في بيان من السجن.. العلامة المقداد والشيخ النوري يدعوان لتوحيد المعارضة ودعم آية الله قاسم

في بيان من السجن.. العلامة المقداد والشيخ النوري يدعوان لتوحيد المعارضة ودعم آية الله قاسم


شدد العلامة المعتقل سماحة الشيخ عبدالجليل المقداد وسماحة الشيخ سعيد النوري، في بيان أصدراه من السجن إثر الأحكام التي صدرت بحقهما مؤخرًا، على ضرورة توحيد صفوف المعارضة، والالتفاف حول آية الله الشيخ عيسى قاسم، والعمل وفق المنهج السلمي الحضاري، الذي اعتبراه “الخيار الاستراتيجي لتحقيق المطالب المشروعة العادلة”.

وفي سياق متصل أكد المقداد والنوري أن “الحوار الجاد هو الخيار الطبيعي الكفيل بعلاج أزمات الوطن”… وهذا نص البيان:

“وإننا وفي أجواء الأحكام الظالمة التي صدرت ضدنا مؤخراً، والتي هي استكمالٌ لسلسلة من الظلم والعدوان الذي وقع علينا، واستهدف انتهاك شخصياتنا وحرماتنا جسدياً وحقوقياً وقضائياً وسياسياً، وانطلاقا أيضاً من المسؤولية الدينية والوطنية والأخلاقية، والحرص على الأهداف السلمية السامية لأبناء شعبنا والشفقة والرحمة بهم، رأينا من المهم التذكير بجموعة من الأمور والمبادئ التالية:

أولاً: إن هدفنا الأسمى هو الإصلاح الحقيقي والعدالة الاجتماعية.

إن شعبنا العظيم إنما انطلق بثورته لأجل تحقيق الإصلاح الحقيقي وعلاج الأوضاع الفاسدة. وقدم في سبيل ذلك التضحيات الجسام وتعرض للسجن والتعذيب ومختلف صنوف الأذى. وإننا نعتقد أن الرؤية السياسية المتوازنة الموضوعية لمجمل الظروف المحلية والإقليمية والدولية تقتضي التمسك بسقف الإصلاح الحقيقي الجاد، الذي ينبثق من الإرادة الشعبية ويخضع لرقابتها ومحاسبتها، ويحقق أهداف الشعب في الحرية والعدالة والكرامة.

ثانياً: الإيمان والتوكل على المدد والتسديد الإلهي الغيبي.

فنحن نعتقد أن شعبنا المظلوم في ثورته الإصلاحية المباركة ومطالبه العادلة، ليس وحيداً في معركته ضد الاستبداد والظلم والفساد، فإن الله سبحانه بقدرته ولطفه يدعم ويسدد مسيرة شعبنا الحقة، ويمدها بأسباب الثبات والانتصار، وهو ما يقتضي من أبناء شعبنا العزيز التوجه المستمر لله سبحانه وألطافه، وتصفية النفوس لله سبحانه بالإخلاص والتوكل والاستقامة، فإن توفير الأسباب الغيبية والأخلاقية للتوفيق والانتصار هو واجب متلازم مع واجب توفير الأسباب السياسية لهذا الانتصار.

يقول تعالى: {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون}. آل عمران آية 160.

ثالثاً: وحدة المعارضة الخيار الاستراتيجي ، والعامل الأهم للقوة والانتصار.

إننا نعتقد بصورة قاطعة أن قوتنا وانتصارنا يكمن في وحدتنا والتحام صفوفنا، وأن الافتراق والاختلاف يقود إلى الفشل ويضعف القضية والموقف.

وللحفاظ على وحدة الصف والكلمة يلزم التذكير بالأمور التالية:

1- من مسؤولية الجميع السعي الجاد والحثيث – في حدود الممكن والمستطاع – للتوافق حول مشروع سياسي مشترك، تتوجه إليه الأنظار وتتكاتف حوله الطاقات والفعاليات.

2- نعتقد أن مطلب الإصلاح الحقيقي المنبثق من الإرادة الشعبية يمثل الإطار العام الذي يمكن أن تتوحد حوله الكلمة وتتوجه إليه الأنظار، كما أن من المهم تكامل الجهود واحترامها دون بخس لدور أية جهة احتجاجية أو سياسية أو حقوقية أو إعلامية.

3- وإننا نرى أن سماحة العلامة الشيخ عيسى قاسم أهل للثقة وتحمل مسؤولية التوجيه والترشيد والرعاية الأبوية، وذلك لما جسده من مبدئية في الموقف وصلابة في ذات الله سبحانه بجانب الحكمة في القضايا، ولما له من مكانة وفضل وتقوى مشهودة، فإنه لابد لكل مسيرة يراد لها النجاح بأن يكون لها محور يوحد جهودها، ولذلك فإننا ندعو للالتفاف حول سماحة الشيخ ودعمه والاستماع له، يقول تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}. آل عمران: آية 103.

رابعاً: المنهج السلمي الحضاري هو الخيار الاستراتيجي لتحقيق المطالب المشروعة العادلة.

عرف شعبنا العظيم بأساليبه السلمية والحضارية لتحقيق مطالبه المشروعة. وذلك، إيماناً من الشعب بضرورة تحقيق توازن حرج ودقيق بين مجموعة من الأمور هي:

1- ضرورة استمرار العمل المركز لمراكمة الضغط الشعبي والسياسي والحقوقي عبر الاحتجاجات السلمية الحضارية ذات المظاهر المتنوعة، وقد استطاع شعبنا تحقيق انجازات كبيرة في هذا السبيل.

2- ضرورة تعريف المجتمع الدولي الحقوقي والسياسي بأهدافنا ومطالبنا العادلة، مع ضرورة الحفاظ على الصورة المتسامية النبيلة المشرفة لحضارية وقيم وسمو شعبنا وهو ما تتكفل السلمية بتحقيقه بكل جدارة.

3- ضرورة الحفاظ – في ذات الوقت – على السلم الأهلي والنسيج والاستقرار الاجتماعي، دون السماح بانحراف الأمور نحو دوامة العنف مما يفسد مقومات السلم الأهلي ويذهب بجوهر الوحدة والنسيج الاجتماعي والوطني.

4- تقليل الخسائر المادية – بقدر المستطاع – الواقعة على الجماهير، مع إيجاد التفاعل والمشاركة الجماهيرية الكبيرة والواسعة.

5- عدم تحويل الصراع من صراع سياسي حقوقي إلى صراع أمني صدامي، يعطي الذرائع الأمنية للسلطة للتهرب من الاستحقاقات السياسية والحقوقية وتشويه الحركة المطلبية. ويمكن أن يتصور أن السلمية المنظبطة شرعياً وأخلاقياً تمثل عنصر ضعف وفق بعض الحسابات الضيقة استغلته السلطة لترجيح كفتها وظلم الشعب والتفنن بإيذائه. إلا أن السلمية المحكومة بالشريعة والأخلاق هي أكبر مفاخر شعب البحرين، بحسابات قيم التقوى والآخرة، وكذلك بحسابات النصر السياسي والحقوقي والإعلامي الشامخ المدوي الذي حققه شعبنا بفضل صبره ومظلوميته وتضحياته.

خامساً: الحوار الجاد هو الخيار الطبيعي الكفيل بعلاج أزمات الوطن.
نعتقد أن الحوار الحقيقي الجاد إذا تحققت ظروفه الموضوعية المناسبة يمثل السبيل الطبيعي الأمثل لعلاج الأزمة وتحقيق الحل السياسي الكريم المشرف. ويكثر الكلام هذه الأيام عن الحوار، ونحن وإن كنا ولا نجد فعلاً علامات حقيقية على جدية السلطة، ويحق لنا التشكيك الكبير بدوافع السلطة تجاه الحوار – لا سيما بسبب الأحكام الجائرة الصادرة مؤخراً – ولكن ذلك لا يعني أن الامور بالضرورة تستمر على هذه الحال للأبد، وذلك لأن السلطة السياسية ليست هي المالكة لأزمة المعادلة السياسية، فإن إيماننا بالتسديد الإلهي يجعلنا نحمل الأمل الكبير المشرق أن الله سبحانه الخالق العطوف سوف يهيئ من الظروف المحلية والإقليمية والدولية – إن شاء الله تعالى – ما يدفع الأمور نحو حل سياسي مشرف يحقق للشعب ومعارضته النصر العزيز الكريم.

والمطلوب من شعبنا ومعارضته الشريفة هو أخذ الحيطة والحذر الشديد تجاه محاولات المماطلة والالتفاف، مع التمسك المبدئي الراسخ بالمطالب المشروعة العادلة، بجانب التمسك بالرؤية الموضوعية المتفائلة بالفجر المشرق والنصر العزيز بفضل الألطاف الإلهية.

سادساً: الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية.

لم ينادِ أحدٌ من أطراف المعارضة بمكتسبات تخص فئة أو طائفة خاصة فضلاً عن تهميش مكون من مكونات الوطن. بل لا معنى لعدالة اجتماعية تخص فئة وتحرم منها أخرى ولا لإصلاح تنعم به طائفة وتبؤس به أخرى. لقد عاش أبناء الطائفتين الكريمتين على هذه الأرض في وئام وسلام، وكانت المصالح السياسية الضيقة وخداعها هي العدو الذي يتهدد ذلك الوئام.

وقد بدا واضحاً ما فعلت شهوات السياسة في الأحداث التي مرت بالوطن والشرخ الذي أحدثته في النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية. إن الوطن يسع الجميع ولا يحق لأحد كائناً من كان أن يستفرد بقراراته ويستبد بمقدراته. والكلمة الفصل هي أن يشترك أبناء الوطن من كلا الطائفتين بصورة ديمقراطية في إدارة شؤونه بما يحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وأن يكون العدل والموضوعية وتحكيم المصالح الوطنية العليا هو دليلهم الذي يهتدون به، وعندها تعمر البلاد وينعم العباد وتنزل الرحمة وتتآلف القلوب بعد الخصام ويتحد السبيل بعد الافتراق وتتقارب العقول والأفكار بعد التشتت. وليحذر أبناء الوطن جميعاً من شهوات السياسة وخداعها.

هذه هي مبادئنا التي نؤمن بها. فما ضرنا – في سبيل مبادئنا وقيمنا – أن نصبر على الأذى والسجن صابرين محتسبين راجين ما عند الله طامعين في نصره وتأييده.

إن الرعاية الإلهية التي نحسها بكل وجودنا، وعدالة قضيتنا من جهة، وصمود وثبات واستقامة شعبنا العظيم من جهة أخرى، تدعونا جميعاً للثبات والصبر والاستقامة، وعدم الالتفات للأماني الزائلة. فالسجن لأجل المبادئ والقيم السامية أحب إلينا مما تدعونا إليه كل الأماني. وما عسى المرء أن يقدم من تضحيات أمام ما يقدمه هذا الشعب العظيم.

إن تلك المبادئ التي استعرضناها تمثل رؤيتنا ونتحمل مسؤوليتها أمام الله سبحانه وأمام شعبنا الصابر العظيم. يقول تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ومستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}. صدق الله العظيم. البقرة، آية 214”.

صادر عن:
عبد الجليل المقداد
سعيد النوري
التاريخ 10 يناير 2013م

زر الذهاب إلى الأعلى