرصة لهذا كلّه ولا طريقًا غير طريق الإصلاح الشامل والجدّي بالسّقف الذي يُحقق آمال الشعب.

       ولذلك نجد أن لابد من الإصرار على هذا الإصلاح، والتمسُّك به.

       اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم أخرجنا وأمّة الإسلام من سوء الحال إلى حُسن الحال فإنَّ حال الجميع صار من أسوأ الأحوال وذلك بما كسبته الأيدي، وأدّى إليه الظلم والضلال.

       اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، ورد غرباءنا سالمين غانمين في عزٍّ وكرامة.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([28]).

 

[1]– نهج البلاغة ج2 ص65 ط1.

[2]– معرفته حاضرة في كل قلب وفي كل وقت.

[3]– للتنبيه وعلى مستوي الربت.

[4]– استحقّيتت بهذا الخطأ وبهذا الوهم أن تفقدك أمّك.

[5]– يعني أأتي بكفارة إطعام مساكين؟

[6]– ذلك الذي تحجبه السبع الشداد ليس ربك، ربّك لا تحجبه السبع الشداد.

[7]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج3 ص439، 440 ط1.

[8]– الحجاب داخلنا بما كسبت أيدينا.

[9]– هناك حجابان: حجاب من ناحية الحقيقة الإلهية، وحجاب من جهة قلب الإنسان وعقله.

[10]– بحار الأنوار ج91 ص403 ط3 المصححة.

[11]– يستر الله عز وجل نوره الذاتي وجلال وجوده وجماله وكماله، لا أنه يستره شيء من خارجه يحجب عنه، لأنه ظاهر في كل شيء ومع كل شيء.

[12]– المصباح للكفعمي ص264 ط3.

[13]– عوالي اللئالي ج4 ص132 ط1.

لا رسول الله صلّى الله عليه وآله ولا أكبر من رسول الله لو وُجِد، وهو أعظم الأنبياء والمرسلين شأنًا وعظمة، ولا ملك مقرّب يعرف الله حقّ معرفته. لا أنّه لا يعرف ذاته فقط، وإنما لا يعرف تمام حقّه، وكامل حقّ ربه، وما يليق بعظمته سبحانه وتعالى من الطاعة.

[14]– 14/ المطففين.

[15]– 15/ المطففين.

[16]– الله عزّ وجلّ يحجب عن هذا العبد لعدم استحقاقه ما ينقذه من رحمته سبحانه ويمنحه منزلة القرب والكرامة. سقط هذا القلب تمام السقوط فلا يستحقّ مزيدًا من الرحمة التي أُوتيها ليتمّ إنقاذه من جهنّم ومن سخط الله سبحانه.

[17]– 15/ المطففين.

عن من؟ عن ربّهم الذي لا ربّ لهم غيره، فمن أين يأتي الهدى؟ ومن أين يأتي الفرج من بعد ذلك؟

[18]– فليس أمام هذا العبد في يوم القيامة إلا أن يستسلم لمصيره الأسود.

[19]– سورة التوحيد.

[20]– أنت تحبّني اهدني لما هو الحق، لما هو الصحيح، أنا أحبك علي أن أعمل على مساعدتك في هذا الأمر. لا أحبّ ولدي مطلقا حين أكسوه وأطعمه وأرعى صحته الجسمية ثم أُهمل الجانب الروحي في حياته وعلاقته بالله تبارك وتعالى.

[21]– هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلة).

[22]– هتاف جموع المصلين (كلا كلا للترحيل).

[23]– هذا كلّه يدعو إلى أن لا يسكت الشعب على هذا العمل الظالم.

[24]– كل هذا يحدث مع وجود أمن، مع وجود استقرار أمني؟ إذن هذا كلّه ظلم. السلطة تقول أن الشارع هادئ، وهي تفعل كل هذا، وعلى مشهد من العالم؟ كيف يُعقل هذا؟!

[25]– كيف يجمع بين هذا وذاك، وكيف ينسجمان؟

[26]– الشعب كلّه له ثقة في الدولة والدولة مطمئنة إلى هذا الشعب تحتاج إلى هذا المزيد من الجيوش، وإلى هذه المرابطة؟ كيف ينسجم؟!

[27]– ونحن نأمل أن تكون هناك ثقة، وأن يكون للمواطن كرامة، وأن يكون نجاح، وهذا يحتاج ما يحتاج إليه من تغيير شامل في توجه السياسة، في تعاملها مع هذا الشعب.

[28]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى