الخطاب الجماهيري لآية الله قاسم في مهرجان المولد النبوي “نتحد لندافع عن الإسلام”

“السياسة الساقطة الظالمة في هذا العالم الإسلامي تقدّم إسلامًا مكذوبًا” 

سار :

ألقى سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، في المهرجان الجماهيري “نتحد لندافع عن الإسلام” الذي أقيم برعاية المجلس الإسلامي العلمائي في مأتم سار الثلاثاء 17 ربيع الأول 1434 هـ الموافق 29 يناير 2013م، خطابًا جماهيريًّا مهمًّا في مضامينه ورسائله :

للمشاهدة :

نص الكلمة :

 

السلام عليكم أيها الأحبة في الله ورحمة الله وبركاته.. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا خاتم النبيين والمرسلين محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

سمعنا كلمةَ الحب، وتحدثت إلينا لغةُ الحب، والذوبان في شخصية رسول الله (ص). وميّتُ القلب هو من لا يحبُّ رسول الله (ص)، جفافُ روحٍ وموتُ قلبٍ وأَسَنُ نفْسٍ؛ كل ذلك هو الخلفية لعدم الذوبان في شخصية رسول الله (ص).

أما الآن فمع الطريق إلى حب رسول الله (ص)، ومع الخلفية العلمية أو شبه العلمية التي تحتم علينا حبَّ رسول الله (ص)، أسئلة معروضة على العقل والوجدان والذوق السليم والتفكير العلمي…

أسأل:
النبيُّ الذي أخرج أمةً من ظلمة عبادةِ الأوثان وعبادةِ الطاغوت إلى عبادة الواحد الأحد الحق، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من ظلمة الجهل والأميّة إلى نور العلم والمعرفة، ودفَع بمستوى العلم في الأرض كلها إلى الأمام، وسبّب لهُ قفزة عالية في المنهج العلمي، قادت أمته ببركتها حركة العلم في العالم ما كانت باقية، ما كانت آخذة بمنهج السماء، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من حالة البلاهة والسذاجة إلى حالة اليقظة والوعي، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من الفزع والخوف إلى الأمن والطمأنينة، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من حالة التمزق والتشظّي والفتن والاحتراب إلى واقع الوحدة والتماسك والتعاون والتراحم، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من واقع الركود والكسل والخمول، وما كان منها من غرق في السلب والنهب والاعتداء إلى واقع الجد والنشاط والعمل الدؤوب المنتج الصالح، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من ظلمة الفقر ومستنقع الحاجة إلى رحاب الغنى وسعة الحال، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من السقوط الخلقي وحالة اللهو والعبث إلى أفق رفيع من الأخلاق الكريمة، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمةً من حالة الفحشاء والتردي الجنسي إلى حالة العفة والنزاهة والانضباط، واستعلت به الأمة حتى على النظرة المحرّمة، كيف هو؟
النبيُّ الذي أخرج أمة من الحالة العدوانية إلى التورّع عن الحرمات وعن كل الحروب الجاهلية، في الدفاع عن التوحيد والعدل وكرامة الإنسان وحريته، كيف هو؟
النبيُّ الذي انشدّت إليه في حياته قلوب الأخيار، وحاربته سيوف الأشرار، كيف هو؟
النبيٌّ الذي ظل أقرب الناس إليه من أهل بيته وأصحابه العارفين به على خط التضحية والفداء من أجل الدين، يعطون كلَّ شيء في حياتهم، يعطون كل ما وهبهم الله من شيء، حتى بعد رحيله إلى جوار ربه، كيف هو؟

النبيُّ الذي يقول بشأن مالك بن عوف – الزعيم المطاع لقبائل هوازند؛ التي حاربته في واقعة حنين، وقد انهزم بعد فشله في الحرب والخسائر الجسيمة التي وقعت بمعسكره، وقد أوى إلى الطائف مع ثقيف -، (قول الرسول ص): “أخبروه أنه إن أسلم رددت إليه أهلَه ومالَه، وأعطيته مئة من الإبل”، كيف هو؟

النبيُّ الذي يتحقق له بفضل ربه نصرٌ ساحقٌ على عتاة قريش من المشركين؛ الذين آذوه وحاربوه وقاوموا دعوته الإلهية بكل الوسائل الممكنة، وسعوا إلى قتله وهجّروه، فيقول لهم وقد أمكنه الله من رقابهم من غير أن يملكو أي مقاومة عن ذلك: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، كيف هو؟

النبيُّ الذي يوجه خطابه إلى أتباعه المحكومين لحكمه، المكبِرين لشأنه، من على منبره الشريف، على مشارف توديعه لهذه الحياة، فيقول: “ألا فمن كنت جلدت له ظهرًا فهذا ظهري فليستقد، ومن كنت أخذت منه مالًا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عِرضًا (يعني مسست شرفه فيما يتراءى له بكلمة تؤذيه، يعني بالعِرض هنا: السمعة وشرف الذات) فهذا عِرضي فليستَقِد، ولا يقول قائل (جملة خبرية مفادها النهي، وهي أقوى من جملة النهي): أخافُ الشحناء من قِبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني، ولا من خُلقي، وإن أَحَبَّكم إليَّ مَنْ أخذ حقًّا كان له علَيّ، أو حللني فلقيت الله (عز وجل) وليس لأحد عندي مظلمة”، كيف هو؟

النبيُّ الذي لازال أعفَّ من في الأرض، وأطهرَ من في الأرض، وأبعدَ من في الأرض عن السقوط في الشبهة، فضلًا عما وضُح قبحُه، هم الأعرفُ به، والأصدقُ في اتباعه، والأهدى في الاقتداء به، والأشد عمقًا في فهم رسالته وسيرته، كيف هو؟

النبي الذي يقول القرآن الكريم؛ الذي لا يغادر خطَّه، ولا يخطو خطوة واحدة إلا على ضوء هداه، وكان الحجة بينه وبين كل من آمن به – الرسول (ص) يحتج على كل أتباعه بالكتاب، ولكل أتباعه أن يحتجوا عليه بالكتاب – وهذا الكتاب الموجِّه لرسول الله (ص)؛ القائد لكل حركة من حركاته؛ يقول: “إنّ اللهَ يأمُرُ بالعدْلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القربى، وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يعظُكم لعلكم تذكرون”، ويقول: “إن اللهَ يأمرُكم أن تؤدوا الأماناتِ إلى أهلِها وإذا حكمتم بين الناسِ أن تحكُموا بالعدلِ”.
ويقول: “ولا يجْرِمنّكم شنآن قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديدُ العقاب”، ويقول: “وإن جنحوا للسّلم فاجنح لها، وتوكّل على الله إنه هو السميعُ العليم”، ويقول: “ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يُثخِن في الأرض تريدون عَرَض الدنيا والله يريد الآخرةَ واللهُ عزيزٌ حكيم”؛ وهي آية تهدف إلى الترفع بالحروب الإسلامية الرسالية الإنسانية عن هدف الأسْر من أجل الفدية أو الاسترقاق مما يدخل في عرَض الدنيا ومنفعتها الزائلة، وتركّز على شد هذه الحروب الرسالية لرسول الله (ص) إلى هدف واحد، وهو غلبةُ دين الله وإعزازُه، والقضاءُ على مقاومة الطغاة له، وقدرتهم على افتتان الناس وصدهم عن ذكر الله.

أما الأسْرُ فإنما يأتي بعد التأكد من إنهاك العدو، وعدم قدرته على المقاومة، لإنهاء الحرب وعدم سفك مزيد من الدماء، ويكون التعامل مع الأسرى إما بالمن عليهم بالحريّة، أو الفداء الذي يدفعونه في قبال حريّتهم تأديبًا لهم وكفًّا عن المعاودة منهم لحرب الإسلام.
نبيٌّ تلك مواقفُه، وتلك تعاليم الكتاب الكريم الذي يقود حياته، وحياة من آمن والتف به وخضع لحكمه، وكان الكتاب الذي يحاسب عليه أتباعه ورباهم على عدم التسامح والتنازل عن تعاليمه، مع أي شخصية مهما سمت، حتى لكان يجتذبه الرجل الجافي من ردائه، فيقول بتوهمه الخطأ من رسول الله (ص) وهو مفارقته مبدأ من مبادئ الكتاب: “اعدل يا محمد”.

وماكان (ص) يعزله عن القاعدة الجماهيرية التي يحكمها، فاصل من قصرٍ أو جندٍ أو غلظةٍ أو عُزلةٍ، حتى يستطيع أن يتستر بمخالفة ما يدعو إليه دستور دولته، وهو القرآن الكريم، من توحيدٍ عمَليٍّ، وعدلٍ وخلُق عالٍ، وتقديمٍ للآخرة على الدنيا.

نبيٌّ هذه مواقفه.. كيف يكون؟
أيكون غير الإنسان الكامل؟
أيكون إلا الإنسان الذي لا يفارق قلبُه ذكرَ الله؟
أيكون إلا الإنسان الذي ترعاهُ عين الله (عز وجل) برعايتها الخاصة، ويتولاه بلطفه، ويحيطه بعنايته، ويمدّه بهدايته، حتى لا يسلمه لحظة إلى وَهْن نفس ووسوسة شيطان؟
أيرتفعُ إنسانٌ كل ذلك الارتفاع، ويرتقي كل ذلك المرتقى، ويكون محكومًا لضعفٍ أو حقدٍ أو حبِّ دنيا، أو غرورٍ أو جهلٍ أو غفلةٍ أو تهوّرٍ أو شهوةٍ من شهوات الدنيا الرخيصة؟

إنه ليستحيل على شخصية تستقيم كلَّ حياتها وتتقدّم كلَّ الآخرين علمًا وخلقًا ومسلكًا قويمًا في كل الطريق وفي كل المنعطفات ومزالق الأقدام، وتستقطب العظماءَ الأفذاذَ الأتقياءَ الأخيارَ من حولها؛ كعلي بن أبي طالب (ع)، ومن دونه من مقاماتٍ إيمانية وفكريّة كبيرة من الصحابة، وتكون مدخولةً في فكر أو شعور أو هدف أو إرادة، أو أن تخالطها الجاهلية أية مخالطة.

ومستحيلٌ أن يكون لها مخبوء سيئ ولا ينكشف منه شيء طولما عاشت بين الناس، وكل عيشها كان تحت المجهر الاجتماعي ومراقبة العيون من محبٍّ ومبغضٍ ومخلصٍ ومنافقٍ، وأكبر من ذلك كله في منطق العقل أن يثبت (القرآن الكريم) المعجِزُ الدائم في ذاته وفي إعجازِه، أن الشخصَ رسولٌ من الله العليم الخبير العزيز الحكيم، فعندئذ لا يتوقف عقلٌ في أن هذا الرسولَ قمةٌ عاليةٌ في كل أبعاد إنسانيته، وأنه معصوم من الزلل.

وأن الأمم الأخرى واللغات الأخرى لا تستطيع اليوم، عدا أفراد متخصصين وموضوعيين منها يهمهم البحث عن الحقيقة، أن تقرأ شخصية رسول الله (ص) القراءة الدقيقة والمنصفة من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة والمنجزات الحضارية الضخمة التي ارتقت بالإنسان وأوضاع الحياة وعمّت الدنيا ببركتها، خاصة في ظل الهجمة الشرسة التي تشنها الطاغوتية في الأرض ضد الرسول (ص) والقرآن والإسلام.

لا تستطيع الأمم الأخرى والشعوب الأخرى، والفاصلة كبيرة بينها وبين اللغة العربية، وفهم القرآن والحديث، وفي ظل التضليل الدائم والتعتيم على أصالة الفكر الإسلامي وإشعاعات السيرة المحمدية، أن تدرك معرفة قريبة من الحقيقة للإسلام والرسول (ص)، لو أدركتها لاستسلمت لعظمة الإسلام والرسول (ص).

إن أسهل طريق اليوم أمام الأمم والشعوب الأجنبية التي لم تدخل الإسلام، لأخذ صورة إيجابية عنه وعن القرآن العظيم والرسول الكريم (ص) هو أن نفهم الإسلام نحن، هو أن تفهم هذه الأمة الإسلام، أن تفهم هذه الأمة الرسول (ص)، وأن تعكس هذه الأمة بواقعها الفكري وبواقعها العملي في الدرجة الأولى، بتقدمها وتخلّفها. ننقل صورة تأخذ بالعالم في اتجاه يضادُّ رسول الله (ص)، يحاربه، أو ننقل صورة إلى العالم تجتذب العالم إلى رسول الله (ص) والإسلام.

هذه مسؤوليتنا، هذه مسؤولية الأمة
على الأمة أولًا أن تُخلِص في الوصول، في محاولة الوصول إلى فكر رسول الله (ص)، إلى حقيقة رسول الله (ص)، أن تبذل الطاقات الكبيرة متواصلة في سبيل أن تقترب بفهمها من الفهم الذي عليه رسول الله (ص) في هدفها، في رؤيتها، في تصوّرها عن الإسلام، في ما كان عليه (ص) من صورة رائعة، من صورة فوق ما نتصوّر ، في ما كان له من فهم الإسلام، واستيعاب الإسلام. الرسول هو الإسلام والإسلام هو رسول الله (ص).

نفهم الإسلام، نفهم الرسول (ص)، نعطي صورة حيّة في وجودنا، في حياتنا، في يومياتنا، في كل مساحات الحياة عن الإسلام وعن رسول الله (ص)، نكون الأمة الأرقى، الأمةَ الأكثر تماسكًا، الأمةَ الأهدى، الأمةَ الأكثر تقدّمًا في العلم، الأمةَ الأكثر تقدّمًا في الاقتصاد، الأمةَ الأكثر تقدّمًا في كل جوانب الثقافة المُجدِية، الأمة الأكثر تقدّمًا في الصناعة، في الزراعة، في كل ما يثري هذه الحياة، في كل ما يرفع من مستوى الإنسان، في كل ما يشهد على قدرة هذا الإنسان، على عظمته، على سموه، على مكانته المتميزة.

حين تصير الأمة إلى هذا الواقع، فلتتوقف أقلام الدعوة إلى الإسلام، ولتتوقف الألسنة عن الخطابات البليغة، إن هذا الواقع سيقدم الإسلام في الصورة التي تجعل العالم، شعوب العالم، ومستضعفي العالم، والمنصفين في العالم، يتهافتون على الإسلام.

إنها لمسؤوليتنا أيها الأحبة
مسؤوليتنا ونحن ننتمي، نريد أن نقول: إننا ننتمي بصدق إلى الإسلام وإلى رسول الله (ص)، علينا ألا يكون أحدنا أميًّا وهو يستطيع أن يتعلم بعض كلمات، علينا ألا يقف أحدنا على مستواه العلمي عند الحد الذي هو عنده، علينا ألا يقف أحدنا بمستواه الاقتصادي ما دام يجد سبيلًا إلى الارتفاع بمستواه، علينا أن نكون الأكثر إلمامًا بثقافة العصر النافعة، علينا أن نكون الأشدَّ تسامحًا في مبدئية، والأشد مبدئية في تسامح، علينا أن نطالب بالحياة السياسية الراقية المنصفة.

علينا أن نري أجيالنا الجديدة قبل الآخرين إسلامًا جذّابًا، إسلامًا يرقى بالحياة، إسلاما تزهو به الحياة، إسلامًا تتقدم به الحياة، إسلامًا يرتفع بمستوى الإنسان، يُري من هذا الإنسان صورة ملَك في الأرض، يُري من الإسلام عدلَه، يُري من الإسلام عِفتَه، يُري من الإسلام صدقَه وأصالتَه، يُري من الإسلام قدرتَه على الفاعلية والمُحرِّكية.

علينا أن نعطي صورةً عمليّة للإسلام، تتحدّثُ حقًّا عن الإسلام الحق، لو فعلنا فإننا سنستريح كثيرًا في أمر تربية أجيالنا القادمة، وسيسألنا العالم عن أن نقدم له مزيدًا من أهل الإسلام، وأن نقدّم له مزيدًا من وعي الإسلام، ولن نستطيع أن نحارب الطغاة الذين ينازلون الإسلام من بين الأمم الأخرى، فإن الشعوب ستكونُ متولّهة بالإسلام، منشدّةً إليه، مدافِعةً عنه.

إنَّ الإساءة لرسول الله تبتدئُ منا
وإنَّ الإخلاصَ لرسول الله (ص) والوفاءَ لرسول الله (ص) ومعرفةَ قدر رسول الله (ص) يبتدئ منا، إذا جهلنا رسول الله (ص) كان الآخرون أولى بجهله، وإذا فارقنا أخلاق رسول الله (ص) وعاكسناها شوهنا شخصية رسول الله (ص) في نظر الآخرين.

السياسة الساقطة الظالمة في هذا العالم الإسلامي تقدّمُ إسلامًا مكذوبًا، وتقدّمُ رسولًا مفتريًا، وحاشى رسول الله (ص). الاقتصاد المتخلف، الثقافة المتخلفة، التخلف في الناحية الصحية، التخلف حتى في أمور النظافة، في أمور ترتيب المدن، أي تخلف من هذه التخلفات، تسيء للإسلام، وتنقل صورة جائرة ظالمة عن الإسلام وعن رسول الله (ص) إلى الأمم الأخرى.

إن أردنا أن نحسن لأنفسنا فعلينا أن نفهم رسول الله (ص) ونأخذ بسيرته، حين إذن سنرقى، حين إذن سنكون الأمة الرائدة، الأمة المعشوقة للأمم الأخرى، نحسن لأنفسنا بهذا، ونحسن لرسول الله (ص) وأهل الإحسان، ونحسن لإسلامنا.

سقوط هذه الأمة سقوط لكل الأمم
نهوض هذه الأمة نهوض لكل الأمم، إذا أشفقت هذه الأمة على نفسها، وإذا أشفقت على الإنسانية كلها، فعليها أن تكون المسؤولة الأكبر تجاه الإسلام بمعرفتها الإجمالية به، بشيء من عظمته، عليها وهي تتحمل هذه المسؤولية أن تكثف الجهود في فهم الإسلام، والالتحام الفكري والشعوري والعملي بكل قيمة من قيمه، بكل حكم من أحكامه، بكل مفهوم من مفاهيمه، بكل رؤية من رؤاه، بكل هدف من أهدافه. هذا هو الطريق لإنقاذ الأمة، وهذا هو الطريق لإنقاذ البشرية جمعاء.

وإذا كان هناك من يفكر في وحدة الأمة فإن من بين ضرورات وحدةِ أي جماعة وأي أمة أن تكون على فهم واحد من مرتكزات وجودها، من مرتكزات هويتها، الفكر الواحد هو منطلق الوحدة، والفكر المتشتت المتكثر هو منطلقُ الشتات والفرقة.

إن أمر الوحدة يتطلب فيما يتطلب أن تنصب جهودٌ مخلصة من أعلى كفاءات الأمة على دراسة موضوعية مشتركة لثوابت الإسلام، لما عليه شخصية رسول الله (ص)، نحن عندنا قائد واحد يرجع إليه كل القادة فيما يدّعون، وترجع إليه كل الزعامات وحتى الحكومات فيما تدعي، فيما قد تدعيه.

كلمةُ حرامٍ عند رسول الله (ص)، إذا تبينت كلمة من رسول الله (ص) ثبتت عنه (ص)، كلمة أن هذا حرام، أن هذه السياسة خطأ، أن هذه السياسة هي الصحيح، كان على الطالبين للإسلام من علماء الأمة ومن جماهير الأمة، كان عليهم أن يصلوا في الأمر إلى قناعة تامة، إلى أن تقودهم هذه الكلمة على المسار الذي تحدده.

هذا غنى، هذا سبب وحدة كبير، لكن تجدون أنه في أحيان كثيرة أن علماء الأمة قد يختلفون على: ما هو الصحيح في أمر السياسة وما هو غير الصحيح، في أمور هي بديهيات من بديهيات الإسلام. والحكومات الظالمة في الأمة الإسلامية لا تعوزها الفتاوى التي تدعم سياساتها، ما من حكومة إلا ولها علماء سلاطين وعلماء بلاط تصحح فتاواهم لها ما تريد.

وجود، كيان علمي من أهل التقوى، ومن أعلى الكفاءات العلمية، من كل علماء الأمة في كل مذاهبها، يقودهم بحث علمي مشترك إلى قناعات قائمة على دراسة وتحقيق وتبادل رأي، في أمور لازالت تقسم هذه الأمة، سيكون في ذلك سبب قوي وقاعدة متينة لانطلاقة مسيرة الوحدة في الأمة.

أكرر هذه الفكرة بعد حديث في توبلي
هذا يتطلب من الأمة، من علماء الأمة في مستوياتها الثانوية ومن الجماهير الواعية للأمة، أن لا تعطي فرصة لفتويَين؛ فتوى من قاصر لم يبلغ الحدّ العلمي، محلّق، الذي يجعله من الطراز الأول من علماء الأمة، من الصف الأول من فقهاء الأمة، وقادتها الفكريين عن خط الإسلام، لا تعطي ولا تسمح لفتوى من قاصر أن تأخذ مجراها في الأمة، ولا لفتوى عالم من علماء السلاطين، وذلك بأن يجمع علماء الأمة المعروفون بالنزاهة بالتقوى بالكفاءة العالية على أن يقوا الأمة أن تنفذ في صفوفها فتوى من هاتين الفتويَين.

وحين يتوحد الرأي المنسوبُ إلى الإسلام، عند أفراد هذا المستوى العلمي المتقدم والمتميز بنزاهته وتقواه، فإن فتاواه لن تقدَّمَ عليها فتاوى، ولن تزاحمَها فتاوى، ولن يترددَ الناس ولن تتردد جماهير الأمة في الكثير منها بين هذه الفتوى وتلك الفتوى، التقديم سيكون دائما إلى لفتوى الصفوةِ والنخبةِ من كبار علماء المذاهب، حين يأتي رأيهم مشتركًا.

اللهم ثبتنا على الإسلام، ونوّرنا بنور الإيمان، ولا تفرّق بيننا وبين خط رسول الله (ص).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى