خطبة الجمعة (596) 4 جمادى الآخر 1435هـ – 4 أبريل 2014م

مواضيع الخطبة :

الخطبة الاولى : معرفة الله

الخطبة الثانية : القضاء عادل – ديموقراطيتنا المتميّزة – الاستكبار والاستضعاف

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله الذي لا سماءَ ولا أرضَ ولا شيءَ مما فيهما وبينهما إلّا ويُسبّح بحمده، ويشهد بجلاله وجماله، وينطق بآثار قدرته، وعظيم صنعه، ودقيق علمه، وبالغ حكمته.

       والتّلاقي بين كلّ ما خلق سبحانه، والتكامل، ووحدة النظام، وتناسق المسارات، وتوافي المعادلات، وتناصُر القوانين، وتعاون السُّنن، والاشتراك في نهاية المخلوقات؛ كلّ ذلك دالّ على وحدانيّته وتفرُّده، وأنه لا إله إلا هو لا شريك له ولا عديل، ولا خُلْفَ لقوله ولا تبديل.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عبادَ الله… أيها المؤمنون لا ثوبَ لكلِّ من خَلَقَ اللهُ إلا ثوبُ التواضع، أما ثوبُ الكِبْر فلا يليق بالمخلوق، وهو ثوبٌ يَشينُه، ولا يَزينُه بعد أن كان ليس ثوبه، ويكشف عن زُوره وكذبه وغروره. وما لبسه عبد من عبيد الله جلّ وعزّ إلا وفضحه لِبْسُه، وفضحه من لا كبرياءَ ولا عزّة ولا جبروت إلا له، والكبرياء والعزّ والجبروت إنما هي لله وحده.

       فلنحذر الكِبْر ونتائجه القاتلة في الدّنيا والمهينة في الآخرة.

       التواضعُ يَرفع والكِبر يَضع. ومعرفة الله سبحانه وتقواه لا تدع لأحد كبرًا وتأتي على كلّ انحراف وبغي، فلنتّق الله.

       عن الرسول صلّى الله عليه وآله:“من تواضع لله رفعه الله”([1]) ومن تواضع لأخيه المؤمن من أجل الله فقد تواضع لله عزّ وجلّ والذي له الكبرياء الحقُّ وحده.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       أخرجنا ربّنا من كلّ خُلُقٍ لا ترضاه إلى الخُلُقِ الذي يُقرّب إليك، واجعل خُلقنا من خلق القرآن، وسيرتنا من سيرة حبيبك المصطفى وآله الأطهار برحمتك يا أرحم الراحمين.

       أما بعد أيّها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فالحديث في آثار معرفة الله جلّ وعزَّ من موضوع: معرفة الله.

       آثار معرفة الله:

       تترتب على معرفة العبد ودرجة هذه المعرفة آثار كريمة تقوى بها نفسُه وتغنى وترقى أيّما رقيّ، وتنهض أيّما نهوض.

1-             محبّته سبحانه:

{.. وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ..}([2]).

لا يبلغ حبّ أحد لأحد مهما بلغ ذلك الحبّ مقدار ما عليه حبُّ العبد المؤمن بالله العارف به لربّه إذ ما من كمال لأحد ككماله([3])، ولا إنعام كإنعامه، ولا إحسان كإحسانه.

       وعن الإمام علي عليه السلام:“الشوق خلصان العارفين”([4]).

       وعنه عليه السلام في خطبة له في وصف الملائكة:“ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته، وقطعهم الإيقان به إلى الوله([5])إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره. قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الرويّة من محبّته وتمكّنت سويداء([6])قلوبهم وشيجة([7])خيفته”([8]).

       وعن الإمام الحسن عليه السلام:“من عرف الله أحبّه”([9]).

2-             خشيته جلّ وعزّ:

{… إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء …}([10]).

عن الرسول صلّى الله عليه وآله:“من كان بالله أعرف كان من الله أخوف”([11]).

وكيف لا يُخشى من لا حدَّ لقدرته، ولا شيء يخفى على علمه، ولا مهرب لأحد من ملكه؟!

ولا يُخشى من الله تبارك وتعالى ظلم أو خطأ في علم أو تقدير، أو تجاوز في العذاب. إنّما يُخشى من الله قدرته وعلمه وعدله.

3-             شدّة الرجاء:

عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:“قال داوود عليه السلام: ياربّ حقّ لمن عرفك ألا يقطع رجاءه منك”([12]).

وعن الإمام عليّ عليه السلام:“ينبغي لمن عرف الله سبحانه أن يرغب في ما لديه”([13]).

ما من خير يحتاجه العبد ويُصلح حاله، وتمتدّ إليه أمنيته إلَّا وخزائن الله التي لا تنفد غنيّة به، وفوق ما يحتاجه عباده، وفوق كلّ الأمنيات.

وحاجة العبيد معلومة لله، ودعاؤهم مسموع، وكرمه فوق ما يأملون فماذا من أسباب الرجاء الممتدّ مفقود في حقِّه سبحانه أو قاصر عند عارفيه حتى يقف لهم أمل دونه، أو يتجاوزه أمل؟! أو ينقطع فيه رجاء؟!

4-             طاعته سبحانه:

للطاعة أسباب، وما من سببٍ من أسبابها إلَّا والطاعة لله واجدة له بما لا تجده طاعة لأحد من دونه تمامًا وقوة وأصالة؛ فالخير كله من عنده، والرجاء كلّه فيه، والخوفُ الحقّ منه، ولا كمال، ولا جمال، ولا جلال لأحد ككماله وجماله، وجلاله، ولا شيءَ لأحد من ذلك على محدوديته إلا من عطائه. وله وحده الكمال المطلق، والجمال غير المتناهي، والجلال غير المحدود.

وتتمثّل طاعة العبد لله سبحانه بإتيان ما أوجب وأمر، والكفّ عما حرَّم ونهى. وعن الإمام علي عليه السلام:“من عرف كفّ”([14]).

فمعرفته سبحانه تكفّ عارفيه عن كلّ معصية وكل قبيح كما تدفعهم لكل طاعة وجميل.

5-             التحرّر من الدّنيا:

عن الإمام علي عليه السلام:“من صحَّت معرفته انصرفت عن العالم الفاني نفسه وهمّته”([15]).

       وعن الإمام زين العابدين عليه السلام:“إنَّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، بحرها وبرّها، وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله، وأهل المعرفة بحقّ الله كفيء الظلال([16])([17]).

       الدنيا وعالمها الفاني كبيران عظيمان ربحهما يبطر ويُجنّ ويخرج عن التوازن، والخسارةُ فيهما والمصيبةُ من مصائبهما تُهير وتُحطِّم النفس ولا تُبقي صبرًا عند من وقف بنظره عندهما.

       أمّا بصيرةٌ عَرَفت الله فصاحِبُها بمنجاة من ذلك الجنون وذلك الانهيار، ونفسه أقوى وأعلى من أن يستولي عليها شيء من هموم الدنيا، ومما يتعلّق بخيرها وشرّها، سرائها وضرائها.

       لا تستعبده لأنه يستقلّ شأنها أمام معرفته بالله سبحانه ويزهد فيها وهو لا يراها إلا كظلٍّ ما أسرع ما يفيءُ ويرجعُ([18]) عما هو عليه من جهة الغرب إلى الشرق، ولا مكث له في مكانه، وإنما هو دائمًا في انتقال من جهته الأولى إلى جهته الثانية([19]).

       اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       اللهم اجعل معرفتنا بك من أتمّ المعرفة، وإيماننا من أكمل الإيمان، ويقيننا بك من أصدق اليقين، واجعل لنا عملًا صالحًا ترضاه، وثباتًا على الحقّ برحمتك يا أرحم الراحمين.

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}([20]).

الخطبة الثانية

       الحمد لله الذي ما كان شيءٌ في عالم الوجود، ولا يكون إلّا من خلقه، ولا حادثَ لأمر من الأمور التي بها انحفاظ الكون والحياة إلّا بقدرته، ولا فعل من أحد غيره خارج علمه وتقديره، ولا مُسيء يفوت عدله بإساءته، ولا محسن يُحرَم من جزائه.

       محيطٌ بكلّ شيء، وكلّ أمر علمًا وقدرة، ولا حقيقةَ لشيء إلا وهو محيط بها، وهو الذي لا إحاطةَ لشيء به، ولا يناله عقل أو وهم أو خيال.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عبادَ الله ليأخذ عاقل مثالًا وعبرة من حال المجتمع في حاله مع نفسه([21]).

       كلّنا يجد أنَّ المجتمع الذي يغيب عن سياسته العقل والرشد والدّين، ويحكمه هوى شخص أو حكومة يسوده الظلم والفحش والفساد، وتشقى حياة من تضمّهم دائرته، ويتضرّر كلّ من يصل إليه تأثيره. وتلك نتائج حتمية لحكم الهوى([22]).

       ولو حكم الشخصَ أيَّ شخصٍ هوى نفسه لما اختلف الأمر، ولأتت النتائج هي النتائج؛ تضِلّ الذات وتَفْسُد وتشقى وتنقطع عن الغاية([23]).

       ([24])وما تخلّى أحد عن تقوى الله إلّا وكان أسيرًا لهوى نفسه، وعبدًا لشهواته، وخاسرًا لذاته، وموافيًا لمصير أسود مقيم محتوم.

       فلنعرف أهميّة تقوى الله، ومجاهدة النفس على هذا الطريق لتستقيم وتنجوَ من الشقاء، وتعانق السعادة.

       اللهم لا تتركنا لهوى أنفسنا، ولا لإضلال المضلّين، ووسوسة الشيطان الرجيم.

       اهدنا ربّنا سواء السبيل، وارزقنا نعمة التقوى، واحفظنا من الزلل يا رجاء الرّاجين، وأمل الآملين، يا رحمان يا رحيم.

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصِّدّيقة الطّاهرة المعصومة، وعلى حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القُدُس ياربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائما.

       أما بعد أيّها الأحبّة في الله فإلى بعض كلمات:

       أولًا: القضاء عادل:

       هذه مقولة كلّ أنظمة الحكم في البلاد العربيّة بالنسبة للقضاء التابع لها. لكن ما أن يتغيّر وضع النظام وتأتي سلطة جديدة ويتعرّض أهلُ السلطة السابقة لأحكام هذا القضاء إلَّا وحكموا عليه بالظلم، وأنّهم يعانون من ظلمه بينما يتبجّح النظام الجديد بعدل القضاء الذي أقام بناءه، وصار يمتثل ما يُملى عليه من جانبه.

       فالقضاء التابع لأيِّ نظام([25]) ليس فوق عدله عدل حسب إعلام ذلك النظام.

       وينتهي هذا العدل ويتحوَّل إلى ظلم حالما تدور الدوائر على النظام نفسه ويخضع عدد من رجاله إلى حكم ذلك القضاء ويذوقون من ظلمه وأحكامه الجائرة أو حتى العادلة ما يذوقون.

       هذا وكثيرًا ما لو أبقى النظام الجديد الجهاز القضائي السابق([26]) لانتقل في أكثر رجاله أو كلهم من ظلم من سبقوا إلى ظلم من لحقوا.

       هذا بالنسبة للوضع العام في الدول العربية والغالبية العظمى من دول العالم.

       أما عن وضعنا المحلي فالقضاء صار يُصدر أحكامه القاسية بالجملة في حقِّ المعارضين من أبناء الشعب في غياب وإهمال للقواعد الشرعية، وفي تخلّ عن ضوابط الدستور والقانون.

       وإذا كانت هذه الأحكام عادلة كما تقول الجهة الرسمية والقضاء الذي وراءها معصومًا فمن الغريب جدًّا، والمدهش جدًّا، ومن الصدفة الثابتة التي ليس مثلها صدفةٌ وهي في تكرّرها كالقانون الطبيعي الثابت لا تأتي ولا لمرة واحدة مخالفة لهوى السلطة التنفيذية، ولما تدّعيه ضدّ المعارضين([27]).

       إنها عدالة ولكنها من نوع خاص لا تعرفه إلا السياسة والقضاء التابع لها دون أن يعرفها الدّين ولا الضمير الإنساني ولا القانون.

       عدالة لا يُصدّقها الواقع، ولا تُلاقي تصديقًا من غالبية المواطنين.عدالة تستنكرها منظمات حقوق الإنسان التي تقف على خطّ الحياد، وكثيرًا ما تلقى منها الإدانة.

       عدالة لو صدق أنها كذلك لكان هذا الشعب الذي تُطبَّق عليه لكثرة من تناله من أبنائه العقوبات المشدَّدة وأحكام السجن لمدد طويلة والسجن المؤبَّد شعبَ الجرائم والمجرمين([28])، والقتل والقتلة، والفساد والمفسدين([29]). وحاشا لشعبنا أن يكون كذلك.

       هذه عدالتنا القائمة ولتخرس ألسن المطالبين بعدالة غيرها، بعدالةٍ فيها صدق، وليرتفع صوت المنظمات الحقوقية، وليكثر عويل الأمهات، وليتيتّم الأطفال حيث يقضي آباؤهم العمر في السجون، ولتضطرب أحوال العوائل لغياب المعيل.

       ولا ضير في ذلك كله من أجل رضى السياسة.

       ثانيًا: ديموقراطيتنا المتميّزة:

       في البحرين ديموقراطية. هكذا يقولون.

       الديموقراطية هنا سبّاقة، متميّزة، فريدة المستوى، مثال، وحقّ للديموقراطيات الأخرى أن تقتدي بها، وللمحرومين من الديموقراطية أن يقتفوا أثرها.

       دعونا نقول هكذا ولكن ما وصف هذه الديموقراطية المثال؟

‌أ.      مجلس شورى معين يتمتّع بحقّ التشريع.

‌ب.مجلس منتخب من اختيار السلطة التنفيذية وتصميمها الكامل.

‌ج.سلطة قضائية معينة شاءت الصدفة والصدفة لا تشاء أن تكون منسجمة تمام الانسجام مع إرادة السلطة التنفيذية، وأن تأتي أحكامها مطابقة دائمًا لما تقترح حتى صار هذا طابع عدالتها.

‌د.   دستور لا رأي للشعب فيه.

‌ه.تضييق على الحريّة الدينية والمذهبية إلى حد ملاحقة مشاريع التلاوة للذكر الحكيم بالعقوبة، ومصادرة حقّ الصلاة في المساجد المهدّمة.

‌و.   إقصاء وتعطيل لكفاءات وطاقات قادرة عديدة مستهدَفة من حسٍّ طائفي مستول على السياسة، وشراسة ومواجهة للمطالبة بالحقوق.

‌ز.    سحب جنسيات وتهجير للمواطنين من المنطلق نفسه، والذنب ذاته.

        فتعالي يا دنيا، وتعالَ يا غرب لتتعلموا الديموقراطية على يد ديموقراطيتنا على أنَّ ديموقراطيتنا دكتاتورية ليس لها من الديموقراطية إلّا اسمها.

        أمّا الديموقراطية التي من حقّها أن يُطلق عليها هذا العنوان بدرجةٍ من الصدق فهي ما لم يَكْفِ في الوصول إليها كلّ ما بُذِلَ من تضحيات من دماءٍ وأموال، وما تحمّله هذا الشعب من تعب ونصب ومعاناة وعذابات وسجون وهجرة وتشرُّد، وما ناله من كوارث شداد.

        ديموقراطية يصرّ النظام ألَّا تكون وإن فني هذا الشعب وإن سقط هذا الوطن سقطة لا نهضة له بعدها أو ألَّا تكون حتى تغرق الشوارع من دماء الأبرياء من أبناء شعبنا ويتيتّم الأطفال في كل بيت.

        وكأن هذه الرؤية هي رؤية المحيط الإقليمي والعربي، ورؤية الدول المؤثّرة الصديقة للنظام.

        وكان الله في عون هذا الشعب وهذا الوطن المظلوم.

ثالثاً: الاستكبار والاستضعاف:

        تاريخ الاستكبار والاستضعاف في الأرض ومجتمعات الإنسان تاريخ طويل قديم مقيم، لا تتخلّله إلّا انقطاعات استثنائية يسيرة المدّة هنا أو هناك على يد حكم السماء حيث يرضى به الإنسان. وهذه الانقطاعات هي الواحات الخضراء الرائعة في حياة المجتمعات، وكل ما عداها تكون الأرض غارقة في الظلام والعذاب.

        وما تُرِكَ الإنسان لهواه إلَّا وطلب الاستكبار عملًا وتمسّك به ما استطاع تعويضًا باطلًا عما يحكمه من الشعور بالفقد والضعة والنقص([30]).

        وحتى يتحقق ما يريدمن أسباب الاستكبار العملي الباطل، وأن يبقى له استكباره يجد ألَّا بد له من استضعاف شركائه في الأرض والحياة ومن يريد أن يبني ويحتفظ باستكباره على حساب مصلحتهم وعزّتهم، وما يجدونه من فرص التقدّم والازدهار([31]).

        وفي مقابل استكبار هذا المستكبِر ما من إنسان إلا ويعزّ عليه أن يظلّ أسير الضعف والذلّ والهوان، وأن تكون حياته في شرنقة الظلم الذي يُمارَس في حقه من الآخرين.

        ليس من إنسان ما لم يُمسخ إلا ويتطلّع للخروج من هذا الذل والعذاب والهوان، وأن يُحقق أو يتحقق له الخلاص.

        ومن هنا يبدأ الصِّراع وتبدأ المعركة، ولا تستقر الحياة حتى تنكسر إرادة الاستكبار وتنتصر روح العزّة والكرامة والانعتاق.

        اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

        اللهم يا من لا نجاح في دنيا أو آخرة ولا أمن ولا الاستقرار ولا سعادة إلّا في الأخذ بدينه، والأخذ بنهج رسله، واتّباع هداه، والأخذ بما أمر، وهَجْر ما نهى خذ بيد هذه الأمة إلى التمسُّك بدينك، وتحكيم كلمتك، والأخذ بالمنهج الذي رضيته لقيادة عبادك، وليس هو إلّا الإسلام يا الله يا حكيم يا رحيم يا رحمان.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([32]).

 

[1]– الكافي ج2 ص122 ط4.

[2]– 165/ البقرة.

[3]– أنت تحبّ الكمال، أنت تحبّ في أيّ من الخلق درجة ما له من كمال، درجة ما ترتقبه منه من عطاء، درجة ما عليه إحسانه إليك، وهل يبلغ أحد من كلّ ذلك ما لله سبحانه؟!

[4]– عيون الحكم والمواعظ ص40 ط1.

[5]– الوله: ذهاب العقل، والتحيّر من شدّة الوجد.

[6]– سويداء القلب: حبّته.

[7]– الوشيجة: عرق الشجرة في الأصل، وتستعار للمبالغة في الخوف.

[8]– نهج البلاغة ج1 ص170 ط1.

[9]– موسوعة العقائد الإسلامية ج3 ص282 ط1.

[10]– 28/ فاطر.

[11]– بحار الأنوار ج67 ص393 ط3 المصححة.

[12]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج3 ص402 ط1.

[13]– المصدر السابق.

[14]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج3 ص403 ط1.

[15]– المصدر السابق ص405.

[16]– وفرقٌ بين الظلال وبين الفيء، الفيء خصّوه بما بعد الزوال لأن الظل فيه يرجع من جهة إلى جهة أخرى. أما الظلال فهو ما قبل الزوال. فالفترة قصيرة جدا بين أن يصل الظلّ إلى حدّ الزوال، وبين أن يميل إلى ما بعده. فالدنيا كلها بما فيها كفيء الظل.

[17]– مستدرك سفينة البحار ج7 ص11، 12.

[18]– كما تقدّم من لحظة ما قبل الزوال إلى لحظة ما بعد الزوال.

[19]– والدنيا دائمًا في رحيل، وفي اتجاه الأخرة. وكلنا في سعي دائم إلى حيث النهاية.

[20]– سورة الجحد.

[21]– لمعرفتي لحال نفسي دعني أطلّ على حال المجتمع، وكيف يكون.

[22]– لحكم الهوى في المجتمع، ولحكم الهوى في النفس الواحدة.

[23]– أترى كيف هي الويلات، كيف هو الضلال، كيف هو التيه، كيف هو التمزّق، وكيف تكون الفوضى في مجتمع يسوده ظلم من وحي الهوى؟ إذا حكم نفسي هواها فمصيري في نفسي هو هذا المصير.

[24]– من أين يأتي الهوى؟

[25]– عادلٌ حسب إعلامه بشرط أن لا يصيبه من عدله المدَّعى الذي يعرف نفسه أنه ليس كذلك ما يعاني منه أهل مقاومته.

[26]– نفسه.

[27]– كيف يحدث هذا ؟ قضاء عادل دائما، ولا يأتي إلا لصالح الجهة التنفيذية، ولا يأتي إلا لإضرار المعارضين.

[28]– هتاف جموع المصلين (الله أكبر، النصر للإسلام).

يُلازم عدالة قضائنا، وكثرة ما يصدر في حق الشعب من أحكام السجن المؤبد وغير المؤبد أن هذا الشعب شعب جرائم.

[29]– إما أن يكون القضاء جائرًا وإما أن يكون هذا الشعب مجرما.

هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلة).

[30]– إذا استسلمت للهوى كنت في داخلي محكومًا للشعور بالفقد والضعة والنقص، فأحتاج إلى تعويض، هذا التعويض بالاستكبار الكاذب الزائف.

[31]– لابد أن أسلب منك كلّ شيء حتّى أسود، حتى أستكبر عمليًّا عليك.

[32]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى