خطبة الجمعة (526) 10 ذو الحجة 1433هـ – 26 أكتوبر 2012م

مواضيع الخطبة :

 

الخطبة الاولى : الأسرة في الإسلام 

الخطبة الثانيةمع ماذا، وضد ماذا؟ 

 

الخطبة الأولى

       الحمد لله العليم بكلّ سرٍّ وعلن، وباطن وظاهر، وغابر وقادم، ولا غيبَ في حقّه سبحانه، فكلّ شيء حاضر عنده علمًا، مملوك لقدرته، محكوم لتدبيره، خاضع لمشيئته، مقهور لإرادته، داخل في سلطانه.

       الحمد لله حمدًا ليس مثلَه حمد، ولا يُقدَّرُ بحدّ، ولا ينتهي بأَمَد، أكمل حَمْد، وأنقى حَمْدٍ، وأجلَّ حَمْد.

       أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمًا كثيرًا كثيرًا.

       عباد الله من حقّ الله تبارك وتعالى أن يُقدَّمَ الخوفُ منه على كلّ خوف. والخوفُ من الله عزّ وجلّ إنما هو خوف من قدرته وعلمه وعدله، والله أجلُّ من أن يظلم أحدًا، أو يحتاجَ إلى ظلم أحد حتّى يخاف ذلك منه.

       ومن حقّ الله أن يُرجى أكبر من كلّ رجاء، وأن يُتّقى أشدّ تقوى، وأن لا تُزاحِمَ طاعتَه طاعةٌ، وأن لا تُرتكب معصيتُه تحاشيًا من أيّ معصية.

       وهو القائل في كتابه العزيز محذِّرًا عباده:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}([1]).

       اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       أما بعد أيها الأعزّاء من المؤمنين والمؤمنات فهذه هي الحلقة الخامسة من الحديث في موضوع: الأسرة في الإسلام:

       والحديث في هذه الحلقة تكملة لما جاء في الحلقة السّابقة بشأن الوسائل التي تقي كيان الأسرة من التصدّع، والاهتزاز، والقلق، والانهيار، وتضعها على طريق السّعادة المنشودة لها، وتحقيق الأهداف المبتغاة منها.

       ويأتي من هذه الوسائل والأساليب:

  1. التعاون في الخدمة:

أعود بالحديث إلى هذا الأسلوب البنّاء الواقي لما للأحاديث من تركيز عليه، وإعطائها له قيمة دينية عالية من خلال ما تذكره له من أجر عظيم.

في حديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله خاطب فيه الإمام عليًّا عليه السلام:”يا عَلِيُّ، لا يَخدِمُ العِيالَ إلّا صِدّيقٌ أو شَهيدٌ، أو رَجُلٌ يُريدُ اللّهِ بِهِ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ ([2]).

وعنه صلَّى الله عليه وآله:”أيُّمَا امرَأَةٍ خَدَمَت زَوجَها سَبعَةَ أيّامٍ، أَغْلَقَ اللّهُ عَنها سَبعَةَ أبوابِ النّارِ، وفَتَحَ لَها ثَمانِيَةَ أبوابِ الجَنَّةِ، تَدخُلُ مِن أيها شاءَت”([3]).

ودور الرجل في خدمة الأهل يتركّز خارج المنزل، بينما تتركّز خدمة الزوجة داخله مراعاة من الإسلام لطبيعة كلّ منهما، وصونًا للمرأة من التبذُّل، والتعرّض للمضايقات على أن الإسلام لم يجعل المرأة رهينة المنزل، وحبيسة للجدران الأربعة، ولا تعرف من الحياة إلا ما يدور في هذا الإطار الضيّق في حجب لها عن الحياة الاجتماعية المتفِقة مع الشريعة.

فقد رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام قوله:”تقاضى علي وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في الخدمة فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على عليٍّ ما خلفه. قال: فقالت فاطمة: فلا يعلم ما داخلني من السرور إلاّ الله بإكفائي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحمُّل رقاب الرجال”([4]).

  1. الاحترام المتبادل:

ونقرأ من أحاديث هذا المجال:

       “من اتخذ زوجة فليُكرمها”([5]).

       “ما أكرم النساء إلاّ كريم، وما أهانهن إلاَّ لئيم”([6]).

       “إذا دَخَلتَ بَيتَكَ فَسَلِّم عَلى أهلِ بَيتِكَ؛ يَكثُر خَيرُ بَيتِكَ”([7]).

  1. القناعة([8]):

يحتاج كلّ من الزوجين أن يُقنع نفسه بالآخر([9])، وأن ينظر منه محامده، ومواضع الجمال الحسّيّ والمعنوي عنده.

       وفي الوقت الذي يُطلب فيه من الزوج السّعي الجادّ لتحصيل الرّزق الذي فيه توسعة على أهله من زوجٍ وَوَلَد، وبذلُ ما يسعه بذلُه مما فيه صلاح من يعول فإنَّ على الزوجة والولد أن يُواجهوا روح الطّمع في النفس، ويحملوها على القناعة عندما تضيق أحوال الرجل، وتفرض الشِّدّة نفسها عليه.

       في الحديث “أنعَمُ النّاسِ عَيشا مَن مَنَحَهُ اللّهُ سُبحانَهُ القَناعَةَ، وأصلَحَ لَهُ زَوجَهُ”([10]).

       وما أهنأ نفسًا رضيت بقضاء الله وقسمته فمن الحديث عن عليّ عليه السلام:”إنّ أهنأ النّاس من كان بما قسم الله له راضيًا”([11]).

       وكم هو مقدّر للعبد عند ربّه سبحانه أن يسعى في نَفَقَة عياله، فيدفع عنهم ذلّ الحاجة، وضِيق العَوَز فعن الرسول صلَّى الله عليه وآله:”من سعى في نفقة عياله ووالديه فهو كالمجاهد في سبيل الله”([12]).

       ومطلوب في النفقة التوسعة والإسباغ، لا التضييع، ولا الإسراف. عن الإمام زين العابدين عليه السلام:”أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله”([13]) هذا هو الأرضى عند الله سبحانه حسب الحديث من حيث الإنفاق.

  1. الرعاية النفسية:

إدخال الارتياح من كلٍّ من الزوجين على نفس صاحبه يُعزِّز العلاقة بينهما، ويزيد قوة بنائها ويجعلها في مأمن من القلاقل. ويعتني الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بهذه الناحية فعنه صلّى الله عليه وآله:”مَن أدخَلَ عَلى أهلِ بَيتِهِ سُرورا، خَلَقَ اللّهُ مِن ذلِكَ السُّرورِ خَلقا يَستَغفِرُ لَهُ إلى يَومِ القِيامَةِ”([14]).

  1. البناء العلمي والثقافي:

العلمُ الصّالح، وسِعة الأفق الذّهني، والنُّضج الثقافي من شأنه أن يرفع مستوى الهمِّ عند صاحبه، ويُجنّبه كثيرًا من الإسفاف، ويصرفه عن صغائر الأمور، والاشتغال بالتفاهات.

وهذا ما يُجنب الإنسان أن يكون مصدر إزعاج للآخرين، واختلاق كثير من المشكلات التي لا طائل وراءها([15])، ولا يكون انطلاقها من حالة فراغ ذهني، وضيق أُفُق في النظر والتفكير.

فاتجاه الزّوجين لبناء نفسهما بناءً علميًّا وثقافيًّا سليمًا قويًّا يساعد على حسن العلاقة بينهما، ويُتيح لهما أن يُقدّما للأولاد الزَّاد العلميّ والثقافيّ الذي يبني لهم شخصية سوية مستقيمة صالحة قويّة([16]).

نقرأ هنا ما عن النبيّ صلّى الله عليه وآله:”أكرِموا أولادَكُم، وأحسِنوا أدَبَهُم؛ يُغفَر لَكُم”([17]).

وما عن الإمام عليّ عليه السلام:”مُروا أولادَكُم بِطَلَبِ العِلمِ”([18]).

وما عن الإمام الصادق عليه السلام:”لا يَزالُ العَبدُ المُؤمِنُ يورِثُ أهلَ بَيتِهِ العِلمَ وَالأَدَبَ الصّالِحَ حَتّى يُدخِلَهُمُ الجَنَّةَ جَميعا”([19]).

  1. البناء الدّيني:

الدّين بصورته النقية، وفهمه الصّحيح لا شيء مثله في حفظ الحقوق، وتجافي النفس عن الظلم والعدوان، وتخلُّقها بروح التسامح والإحسان، وإثرائها بالخُلُق الكريم.

فلو انبنى الزوجان بناء دينيًّا واعيًا صحيحًا لكان العدل هو الحاكم في العلاقة بينهما، ولم يُفرِّط أحدُهما في حقِّ الآخر، ولتجاوزت نفس كلّ منهما للإحسان الآخر طلبًا لمرضاة الله وتخلّقًا بأخلاق الدين.

وعندئذ تنقطع أسباب الخلاف، وتنغلق أبواب المشاكل.

وحتى لو مَنَعَ مانع فيما شذّ من الحبّ وتناميه واستمراره فإنه لا أخذَ بالظلم من نفس تعيش تقوى الله، ولا ميل للعدوان.

ومن النصوص التي تُركّز على الجانب الديني في بناء الأسرة قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}([20]).

وقوله عزّ من قائل:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا…}([21]).

ومن الحديث ما عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله:”أدِّبوا أولادَكُم عَلى ثَلاثِ خِصالٍ: حُبِّ نَبِيِّكُم، وحُبِّ أهلِ بَيتِهِ، وعَلى قِراءَةِ القُرآنِ”([22]).

وعن الإمام علي عليه السلام:”يا كُمَيلُ، مُر أهلَكَ أن يَروحوا في كَسبِ المَكارِمِ، ويُدلِجوا([23]) في حاجَةِ مَن هُوَ نائِمٌ”([24]).

ويجدر التنبيه على أنَّ هناك أحكامًا ووفرة من التعاليم والآداب والمستحبات تتكفّل بتنظيم العلاقة الجنسيّة بخصوصها بين الزوجين قد لا يناسب التعرض إليها تفصيلًا في هذا المقام لو اطلع عليها كل منهما وأخذ بما تدعوه إليه لساعد ذلك كثيرًا على خدمة العلاقة الزوجية بينهما، وإعطائها الدفء المطلوب، والحميمية المنشودة، ووفر لهما الطمأنينة، وأتاح لهذه العلاقة أن تحقق نجاحًا كبيرًا، وتوصِل إلى أهدافها العالية النبيلة.

فما أجدر بالزوجين المسلمين أن يُبكّرا بالاطلاع على الهدايات التي تتضمنها النصوص الإسلامية في المجال المذكور خِدمةً لمستقبل علاقتهما.

اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم أصلح لنا أنفسنا، وأهلينا، وأولادنا، وسلّم لنا ديننا ودنيانا، ولا تجعل لنا ميلًا عن دينك، ولا انحرافًا عن صراطك، ونعوذ بك من كل ما يَلِمُّ بالقلب من خواطر الشيطان، ووسوسة النفس، وطائف السوء.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}([25]).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي سَبَقَت رحمتُه غضبَه، وعمَّت كلَّ شيء من خلقه. ولا نيلَ لخير، ولا دفعَ لشرٍّ إلاّ بتنزُّل رحمةٍ منه، ولا هُدَى ولا نورَ إلاّ ببركتها، وما من شيء إلا وهو محتاج إليها، ولا غنى له لحظة عنها.

الحمد لله حمدًا يرضاه، ويَجزي عليه خير جزاء المحسنين.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمَّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليمً كثيرًا.

عباد الله ليس من النّاس إلا وهو بين طاعتين: طاعة المخلوق، وطاعة الخالق، ولا تستوي هاتان الطاعتان في عقل، ولا ضمير، ولا حكمة، ولا عند طالب مصلحة.

وكيف تعدل عند عاقل طاعةُ المملوك طاعةَ المالك، وطاعةُ المرزوق طاعةَ الرّازق، وطاعةُ المقهور طاعةَ القاهر؟!

وكيف يعدل عاقل طاعةَ من لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا ولا موتًا، ولا حياة ولا نشورًا بطاعة المالك من كلِّ شيء كلَّ شيء من أمره؟!([26])

إنه لا طاعة إلاّ من طاعة الله، وما أصدق القول بأنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

اللهم احفظ قلوبنا من أن تفقِد شيئًا من هداها، وزدنا هدى من فضلك يا كريم، وارزقنا دوام ذكرك، وصادق الطاعة، وخالص العبادة لك يا متفضّل، يا محسن، يا رؤوف، يا رحيم.

اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.

اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.

عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصرًا عزيزًا مبينًا ثابتًا دائمًا قائمًا.

أما بعد أيها الإخوة والأخوات في الله فالحديث تحت عنوان:

مع ماذا، وضد ماذا؟

لو سألتني والكثرة من أبناء الشعب أنتم مع ماذا، وضدّ ماذا في الوضع الحالي في البحرين؟ لجاءك الجواب صادقًا وجادًّا وسريعًا:

نحن مع:

  1. المطلب الإصلاحي الذي لا نراه إلا ضرورة من ضرورات هذا الوطن؛ أمنه واستقراره، ومصلحته، وأخوّة أبنائه، وازدهاره وتقدّمه([27]).
  2. مع الأسلوب السلمي الذي هو أسلم الطرق إليه، وأقلّها كلفة، وأحفظها لمصلحة الوطن وأخوّاته.

وهذا الأمر ليس رأي الكثرة فحسب بل هو رأيُ كلّ المعارضة.

ويتّحد الرأيُ كذلك في الأمور التالية:

  1. مع الأخوّة الإسلامية، والأخوة الإنسانية، والأخّوة الوطنية.
  2. مع احترام نفس كل مواطن، ومقيم.
  3. مع التساوي في الحقوق والواجبات الوطنية لكل المواطنين.
  4. مع عدم تأجيل الإصلاح ولو ليوم واحد، وعدم وضع العراقيل في طريقه من قبل السُّلطة، وهي التي تملك قراره الفوري ولا تحتاج إلى إطالة الطريق.

ونحن ضدّ:

  1. إعلام الفتنة، وتأجيج الوضع، ومحاربة الإصلاح، وبثّ روح البغضاء والحقد بين أبناء الشعب خِدمةً للمصالح الخاصّة.
  2. ضد العدوان، وسفك الدَّم.

وأيّ عدوان أثبته الدليلُ الشرعيُّ الذي تتعبّدنا به الشريعة الإسلامية وترضاه فهو مُدان كلّ الإدانة، ومرفوض كلّ الرفض، ولا يمكن أن نُوافق عليه.

وتبقى القضية قضيةَ قيام هذا الدليل وعدمه([28]).

  1. ضد التفريق بين الدَّم الحكومي والدّم الشعبي فهذه النسبة([29]) في حدّ ذاتها لا تُمثّل فرقًا في نظر الإسلام في حرمة الدّم، وليس لنا نظر على خلاف نظره. فليس هنا من دم أزرق لهذا العنوان ودم أسود للعنوان الآخر. ولا فوقية لدم من حكومي أو غير حكومي ولا امتياز على دم الآخر([30]).

وما يسقط حرمة الدّم في الشريعة معروف عند المسلمين، ولا يجوز تعدّيه على الإطلاق.

       وحرمة الدّم في الإسلام من أعظم الحرمات.

       ولا تعدّي عن العدل، ولا أخذ بالعدوان مع مسلم أو كافر.

       لكنَّ المفارقة واسعة، والمسافة شاسعة في تعامل السُّلطة مع قضية الدماء. نفوسٌ من أبناء الشعب أُزهقت في السجون تحت التعذيب، ونفوسٌ غيّبها الاختطاف والقتل([31])، ونفوسٌ كانت ضحية الرّصاص الحيّ أو المطّاطي أو الانشطاري، أو الغازات الخانقة، والتي لا كُلفة في الوصول إلى الجاني عليها([32])، ولا تحتاج إلى جهد وبحث كثير، وما أكثر هذه النفوس!

       كلُّ هذا يحدث من جهة، ويحدث من جهة أخرى أن يقتل واحد من قوات الأمن الذي يستوي مع غيره فيما حرَّم الله أو أحلّ.

       فحيث تتساقط الضحايا من الشعب بظلم وأمرُ القتل والجاني واضح كلّ الوضوح، وقد يكون القتل داخل السجن الذي تقع مسؤولية نُزّاله على الدولة لا شيء يثير انتباه السّلطة، أو يحرّك ساكنًا منها فضلًا عن أن يثير غضبها؛ وإذا كان تحقيق فإنما ينتهي إلى البراءة، والتبرير، وإذا وصل الأمر إلى مرحلة القضاء لم يجد الشعب ولو لمرة واحدة أن الجاني في هذه الجرائم قد نال عقابه المستحقّ.

       لماذا؟ هل هو حسن الحظِّ الذي يُحالف هؤلاء الجناة في القضاء في كلّ مرّة؟ وفي مُقابل ذلك لا يُفارق سوء الحظ الأعداد الهائلة من أبناء الشّعب في مقاضاتهم ولو كانوا من أبناء سنِّ العاشرة؟([33])

       وحيث يُقتل رجل أمن – ونحن لا نسترخص دم أحد – تحدث العواصف والزلازل والبراكين على يد قوَّات الأمن، وتُحاصرُ المناطق، ويُنشر الرُّعب والهلع، وتتسع الاتهامات، وتُدقّ طبول الحرب، ويُزجّ بأعداد المواطنين في السّجون، ويستمرُّ التحقيق بأساليبه القمعية الخاصّة التي تحدّثت عنها التقارير من لجنة تقصّي الحقائق والمنظمات الحقوقية حتى تتوفّر كلّ الاعترافات المطلوبة.

       والحِصار الأمنيُّ والطوق المشدّد على قرية العكر لحادث قتل الشّرطي والذي استمرّ كلَّ المدّة التي استمرها صورة جليّة من صور الفرق الهائل في التعامل الرّسمي بين دم أبناء الشّعب الرخيص ودم منتسبٍ من منتسبي السلطة، وأنَّ دمًا لا يؤبه به، وآخر تقوم له الدّنيا ولا تكاد تقعد، دمًا لا يطال العقابُ حتى شخص من اعتدى عليه مع معرفته، ودمًا تُنزل العقوبة بآلاف المواطنين بحثًا عن المتّهم به بل خارج دائرة هذا البحث. إذ ماذا بعد القبض على العدد الذي قبضت عليه السلطة وهي تُخضعه لما تُسمّيه بالتحقيق، ومضيّ كلّ هذه الأيام على الحادث حتى يستمرّ حصار القرية ما استمرّ عليه من مُدة لولا أنَّ العقوبة يُراد لها أن تكون جماعيّة وخارج الشّرع، وحتى القانون، وأن يُقدَّم من خلالها درسٌ عامٌّ قد تكثّرت الصُّور، والنماذج المتنوِّعة من مثله على المدى الطّويل من عمر الأحداث، وما زاد الطّين إلا بلِّة، وما أعقب الوضع إلا تعقيدًا، وما خلّف إلا توتيرًا في الأجواء، وتصاعدًا في الأحداث، وتوسِعةً للهوّة.

       وهذا التفريق على خلاف العدل، وهذا الحصار والعقوبة الجماعية التي عطّلت حياة قرية بكاملها أيّامًا، ونالت من مرضاها وذوي الضرورات منها ما نالت خارج لغة القانون، ومنافية لمصلحة الوطن.

       في النظر الصّائب أنَّ هذا الوطن يحتاج إلى انتشال سريع له من المحنة، وانتشاله إنما هو بالإصلاح، والإصلاحُ إنما يملكه طرف الدولة، وهو لا يحتاج مع صدق النيّة والجدّية والميل إلى العدل إلى تطويل مدّة، ولا إلى كثرة حوار ومقدّمات.

       كلُّ الحاجة إلى سماع صوت الدّين والعقل والحكمة، والرّضوخ للحقّ، والرّضا بالعدل، والتخلّي عمَّا يدعو إليه الشيطان.

       كلما تتمناه حكومة متعقّلة من شعبها أن تهدأ ثائرته، أن يعود لمجرى حياته الطبيعية، أن لا يشتغل بالمسيرات والاعتصامات والاحتجاجات، وأن يتعاون مع المشاريع الصالحة لو أتت على يدها.

       وكل ذلك لا شك أنه سيأخذ طريقه إلى الواقع العملي وستنتهي الأزمة لو فُعِّلت لغة الإصلاح، وحلّت محل لغة البطش والفتك والتنكيل.

       طريق واحد لخروج البلد من الأزمة ليس دونه طريق، فتّشوا كثيرًا عن طريق آخر لن تجدوا، هذا الطريق الواحد هو طريق الإصلاح السريع الجدي الشامل الذي يقدّم حلاً كفوءًا.

       اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

       ربّنا هب لنا من لدنك رحمة وقنا عذاب النار. اللهم أعذنا من هوان الدُّنيا والآخرة، ومن شقائهما، واجمع لنا خيرهما، وعزّهما، وكرامتهما يا أرأف من كلّ رؤوف، ويا أرحم من كلّ رحيم، يا أكرم الأكرمين، ويا أجود الأجودين.

       اللهم ارحم شهداءنا وموتانا، واشف جرحانا ومرضانا، وفكّ أسرانا وسجناءنا، ورُدَّ غرباءنا في خير وسلامة يا كريم يا حنان يا منان يا سميع يا عليم.

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([34]).

 

 

[1]– 33/ لقمان.

[2]– بحار الأنوار ج101 ص132 ط3 المصححة.

[3]– وسائل الشيعة (أهل البيت) ج20 ص172 ط2.

[4]– بحار الأنوار ج43 ص81 ط2 المصححة.

[5]– جامع أحاديث الشيعة ج20 ص250.

[6]– كنز العمال ج16 ص371.

[7]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج1 ص369 ط1.

[8]– يأتي دور القناعة أسلوبًا من أساليب وقاية الأسرة عن الاهتزاز والقلق.

[9]– إذا كان تطلُّعك إلى أجمل امرأة، أعقل امرأ، أعظم امرأة، متى تعثر على هذه المرأة وتقتنع أن هذه أعظم امرأة، وأجمل امرأة، وأحسن امرأة، وأكثر امرأة خلقا. وإذا كنت تتطلّعين إلى أكمل رجل، فأنّى لك أن تنالي أكمل رجل، ثم تستطعين أن تقتنعي أنه أكمل رجل.

وهل هذا الرجل بعينه عرف من نفسه أنه أكمل رجل حتى يطلب أكمل امرأة، وهل عرفت المرأة من نفسها أنها أكمل امرأة حتى تطلب أكمل رجل؟!

[10]– عيون الحكم والمواعظ ص124 ط1.

[11]– موسوعة أحاديث أهل البيت ج4 ص223 ط1.

[12]– مستدرك الوسائل ج13 ص55 ط2.

[13]– الكافي ج4 ص11 ط3.

[14]– كنز العمال ج16 ص379.

[15]– تكثر المشكلات الصغيرة، وقد تكبر على يد إنسان لا يحمل تفكيرًا عاليًا. الجهل كثيرًا ما يصطحب معه مشكلات كثيرة، وإثارات كثيرة لا قيمة لها.

[16]– واليوم أبواب الثقافة الصحيحة، والكلمة الطيبة، والوعي الديني أبواب كل ذلك مفتوحة من خلال القنوات الإسلامية الهادفة والأشرطة المنتشرة، فحتى العامي اليوم لا يُعذر في طلب ما يرفع من مستواه الذهني والعلمي.

[17]– مكارم الأخلاق ص222 ط6.

وكيف يُحسن أدب ولده من لا معرفة له.

[18]– كنز العمال ج16 ص584.

[19]– دعائم الإسلام ج1 ص82.

[20]– 6/ التحريم.

[21]– 132/ طه.

أن تُحسن الصلاة، تُقيم الصلاة في غفلة من أهلك في هذا خيانة لأهلك.

[22]– موسوعة معارف الكتاب والسنة ج2 ص387 ط1.

[23]– أدلجَ : إذا سارَ من أوّل الليل (النهاية : ج ۲ ص ۱۲۹ «دلج») .

[24]– نهج البلاغة ج4 ص56 ط1.

[25]– سورة التوحيد.

[26]– الله عزّ وجل يملك من كل شيء كلّ شيء من أمره، مبدئه، مصيره، كل ذرة من ذرات وجوده، كل خاطرة من خواطره، وعبيد الله لا يملك أحد منهم من نفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. أفي عقل أن أقدّم طاعة المخلوق على طاعة الخالق؟!

[27]– مطلب لا غنى عنه، ولا يمكن رفع اليد عنه.

[28]– هل هناك دليل شرعي على ما يُقال أو ليس هناك دليل شرعي على ما يُقال. بمقتضى كوننا مسلمين متشرّعين – إن شاء الله – نتعبّد بالشريعة الإسلامية أنّ المثبت عندنا لأيّ حادث هو الدليل الشرعي.

[29]– نسبة أن هذا حكومي وأن هذا شعبي، هذه النسبة، الإضافة، هل لها قيمة، هل تقوم ميزانًا لقيمة الدم، هل هذه النسبة تجعل هذا الدم غاليًا وتلك النسبة تجعل الدم رخيصًا، أو لا شأن لأي هاتين النسبتين في حرمة الدم؟

[30]– حرمة الدّم واحدة، هناك احترام عام لدم الإنسان، وهناك احترام خاص لإسلام المسلم بين المسلمين، والدم لا يُسترخص إلا بإذن شرعي، إلا بسبب شرعي، لا يسترخص إلا في حالات محدّدة، والحالات المحددة هذه إنما تؤخذ من الشريعة.

[31]– أذكر سيد سار، أذكر مؤمن بوري.

[32]– لأنّه في الكثير مكشوف، أو سهل الانكشاف.

[33]– هناك حسن حظّ دائم، وهنا سوء حظ دائم، هناك تبرئة، وهنا في الأكثر في الأكثر الأكثر الأكثر، وحتى لأبناء العاشرة تثبيت جريمة وعقوبة مشدّدة؟! أحسن حظ وسوء حظ؟!

[34]– 90/ النحل.

زر الذهاب إلى الأعلى