خطبة الجمعة (531) 15 محرم 1434هـ ـ 30 نوفمبر 2012م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: الراحة والرضا

الخطبة الثانية: واقع الساحة العربية

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل الدُّنيا محلًّا لابتلاءِ عباده، وَلِيتّخذَها أهلُ طاعته متجرًا، وأهلُ معصيته مُبتغى، وجَعَلَ الآخرة مَحِلًّا لثواب أوليائه، وميعادًا لعذاب أعدائه. وجَعَلَ الحياةَ الدُّنيا بين نَصْبٍ وراحة، وسعادة وشقاء، وجَعَلَ الآخرةَ راحةً لا يُمازجها تعب، وسعادة لا يُخالطها شقاء لِسُعدائها، وَرَهَقًا بلا راحة، وشقاءًا بلا سعادة لأشقيائها، ولا يظلم ربُّك أحدًا.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.
عبادَ الله إنَّ للإنسان حياةَ بدن، وحياةَ قلب، وهو مسؤولٌ عن الحفاظ على حياته كُلِّها، وهو بحياة قلبه أكبرُ منه بحياة بدنه، وإنّما كانت الثّانية من أجل الأُولى، ولِتُصرَف في تنمية حياةِ القلب ليزداد معرفةً بالحقّ، وعِشقًا لله، وتعلُّقًا به، وانشدادًا إليه، وخضوعًا له، واشتغالًا بذكره، وتلذُّذًا بمناجاته مما يسمو به، ويمدّه بالنّور، والهدى، ويُربّي فيه ملكاتِ الخير، ويُكسِبه الجمالَ، ويوفّر له السّعادة.
فإذا كانت حياةُ الأبدان غاليةً فحياة القلوب أغلى، وإذا وجب الحفاظ على الأُولى كان الحفاظ على الثانية أوجب، وإذا كان للأولى أهمية، فأهمّية حياة القلب أعظم. وما سيبقى للإنسان إنَّما هي حياة قلبه، أمَّا حياة الأبدان فتزول.
والحفاظ على حياة القلب، وتنميتها وتزكيتها ورقيّها ورشدها وهداها لا سبيل له إلّا بتقوى الله والأخذ بطاعته، والتزام منهجه، والاقتباس من نور هُداه.
اللهم إنّا نعوذ بك من أن تسكُنَ قلوبُنا ظلمة، أو يغشاها سواد، أو يجدَ فيها ضلالٌ له مستقرًّا، أو إليها منفذًا وسبيلًا.
أعِذنا ربّنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات من كلِّ ذلك، واغفر لنا ولهم ولوالدينا، وأرحامنا، وأزواجنا، وأصدقائنا، وأهل الفضل علينا ممن علّمنا علمًا نافعًا وأَرْشَدَنا إلى خير من مؤمن ومؤمنة، ومسلم ومسلمة يا أرحم الرَّاحمين، وأكرم الأكرمين.
أما بعد أيّها الإخوة والأخوات في الله فالحديث في موضوعٍ عنوانه:

الرّاحة والرّضا:

للبدن صحّةٌ وسقم، وراحةٌ وتعب، ومن راحة البدن ما ينقلب سوءًا ومرضًا، ويُكسب النَّفسَ سآمة ومللًا، ويكون مضيعةً للحياة.
وإنما تحسن راحة البدن بعد تعبه، وحين تكون بمقدار، وإذا طالت أضرّت بالشّعور، وبه معًا، وسبَّبت الكآبة.
أمَّا راحة القلب فشعوره بالطّمأنينة والأمن والسّكينة، وتعبه بأن يستولي عليه القلق والاضطراب والهلع والخوف، والوحشة من الحياة(1).
ولا سعادة لقلب يستولي عليه كلّ ذلك، وما فَقَدَ السعادة من غمرت قلبه السكينةُ، والأمن والاطمئنان في غير وَهْم.
ولراحة القلب أسبابٌ منها ما هو أعمق وأشمل من بعض. وسرّ راحة القلب شعوره بالرّضا بالوجود والحياة، وما يجري به القدر، وما عليه الأوضاع، والحال التي هو فيها، وما ينتظره في مستقبل الأيام، وعلى خطّ الأبد(2).
فبقدر ما يكون له من هذا الرّضا، يجد من الشّعور بالراحة والأمن والطمأنينة والسكينة، وبقدر ما يكون له من فقده، وبدرجة ما يسكنُه من سَخَطٍ على القدر وعدم رضا بسير الوجود والحياة، وابتئاسٍ من الأوضاع يشعر بتعب القلب واضطرابه وفزعه.
الزّواج الناجح يُوفِّر رضًا، ويُوفّر راحة قلب “الزوجة الموافقة إحدى الرّاحتين”(3) كما عن الإمام عليّ عليه السلام، حُسْن التقدير للإمكانات والفرص، وتوفير الأسباب المطلوبة لتحقيق الأهداف، والتحرُّك العمليُّ في ضوء التقدير الدّقيق لهذه الأمور، وما تتطلّبه الأهداف من مستوى الاستعداد، وبناء المواقف في ضوء ذلك سببٌ من أسباب الرّضا والرّاحة للقلب، فعن الإمام عليّ عليه السلام:”أفلح من نَهَض بجناح، أو استسلم فأراح”(4) والاستسلام هنا استسلام في بناء الموقف لما يُناسب حجم الإمكانات والقدرة التي لا بُدّ لها من رفع مستواها واستكمالها لتكون متناسبةً مع المطمح الكبير المتعلّق بالدّرجة العلميّة أو المستوى الماليّ أو غيرهما من مطامح الأفراد والمجتمعات(5).
تحقُّق أمنية من أماني الإنسان في هذه الحياة يُمكن أن يعطيه رضا عن حقٍّ أو غير حقٍّ لوقت قد يطول وقد يقصُر، وهو بذلك يُريح قلبه إلى وقت(6).
وكلّ رضا تخلقه هذه المناسبات هو رضا نسبيٌّ يمكن أن تعيش معه النفس مضايقات كثيرة من جهات أخرى، وقد تُذهِب تلك المضايقات أثرَه.
ومع صحوة النفس، وتنبُّه القلب، وعدم الوقوع تحت تأثير الغفلة وتخدير المشاعر مَنْ ذَهَبَ به وهمُه إلى عبثيّة الحياة، وخلوّها من الهدف الصالح(7)، والغاية المقبولة، وفَقَدَ الإيمانَ بحكمة الأقدار، والعدل في التّدبير الكونيّ، وما يتّصل بحياة الإنسان، وما تشهده من خيرٍ أو شرّ، ونفعٍ أو ضرّ لم يكن أمامه من فرصة ليفِرّ من قلقه واضطرابه وبؤسه إلّا أن يُحاول الهروبَ من صحوة الشّعور وإن كان له ماله من نِعَمٍ ونجاحات وفُرَص من فرص هذه الحياة(8).
ولا يرضى إنسان منتبه بشيء رضا من آمن بالله، وعدله، وحكمته، وحسن تقديره، ولطفه ورحمته، وأنَّ القَدَر الإلهيّ الذي يحكم الكون والحياة إنما منطلقه العلمُ والعدلُ والحكمةُ واللطفُ والرّحمةُ والإحسان.
ولا واقي من تأثير الخسائر والنوائب والكوارث التي تَمَسُّ أوضاع الحياة عند الإنسان وتُهدِّدها بتحويله إلى إنسانٍ ساخط، مغلوب ليأسه، فاقد لشعوره بقيمة الوجود، والحياة، وقيمة ذاته، وأيّ أمل في المستقبل أكبر من ذلك الإيمان(9)، ولا يمكن أن تقوم نفس، ويصمد قلب أمام بعض أعاصير الحياة بعيدًا عن ذلك المعتقَد(10).
ومن كان له معرفة حقّ بالله عزّ وجلّ كان له ذلك الإيمان، ومن أخطأ معرفة ربّه سبحانه دَخَلَه الشكّ في قضائه وقدره وعلمه وحكمته.
وبالإيمان بالله وإحاطة علمه، وواسع قُدرته، وبلاغة حكمته، وجميل تقديره، وبالخضوع لأمره ونهيه، والإخلاص في طاعته يتمُّ رضا النّفس، وراحة القلب، والسّعادة المطلوبة.
عن الإمام الصَّادق عليه السلام:”الرَّوح والرّاحة في الرّضا واليقين، والهمّ والحزن في الشكّ والسُّخط”(11).
وعن الإمام عليّ عليه السلام في وصف السالك إلى الله:”تدافعته الأبواب إلى باب السَّلامة، ودار الإقامة، وثبتت رجلاه بطُمأنينة بدنه في قرار الأمن والرّاحة بما استعمل قلبه، وأرضى ربّه”(12).
وفي الحياة متّسع للرَّاحة أوسعُ طُرُقِه الإيمان، ولكنَّ الرّاحة في الدّنيا دون الراحة في الآخرة لمن عَمِلَ لها، فمحلُّ الرّاحة التامّة الشّاملة الدّائمة إنما هي الحياة الأخرى لأنها حياةٌ بلا منغّصات، ولا مكدِّرات، ولا مضايقات في أيّ ناحية من النّواحي، أو بُعدٍ من الأبعاد.
عن الإمام زين العابدين عليه السلام لرجل من جُلسائه:”اتق الله وأجمِل في الطلب(13)، ولا تطلب ما لم يُخلق… فقال الرجل: وكيف يُطلب ما لم يخلق؟! فقال: من طلب الغنى والأموال والسّعة في الدّنيا فإنما يطلب ذلك للراحة، والرّاحة لم تُخلق في الدنيا، ولا لأهل الدّنيا(14)، إنّما خلقت الراحة في الجنّة، ولأهل الجنّة”(15).
وعن الإمام الصادق عليه السلام لما سُئِل عن طريق الراحة:”في خلاف الهوى. قيل: فمتى يجد عبد الرّاحة؟ فقال عليه السلام: عند أول يوم يصير في الجنّة”(16).
متابعة الهوى تُتعِب في الدّنيا، وتسبّب للقلب الحسرات، والهوى لا يقف في مشتهياته وأمنياته ما يُمكن منها وما لم يُمكن عند حدّ، ومستحيل أن يتحقَّق لمن يحكمه هواه كلُّ ما يُريد، وبذلك تكثر منه الهموم والحَسَرَات، ويفتقد الرّضا، ولا راحةَ في نظرة ساخطة للحياة.
وفي مخالفة الهوى سدٌّ لباب واسع من أبواب القلق والاضطراب الذي يُتعب القلب، ويسلبه لذّة الحياة، وفتحٌ لبابِ رضًا وراحةٍ للقلب، ومتعةٍ بالحياة.
أمّا الرّاحة على حقيقتها التامّة، الشّاملة، الدّائمة، الثّابتة فلا محلّ لها إلَّا الآخرة.
وعن الإمام الصادق عليه السلام لأصحابه:”لا تتمنّوا المستحيل، قالوا: ومن يتمنّى المستحيل؟! فقال: أنتم، ألستم تمنَّون الرَّاحة في الدنيا؟ قالوا: بلى، فقال: الرّاحة للمؤمن في الدّنيا مستحيلة”(17).
وذِكْرُ الإمام عليه السلام لعنوان المؤمن في هذا الكلام لا يعني أنَّ الرّاحة التامة مستحيلة في الدّنيا على المؤمن، أمّا الكافر فممكن له أن يجدها فالتعبير لا يُعطي هذا المعنى في الفهم الصحيح(18).
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم اجعلنا من أهل خاصّة رحمتك في الدّنيا والآخرة، وممن وقيتهم شرّ الدارين، وجعلتهم من أهل المنازل الرّفيعة في الجنّة إنك أنت اللطيف، الرّحيم، الكريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(19). 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يثلم العطاءُ مُلكَه، ولا تزيده عزّةً طاعةُ العباد له، ولا ينقصها شيئًا معصيتُهم لأمره ونهيه، ولا يطاله جبروتُ جبّار، ولا يناله قهرُ قاهر، وكلُّ شيء مجبور لجبره، مقهور لقهره، محكوم لحكمه، جارٍ عليه أمرُه، خاضِعٌ لمشيئته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وزادهم تحية وبركة وسلامًا.
عباد الله علينا بتقوى الله، وأن نُجاهِدَ النفس على أن تعدِل قبل أن تُطالب بالعدل، وأن لا تظلم قبل أن تشكوَ من الظّلم، وأن لا تُعين على ظلم أحدًا، أو تسكت ما استطاعت الإنكار على ظُلْم أحد.
وما من نَفْسٍ خرجت من هذه الحياة بمظالم العباد إلاّ وكان موقفها يوم القيامة موقفًا عسيرًا، وحسابها حسابًا شديدًا، وقد يأتي الاستيفاء منها بعدل الله على كلِّ حسنةٍ أتتها، فإذا نَفَذَت حسناتها جميعًا أُضيف إليها من سيّئات من ظَلَمَت؛ وأوزار من ناله منها العدوان. وويل لنفس تصير هذا المصار، وتنتهي لهذه العاقبة.
ربّنا اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرّحيم.
نعوذ بك ربّنا من أنْ نقترفَ ظلمًا، أو نبتغيَ في الأرض فسادًا، نعوذ بك مِنْ أنْ نظلِم أو نُظلَم، أو نذِلّ أو نُذَلّ، أو نَضِلَّ أو نُضِلّ، أو نجهل أو يُجهل علينا يا عزيز يا رؤوف، يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين الصَّادق الأمين، وعلى عليٍّ أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزّهراء الصّديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن عليّ الزّكي، والحسين بن عليّ الشّهيد، وعليّ بن الحسين زين العابدين، ومحمّد بن عليٍّ الباقر، وجعفر بن محمد الصّادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعليّ بن موسى الرِّضا، ومحمد بن عليّ الجواد، وعليّ بن محمد الهادي، والحسن بن عليّ العسكري، ومحمّد بن الحسن المهديّ المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا مقيمًا.
أمَّا بعد أيها المؤمنون والمؤمنات الأعزّاء فإلى االعنوان الآتي:

واقع الساحة العربيَّة:

واقعٌ سيّء، مخوف، منذر بتفجّرات خطيرة.
واقعٌ يعيش حالة من الانقسامات المتعدّدة، والتفتّت الاجتماعي.
لا يكاد شعب من شعوب هذه الأمّة يلتقي مع حكم بلده في رأيٍ أو طرحٍ وتوجّه سياسي، أو يرضى عن نوع العلاقة معه.
وعلاقة الحكومات مع بعضها البعض تحكمها الصّراعات المكشوفة أو نار تحت الرّماد.
والعلاقة داخل الشّعب الواحد أسيرةٌ هي الأخرى لحالة من الانقسامات الحادّة والتوتّرات الملتهبة، وتتأجّج فيها روحُ الصراع كما في حالة مصر وتونس وليبيا وسوريا ولبنان وغيرها.
ولعلّ العلاقات الشّعبية في البحرين بِرَغم الواقع التعدّدي هي من أهدأ وأفضل العلاقات التي تعيشها شعوب الأمّة في داخل كلٍّ منها رغم المحاولات الحثيثة التي يدأبُ عليها الإعلام المرئيُّ والمسموع والمقروء بدفع سياسي، وتصرّ عليها أعمدة مخصّصة في صُحُفٍ يوميّة للأخذ بهذا الشعب في اتّجاه الانقسام الحادّ، وحالة الاحتراب التي لا ترحم.
وفي زحمة الصِّراعات المتعدِّدة والتطرُّف في حالة الإرهاب، وضغوطات الواقع المرّ تضيع موازينُ الدّين والقِيَم والضمير الإنساني، وتختفي لغةُ العقل، وتسفُل الوسائل، ويُنسى الحقّ والعدل، وتتقطّع الأرحام، وتتوزّع الأوصال، وتَجُنُّ العواطف، وتتدنّى قيمة الإنسان، ويرخص الدّم في لغة العدوان، وتفتقد الأعراض حرمتَها في المواجهات الدَّامية.
المعركة في السَّاحة العربية معركة واسعة، وكأنّها طويلة الأمد وللأسف الشديد، وتُدار بأيد خارجية وأدوات من الداخل من أنظمة سياسية يرتبط وجودُها بالخارج، ولا تجد لها رصيدَ بقاءٍ في الأمّة، وجماعات عميلة ارتباطها نفس الارتباط، وأخرى من صناعة إسلامية لكن فاتها من الإسلام ما فاتها.
وفي البحرين مشكلةٌ سبّبتها السياسة الاستبدادية، والظلم السياسيّ الفاحش، وتهميش الشّعب، وهي التي لا زالت تصرّ على إبقائها، وتغذيتها، وإلهابها وتوسعتها، وترفض الحلّ الذي يخرج بهذا الوضع العامّ من دوّامة الصِّراع.
الرموز المنتسبون للحراك الشعبي من جمعيات سياسية، وأفراد يُعلنون لمرات رفضهم للعنف من كلّ الأطراف، وينادون بالتزام المنهج السّلمي، والحكومة تُمعِنُ في ممارسة العنف، وتتمسك بلغة الإرهاب قولًا وعملًا.
الجمعيات تدعو للإصلاح، وتُقدّم رؤية واضحة لما ترى فيه حلًّا في هذا الاتجاه، والإجابة على هذا الطّرح ممارسات من الحلّ الأمني القاسي على الأرض على يد الجهة الرسمية، واستمرار في انتهاك حقوق الإنسان، وتوسُّعٌ في بعض صوره.
لقد أعقبت تجربة العكر المرّة التي جسّدت مثالًا صارخًا على العقوبة الجماعية، والاستهانة البالغة بحق المواطنة وكرامة الإنسان، تجربة قاسية أخرى هي التي مُورست في حقّ المهزّة وطال أمدها، وقد عجّت بعددٍ هائل من الاقتحامات والمداهمات في الساعات الأخيرة من الليل وفي صورة مخِلّة بالدين والخلق والحياء وحتّى القانون كما تفيده البيانات المتعلّقة بوصف الأهالي من أهل القرية نفسها.
وانضاف إلى مشهد العنف الرّسمي والتضييق على الحرّيات الملاحقات غير الدينية، وغير القانونية لشعيرة محرّم هذا العام بصورة مبالَغٍ فيها، وبأساليب استفزازية متعدّدة، ووصل التّجريم والإدانة للنُّطق بآية من آيات الكتاب الكريم، أو رواية تاريخيّة من روايات ثورة كربلاء، أو شعار من الشّعارات المأثورة عن الإمام الحسين عليه السلام.
كان المناسِب بعد صدور وثيقة اللا عنف من قِبَل الجمعيات السياسية المعارِضة بل قبل ذلك أن تصدر وثيقة مماثلة من قِبَل السلطة تخاطب قوات الأمن، وكافّة الأجهزة الأمنية والمعذِّبين والمهاجِمين للبيوت الآمنة في السّاعات الأخيرة من الليل، والذين يُغرقون المناطق السَّكنية بالغازات السّامّة والخانقة ولو من غير سببٍ أصلًا.
ولكن لا شيء من ذلك واقعًا، والأمر جارٍ على خلافه.
كان المناسب واللائق أن توصيات لجنة تقصّي الحقائق المستقلّة والتي قد تعهّدت الحكومة بتنفيذها قد أنجز تنفيذُها مهمَّةَ المحاسبة والمعاقبة للمعذِّبين ومصدّري الأوامر بالتعذيب والقتل، وأنهى ظاهرة المداهمات الليلية لبيوت الآمنين في صورتها الخارجة على مقرَّرات الدين والخُلُق والقانون، وأعاد كلَّ المفصولين إلى مواقعهم، وأخلى السّجون من كلّ المحكومين باعترافات أُخِذت تحت التعذيب، وسهّل خروج المسيرات الاجتجاجية السِّلميّة من دون مشاكل وعراقيل وملاحقات وعقوبات(20).
ولكن لا شيء من ذلك واقعًا، والأمر جارٍ على عكس ذلك. وقد عاد انتزاع المرأة في ظلمة الليل من فراشها ومن بين أهلها إلى المعتقل، عاد هذا إلى الواجهة من جديد(21). وفي مصادمة شديدة لهذه التوصيات تمّ منع المسيرات والتجمّعات ومطلق صور الاحتجاج.
أليس في ذلك كلّه ما يكشف ويُؤكّد النيّة الرسمية، والتصميم الرّسمي، وتوجّه السّياسة الرّسمية، وبخطوات عملية ملموسة على إبقاء مشكلةِ هذا الوطن بكلفتها الباهظة على كلِّ وجوده وفئاته، وحاضره ومستقبله، وثروته وإنسانه؟!
هناك تخفيف لِمُدَد السجن التي حكم بها عدد من الإخوة الأعزّاء في جمعية العمل الإسلامي – أمل -.
وهذا جميل لو لم يكن الحقّ والصّحيح أن لا يبقى واحد منهم أو من غيرهم من سجناء الرأي في السجن يومًا واحدًا لتعبيره عن رأيه السياسي بطريقة سلميّة وهو حقّ مكفول دينًا وحسب الميثاق والدّستور المختَلف عليه وحسب كل الموازين والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان.
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرّحيم.
ربّنا إليك مفرُّنا، ولجأنا يا من لا مفرَّ ولا لجأ إلاَّ إليه، يا من علمه بالحال يُغني عن السؤال.
اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، وفكّ أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، وردّ غرباءنا في خير وسلامة يا أرحم الرّاحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون (22).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – وحين تسقط قيمة الحياة في نفس تشقى تلك النفس، وحين تفقد الحياة هدفها في نفس تسوء في تلك النفس الحياةُ، وتسقط النفس في نظر نفسها.
2 – للإنسان فكر يمتدّ إلى الأبد، كما يمتد إلى الأزل. وراحة لحظة لا توفّر الراحة الكاملة للإنسان حينما يمتدّ نظره إلى مصيره الأبدي.
3 – مستدرك الوسائل ج14 ص172 ط2.
4 – نهج البلاغة ج1 ص40 ط1.
5 – إذا كان طموحك كبيرًا فابنِ نفسك كبيرًا، وابن إمكاناتك كبيرة حتّى تكون منسجمًا مع حجم طموحك. ويقتل نفسه من كانت له طموحات كبيرة لكنّ الهمّة العمليّة والتحرّك العملي يُعاني من محدودية كبيرة وعجز. ادرس إمكاناتك في ضوء ما تحدده لك من هدف، فإذا كانت إمكاناتك أصغر من هدفك فعليك أن تبني إمكاناتك قبل أن تتحرّك على طريق الهدف.
6 – تحقُّق أي أمنية يتمناها الإنسان يُعطيه راحة قلب إلى وقت، قد يطول هذا الوقت وقد يقصر.
7 – هناك إنسان مُخدّر، تحت تأثير المال، تحت تأثير المخدّر المعروف، تحت تأثير الجاه.. إلخ، لاهٍ عن المصير، لاهٍ عن التفكير في قيمة الحياة، هذا وضع، ووضعٍ آخر إنسان ملتفت إلى الحياة، ملتفت أن هناك مصيرا بعيدا ينتظره أو لا، هناك مصير بعيد ينتظره أو لا، إلخ، هذا إذا ذهب به الوهم إلى أن الحياة عبثية، لا هدف لها، ماذا يكون حاله؟
8 – باختصار شديد: كلُّ نعيم الحياة لا يوفّر لك اطمئنان قلب، وراحة نفس إذا كنتَ تنظر إلى أن الحياة لا هدف لها، وأنها محكومة للعبثية.
9 – ماذا يقينا من تأثير الكوارث والخسائر والنوائب وأعاصير الحياة؟ يقيكَ من أن تفقد شعورك بقيمة الحياة وبقيمة نفسك، ومن كل هذا ومثله أن تكون على إيمانٍ بالله، بحسن القدر، بحكمة الله عزّ وجلّ ولطفه.
10 – هناك أُناسٌ لهم قلوب جَلِدة، قلوب قويّة، صُلبة، تتحمّل الكثير مما لا تتحمله قلوب أخرى، ولكن الواحد منهم يصل إلى نقطة لابد أن يذوب قلبه فيها أمام إعصار أكبر من كل طاقته. ماذا يحمي هنا؟ لا يحميه إلا إيمان صادق بالله سبحانه.
11 – بحار الأنوار ج68 ص159 ط3 المصححة.
12 – نهج البلاغة ج2 ص204 ط1.
13 – يعني طلب الدنيا.
14 – الذين يعشقون الدنيا، ويعبدون الدنيا.
15 – الخصال للشيخ الصدوق ص64.
حتّى أهل الجنّة راحتهم الحقيقية أين؟ في الجنّة، وليست في الدنيا. لئن استراحوا في دنياهم في جوانب معنوية فهم لا يستريحون في الكثير من الجوانب المادية.
16 – تحف العقول ص370 ط2.
الرّاحة التامّة الحقيقية الشاملة المستوعبة يجدها في أول يوم يدخل فيه الجنّة.
17 – بحار الأنوار ج78 ص195 ط3 المصححة.
18 – كلام الإمام صحيح أنه يتحدث عن المؤمن وقد اتّخذ منه موضوعًا، لكن هذا لا يعني أن الراحة مقسومة بين المؤمن والكافر، وأن الراحة في الآخرة للمؤمن، والراحة التامة للكافر في الدنيا، لا راحة تامة في الدنيا لا لمؤمن ولا لكافر.
19 – سورة التوحيد.
20 – كان المنسجم، كان الطبيعي، كان المناسب أن يحدث كل ذلك.
21 – هتاف جموع المصلين (هيهات منا الذلّة).
22 – 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى