خطبة الجمعة (497) 7 جمادى الأول 1433هـ ـ 30 مارس 2012م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: الحياة.. حياة القلوب

الخطبة الثانية: تمترس فاشل – قضيّة التعويضات – صوت هذا الشعب أقوى

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل نورَ القلوب في معرفته، وأُنسَها في ذكره، وحياتَها في طاعته، وسموَّها في حبّه، وعزَّها في الذّل بين يديه، وسعادتَها في القرب منه. الحمد لله الذي منَّ على عباده بالتعرّف لهم، وفَتَحَ باب ذكره وطاعته لمتقرِّبهم، وقبل العبادة من مُتعبِّدهم ومُتهجِّدهم، ودلّهم على طريق رضوانه، وفسيح جِنانه، وهو الغنيُّ الذي لا تنفعه طاعة مطيع، ولا تضر بملكه وسلطانه معصية عاص.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أوصيكم عباد الله ونفسي الأمَّارة بالسّوء بتقوى الله، وحمايةِ القلوب من أن تحجبها الذنوب من أنوار معرفته، وعطاءات رحمته، والعقول من أن تغلبها الأهواءُ فتخسر هدايته، والنفوس من أن تتعيّب بعبث الشيطان فتنصرف عن دينه.
وسبيل الحماية من عمى القلب، وتردّي النفس، وخبوّ الفطرة، والسقوط في المستنقع الذي يأتي على إنسانية الإنسان، ويحول بينه وبين كماله وهداه إنما هو مجاهدة الذّات وترويضها على سهل الطاعة لله عزّ وجلّ وصعبها، وعدم الركون للنفس وهواها، وللشيطان ووسوسته، وللجند الذين يخدمون الشيطان، ويدعون بدعوته.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
بك نحتمي ربَّنا من كلّ دعوة مضلّة، ومن كلّ ما يَصدُ عن ذكرك، ويحرم من طاعتك، وينصرف بالقلوب عن معرفتك، ويُفقِدها لذّة محبتك، ويُسقِطها في عينك، ويؤول بها إلى سخطك.
اللهم ارحمنا برحمتك، واجعلنا من أهل رضوانك وكرامتك إنك الحنّان المنّان، الحميد المجيد.
أمّا بعد أيها الأحبّة في الله فإلى هذا الحديث:

الحياة.. حياة القلوب:

قد تبقى الأبدان على حياتها، والقلوب ميّتة، وقد تموت الأبدان، والقلوب على أشدّ حياة.
والإنسان قلب لا بدن، فإذا مات القلب مات الإنسان، وما بقي القلب حيّاً فالإنسان حيّ.
فمن أراد ألا يموت، فليحافظ على حياة قلبه، ومن أراد أن تغزُرَ حياته، وتبقى فليعمل على رفع المستوى لحياة القلب، وليطلب له أشدَّ حياة، وأبقى حياة.
وما حياةُ القلوب، وما تنوُّرُها إلا بذكر بارئها مصدر الهدى والنور والحياة.
ومن عَرَفَ الله وذَكَرَه أحبَّه لجلاله وجماله ونَعْمائه، ولم ينل شيء من قلبه ما يناله من انبهار، وانشداد، وشوق، وتعلّق، وانجذاب إليه سبحانه، ولم يشغله شاغل حبٍّ مثله، ولم يمل به شيء عن قصده، والسعي إليه، والاقتباس من نوره وهداه، وطلب الاسترفاد من أسمائه.
ولندخل الحديث في حب الله على هدى الكتاب الكريم والسنة المطهّرة:

الحبّ الأعلى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}(1).
لن يرى قلب جلالاً وجمالاً يشدّه إلى شيء مهما توهّم فيه من ذلك ما توهَّمَ كما يرى المؤمن الحق مستيقناً من جلال الله وجماله، ولن يرى أحد فيضاً وعطاءاً كما هو الفيض والعطاء من الله.
فأيّ حبٍّ يعيشه قلب لغير الله عزّ وجلّ لا يبلغ حبَّ المؤمن لربّه وهو لا يرى جلالاً إلا من انعكاس جلاله، ولا جمالاً إلا من فيض جماله، ولا يكون له حبٌّ إلاّ من حبّه أو بما فيه رضاه.
وحبُّ المؤمن لربّه لا منشأ له من وهم أو خيال كما عليه حبّ من أحبَّ أنداداً من دون الله.
حبّ الله تمليه على قلب المؤمن كلُّ ذرّة في الكون بما تعجّ به من آيات القدرة والحياة والعلم والرحمة والدِّقة والحكمة، وبما تزخر به ذات الإنسان من فيوضات الله وعطاءاته، وتمليه عليه فطرته المنشدّة إليه، المنفتحة على جلاله وجماله، المتعلّقة به.
وحبّ الأنداد قائم على توهّم القوّة، وتخيّل الاستقلال بشيء من الخير، ولا يمكن أن يقع قلب في خطأ أنّ أحداً من دون الله له ما لله عَزَّ وجلّ من كمال مطلق وجمال وجلال.
ويأتي اليوم الذي ينكشف فيه للواهمين بأن أحداً من غير الله يملك شيئاً من الاستقلال والقوّة أنّ القوة لله جميعاً، وأنْ ليس من قوة ولا استقلال في شيء لأحد ممن سواه على الإطلاق، وحينئذ يندم النادمون ولكن حيث لا يجدي الندم.

اختبر إيمانك ومعرفتك:
عن الإمام الصادق عليه السلام:”لا يمحض رجلٌ الإيمان بالله حتّى يكون الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمه وولده وأهله وماله ومن النّاس كلّهم”(2).
هذا الحبّ كبير وكبير جدّاً جدّاً ولكنّه ليس كبيراً على الله سبحانه وهو المفيض لنعمة الوجود، والحياة والهدى والنور والمعرفة، وصاحب كلّ نعمة، ومن لا حدّ لكماله وجلاله وجماله، ولا كمال ولا جمال إلا من جهته، ولا توفيق لتنزّهٍ إلا من عنده، وهو أرحم بالإنسان من أبيه وأمّه ومن نفسه(3).
فمن عرف الله عزّ وجلّ، وصدق إيمانه به، وخلص إيمانه وصفا لم يفارقه حبُّه، ولم يقع شيء في قلبه موقعه، ولم يبلغ حبّ شيء حتى نفسه مقدارَ ما له من حبٍّ له فيها.
فهذا الحب كاشف عن الإيمان، وكل نقص فيه كاشف عن نقص في درجته المطلوبة، ويتطلّب سعياً من العبد الذي ينشُدُ كماله وسعادته، ويؤمن بحقّ الوفاء لربّه، ويطلب الفوز بالقرب منه سبحانه وتعالى ليعالج به هذا النقص، ويتخلّص منه وذلك بجدٍّ مضاعف في طلب المعرفة، والإصرار على الطاعة، والبعد عن المعصية.
عن الإمام زين العابدين عليه السلام:”إلهي لو قرنتني بالأصفاد، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد…. ما قطعت رجائي منك، ولا صرفت وجه تأميلي للعفو عنك، ولا خرج حبُّك من قلبي”(4).
كل الابتلاءات الثقيلة، والمحن الصعبة، والشدائد الضاغطة لا تغيّر محبّة المحبّين الصادقين العارفين لله، ولا تنال منها، ولا تهزّ رجاءهم في رحمته، ولا تثلِم من إيمانهم بعدله وحكمته، ولا تصرف تأميلهم في العفو عما أتت أيديهم عنه. ذلك لصدق معرفتهم بتنزّهه وجماله وكماله، وأنه العليم الذي لا يضلّ، والحكيم الذي لا يلغو فعله ولا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والرحمان الرحيم الذي لا يأس من رحمته، والمحسن الذي لا ينقطع الأمل من إحسانه(5).
وعن الإمام الحسين عليه السلام في دعائه:”أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتّى لم يحبّوا سواك…” (6).
تلك قلوب شفّت وعلت وسمت بمعرفة ربّها وتوحيده فتمكّن منها حبّه، وشغلها شوقه فلم يشغلها جمال في عباده من عطائه عن جماله، وأذهب عن كل كمال نظرَها كمالُه، وخلصت فارغة من كلّ ذكر لذكره، وكلّ ذلك برحمته ولطفه؛ فإن تحبّ أحداً من أهل طاعته فمن حبِّه، وإن تعظّم أحداً فمنظورها في ذلك تعظيمه(7).
وهذا الحبّ التبعيُّ ما هو إلاّ انعكاس للحبّ الأصل المتجذّر في قلب صاحبه المستأثر به، ولتأكّده وقوته واشتداده. ذلك الحبُّ الأصل الآخذ بالقلب كلّه، والمستولي عليه لا يُبقي حبّاً آخر يأخذ منه موقعاً أيّاً كان ذلك الموقع في ضيقه ومحدوديته. لا يأتي مع حبّ الله في قلب صدق حبُّه له إلا أن يكون من الحبّ التابع له، وما كان المنظور فيه حبّه سبحانه، وهو المحرّك له.
حبّ الغير المفصول عن حب الله عزّ وجلّ نعل وضيعةٌ لا يمكن أن تُصافّ طهر وقدس الحبّ الإلهي في القلب العامر بحبّه.
اسمع هذا في ما عن الإمام المهديّ عليه السلام:”إن موسى ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال: ياربّ إني قد أخلصت لك المحبّة مني، وغسلت قلبي عن سواك – وكان شديد الحبّ لأهله – فقال الله تعالى:{اخْلَعْ نَعْلَيْكَ…}(8) أي انزع حبَّ أهلك من قلبك(9) إن كانت محبّتك لي خالصة، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً”(10).
وإذا كان خوف الله عزّ وجلّ مربّياً، ويستقيم بالنفوس على الصراط، ويبطل كيد الشيطان المفسدَ لها فإن حبّ الله يرتفع بالنفس عن كل دناياها، ويجعل من سموِّها ما يجعل الذنوب عندها مكروهة بغيضة، ويكون طريق الكمال إليه معشوقة، لا معاناة فيها. والحب أدعى للشكر، والشعور بمنّ الله وإحسانه في كل ما وفّق إليه من طاعته، وفتح بابه من عبادته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم إنّا نسألك حبّك، وحبّ من يحبُّك، والعمل الذي يبلّغنا حبك. اللهم اجعل حبّك أحبّ إلينا من كل حب، وشوقنا إليك أعظم من كل شوق، وخوفنا منك أشد خوف، ورجاءنا فيك أعظم رجاء يا أرحم الراحمين.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(11).

الخطبة الثانية

الحمد لله الواحد بلا شبيه، الأحد البريء من التّركيب، الخالق المنزّه عن الشريك، المدبّر بلا مشير ولا معين، ولا نظير، الذي لا معبود بالحقّ دونه، ولا حكم بالأصل لأحد غيره.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
علينا عباد الله الذين خلق، ورزق، وبيده حياتنا، ومماتنا، وإليه معادنا وحسابنا، وهو القاضي بيننا بالحق ولا رادّ لقضائه، ولا مفرّ من عقابه، ولا ملجأ إلى غير رحمته، ولا وسيلة للنجاة إلا مع عفوه أن نطلب رضاه بتقواه، ونتجنّب سخطه بطاعته.
وليس في تقواه إلاّ ما هو لنا، ولا في طاعته إلا ما فيه سعادتنا.
وهو من يستعطي وجوده منه كلُّ موجود، ويسترفد حياته منه كلّ حيّ، ويأنس بذكره كل ذاكر، ويعزّ بعبادته كلّ عابد، ويزداد خيراً بشكره كل شاكر، وهو الكامل المطلق فلا انتفاع له بطاعة المطيعين، ولا تضره معصية العاصين، وإنما رِبْح الطاعة لمن أطاعه، وخسارة المعصية لمن عصاه.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم بلّغنا برحمتك من طاعتك ما نشرف به عندك، ومن عبادتك ما يقرّبنا إليك، ومن قربك ما تتحفنا به رضوانك، وفي قربك ورضوانك أُنسنا وسعادتنا، واجعلنا في درعك الحصينة التي تجعل فيها من تريد يا حنّان، يا منّان، يا جواد، يا كريم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين. وعجّل فرجه، وسهّل مخرجه.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً مقيماً دائماً.
أما بعد فهذه بعض كلمات:

تمترس فاشل:

بَدَلَ أن يستجيب الحكم للمطالب الشعبية العادلة، ويستجيب للإجماع الشعبي العريض الذي يقف وراءها صار يبحث عن كثير من التحصينات أمام حركة الشعب للتمترس وراءها، وكل تحصيناته تتساقط أمام لغة الحقّ التي يتمتّع بها الشعب، وإصراره على الوصول إلى أهدافه المشروعة، وإرادته الحديديَّة، وأساليب مقاومته السلميّة، وسخائه بأغلى التضحيات من أجل دينه وحريته وكرامته، وحقوقه الثابتة التي لا جدال فيها.
وإنَّ أيّ تحصّن، وتمترس يتخذ لإحباط مطالب الشعب سوف لن يصمد إن شاء الله أمام وعي الشعب وإرادته وتصميمه.
تمترس الحكم ببطش القوة الغاشمة(12).
بالعقوبات الجماعية التي لا حساب فيها لكبير أو صغير أو مريض.
بالتيئيس، بالتخوين، بالتهديد، بالتسقيط.
بالوعود الكاذبة، والمواعيد الزائفة.
بالمحاربة في اللقمة وفصل ألوف الموظفين والعمال والطلاب.
بدعوى عمالة الأعداد الجماهيرية الواسعة للأجنبي، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، وهو الشيء الذي ارتكبه النظام نفسه بالاستعانة بالجيوش المجاورة لقمع الشعب(13).
بشراء الإعلام الخارجي المناهض للحق وبثمن باهظ من أموال الشعب.
بمزيد من التنازلات لدول قريبة وبعيدة(14).
بإعلام داخلي بالغ في الزيف والبهتان.
بأخطر ورقة تهدد أمن المجتمع كلّه وعلى مدى طويل، وتشعل فتنة لا تكاد تنطفئ وهي ورقة الطائفية.
بورقة الاختلاف في الانتماءات الفكرية والسياسية.
والورقتان الأخيرتان تستهدفان هزّ ثقة المجتمع بعضه ببعض، وتفتيت اللحمة الوطنية، وعزل المعارضة، وأن يسود الشك المتبادل بين مختلف الفئات الاجتماعية، وتتحارب القوى المختلفة لتكون الحكومة هي الطرف القوي الوحيد الذي يُحكم السيطرة على جميع الأطراف الأخرى، وتتم له الهيمنة الغاشمة على الأوضاع، ويسد طريق الإصلاح والتغيير.
وكم تتحمل الأدوات الحكومية من خطباء وكتّاب وغيرهم من مسؤولية ثقيلة بين يدي الله سبحانه فيما يؤدّونه من دور تخريبي من بث الفُرقة، وتشتيت الكلمة، وزرع الفتنة، وإشعال نار الحقد، وإيقاد نار الحرب بين أبناء الدين الواحد، والوطن الواحد، والأمة الواحدة تآمراً على الجميع، وكيداً بهم، ومناصرة للظلم، وتثبيتاً له، وتوسيعاً من رقعته، وحرصاً على الدنيا، وتزلّفاً للقوة الغاشمة، وطلباً للمال.
وكل الجهود التخريبية للحكومة وعملائها وإن استطاعت أن تزرع روح الشك في مساحة من المجتمع، و أن تضلل جزءاً من الرأي العام إلاَّ أن الحركة الشعبية قد بنت جداراً وطنياً متيناً، وجبهة قوية مقاومة تصر على الوصول إلى حقوق الشعب المسلوبة، وتمتعه بحقه الثابت في الحرية، والكرامة، وتقرير المصير بمن في هذه الجبهة القوية الصامدة من رجال ونساء(15)، وإسلاميين وغير إسلاميين، وشباب وكبار، وتوجهات مختلفة وحَّدهم جميعاً ظلم السلطة الذي ينال الجميع واستبدادها، واستئثارها بالقرار والثروة، والمبالغةُ في البطش وسفك الدماء، وإزهاق الأرواح، والاستخفاف بحرية الإنسان وكرامته، والإصرار على تهميش الشعب، والتعامل معه تعامل السيد مع العبيد.
سيبقى هذا الجدار الوطني الذي انبنى سميكاً متيناً مقاوماً على سماكته ومتانته ومقاومته، وستزداد الجبهة الوطنية الصلبة قوة وتماسكاً وصلابة أمام كل المحاولات للسلطة وأقلامها المأجورة، وإعلامها التخريبي المستهدف لإحداث الخلخلة فيها، وفتح بعض الثغرات في جدارها السميك للتخلّص من ضغط مقاومتها، وإفشال الحراك الشعبي القادر.
ستبقى هذه الجبهة الوطنية الواعية المتراصة عنيدة على محاولات التفتيت، وستواصل مقاومتها حتى ينال الشعب حقوقه الكاملة(16).
ستبقى هذه الجبهة واعية لكل ألاعيب السلطة وإعلامها التخريبي، رافضة لأي استجابة لمطالب السلطة في تفتيتها، ولحمة هذا الشعب.
وستبقى جماهير الشعب المجاهدة على جهادها وتراصّها وبذلها وتضحياتها حتى تحقيق النصر دون أن ترتدَّ بها عن طريقه كل المحاولات.
وإنّ النصر لآت بإذن الله.

قضيّة التعويضات:

لقد أتلفت السلطة أرواحاً كثيرة، ولا زالت تُتلف الأرواح، وأموالاً وممتلكات شعبية هائلة، ولا زالت تُتلِف مزيداً من الأموال والممتلكات، تلك الأرواح، وتلك الأموال والممتلكات تصدّى الرصد لبعضها ولم يتصدّ لبعضٍ لسبب وآخر.
أرواح المواطنين ليست معروضة للبيع في سوق التجارة، ولا يُعوّض عنها المال، ولا يصحّ أن تُطمع المبادلة عنها به القاتل في مزيد من القتل والاستخفاف بحرمة الدماء.
والسلطة التي تتحدث مضطرة عن التعويض بالطريقة التي تخطّط لها لا زالت على عدم احترامها لحقّ الحياة للمواطن، ولا زالت تزهق أرواح الناس وهم في بيوتهم بالغازات السامة آمنين، وتعرض آخرين للموت في المسيرات السلمية.
فما قيمة الحديث عن التعويضات في ظل هذا الوضع المستهتر بالحرمات، والإصرار على سفك دماء الأبرياء؟!!
وماذا يوجع السلطة أن تقتل وتعوّض عن الأرواح الغالية بشيء من مال الشعب الذي بيدها لا من مالها؟!!
لابد في القتل من تسمية القاتل والآمر بالقتل وبعد ذلك يرجع الأمر إلى ولي أمر الدم ليختار ما خيّره الله فيه(17).
الأموال المنهوبة والمسروقة، والممتلكات التي أتلفها رجال السلطة لابد من تعويضها حتى لا يزداد التمادي في الاستيلاء الظالم على أموال المواطنين والإتلاف لممتلكاتهم بروح من الاستخفاف واللا مبالاة، وأن يكون التعويض مكافئاً عادلاً.
ونرجع لمسألة النفوس والأرواح؛ فإنها لن تصان إلا بالانتقال إلى وضعية سياسية عادلة يُحترم فيها حق الشعب وكلمته، ويخاف فيها الظالم عاقبة ظلمه، والقاتل القصاص العادل منه، وتُكفُّ فيها يد المسؤولين عن النهب والسرقة والفتك بالأرواح تحت وطأة لغة العدل وعدم المحاباة(18).

صوت هذا الشعب أقوى:

سيبقى صوت هذا الشعب مجلجلاً عالياً رافعاً ظلامته بكل قوة كما هي تضحياته وبذله في سبيل قضيته، وسيبقى كل ذلك أقوى من كل المحاولات التي تعمل على طمس هذه القضية، وتضييع حقّ هذا الشعب، وإجهاض حراكه، وإبقائه تحت المحنة والعذاب، وإذلال السلطة وقسوتها.
إن الضغوط الممارسة على إهمال القمة العربية في بغداد لقضية البحرين من جدول أعمالها ما هي إلاَّ واحدة من محاولات وخطوات عملية عدّة متكرّرة لتغييب هذه القضية عن الأنظار، وطمس معالمها، وإعطاء الفرصة السانحة المفتوحة للحكم هنا بالتصرف المطلق الغاشم لإسكات صوت الشعبب بكل الأساليب القمعية والوحشية(19).
صوت شعبنا لن يخفت، مطالبته بحقّه لن تتوقف، انطلاقته لن تتراجع، اندفاعته لن تخف، كبرياءه لن تُكسَر، إرادتُه لن تُفل، صمودُه لن يلين، مطالبه لابد أن تتحقق، سعيه لابد أن يفلح، ويتحقق الأمل(20).
وإن القمة العربية وإن أهملت ذكر القضية البحرينية ومحنة هذا الشعب ومطالبه العادلة والإفراط في القوّة الذي تمارسه السلطة، والعقوبات الجماعية التي تنفذها في حقه إسكاتاً لصوته الحر الذي لن يخفت إلاَّ أن رفعها لشعار الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة وحق الشعوب في العدل والحرية والكرامة يدين أغلب أنظمتها(21)، ويعترف بمشروعية حركة الشعوب المطالبة بالحق والحرية، ويفتح الباب واسعاً أمام الربيع العربي ليستكمل مهماته الضرورية في الساحة العربية، ويعم كل شبر منها بالإصلاح والتغيير.
فللشعوب أن تقول للأنظمة من فمك أدينك.
فبوركت الحركة التحررية للشعوب.
والاعتماد على الله.
وما النصر إلا من عنده.
والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
يا الله يا من لا نصر إلا لمن نصره، ولا خذلان إلا لمن خذله، ولا حول ولا قوة إلا به انصر عبادك المؤمنين نصراً عزيزاً مبيناً ورد عنهم كيد المعتدين.
اللهم ارحم شهداء الإسلام وشهداءنا، وجميع من توفي على الإيمان، واشف المرضى والجرحى المؤمنين ومرضانا وجرحانا، يا رؤوف يا رحيم، يا كريم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (22).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – 165/ البقرة.
2 – بحار الأنوار ج67 ص25 ط3 المصححة.
3 – ومن كان كذلك فحبّه لابد أن يكون عظيماً عظيماً وغير مترام.
4 – مصباح المتهجد ص590 ط1.
5 – كل ذلك يوفّر لهم رصيداً يجعلهم ثابتين على الإيمان، راسخين في إيمانهم، في أشدّ العواصف، وأقسى الزلزال.
6 – ميزان الحكمة ج1 ص502 ط1.
7 – فالمؤمن يعظّم رسول الله صلّى الله عليه وآله تعظيماً أولاً وبالذات لله، وما تعظيمه له صلى الله عليه وآله وسلم إلا من تعظيمه لربّه، ماذا نعظّم في رسول الله؟ علماً؟ علمه من عند الله، وشيء محدود من علم الله. رحمته؟ رحمته من رحمة الله ومن عطائه. كل ما في رسول الله صلّى الله عليه وآله مما نعظّمه محدود وفي الله غير محدود، وهو من عطاء الله ومنّه وجميله.
8 – 12/ طه.
9 – حب الأهل في القلب نعل بإزاء حبّ الله الأقدس.
10 – كمال الدين وتمام النعمة للشيخ للشيخ الصدوق ص460.
11 – سورة التوحيد.
12 – حتى بالغ في ذلك وأسرف.
13 – والشعب من كل ذلك بريء براءة الذئب من دم يوسف.
14 – وعلى حساب الشعب، وعزّة الشعب، واستقلال البلد.
15 – يعملون على التفريق بين الرجال والنساء، ويعملون على التفريق بين الإسلاميين وغير الإسلاميين، ويعملون على التفريق على كل المستويات. لابد أن نبطل كل هذه المحاولات. وللشعب وعي كامل لإبطالها.
16 – هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر، النصر للإسلام).
17 – لابد أن يُرجع إلى ولي أمر المقتول (الشهيد) ليختار ما خيّره الله في أمر قاتله.
18 – ما لم يتصحّح الوضع السياسي فلا تُعالج مسألة الدماء والأعراض والأموال بأي طريق من الطرق وبأي تعويض من التعويضات.
19 – هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة) (لن نركع إلا لله).
20 – إن شاء الله.
21 – أغلب أنظمة القمة العربية مُدانة بلغتها نفسها حيث تعترف بحق الشعوب في الحرية والكرامة والعدل. بينما تمارس على الأرض ما هو فيه إذلال الشعب ودوس كرامته، وسحق دينه ومصلحته.
22- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى