كلمة آية الله قاسم ليلة عيد الغدير – الدراز 14-11-2011م

 

كلمة ليلة عيد الغدير

إفتتاح مأتم سيد علي بالدراز

17 ذو الحجة 1432هـ، 14/11/2011

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين والطاهرين.

إذا وُجد للإسلام أن يكون على واقعة في الأرض في صورته السماوية الأصل، يحمل العدل الإلهي في الأرض، تسعد به البشرية، فلا بد من عودة إلى خط الغدير. إذا نظرنا إلى واقع الأمة اليوم، وواقع لا ينكر أحد بأنه واقع مترد إلى أقصى حد، لولا هذه الصحوة الإسلامية التي بدأت تنتشر، وواقع الأرض كله واقع سيء مرير، ونحن نعرف أن الإسلام جاء قبل ألف واربعمائة سنة وأكثر، فأين أثر الإسلام في الأرض؟ للإسلام أثر في الأرض ولا شك ولكنه أصغر مما كان يرتقب من الإسلام.

جاء الإسلام ليكون المنقذ إلى البشرية من كل مشاكلها، وليصنع أمة تقود الأمم، وتضعها على طريق الله، ويُوجدُ منها أعز أمة، وأقوى أمة، وأسمى أمة. أين هذا الواقع؟ لئن كانت ما أخذت به الأمة من طريق هو طريق الإسلام، فإن الواقع السيء اليوم يسجل فشلا للإسلام[1]. إذا كانت الأمة اليوم هي الصناعة الإسلامية، وإذا كان الخط الذي أتخذته الأمة هو الخط الإسلامي الأصيل، إذا كان الخط المتمثل في الحكم الأموي، في الحكم العباسي، في الحكم العثماني، فيما بعد ذلك، هو الخط الإسلامي الأصيل وكانت نتيجة هذا الخط المدعى له بأنه إسلامي أصيل هي هذه الأمة المتخلفة المنهوبة، الأمة التابعة، الأمة المشرذمة التي تحترب في داخلها، فهذا الواقع يسجل فشلا ذرعيا على الإسلام وعلى حكم القرآن، وحاشا القرآن أن تكون نتيجة هي هذه، حاشا الإسلام أن تكون نتيجته هذه الأمة وهذا الواقع. أين أكملت لكم دينكم؟ أين أتمتت لكم نعمتي؟ أين رضيت لكم الإسلام دينا؟

الإسلام الذي يرضاه الإسلام دينا، النعمة التي أتمها الله، الدين الذي أكمله الله،  نتيجة النهائية هذه الأمة؟ أحد أمرين، إما أن الخط ليس هو الخط الإسلامي الأصيل، الخط الذي سلكته الأمه حكم أموي، حكم عباسي، حكم عثماني، هذا الاهتراء وهذا التمزق وهذه الدويلات المتعددة. إما أن يكون هذا الخط ليس هو الخط الإسلامي الأصيل، وأما ان يكون الإسلام فاشلا بالكامل، أي الأمرين تختار الأمة؟ أي الأمرين يختار المتدييون في الأمة؟ الغدير كان ضرورة وفرطت فيها الأمة -هذا رأينا-

في رسالة من معاوية لعلي عليه السلام “ألا وإنما كان محمد رسول الله من الرسل إلى الناس كافة، فبلّغ رسالات ربه لا يملك شيئا غيره”، معاوية يحدد وظيفة الرسول في التبيليغ،  جاء يحمل رسالة من الله إلى الناس كافة، بلّغ هذه الرسالة، هل له دور ثاني؟ هل له حاكمية؟ هل له دور قيادي؟ هل له دور سياسي؟ هل هو الذي يقود حركة التاريخ للأمة؟ هل يُصنع حاضر الأمة ومستقبلها على يديه الشريفتين؟ لا، كل ذلك ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله،  هذه الرسالة من معاولة لعلي عليه السلام.[2]

“ألا وإنما كان محمد رسول الله من الرسل إلى الناس كافة” هناك أعتراف برسالة رسول الله، “فبلّغ رسالات ربه لا يملك شيئا غيره” رسول رسول، إما حاكم فلا، قائد لا، له أمر ونهي في الناس لا، حامل لرسالته، وبلغ رسالته وكفى. وبعد ذلك من يتولى تنفيذ الرسالة؟ معاوية. معناه أن الرسول له حاجة، أنتهت مهمته. مسئولية تنفيذ الرسالة، مسئولية تطبيق العدل الإلهي، مسئولية فهم العلم الإلهي الذي يحمله الكتاب الكريم هي مسئولية معاوية، مسئولية يزيد، ومسئولية أي أحد، مسئولية رؤساء جمهوريات، علمانيين، ملوك، أمراء، وغيرهم. هل هذا هو الإسلام؟

ماذا يجيب الإمام علي عليه السلام؟ جوابه عليه السلام “والذي أنكرت من إمامة محمد صلى الله عيه وآله”،[3]والذي أنكرت من إمامة محمد صلى الله عيه وآله زعمت أنه كان رسولا ولم يكن إماما، فإن إنكارك على جميع النبيين الأئمة، لكنا نشهد بأنه كان رسولا نبيا إماما” عل بن إبي طالب يسلم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وأله،وأن الرسول لم يأتي ليبلغ رسالة فقط، جاء يبلغ رسالة ويقود الأمة والبشرية على خط الرسالة، ليوصلها إلى أهدف الرسالة، منطلقه الرسالة في القيادة، خطه الرسالة، هدفه هدف الرسالة، وما هو هدف الرسالة؟ ألا يعبد ألا الله، هل في المحراب فقط؟ أم في المحراب، والسوق، والدائرة الرسمية، وفي ساحة السلم، وفي ساحة الحرب، والأقتصاد، والسياسية وكل شيء؟ كل المساحة لله عز وجل، كل الحياة لله عز وجل، عبادة شاملة، لا يكون فيها معبود آخر لا في مجال السياسة ولا أي مجال آخر إلا الله سبحانه وتعالى. هذا هو الصراع.

نصائح، مواعظ لا أثر لها في الحياة أمر مقبول -لحد الآن- ، قرآن يتلى في الإذاعات أمر مقبول، أتريدون قرآنا يتلى أربعا وعشرين ساعة؟ من أراد أن يسمع القرآن أربعا وعشرين ساعة فهو ممكن، إذا لم تكفي خمس إذاعات للقرآن تُفتح ألف إذاعة للقرآن. التجويد موجود، لكن ليس للقرآن أن يحرك ساكنا في الأوضاع، أن يعطي كلمة في الأوضاع، ليس للقرآن كلمة في المال، ليس للقرآن كلمة في الأرض. هذه الأرض لمن؟ كيف توزع؟ لا ليس للقرآن هذا، ليس للقرآن كلمة في مجال الحكم، والطاعة في الحكم، والطاعة هي العبادة، التشريع، إذا كان لغير الله التشريع في المساحة السياسية، والمساحة الاقتصادية، في كل المساحات التشريع للبشر، والطاعة للبشر لهذا الحاكم، فمن المعبود؟ لا تشريع لله في سياسية وفي اجتماع وفي اقتصاد، ولا حاكمية لرسول الله ولا للإمام منصوب من الله، إنما التشريع والحاكمية لواحد من الناس تكون أظافره أطول، وأنيابه أقوى، صاحب آلة فتاكة، يكون له حق التشريع وحق الطاعة في التنفيذ، ومن لم يطعه يقتل، عليك أن لا تطيع الله. رسول الله جاء ليبلغ رسالة، ولا أردي أتعطل هذه؟ وهذه الرسالة فيها سياسية أم لا؟

فالصراع ليس بين فهمين لأنهم كلهم يفهمون، وإنما بين هذين التوجهيين النفسيين، نفس تذعن لله، تسلم إليه الأمر كله، تقبل القيادة المنصوبة من قبله سبحانه، ونفس تأبى أن تطيع االله إلا ما اشتهت، يمكن أن يشتهي الصلاة فيصلي، أما في أمر السياسية فلا يشتهي وهو أن لا يفعل!

خط الهوى وخط العقل والدين، الغدير يؤمن بهذا الشيء، “لكنا نشهد بأنه كان رسولا نبيا إماما” ولكن أتدري لماذا إنكار أن النبي إمام؟ النبي مارس الإمامة، فإنكار إمامته لا أثر له بالنسبة لزمانه صلى الله عليه وآله، بما أنه طبق وحكم، إذن لماذا انكار الإمامة؟ إذا قلنا بأن كرسي الإمامة، منصب الإمامة كانت رسول الله صلى الله عله وآله وسلم أمتنع على يزيد أن يملئه، إذا قلنا أن رسول الله هو الحاكم، يطلب في الحاكم أن يكون بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله، إذا قلنا بأن اختيار الله لحكومة المسلمين، لحكومة البشر كان منصبا على رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا الحجم الكبير، هذا الوزن الثقيل، هذه المنارة المشعة، الإنسان النموذجي الفريد، أكبر مستوى بشري يأتي بعد واحد لصيق بالأرض في المستوى العلمي وفي المستوى النفسي في المستوى الأخلاقي، في المستوى الروحي، أيصح؟!

إذا قلتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الأمام أشترطتم شروطا صعبة في الإمامة، فنحن نخسر، أنا لا أناسب الإمامة، النبي هو الإمام، رسول الله صلى الله عليه وآله بحجمه الكبير ثم ياتي أبن عباس هو الإمام على علمه؟! لا. رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الإنسان النموذجي الكامل، فكانت كل جوانبه سامية، وكل جوانبه مستتمت الكمال بأقصى كمال الإنسانية.

مثال: جامعة يرأسها أكبر بروفسور، يموت هذا البروفسور، ياتي بطالب مرحلة إبتدائية ويضعونه مكانة، ألا يصبحون أضحوكة أم لا؟! هذا لا يجوز. يفتشون كل الدنيا ليبحثوا عن حجم مناسب يستره نوعا ما.

إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله هو صاحب المنصب، أياتي يزيد ويجرأ ويقول أنا خليفة المسلمين؟ فإذن لابد أن يكون لمصلحة السياسة الدنيوية أن تنكر الإمامة على رسول الله صلى الله عليه وآله، أن تسلب الإمامة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا نفس الصراع بدأ.

فلابد أن يواجه أمير المؤمنين عليه السلام، لابد أن تطمس قضية الغدير، لابد أن تنكر من الأساس، أن تكون أن تكون كلمة “من كنت مولاه فعلي مولاه” بظروفها الخاصة التي قيلت فيها وقرائنها المركزة التي تعطيها السيادة والحكومة ومعنى تدبير الشأن والإدارة العامة للشأن العام، لابد أن تكون بأي معنى؟ بمعنى حب علي بن أبي طالب، حب الأطفال، “من كنت مولاه فعلي مولاه” من يحبني يحب علي أبن أبي طالب، كيف كان الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ [4].

فلابد طمس يوم الغدير وإنكاره تماما، محوه من التاريخ، لابد من تحريف النصوص ولَيِّ عنقها، إعطائها معنى غريب عن معناها، من أجل أن تسلم لأصحاب السياسة الدنيوية سياسيتهم الدنيوية، من أجل أن يجدوا فرصة لحكم هذه الأمة، إذا لم يستغفل عقل الأمة، إذا لم تُصنع لها عقلية غريبة على العقلية الإسلامية، إذا لم تحرف المفاهيم الإسلامية، إذا وصلت الصورة الإسلامية المشعة وعلى واقعها الأصيل إلى ذهنية الأمة في القرن الرابع عشر والخامس عشر، لو بقينا نفهم الإسلام كما أراده رسول الله صلى الله عليه وآله، نفهم منزلة الإمامة وشروط الإمامة ما أرادها الإسلام. فبهذا كل الحكومات الهزيلة تنتفي، لا يكون لهم حكم.

الأمة الوسط، الأمة التي تقود، الأمة التي تُعلم الأمم الأخرى، التي تأخذ بيدها إلى الله عز وجل، التي تصحح أوضاعها الدنيوية وتخلق لها عقلية متقدمة، هي أمة تقودها انجلترا؟ تقود فرنسا؟ تقودها أمريكا؟ يقودها رقاص يرأس إيطاليا، يرأس فرنسا، يقبلون بأن رقاص يرأسهم، ثم يكون هو قائد قواد و رؤساء وزعماء الأمة، هل هذه نتيجة الإسلام هكذا؟

يتبين تماما أن الإمامة أس الإسلام، بمعنى أنها من ناحية عملية: إذا لم توجد إمامة لا يوجد بناء إسلامي، إذا لم توجد إمامة حقه لا يوجد واقع إسلامي. القرآن موجود وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله موجودة ويوجد بعض العلم في بعض الأذهان، ولكن ليس هناك واقع إسلامي على الأرض. حتى يقوم واقع إسلامي على الأرض، حتى نرى عدلا إسلاميا على الأرض، حتى نرى عدلا إلاهيا على الأرض، علما إلاهيا على الأرض، محبة أخوة، نجد أثرا للإسلام لابد أن تكون إمامة، كلما صدق واقع الإمامة، كلما أخذ واقع الإمامة صورة إسلامية وجدنا إسلاما على الأرض بقدر ذلك الإقتراب، إمامة قريبة من الواقع الإسلامي، من الطرح إسلامي، من الفهم الإسلامي، من الرؤية الإسلامية، إمامة فاعلة قائمة وهي قريبة من الواقع الإسلامي لابد أن تقترن معها أوضاع إسلامية قريبة من الإسلام. أبحث، أمسح كل الدنيا، راقب كم تبتعد الحكومة عن الإسلام؟ ستجد أوضاع غريبة عن الإسلام بقدر ابتعاد الحكومة. تونس كيف كانت؟ ليبا كيف كانت؟

لو جاء حكم فيه شمة إسلامية، ستجد شمة إسلامية في أوضاع ذلك البلد، وقالوا “الناس على دين ملوكهم” والأوضاع تصنعها الحكومات أكثر من الشعوب إلا في حال الثورات، فالثورات مقدمة لصناعة أوضاع جديدة، أما الأوضاع على الأرض فتصنعها الحكومات، والعقليات،  كم تأخرت هذه الأمة وابتعدت عن الإسلام؟ وكم ساءالخلق؟وكم تفكننا؟ حكومات على تاريخ طويل صنعت هذه الأمة.

 

فالصراع هو إما قول بلا فعل؟ أو قول وفعل. الإسلام عبادة وحكم، أو محراب لا دخل له في الحياة. علي أبن أبي طالب عليه السلام يقول: الإسلام يملك كل مساحة الحياة، ويحكم كل مساحة الحياة، والله مالك كل شيء، وهو المعبود من كل شيء، وفي كل مساحة الحياة. أما معاوية فيقول: أنت يا إسلام رسالة أوصلك رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم وانتهى دوره، حتى أنكرت السياسة الدنيوية على الله العدل كعقيدة. ولذلك نحن نقول العدل الإلهي، والتوحيد معناه العدل. فبعضهم قال بالجبرية، والجبرية تنفي العدل، الله عز وجل يجبرك على أفعالك ثم يعاقب، فمعناه نفي العدل، فمع عذا تطالبون الحاكم الفلاني بالعدل وربكم العظيم  ليس بعادل، فإذا قلنا بالجبرية التي تساوق الظلم، فيجعله يشربه خمر غصبا عليه وليس إكراها،[5] هذا الذي يشرب الخمر فنظرية الجبر تقول أن الله أجبره أن يشرب الخمر، فلان الله جبره أن يزني، يعاقبه بالنار، نعم يعاقبه بالنار، هذا ظلم أو عدل؟ واضح جدا أن هذا ظلم. فإذا كان الله عز وجل ظالما، أفتطالبوني أنا الحاكم بالعدل؟ لا يكون. فكل هذا من أجل نفي التبعات عن الحاكم. فالرسول ليس إماما، ليس عنده عصمة إلا في التبيليغ فقط وليس في التطبيق، ويصل نفي العدل عن الله عز وجل أيضا، فالاشتراط في الحاكم أ، يكون عادلا وأن يكون تقيا وورعا، فهذا اشتراط يكون غريبا على الإسلام، وبهذا نصل إلى المطلوب من حكم الهوى: خطان لا يلتقيان، خط هذا الفهم وهذا الفهم، خط أن الإسلام عبادة وسياسية، وأن الأمر كله لله، وأن الحكومة لأي واحد لابد أن تكون برضا الله عز وجل. وخط آخر يقول إنما هو الهوى البشري.

[1]  إذا كانت نتيجة الإسلام للألف وأربعمائة وأكثر هو الواقع، هو أمة هزيلة، هو أمة مهترئة، هو أمه متخلفة، هو أمة تصنع قراراتها من أمريكا، هو أمة مرتعدة، هو أمة ساجدة لإمريكا، فيكون الإسلام فاشل

[2]  موسوعة الإمام علي عليه السلام، الجزء الثاني

[3]  يعرف الإمام عليه السلام ماذا يريد معاوية

[4]  أنت لو تنزلت لهذا المستوى: ما هو الحب الذي يناسب رسول الله؟ الحب الذي يناسب حجم رسول الله صلى الله عليه وآله هو طاعته.

[5]  هناك إجبار وإكراه. الإكراه: هو أن أهددك بأن تشرب الخمر أم أقتلك. الإجبار: هو أن يكتفه تماما ويفتح فمه وصب في حلقه الخمر

زر الذهاب إلى الأعلى