خطاب آية الله قاسم ليلة العاشر من المحرم للعام 1435هـ

خطاب ليلة العاشر من المحرم لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في العاصمة المنامة للعام 1435هـ – 12 نوفمبر 2013م

للمشاهدة :

 

 

نص الكلمة :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

 

ماذا يجمعكم الليلة؟

 

أراءه إلتقاء رؤية مع الإمام الحسين عليه السلام، وأراه إنشداد عقل وروح إلى العقل المعصومة والروح الطاهرة المقدسة التي كان عليها الإمام الحسين عليه السلام، إراه الإيمان بالإمامة الحقة والعصمة التي لا شك فيها، أراه المأساة المفجعة المبكية للأرض والسماء، أراه الإحساس العميق والشعور الغائص في الذات بالحاجة إلى التتلمذ على مدرسة الإمام الحسين عليه السلام وعلى ثورة كربلاء والاستلهام منها، والاشتراك في الماعناةبينما عليه المؤمنون في هذا الزمن وبينما كان عليه الإمام الحسين عليه السلام في زمنه، أراه العِشق لله والذي يترشح منه العشق للحسين عليه السلام، أراه إصرار منكم على طريق الجنة وأن كلف طريق الجنة ما كلف، وأنكم على يقين من هذه الحياة لا تساوي قلابة ظفر ما لم تسلك بصاحبها إلى الجنة.

 

ماذا نعادي في يزيد؟ عين ما يقربنا للإمام الحسين عليه السلام ولمن كان على خط الحسين هو ما يبعدنا عن يزيد ومن تابع سيرة يزيد.

 

هنا على خط الإمام الحسين عليه السلام جمال وروعة، حق وأصالة، إنسانية منفتحه، إخلاص ووفاء لله ولكل عباد الله، هنا شفقة ورحمة، وهنا هدى ونور، وعلى عكس كل ذلك ما هناك مما هو على طريق يزيد.

 

نحن نبغض في يزيد تنكره للدين، استقلالة في قراره عن قرار السماء، أخذه بخط غير خط الإسلام، وسعيه لأن يجعل المعروف منكرا والمنكر معروفا، ذلك البطض وذلك البغي وذلك الظلم وذلك الفسوق وذلك السفة، هو ما يجعلنا نعادي يزيد. نحن لا نعادي الأشخاص وإنما نعادي فيهم الأفكار السيئة، والمشاعر الخبيثة والسلوك المنحرف.
أنا عدو لنفسي في شيء وصديق لها في شيء، ما استقامت على طريق الله أنا صديق لها بعقلي وفطرتي، وما انحرفت عن طريق الله فإني أعاديها، وأن لم أعادها والحال هذه فأنا خائن لها، وقاس عليها. وأعادي في ولدي وفي أبي وفي زوجي في نفسي وأعادي في يزدي وأتباع يزيد، وأصادق في ولدي وفي زوجي وفي والدي ما أصادقه في نفسي وأصادقه في الحسين عليه السلام.

 

أنها الثورة على النفس قبل أن تكون ثورة على القريب، وإنها ثورة على القريب قبل أن تكون على البعيد فهكذا يريدنا الإسلام وهكذا علينا أن نصنع.

 

علينا أن نكون أنصار للحسين عليه السلام أنصار له على قصورنا وعلى تفريطنا وعلى هوى أنفسنا، وعلى ضعفنا وعلى تعلقنا بالدنيا، وعلى تخلفنا عن نصرة الدين، وعلى كل قصور وتقصير منا.

 

أنا لا أستطيع أن أخلص لك أكثر مما أخلص لنفسي، فحين أنهاك عن المنكر وأرتكبه فقد قدمتك على نفسي فيما لا يصح لي أن أقدمك فيه عليَّ، فمن حقك أن أفديك حيث تكون على طريق الله، ومن حقك وأن تأخرت عن ذلك الخلق العظيم أن أؤثرك في الدنيا، إما أن أبيع علاقتي بالله من أجلك وأن كنت أبي أو أخي، وإما أن أشتري جنتك بناري فذلك مستحيل، وإذا كانت هداية أحد بضلالتي فلن أعطيه أن يهتدي، ولن أسمح لنفسي بأن تضل.

 

علمنا الإمام الحسين عليه السلام أن لا مهدانة لمنكر في النفس ولمنكر في البيت ولمنكر في القبيلة ولمنكر في المجتمع ولأي منكر من المنكرات وفي أي دائرة من الدوائر.

 

ما هو المنكر الذي آلمَ الحسين عليه السلام أنه لا يُتناها عنه؟ كل ما هو مخالفة لدين الله وتخلف عن منهجة الحق في أي مساحة من مساحات الحياة.

 

من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ ومن هم أنصاره؟ ولماذا ثورته؟

 

القرآن يجيب والسنة المطهرة تجيب، الحسين عليه السلام كل كلمة منه، وكل موقف وقفه، وكل إشارة صدرت عنه تعطي الإجابة الشافية على سؤال من هو الإمام الحسين عليه السلام؟ يغنيك كتابك الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، القولية والعملية وعلى مستوى الإقرار لبيان ما هو الحسين؟ وما هي تلك العظمة الكبرى والعظمى للإمام الحسين عليه السلام؟

 

الإنصار يكفي فيهم ما وصفهم به الإمام الحسين عليه السلام، فلقد كان منهم قراء الأنصار، وشهد لهم ثباتهم الذي قل نظريه في الأرض يوم اللقاء وعند معانقة الموت عن إرادة واختبار، فبطولاتهم ليست بطولات، وليس في بعد واحد، فبطولاتهم معجزات وفي أبعاد مختلفة من شخصياتهم.

 

للثورة هدف يتخلص في إنقاذ البشرية من جاهليتها وطاغوتية الطواغيت، وحتى لا تطل قطرة دم بغير حق، ولا يشقى ولا يذل إنسان، فكان ثورة الإمام الحسين عليه السلامة من أجل كل هذا، وحتى لا تجوع شعوب وأمم، ولا تذلل أمم وشعوب، لا يمرغ أنف الانسانية في التراب، وحين يكون الحكم حكم الجاهلية، وحين يكون الحكم حكم الطاغوت فإن أنف الإنسانية مداس وحتما مرغم في التراب.

 

إن للأمة اليوم وغدا وللإنسانية كلها وعلى امتداد ما تحيا في الأرض حاجة للإمام الحسين عليه السلام كما كانت الحاجة قائمة له بالأمس، أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، وصلاح الأرض بصلتها بالسماء ماديا ومعنويا، فالأرض تحتاج إلى الشمس من السماء لتحيا حياتها المادية، وتحتاج إلى شمس تشع بوحي الرسالة وبكلمة السماء وبهدى الله تبارك وتعالى حتى تحيا روحا ومعنوية ولتسلم لها إنسانيتها وتكملَ وتعظم، فاٌلاسلام لا تصلح الأرض إلا به، والإسلام الذي لا تصلح الأرض إلا به يحتاج إلى وحي معلوم محفوظ، وهذه الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجده؟

 

فنحن نعتقد جازمين أن الأرض لا تجد هذا الوحي في أصالته وفي صورته الكاملة وأمانته التامة وفهمه المستوعب إلا عند علي عليه السلام -هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله- وبنيه الأحد عشر المعصومين عليهم السلام. و الإمام الحسين عليه السلام ثالث الأئمة الهدات الذين ارتضاهم الله عز وجل حججا تامة على عبادة.

 

دعوني أسأل أين يقع الإصلاح السياسي المطالب به البحرين أو غيرها من الاصلاح عند الإمام الحسين عليه السلام؟ له صلة ولكن ون حجم ذلك الإصلاح بكثير، ضروري ولكن لا تتأدى حاجة الحياة بمثل هذا الإصلاحات الجزئية، لا إصلاح بحق وبصورة كاملة إلا بالإسلام وقيادة  في وزن الإمام الحسين عليه السلام.

 

ثم يأتي الإصلاح من بعد ذلك درجات وكل درجة منه مطلوبة، وفيها اقتراب للحق، وفيها توافق مع مطلب الدين، إصلاح بأي درجة من الدرجات خير من لا إصلاح، ولا يفرط في إصلاح كبير ممكن بالقبول والرضا بإصلاح هابط.

 

وأما المعطلون للإصلاح فأمرهم إلى الله، وما أعظم مسؤوليتهم أمام العزيز الجبار، فتعطيل الإصلاح في كل الأرض يعني استرخاص الدم الحرام واسترخاص الأعراض وتبديد الثروة والفساد في الأرض وكل ذلك من أكبر الكبائر التي يبغضها الله يبحانه وتعالى ويعاقب عليها أشد العقاب.

 

وماذا نتوقع بعد هذا ما ينبغي أن يكون عليه إحياء عاشوراء؟ فلابد من وعي من ذلك الوعي، ولابد من رؤية من تلك الرؤية، ولابد من خلق عظيم من ذلك الخلق، ولابد من قصد سليم وتوجه لله وإخلاص من ذلك الذي بلغ قمته الإمام الحسين عليه السلام.

 

لابد من استقامة في كل الطريق في الاتجاه لله، ولابد من خضوع للحكم الشرعي في كل موقف سهل أو صعب، شفا النفس أو لم يشفها، فلابد من الحرص الشديد على الإلتزام بالحكم الشرعي لتكون ممارستنا صورة من الإحياء اللائق بثورة كربلاء الكبرى. يجب أن يكون الهدف هو الهدف، والوجهة هي الوجهة.

 

ودعونا نسأل ماذا كانت تريد عاشوراء؟ وماذا علينا أن نريد من احيائنا لها بالإضافة لما سبق؟

 

عاشوراء يوم الدم والاشلاء، وعاشوراء يوم التضحية بالمعصوم الأول على الأرض يوم ذاك من أجل هدى الأمة لا ضلالها، فعلينا أن لا ندخل أي أمر يضر بهداية الأمة في إحياء عاشوراء،  من أجل وحدتها لا فرقتها، فعلينا أن نحذر كل الحذر أن نسعى بقدم آثم لتفريق الأمة، ولاصلاحها لا افسادها، وتخريبا الوحدة الاجتماعية الإيمانية إفساد في الأرض.

 

إحياء عاشوراء من أجل مد الجسور لا تحطيمها، فمدوا الجسور مع المسلمين ما استطعتم وبذا تكونون على طريق الحسين وصراطه القويم، علينا أن نعيش المحادة والمعادة المقاومة لكل كلمة وموقف ولكل إشارة ضارة بوحدة المسلمين وتريد فرقتهم، وعلينا أن نكون دائما قوة مندفعة في وجه الظلم والظالمين على هدى الله وهدى أحكام شريعته.

 

وأنه لعدو مبين للإسلام والأمة الاسلامية من قصد الإضرار بوحدة المسليمن وتمزيق شملهم، وإنما كانت الكلمة والموقف والإشارة والمعاناة والاشلاء والدماء والثكل والتضحيات الجسام والسبي وتعليق الروؤس وكان الخُلقُ العظيم والصبر المعجزة إنما كان كله خطابا من أجل هذا الهدف، ولا إحياء لعاشوراء خارج هذا الهدف المقدس العظيم على الاطلاق.

 

 

وهنا نداء لنفسي ولكل أيها الأحبة ولكل مؤمن ومؤمنة ولكل مسلم ومسلمة بل كل إنسان …..

 

تقف الأمور بالإنسان كل يوم في الأمور الصغيرة والأمور الكبيرة موقفا للحر وكان لعمر بن سعد بين يخير فيه الإنسان نفسه بين الجنة والنار، موقف يتكرر في كل مساحة الحياة، فيقفه العبد حين تعرض له فرصة الفاحشة بصورة ميسرة، تروي ظمأ شهوته.

 

حين تتأتى له فرصة وظيفة كبيرة فيها تنازل عن شيء من الدين، فرصة نجاة من حبس أو موت محتم، حين يكون الثمن إلى ذلك الإمام الحسين عليه السلام أن يدخل النار، بأن يسعى بأخ له في الله، بمسلم من المسلمين إلى حيث الهلاك على يد الظالم، حين يجد في تجسسه على المؤمنين والمسلمين اضرار بهم لقمة عيشة فيُقدم مع كونه المطلوب منه بيع الدين.

 

حين تنفتح أبواب الشهرة الزائفة برياء وتظاهر وزيف بتغرير بالمؤمنين، وكل الدنيا معركة من هذا النوع، وكل الأيام هي أيام تحديات وكل لحظاتنا لحظات امتحان، والموقف الذي تعرض له الحر وتعرض له عمر بن سعد نتعرض له يوم وربما كل ساعة، فما نحن فاعلون؟ أنكون الحر أم عمر بن سعد؟

 

وإذا أرادت أن أكون الحر ففي مساحة من مساحات حياتي؟ وبأي قدر؟ فقد أكون الحر في موقف وأكون عمر بن سعد في ألف موقف!! وقد تتبادلني نزاعات النفس ويجذبني ضعفي أمام الدنيا وطلب النجاة وطلب المركز وإشباع اللذة، فقد يأخذني هذا الضعف إلى موقف عمر بن سعد الذي ألعنه، والذي إذا خرجت في موكبٍ من مواكب الإمام الحسين عليه السلام  أعلن برائتي منه، فهذا يحصل!! فلنراجع أنفسنا فيما نحن عليه في بيوتنا وفي سرائرنا وفي خلوتنا وفي كل مساحات حياتنا.

 

الإمام الحسين عليه السلام يريد لنا ونحن نتعرض لهذه المواقف الصعبة ولا فكاك من التعرض إليها أن نكون الحر  في كل المواقف فلا نختار النار على الجنة، ولا نقبل أن نبيع الجنة بأي ثمن كان والأثمان تتصاعد قيمتها ولو للبعض بأن يبعوا الجنة بما دونها.

 

أملك نفسه وأملك عقلك وأبقي فطرتك وفكر في آخرتك وفكر في إنسانيتك وفي مستواك وفكر في حق ربك ولا تكون التافه الذي تشتريه الدنيا وتحرمه النعيم الخالد في الآخرة.

 

شبابنا وشاباتنا الأعزاء، أيها المؤمنون، أيها المسلمين كبار ويافعين وفي كل مواقع الحياة من نكون في هذه المواقف؟ ومواقع الاختبار وحيث تخيرنا الظروف الحاسمة والصعبة والحرجة والتي لا تترك مهلة وقد تكون مهلتها لحظة واحدة فقط حين تخيرنا بين الجنة والنار، أحرا وعلى طريق الحر أكون؟ أم عبدا وعلى طريق عمر بن سعد أقبل أن أكون؟[1]

 

أن لم تبني نفسك، وأن لم تبني نفسكِ، وأن لم أبني نفسي قبل ذلك فالمقدم عندي عند الأمر الشديد أمر يزيد لا أمر الحسين عليه السلام، ولكلي أضمن بعض الشيء بأن يكون أتماري بأمر الحسين عليه السلام وأن صعُب الموقف معه وكان فيه بذل الحياة وأكفر بأمر يزيد وأقاومة وأن غلا ما يقدمه من أثمان الدنيا فعليَّ  أن أبني نفسي طوال الحياة.

 

ولنا كلمات ثابتة لا ننساها في كل موسم وعلينا أن نعيشها في كل يوم ونحن مؤمن بها كل الإيمان، ولا ننفك عنها على طريق توحيد الله سبحانه وتعالى الذي لا نشرك به أحد نقول وبكل قوة وبكل اصرار “لبيك يا حسين”[2] ونقول كما علمنا “هيهات منا الذلة”[3] ونقول كلمة ثالثة وكما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالحفاظ على وحدة الأمة “وحدة وحدة اسلامية”.[4]

 

السلام على الحسين وعلى على علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، اللهم أجعل لنا قدم صدق عندك مع الحسين عليه السلام، وأجعلنا لا نبخل بشيء على دينك وعلى خط الإمام الحسين عليه السلام، واحينا ما أحيتنا على حبك وحب أوليائك وحب رسولك الكريم الخاتم صلى الله عليه وآله وحب الحسين عليه السلام.

والحمد لله رب العالمين.

[1]  هتاف الجماهير : لبيك يا حسين.

[2]  هناف الجماهير “لبيك يا حسين”.

[3]  هتاف الجماهير “هيهات منا الذلة”.

[4]  هتاف الجماهير “وحدة وحدة إسلامية”.

زر الذهاب إلى الأعلى