نص كلمة آية الله قاسم في حفل افتتاح العام الدراسي لحوزات البحرين 1433 هـ

كلمة آية الله قاسم في حفل افتتاح العام الدراسي لحوزات البحرين 1433 هـ

للمشاهدة :

نص الكلمة :

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
االحمدلله رب العالمين.. والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحيّيكم كثيرا، وأنا اللحظة أشعر بأني أمام صفوة من صفوات المؤمنين، أمام معلّمين مربّين، قادة فكر، مسؤولي تربية، ورثة أنبياء ومرسلين (صلوات اللهِ وسلامه على جميع الأنبياء والمرسلين) يحملون فكرهم، يعيشيون همّهم، يتطلّعون تطلّعهم، يتحمّلون مسؤوليةً من مسؤوليتهم، يقومون بدورٍ من دورِهم.

أنتم منبعُ فكر، مصدر إشعاع، هداةٌ، قادةُ فكرٍ وشعورٍ وإرادةٍ على خط الله تبارك وتعالى، أنتم كبارٌ مادمتم كذلك، وأنتم على مقامٍ رفيعٍ عند الله (عزّ وجل) ما سلكتم هذا الطريق، وإنكم بعد أن تعشّقتم هذا الطريق وعشتم لذّته، ورأيتم منه هدىً في عقولكم ونفوسكم، وقوةً في إرادتكم، وشعرتم بأنه خط السعادة، وخط البناء، وخط الكمال، فلا يُتوقّع إلاّ أن تصرّوا على هذا الخط، وأن تُخلصوا لهذا الخط، وأن تتفانوا في سبيل الله على هذا الخط.

الاية الكريمة: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِينفرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لّيِتَفَقَّهُوا فِي الدّيِنِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِليْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحذَرُونَ) [التوبة : 122]

الإسلام كما هو لبناء الفرد، فهو لبناء الأمة، بل هو لصناعة تاريخ الأرض – كل الأرض – في ضوء هُدى السماء، الأرضُ تبقى محتاجةً في حياتها الماديّة وهي أحوج في حياتها الروحية دائماً إلى عطاءات السماء، وإمدادات وهدايات السماء.

الإسلام لقيادة حركة الإنسان لا في مساحةٍ واحدة من مساحات الحياة، وإنما في كل مساحات الحياة، على مستوى فردٍ من بني الإنسان وعلى مستوى الأسرة والمجتمع والأمة والإنسانية كلها، وإذا أُريد للدينِ أن يقود حركة الحياة وأن يسلك بها الطريق الذي يرى، وأن ينتهي بها إلى الله سبحانه كان لابُدّ للدينِ من أن يُعرف، كان لابُدّ للدين من أن تتكشّف أسراره، كان للدين لابد من أن يُعثر على كنوزه، كان لابدّ للدين من أن يُبحث عن ذخائِره، كان لابُدّ للدين من أن يُتعمّق فيه ويُغاص إلى أغواره.

كيف يقودُ الدين حركة الحياة وقائدٌ يجهلُه ومقوودٌ لايعرفُ منه شيئاً؟! من أجل أن يأخذ الفرد طريقه في هذه الحياة، في ضوءِ مسار وهدى الدين، لابدّ أن يعرف الدين، وهي كذلك الأسرة، ومثلهما المجتمع، ولا يفترقُ في ذلك عن كل أولئك الأمة، والإنسانيةِ جمعاء، والناس أعداءُ ما جهِلوا.

فكيف نصادقُ الدين، وكيف نؤمن بالدين، وكيف نستسلم للدين، وكيف نضحي في سبيل الدين، وكيف نبيع الحياةَ لأجل الدين ونحن لا نعرفه؟ لا يمكن!

الحركة في الأرض لابدّ فيها من العلم بالأرض.
الإنسان ميدان حركته الأرض، عيشه على الأرض، هنا يعيش وهنا يثبتُ وجوده، وهنا يقيم حضارته، وهنا يبرهنُ على ذاته، وهنا كُلّ إنتاجه، فلابُدّ له من العلم بالأرض، بأوضاع الأرض، مايطوّر أوضاعه، ما يطوّع أوضاع الأرض لخدمة الإنسان وتسهيل حياته، فنحن أمام حاجةٍ لعلمين، للعلم بالدين، والعلم بأوضاع الأرض، وما يتطلبه تطوير هذه الأوضاع.

حركة الإنسان في الأرض تحتاج في هداها إلى علم الدين، تحتاج في انضباطها الخلُقي، في غائيتها، في هادِفيّتها، في أن تسمو، في أن تكبُر على الأرض، في أن تلتحم بالسماء، في أن تنظر إلى الغاية البعيدة، في أن تتجاوز بها النظرةُ حدودَ الأرضِ وحدودَ المادّة، هي محتاجةٌ في كلّ ذلك إلى الدين، إلى علم الدين، فهم الدين، فقه الدين.

ولأن حركة الإنسان تتعاملُ مع الأرض، مع كلّ إيجابيّاتها وسلبيّاتها، مع كل أوضاعها وشروطها وظروفها، كان لابُدّ لأن تشقّ هذه الحركةُ طريقها إلى النجاح، وإلى البناء، وأن تتبيّن معالم الطريق، وكيف تخطو خطواتها رَغم ما عليه صعوبات الأرض، وما تتطلبّه حياةُ الإنسانِ من شروطٍ وظروف وتسهيلات، كان لابُدّ من أجل ذلك أن يعلمَ بالأرض، بأوضاع الأرض، بما يطوّر الأوضاع هنا، بما يبني حضارتهُ، بما يتيحُ له أن يُقيمُ بناءً يجعلُ حياتهُ هنا مريحةً وقادرة على أن تؤدي أهدافها.

والمطلوبُ فقهُ الدّين لا فقهُ الشريعةِ فحسب، نحنُ أمام حاجةٍ لفقه الدين، “فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين”، وليس ليتفقّهوا في خُصوصِ الشريعة، والدينُ عقيدةٌ، وشريعةٌ، مفاهيم، رؤى، أهداف، مقاصد، قيم. الدين أوسعُ بكثيرٍ في إطارهِ من إطار الشريعة والأحكام الفقهيّة المعروفة.

الحوزةُ مسؤوليتها لا أن تخرّج فقهاء شريعة، وإنما مسؤوليتُها أن تخرّج فُقهاء دين.
وفُقهاء شريعة ينفصلون في رؤيتهم عن العقيدة، لا يملكون تصوراً دقيقاً عن أهداف الدين، عن أولويات الدين، لا يملكون تصوراً إسلامياً دقيقاً، لا يملكون الرؤيةً الممتدّة التي عليها رؤية الدين، ولم يتيسر لهم أن يكتشفوا أعماق الدين، وأن يلتحموا بأخلاقية الدين، وفهم الدين، فقهاءُ قد يكون ضَررهُم أكثر من نفعِهم.
ولِعلومِ الدنيا مؤسّساتُها، وهي كثيرة ومتنوعة ومتخصصة وجادّة وتخرّج أفواجاً وأفوجاً من المختصّين، والحوزة هي المؤسسة، المنبع الوحيد لعلم الدين، ومن هنا تكبُرُ مسؤوليتها وتتضاعف الجهود المطلوبة منها ومن معلّمها وطالبها وإدارتِها.

منبعُ وحيد، مصدرُ إشعاعٍ، هناك جمعيات، هناك مؤسسات ثقافية إسلامية، لكن المؤسسة الأنبع، المؤسسة الرئيسة لوعي الدين لفقه الدين، للتربية الدينية، لترشيدِ الحركة الاجتماعية ترشيداً إسلامياً، كلّ ذلك ليس له إلا مؤسسة واحدة رئيسة هي الحوزة.

والحوزةُ تحمّلت طويلاً مسؤوليةَ تنميةِ العلومِ الإسلامية، معتمدةً في ذلك على المصادر الإسلاميةِ الأصيلة، وتخريج العلماء والمبلّغين وحفظ الأصالة الإسلامية. ظّلت الأمة قروناً متطاولة ليس لها مصدرٌ يمدّها بعلمِ الدين، ويُنير طريقها في هذه الحياة ويأخذُ بها اتجاه الله (عزّ وجل)، ثم يحمي الإسلام ويذودُ عنه ويقاوم من أجله، إلاّ الحوزة.

أثبتت الحوزةُ بمختلف مراحلِ وجودِها بأنها قادرة بصورةٍ وأخرى على أن تواجِه حركة التحدّي للدين في الأرض، وأن تُبقي الأمة على خط الله (عزّ وجل)، وتُعطي للإسلام وجودهُ الحيّ في الناس، ما كان ذلك كافياً بصورةٍ دائمةٍ في كل مراحل تاريخها، ولكن لا نستطيعُ أن نُنكِر أن بقاء الإسلام لليوم وعبورهُ الطريق الشاق، الشائك، إلى هذا الجيل، وبما وصل إلى هذا الجيل منهُ – من إسلامٍ قوي وناهض – ما كان ذلك يمكن أن يكون لو لا الحوزة، ولو لا مَددٌ من الله (عزّ وجل) يعينُ هذه الحوزة ويعالجُ ويتداركُ أخطاءها وقصورها.

تبقى الحوزة ضرورة من ضروراتِ وجودِ الإسلام، هي الضرورة الأولى بعد توفيقِ الله (عزّ وجل). هناك توفيق من الله (عزّوجل)، وضمانٌ من الله (عزّ وجل) بأن يبقى الإسلام، ولكن حينَ ننظُرُ فيما يضمن بقاءَ الإسلامِ على الأرض من الناحية الطبيعية، فلا نجِدُ أن شيئاً مّا يتقدّمُ أهميّة الحوزة، أو يضارع الحوزة في مثل هذه المهمّة.

بقاءُ الإسلامِ مرهونٌ بحوزاتٍ قويّة وجادّة وفاعِلة ونابهة ومتطوّرة وواعية ومؤمنة كلّ الإيمانِ بقيمة الإسلام، وعظمة الإسلام، وأن مصيرَ الإنسانِ في الحياة من مصيرِ الإسلام.

بقاءُ الإسلام، قوّةُ الامة، نهضةُ الأمة، أصالةُ الأمة، استقلال الأمة، حريّة الأمة، ريادة الأمة، لا ينفصلُ في شيءٍ عن وجودِ حوزات قوية فاعلة نابهة مريدة متقدّمة.

أنتُم عَصَب، أنتُم قلبُ، قلب وجود الأمة، قلب وجودِ الدين، أنتم المُنطلقُ الأول لوجودِ أمّةٍ إسلاميةٍ قويّة وفاعلة وقادرة، فانظروا كيف تفعلون، وكيف تكونون؟

حمايةُ الأمّة من الذوبان في الآخر فكرياً ونفسياً وسلوكياً مسؤولية أولى من مسؤوليات الحوزة، أخذُ الأمّة إلى موقِعِها الطبيعي، والموقعُ الطبيعي للأمة هو موقعُ الريادة. هذه الأمّة لقيادة الأمم، لتعليم الأمم، لترشيد الأمم، للنهوض بمستوى الأمم، لهدايةِ الأمم، وهذا موقعُ أمّتِنا، والمسؤول الأول لأخذ الأمّة إلى موقع الصدارة وموقع الريادة هي الحوزة.

من الحوزة ينطلقُ بِناءُ المجتمع، ومن الحوزة ينطلقُ بِناءُ الكياناتِ الكبيرة، ومن الحوزة يعُم الهُدى، من بين جدران المسجد، من بين جُدران المؤسسة الحوزوية ينطلقُ النور السماوي المُشرق، الذي لا حياة للأرض إلاّ به.

الحوزةُ أسقطَت بِدَعاً، أسقطت أفكاراً غازية، أسقطت كيانات باطلٍ لها قوةٌ وبطشٌ في الأرض، والحوزةُ أبقت على الإسلام، على أصالتهِ، على وجودهِ الفاعل طوالَ قرون رُغم ظروف المِحَن، والشدائد، والفقرِ، والمُطاردةِ، والموت الذي يلاحقُ أهلها.

إذا كانت هذه أهميّةُ الحوزة، فلنسأل أنفُسنا، سؤالٌ تطرحُهُ النفسُ على النفسِ ذاتها: لماذا أسّسنا الحوزات؟ لماذا التحقنا بها مُعلِّمين أو مُتعلِّمين؟

أرى أنّ أنضج جواب، أهدى جواب، أرضى جواب تعيشُه نفسٌ في مورِدِ هذا السؤال أن تقول صادقةً: الدافعُ الإيمانُ القوي، الإحساسُ الشديدُ بقيمةِ الدين، بضرورة الدين، بثراء كنوزِ المعارفِ الإسلامية، بعُمقها، بسَعَتِها، بعدمِ استغناءِ جيلٍ عنها، بكونِ القيادةِ للدين، بكونِ الإسلام المجهول إسلاما غير موجود، ، أقولُ بين قوسين “قُل عن الإسلامِ المجهول بأنهُ غيرُ موجود”.

لا يُمكِن أن يوجد الإسلام على الأرض، لا يمكن أن يكون الإسلام شاخصاً في حياة الناس وهم يجهلونه، لكي يوجد الإسلام على الأرض لابدّ أن يعرفه إنسانُ الأرض، يعرفُ قيمته، ضرورته، أحكامهُ، أسراره، رؤاه، أخلاقيّته.

والإسلامُ المفهومُ خَطَئاً سببُ تأزيم لا حل، وكم أساء الفهمُ السيءُ للإسلام، وكم شوّه الفهمُ السيءُ للإسلام، وكم فصلَ الفهمُ السيءُ عن الإسلام، الإسلامُ المفهموم مقلوباً سببُ تأزيمُ لا حل وطريقُ كفرٍ لا إيمان. قدِّم لي إسلاماً مشوّها ستسبب لي أن أكفر به ، قدّم لي إسلاماً غير أخلاقي، إسلاماً عدوانياً، إسلاما يقر الظلم، إسلاما يساعد على الظلم، إسلاما لا يناهض الظلم، ستأخذ بي إلى الكفر بهذا الإسلام.

الجوابُ الصحيحُ للنفسِ حين تسألُ: لماذا أسّسنا الحوزات؟ لماذا التحقنا بها مُعلّمين أومتعلّمين؟ أن تقول النفسُ بأنّ: الدافع هو الإيمانُ القوي، والأحساس البالغ بأن الإسلام الحق هو الأمانة الإلهية الكبرى التي لا يرضى الله بجهلها، بإهمالها، بتضييعها، بإساءة فهمها، بتعطيل دورها.

نحن نعلم كلّ العلم بأنّ الله (عزّ وجل) لا يرضى بتضييع إسلامه، لا يرضى بإهمال دينه، فإذا كان منطلقنا لتأسيس الحوزات للالتحاق بها هو أنّنا لا نتحمّل غضب الله، وأنّنا لا يمكنُ أن نختار لأنفسنا خسارة رضا الله (عز وجل)، وأن نفرّط في سعادتنا، وفي أمانتنا، وأن هذا هو دافعنا لتأسيس الحوزات للالتحاق بها فهو جوابٌ سيُعطينا الحيوية، ويعطينا الإخلاص، ويعطينا النشاط، ويعطينا التفكير الدائم في أن نبذُل أقصى جهدٍ في سبيل تطوير الحوزات، وتحسين أمور الحوزات. الدافعُ طلبُ كمالٍ لا قيمة للحياة بدونه، ولا طريق إليه إلاّ بالإسلام، فهمه، وتطبيقه، وتبليغه، والدعوة إليه.

كلّنا يعرفُ أن طالب الأمسِ غيرُ طالبِ اليوم، العلوم توسّعت، الدراسات تقدّمت في الحقول العلمية المستجدّة وفي حقولٍ علميةٍ عريقة، الظروفُ تحسّنت، الكتابُ والوسائل العلمية الأخرى تيسّرت، وسائلُ التدريس تقدّمت، المستوى العلميُّ العامُّ للمجتمع زحفَ للأمام وحقّق مستوياتٍ متقدّمة. كثُرت الأسئلةُ وتنوّعت عند أبناءِ الأمّة، وزادت الإشكالات في الذهنية العامة، واشتدّت التحديات التي تواجه الإسلام، كبُرت المحاسبة الاجتماعية للحوزة، لإدارة الحوزة، لدور الحوزة، لمنتجاتها، لمنتسبيها. كلُّ هذا يخلقُ في الطبيعي حوافز وتحديّات تفرض على الطالب والمعلم والمدرّس والأستاذ والإدارة مسؤولية أكبر.

ما يلاحقُ الطالب من مسائل وإشكاليات اليوم، لا يقتصر على مساحة صغيرة، ويأتي فوق المألوف وفوق ما يُحتسب، وهذا يتطلّبُ تنوعاً في المعرفة وتقدّما وجدا واجتهادا. والدراسة الحوزوية اليوم ليست تخصّصاً واحداً كما كان يكون في الأغلب في الأمس.

التخصّصات موجودة سابقاً، ولكن الحاجة للتخصّص اليوم أكبر، والتخصّص اليوم أوضح، والفواصلُ بين التخصّصات اليوم أبيَن، ولابدّ من التعرّف على الطلاّب قدرةً وميلاً، وتصنيفهم وتخصّصهم بعد الدراسة العامة، هناك دراسة عامّة كما يعرف الجميع، مرحلة للدراسة العامة، ومرحلة للدراسة التخصصيّة.

ومن مسؤولية الطالب مع نفسه، ومن مسؤولية معلّميه، والحوزة التي ينتمي إليها أن تتعرّف عليه ميلاً نفسياً وموهبة، حتى تساعدهُ على أن يتّخِذ طريق الاختصاص الذي يناسبَه.

للدراسة العامة نفع، وللدراسة التخصصيّة نفعٌ آخر لابدّ منه، ونحن نحتاجُ، حركةُ الحياةِ تحتاجُ إلى مستوياتٍ متباينة، قد خلق الله سبحانه وتعالى الناس مواهبَ متعدّدة، مستوىً ونوعا. وما عليه هذا الطالبُ من قدرةٍ علميةٍ، من استعدادٍ خاص، من استعدادٍ علميٍّ متفوّق في جنبة علمية متخصّصة غيرُ ما عليه ذلك الطالب.

هناك قدرات عامّة، استعدادات علمية عامة، واستعدادات علميّة خاصّة، ومن الناس من يكونُ له استعدادٌ لأكثر من اختصاص حسب موهبة الله (عزّ وجل)، ومنهم من يكونُ له استعدادٌ في اختصاصٍ واحد، والناسُ على حظوظ، والقاسمُ عادلٌ وحكيم تبارك وتعالى. وهذا التنوّع مما تفرضُهُ حاجات الحياة.

ولو كان الناس كلهم بمستوىً علميٍّ واحدٍ محلق جداً لظل المستوى الابتدائي والثانوي والجامعي إلى آخره من غير معلِّم، وظلّ الأمّيُّ لا يتحدّثُ معه أحد، وظلّ الطفل لا يعلمه الصلاة أحد، وتعطّلت الحياة وانتكسَ المجتمع.

لابدّ أن نكون مستويات، ولابدّ أن تجِدَ كلّ المواقع حاجتها من الناسِ الذين يُلبّون هذه الحاجة. ولست أثوب حين تكون كبيراً من أخيك حين يكون أصغر منك مستوىً. الثوابُ عند الله ويتبعُ الإخلاص، ويتبعُ التفاني في خدمة الدين. ولعلّ صاحبَ عقليةٍ بسيطة يستنفدُ كلّ مقدوره في خدمة دين الله وبإخلاص هو في أعالي الجنة، ولعلّ أكبرَ عالمٍ في الأرضِ يهوي إلى النار.

هناكَ طلابُ جامعة وطلابُ حوزة، عندنا طلاب جامعة وعندنا طلاب حوزة، ونحنُ محتاجونَ إلى طلابِ الجامعة ومحتاجون إلى طلابِ الحوزة. والدوران متكاملان، والطالبان صديقان حبيبان، وصفُّهما واحد، وأمّتهما واحدة، وهدفهما واحد، ومسؤوليتهما واحدة، هي خدمةُ الإنسانِ والدين. والكلُّ يجب أن يكون في سباق.

نحنُ نطلبُ لأحبّتنا من أبناء وبنات الجامعة السّبق، ولكن لا نرضى بأن يكون طلاب الحوزات مسبوقين، عليهم أن يُسابقوا فيما يعطونه من وقت، فيما يبذلونه من جهد، فيما يولونه من اهتمام، فيما يطالبون به النفس من إخلاص، في حمل الأمانة في بناء الذات في بناء المجتمع.

عيبٌ كبير وفاحشة جداً، أن منتسبي الحوزة يكونون أقلّ جهداً وأقل فاعلية، وأقل تحصيلاً من طلاب الجامعة. وطالبُ الجامعة يخرجُ منذ الصباحِ الباكِر، قد يكلّفه ذلك أن يخرُج قبل موعدَ دراسته بساعةٍ أو أكثر، ونجدُ بنات منذ خروج الناس من جوامعهم وصلاة الصبح في المساجد تجدون طلاباً وطالبات ينتظرون الناقلات.

سابقوا، وسابقوا كثيراً فإنّ معتمد الدين في الأرض عليكم وقد اخترتُم أنتم هذا الطريق. في الجامعة امتحانات، وامتحانات متوالية، وفي الجامعة بحوث، وأبناء الجامعة لهم مشاركاتهم الاجتماعية والثقافية والمشاركات الأخرى، وليُسابق طلابُ الحوزة أخوتهم وأحِبّتهُم من طلاب الجامعة في كل ذلك.

ثم كلمة أخيرة..
إن حوزاتنا في البحرين تعيش حالة تعدّد عناوين، وعليها مع ذلك ألا تكون هذه العناوين المتعدّدة فواصل بينها، ولا حدود. نطلبُ للحوزات وحدة وجودٍ ومصيرٍ وأخلاقيةٍ وتربية ودور رسالي وهي كذلك أردنا أو لم نُرِد.

فالحوزات كيانٌ واحدٌ، وجودا ومصيرا وأخلاقية وتربيةً ودوراً رساليا،ً ونجاحاً وإخفاقا. مطلوبٌ تبادل الخبرات، تسانُد، تنسيق، اجتماعات دوريّة، للمراجعة، والتدارك، والتطوير، والتغيير.

سيروا على بركة الله، واعقدوا العزم في عامكم الدراسي الجديد على أن تكون نهضتكم أكبر، وعزمكم أشد، وتصميمكم أصلب، ودعوتكم الى الله أخلص، وتحصيلكم أكثر وأعمقَ.

غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زر الذهاب إلى الأعلى