كلمة آية الله قاسم خلال اللقاء مع مسؤولي مشاريع التعليم الديني في البحرين

كلمة آية الله قاسم خلال اللقاء مع مسؤولي مشاريع التعليم الديني في البحرين

كلمة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم، في ملتقى مسؤولي مشاريع التعليم الديني في البحرين، بتنظيم من مركز الشيخ المفيد للمعارف الإسلامية التابع للمجلس الإسلامي العلمائي، يوم السبت 7 جمادى الثانية 1433 هـ الموافق 28 أبريل 2012م، بصالة الإمام الحسن (ع) بالدراز، تحت عنوان «التعليم الديني… عطاء مستمر»

للمشاهدة:

 

 

نص الكلمة :

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان الطموح أن نبني مجتمعًا قويًا آخذًا طريقه إلى الله (عز وجل)، ميمّمًا شطر الغاية الكبرى؛ غاية الرضا الإلهي، عزيزًا في الدنيا، على نجاة وفلاح في الآخرة، فإنه لابد لنا من أن نأخذ بأسباب البناء. ولا بناء لإنسان ولا حياة كريمة ولا مجتمع قوي ولا أسرة سالكة إلى الهدى إلا بالعلم. لا تستوي ظلمة ونور، جهل وعلم، موت وحياة. ما أردنا لمجتمعنا أن يكون ناهضًا وأن يتحمل مسئوليته عن كفاءة وأن يكون القوي الصلب أمام كل العواصف والشداد فعلينا أن نبنيه على أساس من العلم الرصين.

قد يسأل أحدنا: إنّا أدركنا أن هذا صحيح، ولكن أنا واحد في المجتمع لا غير، فلماذا أتحمل مسؤولية المجتمع؟ ألا يسعني أن أعيش حياتي طالبًا الهدى لنفسي؟ الهدى لأسرتي؟ فأكون قد نجوت؟

سقوط المجتمع سقوط لي، سقوط لولدي لبنتي لكل أهلي وأسرتي. من الصعب جدًا أن تبني أسرة مؤمنة في وسط من مجتمع جاهلي، هذا أمر، الأمر الآخر إننا لا نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية إلا من باب التحدث عن المسؤولية الإلهية. إن مسؤوليتك الإلهية لتفرض عليك ألا تبني نفسك لوحدها، أسرتك وحدها، وإنما عليك أن تمتد بالبناء بالهداية بالنور بالصلاح إلى كل نفس على وجه الأرض ما استطعت.

المسؤولية لا تقتصر على بناء هذا المجتمع الصغير، مسؤولية المسلم تمتد إلى البناء الواسع الذي يشمل كل الدنيا، ويعطيها الصلاح. إذا كانت الصلاة فريضة – وهي الفريضة المحور – فإن التبليغ فريضة، فرائض المسلم لا تقتصر، حسب النظر إليها، على بناء نفسه وإنما تتكفل ببناء ذاته وأسرته ومجتمعه وكل المجتمع الإنساني ما استطاع هذا المرء. هي مهمة من مهمات الرسل تلك مهمة التربية والتعليم.

المسألة ليست مسألة إيصال معلومات – ومعلومات صحيحة بالخصوص- وإنما هي مسألة تحويل هذه المعلومات الصحيحة وهذه الحقائق الثابتة إلى مشاعر داخل النفس، إلى سلوك، إلى علاقات، إلى بناء خارجي. نحن لسنا أمام صناعة عقل فقط، إنما يتحمل مربونا مسؤولية صناعة عقل المجتمع، فكره، روحه، نفسيته، سلوكه. وهي مهمة ما أصعبها، وما أثوبها. مهمة من مهمات الرسل والتي لا تقتصر في واجبها عليهم.

لو ترك رسول الله (ص) وحده وهو قائم في الناس أن يبلّغ كلمة الوحي إلى كل الناس بصورة مباشرة لما أمكنه بحسب طبيعته البشرية أن يفعل ذلك، ولما بلغت كلمة الله (عزوجل) إلى كل المكلفين. أيام رسول الله (ص) وعملية التبليغ كان يشترك فيها كل مكلف قادر يحس بمسؤوليته الإسلامية، وهكذا كان في زمن أمير المؤمنين (ع) والأئمة الأطهار (ع).

أين كان أحد الأئمة (ع) من أتباعه المتشعبين في الأرض؟ كان في بقعة جغرافية محدودة كالمدينة أو خراسان، وكان شيعة أمير المؤمنين متفرقين في الأقطار. هل كان الإمام (ع) يقوم بعملية التبليغ الواسعة بصورة مباشرة لوحده؟ لابد أن كان رجال ونساء يشتركون في عملية التبليغ حتى وصلت الكلمة إلى من كان يخاطب بها.

اليوم، ولا معصوم حاضرًا معنا، من يتحمل مسؤولية التبليغ؟ إذا قلتم بأن فلانًا كالسيد عبدالله الغريفي حفظه الله عليه أن يقوم بالتبليغ وهو أقل همّة وأقل علمًا وأقل خبرة من الإمام المعصوم (ع)، وأقل صبرًا. لا يمكن لشخص ولا شخصين ولا لعشرة ولا لعشرين أن يقوموا بعملية التبليغ والإبقاء بمتطلباتها. مسؤولية ومهمة لو فترنا عنها قليلًا من الوقت لشرّق المجتمع وغرّب، ولأضلّ المسار وساد جهل كثير، خاصة وأن الناس اليوم ليسوا متروكين لأنفسهم، أجيالكم ليست متروكة لأنفسها كما تعلمون. إنسان الأمة مستهدف كل الاستهداف والدعوات الجائرة عن الحق المنحرفة عن الهدى تلاحقه ليلاً ونهارًا.

ولدك لو أهملته قليلًا من الوقت لما كان ولدك في فكر ولا روح ولا دين. المسؤولية كبرى ومكلفة وجاهدة ولكنها ثابتة لازمة. ماذا يسقط عهدة التكليف بالصلاة؟ أنا تجب عليَّ الصلاة، كيف أسقط عني هذا الواجب؟ كيف أتحلل من هذه المسؤولية بعد أن كلفت بها؟ بأدائها كيفما كان الأداء؟ لا. لابد من طلب الصحة حتى إذا أتيت بالعمل صحيحا سقط عني التكليف، ونفسه التبليغ.

لا يكفي مسمى التبليغ، لا يكفي أن تتم عملية التبليغ بأي وجه كانت، إنما عملية التبليغ المطلوبة وعملية التربية هي العملية التي تتوفر على كل أسباب النجاح ما استطعنا إلى تحصيل هذا الأسباب من سبيل، عملية محكمة، متقنة، متوفرة على كل ما يعطيها فرصة النجاح. هذه هي عملية التبليغ المطلوبة, وإلا لو اشتغلنا ليلا ونهارا بعملية التبليغ ثم لم نطلب لها الجودة المطلوبة ولم نوفر لها اسباب النجاح المقدورة لم تسقط عُهدة هذه الواجب عن عواتقنا.

إذا كان تطوير أساليب الأداء, حالة العرض, أي شيء يدخل في إنجاح عملية التبليغ، ونجد له طريقًا يجب علينا طلبه حتى يسقط هذه الواجب عن كواهلنا. اليوم إعداد المسلم كما تعلمون, تحصين المجتمع المسلم, عملية يواجهها الكثير من التحديات، وكثير من أساليب صناعة الانسان الناجحة أسلوبا الخبيثة هدفا وغاية.

فن التربية والتعليم تقدم بصورة هائلة والآخرون يمتلكون من أساليب التأثير ومن فن التأثير ما قد لا نمتلك، فحين نبقى على وسائلنا البدائية, وحين لا نطلب التطوير لأساليب الأداء، فضلا عن التراخي عن أصل التبليغ وأصل التربية فسنكون غير موجودين. لن يكون لفكرنا حضور, لمدرسة الوحي الإلهي الصادق حضور, لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) في الأرض حضور, حضور هذا الخط وفاعلية هذا الخط وخلاّقية هذا الخط متوقفة على بذل جهود متضافرة مغنية في أساليب رائعة مبتكرة متقدمة.

ستكون كل معاركنا خاسرة إذا خسرنا معركة الدين, إعداد المجتمع المسلم, نحن في معركة اساس هي معركة الوعي الديني، معركة الالتزام الديني، معركة الحضور الديني، الفاعلية الدينية، النفس المؤمنة، العقل المؤمن الواعي، النفسية المؤمنة الصاعدة، الروحية المؤمنة العالية، الدور الرسالي الرشيد الذي يتكفل به كل مسلم.

في هذه المعركة إما ان ننجح فيمتد نجاحنا إلى كل المعارك… اصنعه دينيا واعيا يحمل رشد الدين ووعي الدين رؤية الدين وإرادة الدين ويقين الدين وقوة الدين وفاعلية الدين ومحركية الدين، اصنعه هكذا بنيّة متجهة الى الله فسيكون عندئذ القادر على صناعة المجتمع القوي, الوضع القوي, الحياة الحرة, الحياة المتقدمة.

ما ينقص إنسان أمريكا إنسان الغرب بعد ان نشط على خط المادة هو انه فاقدٌ لنور الروح، لو كان الانسان الامريكي على هدىً من ربه, لو صُنع هكذا, وكانت له النفسية التي تبني الدنيا وتبني الآخرة لانتشر الخير في الأرض كل الأرض, ولَعَمّ الهدى ولاستسلمت الدنيا طواعيةً لأمريكا, لأنها ستكون منارة جمال تستهوي القلوب والعقول, إضافة الى ما عندها من قوة في المادة.

لو صنعنا الإنسان المؤمن الوعِي على هدى من فكر القرآن الكريم والسنة المطهرة لكان الإنسان الناهض بكل مسؤوليات الحياة وبأكثر قدر ممكن من النجاح, القرآن هو الذي صنع المجتمع القوي يوم أن ساد, وأخرج الأمة من الظلمات إلى النور, وهو قادر اليوم على ان يخرج الناس كل الناس من الظلمات الى النور, من كل ضعف لا يليق بإنسانية الإنسان وبكرامته وسعادته إلى النور, من كل ضلال إلى النور.

حينما نخسر معركتنا في الدين, لنحقق تقدمًا سياسيًّا، لنتوفر على أكبر قدر من الحق السياسي, لكن سنكون ضالين, وسنحتاج الى إصلاح, وسنظلِم, بلا دين سنكون ظالمين, بلا دين سنبعثر الثروة في غير ما يبني, من غير دين سنكون عونا للظالم في الارض على المظلوم، من غير عزة الدين وكرامة الدين وعبادة الله سنقع اذلاء خاسئين أمام قوة أكبر منا قدرا في الارض, سنكون أتباعا لأمريكا, سنكون أتباعا لروسيا, سنكون أتباعا لأي قوي من الأقوياء في الأرض، وسيقودنا قود العبيد.

من غير أن نربح معركتنا في الدين, لو كسبنا السياسة، لو كسبنا الاقتصاد, لو توسعت ثقافتنا الدنيوية اي توسع, فسيكون كل ذلك علينا وليس لنا, وسيخلق منا أشرارًا في الأرض لا أخيارًا, سيجعلنا حَمَلَة معول هدم لإنسانية الإنسان, ولسعادة الانسان, لا بناةً للحياة على هدى الله.

فإذًا بين أن نَفْتُر في معركة الدين, نتخلف, نتقاعس, نتخاذل, ونتجه إلى أمر آخر فيه بناء حياتنا المادية, فيه مكسبنا السياسي الظاهري إلى آخره… سنخسر كل شيء.

إما أن نبني دينا قويا في انفسنا, في أهلينا, في مجتمعنا, نبني دينا مستكملا لخط الوعي والهدى ولخط الارادة القوية والنية المخلصة والفاعلية والمحركية, حينئذ وإن خسرنا في جوانب أخرى ولا ينبغي لنا ان نخسر ونفرط، إلا اننا سنكون قد بنينا قاعدة قوية نستطيع أن ننطلق منها لتصحيح كل شيء، علينا الا نفرط في الدين, في حياة انفسنا, في حياة أهلينا, في حياة مجتمعنا والا نسمح لأي ظرف من الظروف أن يعطل حركة الدين في المجتمع، فيضل هذا المجتمع ويتيه ويتجه الى منحدر سحيق.

هناك فكر دينيٌ محتضن من الدولة, من أي دولة، وفكر غير محتضن. نحن نعرف ان الفكر الاسلامي قد خانته الدول الاسلامية في وقت مبكر من تاريخ الاسلام، تقدم منه قشورا، تقدم منه ما يخدم سياستها، تحجب عن الامة الرؤية الاسلامية الصحيحة التي تضعها على طريق العزة والكرامة وإخلاص العبادة لله عز وجل والخروج من عبادة الطاغوت. كان فكرا تعاديه القوة، تعاديه السلطة، عداوة القوة، والسلطة للفكر الاسلامي جاءت في وقت مبكر بعض الشيء في تاريخ الاسلام.

الفكر في امتداده يحتاج الى حمَلة، يحتاج الى جهود، يحتاج الى تضحية، يحتاج الى قوة، فكيف امتد الفكر الاسلامي ووصلنا منه ما وصل هدى ونورا لـألاءً صافياً؟ إما ان تكون هناك دولة داعمة تحرك الخامل على خط الدعوة لا خوف في ظلها من التبليغ تفتح المعاهد، المدارس التي تقدم المعرفة الصحيحةن تشكل جماعات الوعي والمؤسسات الواعيةن مؤسسات البحث مؤسسات التبليغ ومؤسسات النور.

رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرأس عملية التبليغ يرأس عملية الدعوة ويغذيها بالوحي وبحكمته العالية. هنا الدين يترعرع هنا، الدين يشق طريقه الى افئدة الناس وعقولهم وحياتهم.
في الصورة الثانية: صورة ان تسيطر دولة لا تهتم بالدين أو تعاديه, وقد ابتلي العالم الاسلامي بهذه الحالة الى امد طويل، فكيف استطاع الاسلام ان يصل الينا؟ في هذه الحالة لابد من تبرع, الدولة لا تتبرع، تنفق، الدولة المؤمنة او الكافرة تنفق على الكفر او على الايمان من خزانتها، وخزانتها ماذا؟ مجموعة من الناس, هذا واضح. في حالة ان تكون السياسة في تصادم مع الدين الحق أو لا تأبه به.. من للدين؟ لابد من متبرع.

خذوا مثالا: هذه الحسينيات المنبثة بعدد كبير في المجتمع لو لم يكن هناك مال متبرع به، اوقاف واموال متبرع بها، وإطعام وعادات حسينية اسبوعيه، اكنتم تتوقعون عددا من الخطباء يمكن ان يتفرغ للقضية الحسينية بمقدار هذه العدد؟ ان تنبني عقول، مستويات فكرية يمكن ان تقدم للناس مفيدا في ظل وضع يفرض على هؤلاء الخطباء ان ينصرفوا الى حياتهم الى تحصيل المعاش اليهم والى اسرهم؟ لا يمكن.

هؤلاء العلماء الافذاد في النجف الاشرف، في قم، لو لم يكن هناك اخماس وهناك اوقاف وهناك تبرعات، أمكن لعشرات الآلاف من الناس ان يتفرغوا لطلب العلم بحيث يكون هو همهم الاول؟ هو محل جدهم بعد عبادة الله عز وجل ليلا ونهارا؟ لا يمكن. أن يظل المؤلف منكبا على أوراقه ليلا ونهارا؟ من أين يأكل من أين يشرب؟! فذلك تبرع بالمال، والتبرع بالمال لا يكفي، والمال يمكن ان يتبرع به حينا ولا يمكن ان يتبرع به حينا آخر، وقد مرت ظروف من فقر ضاغط على هذا البلد وغيره كان لا يمكن معها بذل المال، لابد من مضحين وان جاعوا، لابد من مضحين وان تعبوا، لابد من مضحين وان خافوا، حتى تستمر عملية التبليغ الديني.

ولقد كانت في بعض البلاد الاسلامية ظروف بالغة الصعوبة. في بعض الاقطار الاسلامية التي كانت محكومة للشيوعية الحمراء التي لا تعرف من الدين حرفا واحدا وتعمل على اجتثاث الدين من جذوره من العقول ولو استطاعت ان تخسف الفطرة لخسفتها، في بلدان من تلك البلدان مثل طاجيكستان، وفي ظل التربية الشيوعية والحصار الشيوعي والعنف الشيوعي والقتل الشيوعي كان تحت الارض عمل تبليغي جاهد وصناعة للاسلام.

نقل احدهم طاجيكستي في قم أنه في مدرسة من المدارس هناك يوجد مدارس رسمية يوجد، طلاب مسلمون، منطقة مسلمة، كان يمنع طبعا الدين منعا باتًّا، جاء مفتش فسأل: من يحفظ شيئا من القرآن؟ فقال طالب: أنا احفظ شيئا. ماذا تحفظ؟ فقرأ الحمد كاملة (في تذكري)، أغلقت المدرسة سنة أو لأكثر من سنة، لأن طالبًا من طلاب الابتدائية كان يحفظ سورة الحمد. كانت جبهة في طاجيكستان، (طبعا غلبت، بعد انسحاب الشيوعية منها)، من أين هذا؟ طبعا موجود تربية تحت الارض.

في ظروف الأئمة الاطهار صلوات الله عليهم اجمعين (الجواد، الهادي، العسكري) كانت ظروف قاهرة تضع حجرا شديدا على فكر المذهب، لكن المذهب لم يتعطل، حركة المذهب لم تتعطل، وفكر المذهب لم يتوقف, حوصر, ولكنه استطاع ان يفرض نفسه بدرجة او بأخرى على الحصار.

الفكر الديني اليوم ليس بخطورة الفكر الديني امس، عملية التبليغ اليوم البعيد عن الحس السياسي وعن إثارة الفكر السياسي عملية التبليغ اليوم لا تحمل خطورة ما كانت تحمله بالأمس, صحيح هناك من لا يود ان يسمع كلمة عن الدين اساسا او عن مذهب اهل البيت عليهم السلام، ولكن ليس هناك خطورة على ان ابلغ الفكر الديني ابلغ الفكر المذهبي الذي لا يثير العصبية ولا يثير البغضاء ولا يثير الطائفية، ليست هناك حجة قانونية وليس هناك توجه جدي عملي بشكل اكراهي قاهر لمثل هذه العملية من التبليغ.

فليس هناك اي عذر في توقف العملية التبليغية لنا، وفي هذا الوقت لابد من متبرعين ولا توجد حتى في الظروف العادية، قد لا توجد الاموال الكافية التي تقوم على توظيف العدد الكافي للتبليغ، نحن نريد الفكرة الدينية، التربية الدينية، لا نريدها لعشرة ولا نريدها لمئة، الف من هذا الوطن نريدها لكل واحد, هناك من يذهب للمسجد، هناك من لا يذهب للمسجد، لو فتحت معهدًا هذا المعهد سينضم اليه اناس, لن ينضم اليه اناس، عملية التبليغ لا تقتصر على المعهد، لا تقتصر على المسجد، لا تقتصر على الحسينية. عملية التبليغ يجب أن تدخل كل بيت. من لهذا كله؟ لابد من متبرعين، لابد من ما يسمون بالمتطوعين، لابد من تضحية، لابد من رغبة في ثواب الله عز وجل استعلاء على روح المادة وروح الاجر المادي.

هناك ظاهرة بالنسبة لمركز الشيخ المفيد للمعارف الإسلامية علاقته بالمشاريع والانشطة الدينية، مطلوب له ان يعد لرجالاتها. المشاريع الدينية تحتاج الى قادة محليين، وقائد المشروع الديني له امتيازاته الفكرية والنفسية ورؤيته الموضوعية، له شخصيته الخاصة المتميزة. قد تقدم لنا طبيعة الاشخاص وبصورة تلقائية قادة جاهزين وشبه جاهزين ولكن في الغالب ان القيادة تحتاج الى صناعة ورعاية، وحتى من كان على جهوزية واضحة في مسألة قيادته لو حصل على الرعاية لارتفع مستواه وتقدم.

مطلوب لهذا المركز ان يعطي اهتماما كبيرا في صناعة مثل هذا الكادر القيادي للمشاريع الدينية على خط التعليم والتثقيف، التعليم والتربية والادخال في دورات هادفة، ان يقدم المشورة لها، يجب ان يتوفر المركز ما استطعنا على عناصر قادرة من ناحية امتلاك الخبرة والرؤية والارادة والفهم الديني والوعي الميداني, تكون قادرة على تقديم المشورة للمشاريع والانشطة الدينية في الساحة.
ان يشارك هذا المركز في استحداث الانشطة والمشاريع الدينية المحلية وبنائها، يتفقد كل المناطق المحتاجة الى مشاريع من هذا النوع ليملأ فراغها, ان يحافظ بكل ما يمكن على تقويتها واستمرارها، يدعمها بكل ما يملك ما وجدت حاجة للدعم من اي نوع كان يمكنه.

يتبادل الخبرة معها, وترفده كما يرفدها، قد ترفده برجال من صناعتها، ترفده بخبرة، هذا يكون وسيطا في نقل الخبرة من هذا المشروع لذاك المشروع، أن ايضا تقدم المشورة اليه والنصيحة، هناك تبادل خبرات ورؤى ونصائح بين المركز وبين المشاريع والانشطة الدينية المحلية.

أطرح هنا سؤالا: ماذا لو طالت الازمة السياسية ونحن نتخذ منها عذرا عن الاستمرار في عملية التبليغ؟ انريد ان نقضي على دين الله؟ توقف عملية التبليغ توقف للوعي الديني، للالتزام الديني، امتلاء العقول والنفوس والمشاعر بالبديل الخسيس. اذا اتخذنا من مسألة الحراك السياسي والازمة السياسية عذرا لتوقف التبليغ, وكتبنا على هذا التبليغ ان يتوقف لسنتين وثلاث سنوات فمعناه ماذا؟ اننا نخسر الدين، اننا نفتح الباب للكفر والفسوق والفجور والتميع… الى آخره.

أنت إذا صنعت انسانا سياسيا همه السياسة, ولا بد من السياسة, والمسؤولية السياسية مسؤولية عامة لا تقتصر على شخص، لكنها تكون بوعي ديني ولا تعطل حركة الدين, الحركة السياسية لا تعطل حركة الدين، وتحتاج الى ترشيد ديني، بالعكس في حالة الازمة السياسية تحتاج الى رشد ديني كبير جدا تحتاج الى مواصلة تبليغ ديني.

لو نجحنا في الحراك السياسي وبنينا إرادات قوية جدا، بنينا جرأة وإقداما وتضحية، لكن لا على هدىً من الله, هذه القوة المتفجرة يمكن أن تكون ضد الدين غدًا أو لا؟ يمكن ان تنسف الدين غدًا أو لا؟ يمكن بكل بساطة.

يعني لو بنينا جيلا الآن لا يعرف إلا السياسة, حقوق, ومن غير وعي ديني ومن غير فهم ديني ومن غير بصيرة دينية وأبقينا على كل إشكالاته الدينية تنام في داخله وتتأصل في داخله وتحفر في داخله وتتأسن في داخله, غدًا لمّا تهدأ الأمور تنفجر هذه الإشكالات أو لا؟ تطفح كل هذه الشبهات أو لا؟ يمكن ان تدفع هؤلاء الشباب الى ان يحسوا بانهم قد غُرِروا كثيرا او لا؟ يمكن ان يقع في الشهوات هذه غدًا او لا؟ كل ذلك ممكن. فماذا فعلنا بأنفسنا؟ لا يصح ابدا ان تتوقف عملية التبليغ والتربية الدينية بعذر التفرغ للحالة السياسية.

قرأت في هذه الورقة حالة انسحابات خطيرة جدا مُعَطِلة للتبليغ، وهذا شيء مؤلم جدا. هذه الورقة من مركز المفيد: «المسجل لدى المجلس من مشاريع التعليم الديني 103 مشاريع, المشاريع المستمرة في العملية التعليمية طوال العام – وما في ذكر هنا للتربية – 75 مشروعًا). لماذا هذا الانحسار؟ انحسار, انسحاب من جبهة هي أهم الجبهات.

المشاريع التعليمية في الصيف 28 مشروعا فقط, والمشاريع الصيفية التخريبية ولإفساد الشباب قد تصل الى المئات في الصيف, في العطلة الصيفية, ومدعومة كل الدعم وبقوة, قبالها 28 مشروعا صغيرا في هذه القرية أو تلك, المشاريع التي تأثرت بالاحداث فتوقفت 23 مشروعا, المشاريع التي اكملت بياناتها ضمن قاعدة البيانات لدى مركز الشيخ المفيد 23 من المجموع الكلي 103, المشاريع التي تعاونت مع برنامج مركز الشيخ المفيد في الحوار التشاوري الذي عُقِد مع مشاريع التعليم المتوقفة بسبب الأحداث (10) من العدد المدعو 23 مشروعا. برنامج التأهيل العلمي لمشاريع التعليم الديني في الدورة الأولى للدراسة بالانتساب المدعو لها كل المشاريع الذي سجل 12 مدرسا من 103 مشروع ديني, المشاريع التي تعاونت مع برنامج التأهيل التربوي للدورة الاولى المدعو فيها 21 مشروعا تجاوب 5 مشاريع, المشاريع التي تعاونت مع برنامج التأهيل التربوي الدورة الثانية والمدعو فيها 36 مشروعا تجاوب 3 مشاريع فقط!

عزوف عن دين الله هذا الانكفاء الخطير، هذا انسحاب مخزٍ يا اخوان، انسحاب مخزٍ، هذا تولٍّ عن الصف، حالة ادبار خطيرة، تولٍّ من الزحف، هذه الجبهة الجهادية عالية القدر رفيعة الشأن عند الله عز وجل من دونها يتم الانهزام التام، هذه انساحابات تُسِجِل علينا مسؤولية أمام الله عز وجل, علينا ان نرغب في ما رغّبنا الله تبارك وتعالى فيه، وكل هذا الأمر لا يساوي قُلامة ظفر إن لم يصل بنا الى مرضات الله.

غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

زر الذهاب إلى الأعلى