خطبة الجمعة (495) 22 ربيع الثاني 1433هـ ـ 16 مارس 2012م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: الحزن بين الهدم والبناء

الخطبة الثانية: رسائل التاسع من مارس – ليست إنتخابات 

 

الخطبة الأولى

الحمد لله غير المسبوق بالعدم، ولا وجود لموجود قبله، ولا يأتي عليه عدم، ولا موجود إلاّ من خلقه. خلق الزمان والمكان والكيف فلا يحويه مكان، ولا يحدّه زمان، ولا يعرضه كيف، وأَمْرُ كلّ شيء بيده فلا يؤثّر عليه شيء، ولم يخلق الأشياء من حاجة، ولا لاستكمال. ذلك أن الله هو الغنيّ الحميد، ولا يجد شيء من خلقه خيراً إلاّ ما أعطاه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقوى الله، والنصيحة لها بحَمْلها على طاعته، والنأي بها عن معصيته، فلا خير لها إلاّ في طاعة الله، ولا نجاة لها حينما تختار معصيته. من استمسك بغير الله فما هو مستمسك إلاّ بالعدم. والمستمسك بحبل الله، ومنهجه، وطاعته واصل إلى الخير والهدى والنور، محرز للصلاح والفلاح، بالغ كماله، محقّق غايته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم تجاوز عنّا، وامح سيئاتنا، وضاعف حسناتنا، وأصلح سرائرنا، وأحسن عاقبتنا، ولا تخرجنا من الدّنيا حتى ترضى عنّا يا رحمان، يا رحيم.
أمّا بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى هذا العنوان:

الحزن بين الهدم والبناء:

هناك حزن يهدم النفس، يهدِم الصِّحة، يُهير القوى، يُفقِد الاتّزان، يُعطِّل الحركة النافعة، يقعد بصاحبه عن الكمال. مثاله الحزن على ما فات من أمر الدّنيا، وما امتنع أن تنالَه النفس من أمنياتها، ويعجز أن يصل إليه الإنسان بأي جهد مما يبذل.
وحزنٌ آخر يبني النفس، يستنهض العزم، يدفع للحركة المثمرة، يضع صاحبه على طريق الكمال. ذلك هو الحزن على النفس أنْ بَعُدَت عن الله، أنْ أغضبته، أنْ قلَّ حظّها من الكمال حين خفّ طمعها، وجِدّها على طريق طاعة ربِّها وعبادته.
إنَّ طريق العودة إلى الله مفتوح، والعودةُ الجادَّة إليه مقبولة، ومن صَدَقَ توجّهه لله سبحانه أعانه على نفسه، وأبدله قوَّة عن ضعفه، وبارك جهده، ومن تقرَّب إليه ذراعاً تقرّب إليه سبحانه باعاً، وأمدّه بعزم الطاعة والتقرّب، والتوفيق، ولم يُسْلِمه ليأس ولا قنوط.
ومن شاقه أن ينال رضى الله، وعَظُم أمر الآخرة في نفسه لم تُعِقْه العوائق عن طلبه، ووجد المُعين له على نفسه، وعلى غيره من ربّه، ولم يرجع بالخيبة عما رجا، وبالفشل عمّا أمَّل.
ومن كَبُرت منه رغبته في الدُّنيا، وكانت أمنيته الكبرى لم يُشبعه ما جنى منها، ولم يُقنعه ما اجتمع بيده من متاعها، وبقيت نفسه تلحّ على طلب ما لا يمكن لها، وما تَحول الموانع بينها وبينه؛ فكان ما صار إليه من دنياه كأنْ لم يصر، وما اجتمع لم يجتمع، وأحسّ بالفقر رَغم غناه، وبالفاقة رَغم سعته، وقَتَله الحسدُ لنعمة غيره حتّى ممن هو أقل منه نصيباً من الدنيا، وودّ أنْ لو انتزع من فيه لقمته ليُضيفها إلى ما عنده، وأحاطت به الهموم لأنَّ الدنيا لم تجتمع كلُّها بيده، ولم تكن بكلِّ مقاليدها في تصرُّفه.
وإذا كان الشّوق إلى الله سبحانه والاستكمال على طريقه يزيد من الشوق إليه، والتطلّع الأكبر إلى التقرُّب منه؛ فإنَّ في كلّ شوق إلى الله بناءً للنفس، وفي كلّ استكمال رِفعةً لها يُنقذانها من الضّعف والحسد والحسرات والحزن المُحطِّم، ويرفعان عنها عوائق الاستكمال المضاف الجديد.
وذلك على عكس ما عليه الحزن على الدُّنيا من إثارة الحقد والحسد ومواجهة الموانع من الاستحواذ على كلّ ما فيها، وهو حزن مبلِّد، يسدُّ على النفس منافذ الهدى والنور والصلاح، ولا يمدُّها بالقوّة والصّمود؛ نعم قد يدفعها للانفلات والجنون، والانتحار.
نقرأ من كلمات الإمام علي عليه السلام عن أثر الحزن:
“الهمُّ نصف الهرم”(1).
“الهم يذيب الجسد”(2).
“الحزن يهدم الجسد”(3).
“الغمّ مرض النفس”(4).
وتذكر أحاديث عن المعصومين عليهم السلام عدداً من الأسباب التي تورث الحزن، فمن ساءه هذا المرض، ورَغِب في الفِرار منه فلينأى بنفسه عن هذه الأسباب(5):
عن الصادق عليه السلام:”الرغبة في الدنيا تورث الغمّ والحزن، والزهد في الدنيا راحة القلب والبدن”(6).
الرغبة المفتوحة في الدنيا لا تشبعها كلُّ الدنيا، وتُحدِث للنفس لهاثاً وراء ما لا يمكن أن تناله النفس فتتقطّع من أجله حسرات.
الرغبة في الدنيا تمتدُّ بنظر من سَكَنَت نفسه إلى ما في أيدي الناس مما لا يمكن أن تطاله يده، فيكون نصيبه الحزن والأسى.
عن الرسول صلَّى الله عليه وآله:”من نظر إلى ما في أيدي الناس طال حزنه، ودام أسفه”(7).
ولكثيراً ما أعقبت شهوةٌ قادت صاحبها فضيحةً وعاراً دائماً، أو أوقعته في سقم خطير، أو خوف مقيم، وأذاقته حزناً طال أمده، وهمّاً أفسد عليه الحياة. فعنه صلّى الله عليه وآله:”ربَّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلاً”(8).
الرُّوح العدوانية مع عدم القدرة على الإضرار سَبَبٌ من أسباب الحزن.
عن الإمام علي عليه السلام:”من غضب على من لا يقدر أن يضرّه طال حزنه، وعذّب نفسه”(9).
والحسد واحد من هذه الأسباب، فعن الإمام نفسه عليه السلام:”ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد نَفَس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم”(10).
وخُذ ما عن الرسول صلَّى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية {لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}(11) قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله “من لم يتعزّ بعزاء الله تقطّعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه”(12).

وقاية وعلاج:

كما أنَّ هناك ما يوقع في الحزن ويسوق إليه، هناك ما يقي منه وينقذ من أسره وأذاه:
1. {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(13).
الذين يتولَّون الله، ويعيشون اليقين بأنه وليّهم، المتكفّل بهم، المدبّر لشأنهم ولكل أمورهم، ويعرفون من عظمته ورحمته ولطفه وقدرته وعلمه ما يعرفون لهم من ذلك ما يجعلهم في حصن من هجمة الأحزان والهموم وكل أنواع الضعف مما يعرض على قلوب الناس ونفوسهم، ومما يعتور الإنسان من مصائب وشدائد في هذه الدنيا.
فاليقين بالله، وما يعطيه النفس من صبر قوي رضىً بقدره، وطمعاً في ثوابه يطرد الحزن، ويخلِّص النفس منه فعن الإمام علي عليه السلام:”نِعْمَ طاردُ الهموم اليقين”(14).
“اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين”(15).
تَخَلُّصُك من واردات الهموم، وسحائب الغمّ بيقينك بالله سبحانه، وقدرته، وعلمه، وحكمته، وعدله، ورحمته، وبما يُنشئه ذلك من صبر يعطيك العزيمة والصبر والصمود في الشدائد والمحن مما قد تذوب له النفوس.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تجعل حزننا على الدنيا، واجعلنا ممن يحزن لذنبه، ويُغمّ لإثمه، فيُسرع به ذلك إلى التوبة، ويدفعه للأوبة، فلا يعود في معصيتك، ولا يتخلّف عن طاعتك بمنّك ورحمتك يا رحيم، يا رؤوف، يا جواد، يا كريم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(16).

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لم يُغْلِق عن طالبيه أبوابَ معرفته، ولا عن موحِّديه أبوابَ الأُنس بذكره، ولا عن عابديه أبوابَ جنّته، ولا عن التائبين أبواب مغفرته، ولا عن المسيئين أبواب الأوبة إليه، والرجوع إلى طاعته.
عمّت رحمته كل شيء، ولا حرمان إلا لمن حرم رحمه من رحمته، وكابر الهدى مكابرة، واستمر في عناده وجحوده ومكابرته حتى سدّ منافذ العدى عن قلبه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلَّى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، والنظر إلى يوم المنقلب، ويوم يُحشر الخلائق فُرادى بين يدي العليّ القدير الله العليم الخبير. يوم لا ينفع جمع، ولا تُغني نفس عن نفس شيئا، ولا مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلب سليم.
فلنَصُنْ القلوب عن فسادها بالتفكّر والتدبّر، والعمل الصالح والتقوى من كلّ شرك وسوء ظنّ بربّها، ولنجاهد النفس على التقوى والاستقامة على الصِّراط مستعينين بالله، ملحّين على طلب الهداية منه، ودحر الشّيطان الرّجيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم اسلك بنا سبل الوصول إليك، وأقربها إلى رضاك، وأيسرها إلى نيل غفرانك، والطف بنا ربَّنا في أمر الدّين والدنيا والآخرة يا حميد، يا مجيد، يا رؤوف، يا رحيم.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على نبيك المصطفى خاتم النبيين والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً دائماً مقيماً.
أما بعد أيها الأحبّة في الله فإلى هذا العنوان:

رسائل التاسع من مارس:

ألف تحيّة لجماهير شعبنا الواعية رجالاً ونساءاً، شيباً وشباناً ومن كل الأعمار من الذين عبّروا بإرادتهم الحرَّة في مسيرة التاسع من مارس عن مطالبهم السياسية والحقوقية العادلة في إعلان صريح بأنه لا تراجع عنها، ولا تزحزح.
لقد كان احتشادكم الهائل لإبلاغ عدة رسائل إلى كل من له دخل في قضيتكم، وقد نجحتم كلّ النجاح في إبلاغ رسائلكم:
لقد احتشدتم الحشد المهيب لتقولوا نحن رجالاً ونساءاً صفٌّ واحد لا يفرّق بيننا مفرِّق من أجل عزتنا وكرامتنا، وخروجنا من ربقة الذل إلى الفضاء الفسيح؛ فضاء الحرية والانعتاق(17).
احتشدتم بمختلف انتماءاتكم لتقولوا بأنَّ اختلاف الانتماءات لا انعكاس له بشيء من الوهن على الموقف الوطني الموحّد الصلب الثابت من مطالبنا الوطنية العادلة.
احتشدتم وإن كان هناك تباين بدرجة وأخرى في وجهات النظر العملية لتقولوا بأن شيئاً من هذا لا يمكن أن يثلم وحدة الصف، ووحدة الموقف، ووحدة الكلمة المجاهدة، ولا يمكن أن يكون عائقاً في يوم من الأيام عن الدفاع المشترك عن الحقوق المسلوبة، والحرية المصادَرة، والكرامة المضيّعة. أو يكون مَدخلاً لفرقة تُوهِن من قوّة هذا الشعب، وتسمح باستمرار إذلاله.
احتشدتم من كلّ الشرائح والمستويات الثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والعمرية لتقولوا بأنَّ هنا قضية أجمع عليها الشعب وليست هي قضية شريحة من شرائحه، أو فئة من فئاته لِتُتّهم بطيش أو تآمر أو خيانة.
احتشدتم بكل تلاوينكم وبشعاراتكم الوطنية الخالصة لتدحضوا افتراء المفترين على أن للخارج يداً في تحرككم ومطالبكم الضرورية الوطنية.
احتشدتم لتقولوا ها هو الشعب في الشارع، ولا حلَّ إلا بالرجوع إلى الشعب، لا حلّ إلا باستفتائه.
احتشدتم لتقولوا للقوّة الباطشة وللخداع السياسي، وللإسناد الخارجي المعادي لمطالبكم(18)، وللسكوت المخزي على ظلمكم لا تراجع لا تراجع، لا تنازل لا تنازل(19).
احتشدتم لتؤيسوا كلَّ من يراهن على تراخي إرادتكم، وتراجع عزمكم لطول المدة، وبعد الطريق.
احتشدتم لتبرهنوا على سلميتكم وحضاريتكم وانضباطكم واستعدادكم لمواصلة البذل والتضحية والعطاء.
احتشدتم من أجل كلّ ذلك، وحققتم ما احتشدتم من أجله بكل نجاح فألف تحية لوعيكم وعزمكم وتصميمكم ومثابرتكم، إيمانكم بحقكم، تمسككم بقضيتكم، استرخاصكم للتضحية في سبيل الحق(20).
نعم، ألف تحية لوحدتكم، عقلانيتكم، سلميتكم، مواصلتكم الطريق، نَفَسكم الطويل، إصراركم على مطالبكم، أخلاقيتكم العالية، وعيكم السياسي. ذلك كله هو سلاحكم في معركتكم العادلة التي تخوضونها من أجل حقّكم وحريتكم، وعزتكم، وكرامتكم، ومصلحة وطنكم وأمنه واستقلاله وشرفه، وهو سرُّ قوتكم، وطريق نصركم بإذن الله؛ فلا تفريط في شيء من أسباب القوّة، وأسباب النصر، واتّحدوا وتوحّدوا فلا نصر في فرقة، ولا عزّ في تشرذم( 21).
لقد كنتم منسجمين جدّاً في اندفاعكم متدفقين لاحتشادكم الهائل في التاسع من مارس مع وعيكم الدّيني، والوطني، وتمسّسكم الشديد بعزتكم وكرامتكم، وإيمانكم البالغ بحقوقكم السياسية والدينية والاجتماعية وسائر ما سُلِب منكم من حقّ، وإصراركم على مواصلة الجهاد لتأخذ الأمور مجراها الصّحيح، ويحكمها الحقّ والعدل، وتكون لكم مكانتكم اللائقة.
إنَّ الواقع الذي تحقّق على يدكم في التاسع من مارس ليفرض على الحكم أن يحترم إرادتكم، وإذا لم يحترم إرادتكم فهو الخاسر.

منطقان:

منطق للحكومة، ومنطق للشعب:
منطق الحكومة في مواجهة المطالب الشعبية العادلة: سنستمر في القتل والتعذيب والقمع من أجل استمرار الظلم والاستفراد والأثرة(22).
منطق الشعب: سنستمر في المطالبة بالحقوق المشروعة، سنستمر في البذل والتضحية من أجل الحرية والعزة والكرامة ومرجعية الشعب في تقرير المصير(23).
أحد المنطقين بغيٌ وظلم، والآخر عدل وحق لا يعلوه غبار.
وهل يشتبه مشتبهٌ في ما هو منهما عدل، وما هو جور؟!
في ما هو منهما حقّ، وفي ما هو باطل؟!
في ما هو من الطرحين يجب أن يختفي، وما يجب أن يظهر، أن يستحيي صاحبه أو يفخر؟!(24)
لقد أخطأ كل من كان في نظره أن يُقابل الحضور الجماهيري الواسع النموذجي في التاسع من مارس بالعدوانية أو الاستخفاف والإهمال.
لم يكن ذلك الحضور المتميّز المتنوّع المكثّف عدوانيّاً لِيُقابَل بروح من العدوانية، ولم يكن هازلاً ليقابل بالهزل، ولم يكن بكمّه، وكيفه، وتنوّعه قابلاً للإنكار والإهمال ليُهمل، وليست قضيته قضية عابرة لِتُنسى، أو سطحية يمكن تجاوزها.
إنها قضية شعب مصيرية أعطاها من دمه وماله ونصبه وتعبه وعذاباته، وسجن أبنائه وبناته وأمنه وجهده وجهاده، وقيامه من أجلها ثابت، وحركته على طريقها لا قابلية فيها للتوقُّف.
قضيتكم، مسيرتكم، منطقكم لا يصحّ أن يُقابَل أبداً بالتبجُّح على القدرة على الفتك والقتل وتحكيم السيف في الرقاب، وتوجيه الرصاص والقذائف للصدور والرؤوس(25).
وليس فخراً أن يتبجح جيش بلد بقدرته على سفك دم أبنائه وحصدهم في ساعة أو ساعات. إنَّ هذا التبجح لهو العيب نفسه وأشد وأقبح العيب في بابه.
كما تستطيع الجيوش أن تقتل الأبرياء المسالمين من أهل الحق، تستطيع ذلك الوحوش، وكما يمكن لجيش أن يصفّي شعباً بناه لحماية الوطن من أعداء الشعب والوطن يمكن للحشرات وللميكروبات أن تفعل ذلك(26).
فأين مكان الفخر في هذا العدوان؟!
الفخر لجيشٍ يحمي العدل والحق والدين الحرية والكرامة، ولشعب يقبل الموت في سبيل ذلك، وإنْ غُلِبَ على أمره، وتأخّر نصره، وضحّى بالكثير(27).
لقد قرّر الشعب بأن يواجه منطق القوة المادية الباطشة وكلّ هذا التبجّح بكل صبر ورباطة جأش وبسالة، وروح تضحوية منفتحة لا غروراً ولا طيشاً وإنما هو إيمان بالحق والعدل واستجابة للدين في الاعتزاز بالحرية والكرامة.
قرّر ألا تراجع بدون تحقيق مطالبه والاعتراف له بموقعيته.
وقرّر أن لا حقّ وسجين من سجناء حراكه وثورته السلمية وراء القضبان(28). لا حل ومحاكمة واحد من متّهمي الحراك الشعبي الحقّ باقية.

ليست انتخابات:

الحراك الشعبي.. عذابات الشعب.. تغييب أحراره في السجون… النيل من كرامة الأعراض، الاستنشاق القسري للسموم، خسارة الأموال، الدماء، الأشلاء… كل الفجائع والشدائد التي تحمّلها الشعب إنما هي من أجل أن يقول كلمته في رسم خطّه ومصيره وحكمه وسياسة وطنه، ويتمتع بمرجعيته الحقيقية في ذلك كلّه.
هذا الهدف وكل الجهود والتضحيات المبذولة على طريقه مصادرة جذرياً في ظل أي صورة تأخذ شكلاً ديموقراطياً ولو متقدّماً عندما يتمّ توزيع الجوازات البحرينية على مختارين من دول الخليج غير البحرين لغرض إعطائهم حقّ الترشّح للحياة النيابية والانتخاب بدرجة أولى ليفقد صوت المواطن البحريني الحقيقي كامل قيمته، ويتحول المطالبون بالحقوق المضحّون من أجلها إلى أقليّة ضئيلة في بحر مجموع الأصوات الانتخابية بما فيها كمُّ كبير مستورد ليفسد العملية الانتخابية، ويسحب منها قيمتها(29).
انتخابات من هذا النوع شكلية لا حقيقية، هازلة لا جادَّة، حكوميّة لا شعبية، مفروضة لا اختيارية، ضارَّة بالشَّعب لا نافعة، ولا يمكن أن تُقبلَ شعبياً، أو تنال من الشعب موافقته.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أصلح لنا جميعاً شأننا كلّه للدّين والدنيا والآخرة، وسدّد خطانا على طريقك، وانصرنا نصراً عزيزاً مبيناً دائماً، وأخرجنا من كلّ سوء يا كريم يا رحيم، يا قويّ يا عزيز، يا جبّار يا قهّار، يا عليم يا حكيم.
اللهم ارحم شهداءنا وكل شهداء الإسلام، واشف الجرحى والمرضى، وأطلق سراح الأسرى والسجناء من المؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (30).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – تحف العقول ص111 ط2.
2 – ميزان الحكمة ج1 ص610 ط1.
3 – المصدر السابق.
4 – المصدر السابق.
5 – ويهرب منها.
6 – تحف العقول ص358 ط2.
7 – أعلام الدين في صفات المؤمنين ص294.
تقع عينه على سيارة الغير، على بيت الغير، حتى على ثوب الغير، على شيء من متاع الغير لا يمكن أن يصله، فيترك ذلك في نفسه همّاً وحزناً لتعلّقه بأشياء الدنيا.
8 – الأمالي للطوسي ص533 ط1.
لماذا أسقطته، أمرضته، عرّته، وجد نفسه لا يساوي بعوضة في الناس، هي شهوة ولكن فعلت به كلّ هذا، فحقّ له أن يحزن.
9 – تحف العقول ص99 ط2.
10 – بحار الأنوار ج70 ص256 ط3 المصححة.
الحاسد في عذاب يعيشه داخل نفسه، قلبه يتقطّع، قلبه محترق لنعمة الغير.
11 – 88/ الحجر.
12 – بحار الأنوار ج74 ص116 ط3 المصححة.
والرواية مروية عن الإمام الصادق عليه السلام. 13 – 62/ يونس.
تولّ الله، اكتف بالله، ثق في الله، تيقّن برحمة الله، استغن بالله تكن القوي الذي لا ينفذ إلى قلبه ضعف.
14 – كنز العمال ج16 ص181.
15- نهج البلاغة ج3 ص55 ط1.
16 – سورة العصر.
17 – الذي يُشدِّد عليه الدين.
18- ولكل التجييشات التي تناهض إرادتكم.
19- هتاف جموع المصلين بـ(الله أكبر، النصر للإسلام).
20- نجحتم كلّ النجاح في إبلاغ رسائلكم.
هتاف جموع المصلين بـ(معكم معكم يا علماء).
21- هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
22- هتاف جموع المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
23- هتاف جموع المصلين بـ(لن نركع إلا لله).
24- واضح جدّاً ما هو المنطق الحق من هذين المنطقين، وما هو المنطق الباطل.
25- هذا التبجُّح بالقوة الباطشة ليس مما تُقابَل به مسيرة سلمية تنادي بالحقوق المشروعة الثابتة. مسيرة سلمية عقلانية منضبطة.
26- فهل هذا فخر؟!
27- هتاف جموع المصلين بـ(لبيك يا بحرين).
28- من ينتظر الموت منهم وغيره.
هتاف جموع المصلين بـ(لا تراجع لا تراجع).
29- هتاف جموع المصلين بـ(فلتسقط الحكومة).
30- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى