آية الله قاسم خلال تدشين شعار عاشوراء: الإصلاح لا يُعطى… والسلام يمتنع بغير إصلاح 1433هـ

خلال تدشين «التوعية» شعار عاشوراء البحرين «كربلاء… للإصلاح والسلام»
آية الله قاسم: الإصلاح لا يُعطى… والسلام يمتنع بغير إصلاح

دشّن سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم شعار عاشوراء البحرين للعام 1433هـ «كربلاء… للإصلاح والسلام»، الذي تطلقه جمعية التوعية الإسلامية للسنة الحادية عشرة على التوالي، بكلمة ألقاها مساء يوم الاثنين 24 ذو الحجة 1432هـ الموافق 21 نوفمبر 2011م في مأتم سار.

للمشاهدة :

 

وهذا نص الكلمة:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الغوي الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين والطاهرين.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين، اللهم احشرنا معهم، برحمتك يا أرحم الراحمين. إخوتي الكرام، أيها الإخوة المؤمنون أيها الأخوات المؤمنات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

«كربلاء للإصلاح والسلام»، ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾ {الأعراف: 14/ 15}. السلام غاية جاء من أجلها كتاب الله، تنزل من أجلها دين الله، جاءت رسلًا تترى، هدايات إلهية متوالية، جهاد مرير، كانت تضحيات كبيرة، مواجهات حادة، والإسلام لم يأتِ للمواجهات ولم يأتِ للحرب، وإنما هي المواجهات والحرب التي تفرضها شهوة التسلط، والربوبية الكاذبة التي تهواها نفوس في الأرض.

كان الجبابرة دائمًا يفرضون على الإسلام ورسالاته المواجهة، أما الإسلام في نفسه فإنما جاء للسلام، أي سلام؟ سلام النفوس، سلام العقول، سلام الخُلُق، سلام الهدف الكبير الذي وجد من أجله الإنسان، إنه السلام الشامل الذي يأمن فيه الإنسان على نفسه، على عرضه، على ماله، أكبر من ذلك على عقله، على دينه، على شرفه، على كرامته، على حاضره، على مستقبله، على دنياه، على آخرته، هذا هو السلام الذي جاء من أجله الإسلام، ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾ {الأعراف: 14/ 15}.

وما موقع الإصلاح؟ الإصلاح مقدمة السلام، ونحن اليوم في كل هذه الدنيا، الإنسان أنا الإنسان، نحن الإنسانية نفقد السلام في كل أبعاده من كل حيثياته. لا سلام على نفس، ولا سلام على عِرض، ولا سلام على مال، ولا سلام على كرامة، ولا سلام على دين، ولا سلام على شرف.

هناك من يغتالك في كل أبعادك وفي كل حيثياتك، دول تغتال دولًا، أفراد يغتالون أفرادًا، جماعات تغتال جماعات، تصفيات على كل المستويات وفي كل الدنيا، ودون الإصلاح أكثر ما يقال من أنه «خرط القتاد». صارت عملية الإصلاح مُكلِفةً إلى أقصى حد، تُكلِفُ كلَّ الطيبين، كل الشرفاء، كل الغيارى، كل محبي الإصلاح، تحصد أرواحًا منهم، تستلب أمنهم، تجلعهم في مواجهة الآلة القاتلة، كل حركات الإصلاح في الدنيا لا تواجه إلا بالحديد والنار. فالإصلاح لا يعطى، الإصلاح لا تسمح به نفوس أهل الدنيا، والسلام يمتنع من غير إصلاح.

كربلاء للإصلاح مقدمة، وللسلام هدفًا وغاية، هذا ما يعنيه عنوان «كربلاء.. للإصلاح والسلام». من السلام ما هو شامل، ومن السلام ما هو جزئي، ومن السلام ما هو مؤقت، ومنه ما هو دائم، وهناك سلام حقيقي، وسلام لا يعني إلا الاستسلام.

العبيد في الظروف العادية وهم في حالة استسلام كامل لأسيادهم، يكادون يسلمون على أبدانهم لا لاحترامهم، لا لاحترام حياتهم، وإنما للبقاء على الانتفاع منهم. هناك سلامة بدن، أمنُ بدن من العبيد حين يستسلمون بالكامل ويُسلمون للأسياد بالعبودية التامة، لكن ليس هذا هو السلام الذي يتناسب مع الإنسان والذي جاء به دين الله والمطلوب للأحرار، سلامة البدن حين يكون ثمنها الحرية ليرفضها دين الله، ترفضها النفس الأبية، تقول كربلاء بأن هذه السلامة هي موت، وأن الحياة في التمرد على حياة الذل والهوان.

السلام المطلوب هو السلام الشامل الذي يبدأ من تمتع الإنسان بحريته ودينه وشرفه وكرامته، وتأتي سلامة البدن من بعد ذلك وبالدرجة الثانية. السلام الذي كانت من أجله كربلاء، وضحى من أجله الحسين عليه السلام، وهو أكبر إنسان كان على وجه الأرض يوم كربلاء، ليس هو سلام البدن، وإنما السلام الشامل الكامل الذي لا يتم إلا بأن يهيمن دين الله وتسودَ كلمته في الأرض.

الإصلاح مستويات
كما أن السلام مستويات فكذلك الإصلاح مستويات، واليوم يؤخذ مصطلح الإصلاح في بعض التعبيرات صورة تقابل التغيير الشامل، أما في مراد تعبير الحسين (عليه السلام) فالإصلاح يعني الإصلاح الشامل الذي يبدأ من أعماق النفس، يبدأ من حيث الترتب الرتبي، من حيث ما هو أصل وما هو فرع، ما هو أساس وما هو بناء فوقي، الإصلاح يبدأ من أعماق النفس، من إصلاح أعماق الذات الإنسانية، إصلاح فكر، إصلاح مشاعر، إصلاح توجه نفسي، إصلاح عقيدة، إصلاح سلوك، ثم يأتي من بعد ذلك يأتي كنتيجة طبيعية صلاح الأوضاع.

إذًا، لماذا الإمام الحسين (عليه السلام) يدخل في مواجهة ساخنة وفي حرب مع الحكم الأموي، بينما الإصلاح إنما يبدأ من أعماق النفس وليس بتصفية وجود سياسي معين؟ من ناحية عملية إصلاح الوضع الخارجي يكون مقدمة لإصلاح الإنسان، الوضع السياسي الفاسد، الوضع السياسي الظالم، الوضع السياسي الجاهلي يقف عائقًا دون أن يصلح الإنسان، له مهمتان: يمنع من إحداث عملية إصلاح يباشرها إصلاح نفسي، إصلاح عقلي، تقدم فكري، تصحيح فكري، تصحيح نفسي يمنع من هذه العملية، يحاربها، يقطع عليها السبل، أكثر من ذلك أنه لا يتيح للإنسان نفسه أن يصلح نفسه، إنه يلاحق فكر الإنسان، يلاحق مشاعره ليفسدها، لا يُترك لإنسان أن يستقيم؛ لأن استقامة أي إنسان يهدد الوضع الفاسد الخارجي.

لا يمكن لمثل يزيد أن يحكم أمّة يقظة، أن يحكم أمّة تعتز بذاتها، أن يحكم أمّة تعرف الله، أن يحكم أمّة تعرف نبيها، تشعر بإنسانيتها، لذلك ولكي يستقر حكم يزيد لابد أن تحطم أبعاد الذات الإنسانية المعنوية تحطيمًا، لابد أن ينحرف الفكر، لابد أن يسقط مستوى الشعور، لابد أن تخس الإرادة، لابد أن تهبط الغاية، لابد أن تسقط كل المُثُل، فآلَ الأمر إلى تكذيب عدل الله تبارك وتعالى، وإلى نفي عصمة الرسل صلواته وسلامه عليهم أجمعين إلا في حدود التبليغ، وإذا كان النبي صلَّى الله عليه وآله غير معصوم في ممارساته في الحكم فلماذا نطالب يزيد بأن يكون عادلًا معصومًا؟!
إذًا، يجد يزيد كلَّ العذر في ظلمه بأن الله غير عادل، يجوز على الله عزَّ وجلَّ أن يقهر الزاني على زناه ثم يعذبه، وإذا كان هذا فعل الله فلماذا نستنكر الظلم من يزيد؟ جاءت الفلسفلة لتبرّر للحكم الظالم. كل العلم، وكل الإنسانيات وكل الأوضاع لابد أن تتحول إلى أدوات تبرير وأدوات مباركة للخط المنحرف الذي تختطه السياسة الظالمة.

فلهذا كانت المواجهة، والإمام الحسين كان لا يمكن له أن يُصلح الناس، ممنوع عليه أن يُصلح عقل الناس، عقلية المجتمع المسلم، نفسية المجتمع المسلم، أن يوقظ، أن يُعطي نهضة لإرادة الإنسان المسلم، كل ذلك يمنع عليه؛ لأنّ هذا فيه إسقاط الحكم الأموي، فكان لا بدّ من هذه المقدمة العملية، ألا تجد هناك ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ {آل عمران: 164} في كتاب الله؟، ومرة يأتي العلم قبل التزكية، من ناحية ما هو منطقي، تأتي الالتفاتة من ناحية منطقية، أعلم وأتأدّب وأتزكى – أعلم على ضوء الحقيقة وأتزكى على ضوء الحقيقة -، أتطهّر، أنمو، أتربّى على ضوء الحقائق المعلومة، لكن من ناحية إصلاح المجتمع الذي تحكمه الأوضاع الفاسدة والفراعنة، لا بد أنْ تأتي التزكية قبل العلم – لا يتاح ذلك -، إذا أمكن في أجواء معينة وكما يجري الآن في كثير من البلدان تُربّى فئة خاصة تُتنزع فكريًّا، تُتنزع نفسيًّا، تُتنزع إراديًّا، تُتنزع هادفيةً، تُتنزع من الجهل انتزاعًا، تُربّى تربية هادئة خاصة؛ لتكون نواة التغيير، وما كان يمكن أن تُربّى هذه الفئة تحت ضوء الشمس.

نعم، فكان إسقاط الحكم الأموي هدفًا قريبًا، والهدف البعيد هو ليس إسقاط الحكم الأموي، وإلّا كانت عملية استبدال، وعملية استبدال الحكم السياسي بحكم سياسي مثيلٍ مأساةً، خسائر كبيرة جدًّا، وتضحيات ضخمة ثم عودة إلى نفس المستنقع. ولذلك على الشعوب أنْ تلتفت، الشعوب التي تحاول إسقاط أنظمتها كما في ليبيا وفي تونس وما إلى ذلك، التي أسقطت الأنظمة، إذا جاء نظام بديل مماثل، وعلى نفس المجرى ونفس الأخلاق ونفس التوجه ونفس الهدف، ماذا فعل الشعب بنفسه؟ يخرج من مأساة لمأساة.

فالهدف النهائي عند الإمام عليه السلام ليس إسقاط الحكم الأموي، وهو واضح جدًّا؛ ولكنه هدف، ويبقى هدفًا ولابد منه، وهو هدف قريب لإحداث عملية الإصلاح الشامل. (…) إسقاط الحكم الأموي أداة للإصلاح، والإصلاح كبير في الحقيقة، فتولّي الإمام عليه السلام للحكم يعني تولّي القرآن للحكم، قيادة رسول الله صلَّى الله عليه وآله، يعني العودة بالأمّة إلى أصالتها والارتفاع بمستواها إلى حدٍّ كبير دفعة جديدة إسلامية لعقلية الأمّة، وروحية الأمّة، وإرادة الأمّة، ونفسية الأمّة، تصنعها مثالًا جذّابًا في العالم كلّه، تصنعها أمّة رائدة بحق، هذا لم يترتب على شهادته صلواته وسلامه عليه.

ففي تصوّري أنّ الإمام عليه السلام على مستوى الهدف القريب كان له هدفان: إسقاط الحكم الأموي كهدف أول أصل، والشهادة كهدف بديل. الشهادة تستتبع إصلاحًا، وإسقاط الحكم الأموي، وتولّي الإمامة الحقة لقيادة الأمّة – طبعًا لها مستوى من الإصلاح – أسرع إصلاحًا، أوسع إصلاحًا، عودة إلى أحضان القرآن بسرعة جدًّا، وترميم كل الأوضاع، ثم الاندفاع بمستوى الأمّة إلى الأمام على خط الله تبارك وتعالى، إثراء الأمّة في كل أبعاد وجودها لتثرى بها كل الدنيا. هذا كان هو المترتب أنْ لو حكم ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم.

كانت القوة الجاهلية أكبر من أنْ تُسقطها حركة الإمام الحسين عليه السلام عسكريًّا؛ لخذلان الأمّة، فيأتي دور الشهادة الذي يعطي يقظة للأمة، ويمهّد لحركات وثورات، والأهم من ذلك يعطي وعيًا للأمة يبقى راسخًا على طول المدى بأن لا تستسلم نخبة منها مؤمنة للظلم. كان متوقعًا أن تتم عملية تزوير، والآن موجود تزوير، طاعة أولي الأمر على النحو المطلق تزوير واضح، ولو كان فاسقًا وغير ذلك، وهو تزوير في الفهم، وعندما نقول هذا فهم مزوّر فهو فهمٌ غير حقيقي لأطروحة الإسلام، لما هو الواقع الإسلامي.

لو تم حكم يزيد وامتد الحكم الأموي بالصورة الطبيعية وما كانت ثورة كربلاء، (فإنّ) هذا الفهم يترسخ في أوساط الأمّة. لا يوجد لدينا مثال للثورة على الظلم الداخلي، للثورة على ظلم الحكم، على ظلم السياسة الداخلية، قادها معصومٌ بشكل واضح وضحّى من أجلها غير ثورة الإمام الحسين عليه السلام، فشرّعت مواجهة الحكم الظالم المنحرف عن الإسلام، الذي يُخاف منه على الإسلام ووجود الإسلام، ويُخاف منه نتيجة أنْ يُزوَّر الإسلام. لقد شرع الإمام الحسين من خلال لغة الدم ولغة السيف ولغة التضحيات هذا اللون من الجهاد، هذا اللون من المواجهة. كانت لرسول الله صلَّى الله عليه وآله معارك، وكانت للإمام علي عليه السلام معارك من لون آخر، وهذا هو اللون الثالث من معارك للمعصومين عليهم السلام.

أقبح صورة للفساد السياسي هي التي عَنَتْها كلمة الإمام الحسين عليه السلام «مثلي لا يُبايع مثله»، أكبر الظلم يُمارَس على الأرض أنْ يُعبد فرعون وتُترك عبادة الله، أنْ يُعبد الطاغوت وتترك عبادة الله، أنْ تُقاد البشرية من يزيد الذي يصفه الإمام الحسين – على مسؤوليته – بأنه فاسق، فاجر.. أنْ يحكم يزيدُ الإمامَ الحسينَ، أكبر ظلم في الأرض أن يحلَّ الطاغوت محلَّ الله في العبادة، وأنْ يحلَّ يزيد مكان الإمام الحسين عليه السلام في القيادة. يقول عليه السلام الدين ينكر، مثلي لا يبايع مثله، على ضوء الدين على ضوء العقل، على ضوء الفطرة، على ضوء المصلحة، على ضوء كرامة الإنسان، إنسانية الإنسان، حكم يزيد للحسين عليه السلام معناه سحق الإنسانية، سحق لكرامة الإنسان، تنكُّر لقيمة العلم، تنكر لقيمة التقوى، تنكر لقيمة الدين. القمّة الشاهقة تُحّطُّ ويعلو الدخان؟ هذا قبيح، أقبح صورة، أقبح ظلم، أقبح صورة للفساد السياسي أن يحكم يزيدُ الإمام الحسين عليه السلام.

وفي نصٍّ من نصوص الكلمة: «وإنّما خرجت لطلب النجاح والإصلاح في أمّة جدي محمد» صلَّى الله عليه وآله، كان الهدف أنْ تنصلح أوضاع الأمّة، أنْ ينصلح إنسان الأمّة، فكرُه، روحُه، روحيتُه، إرادتُه، نفسيتُه، هدفُه، أنْ يصح كلُّ ذلك، أنْ تنجح الأمّة كأمة، نجاح الأمّة معناه أن تكون الأمّة الأمام والإمام. نجاح الأمّة في كل أبعادها، النجاح الاقتصادي، النجاح السياسي، النجاح الاجتماعي.. إلى آخره، هذا الهدف، «والإصلاح في أمّة جدي» وقلنا الإصلاح في أمّة جدّي الإصلاح الشامل وليس الإصلاح السياسي فقط.

هذا الإصلاح يبدأ تربويًّا – كما سبق – من الأعماق، ويغطي كلَّ سطوح الحياة، وكلَّ الأوضاع، وما لم ينصلح الإنسان في داخله – كما نعرف – لا صلاح للأوضاع، ولذلك على كلِّ الحركات أنْ تلتفت إلى هذا البُعد: أن لا يكون هدفها تحقيق مصالح سياسية، تحقيق إصلاح سياسي مع بقاء الإنسان على انحراف الفكر، على هبوط في المشاعر، على زيغٍ عن طريق الله سبحانه وتعالى، لكي تصنع أوضاعًا سليمة لابد أنْ تصنع إنسانًا سليمًا، كما هو واضح.

الحركات الجماهيرة التي تكون – عادةً – واسعة عامل التربية فيها يكون الالتفات إليه ليس بالمستوى الكافي، وهذا ما يجب أنْ تلتفت إليه كلُّ الحركات الجماهيرية، بحيث تتواكب الحركة السياسية عندها مع الحركة التربوية التوعوية، والعمل على زكاة الأنفس والقلوب.

يقول (عليه السلام) في نص الكتاب إلى أشراف البصرة، وأخماس البصرة: «وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلَّى الله عليه وآله، فإنّ السُّنّة قد أُميتت وإنّ البدعة قد أُحييت، وأنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد» أمران: أمر دستور الأمّة، وأمر قيادة الأمّة، القيادة النظرية وهي قيادة الدستور، والقيادة العملية وهي قيادة الإنسان القائد، الأمران كانا في حاجة شديدة للتغيير، فيقول: الحكم الآن هو دستوركم هوى يزيد، دستور الأمّة هو هوى يزيد، عصبية يزيد، انفعالات يزيد، قبليّة يزيد، رأي يزيد القاصر، والحاشية التي مع يزيد، هذا هو دستور الأمّة. نحتاج إلى نقلة من هذا الدستور القذر الهابط إلى كتاب الله وسُنّة رسوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

بقى القيادة (أمر قيادة الأمّة)، كيف؟ لو أخذ يزيد على نفسه أن يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلَّى الله عليه وآله، هل مستواه سيفهم كتاب الله وسُنّة رسوله صلَّى الله عليه وآله؟ هل نفسيته تتحمل تطبيق كتاب الله ورسوله؟ طبعًا لا. فلابد من قيادة تتواكب في مستواها مع مستوى كتاب الله وسُنة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم، أين تجد الأمّة هذه القيادة؟ في الحسين عليه السلام.

«السُّنّة قد أُميتت وإنّ البدعة قد أُحييت، وأنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري» وهنا أمران، وأمر الحسين عليه السلام أمر واحد وهو الأمر المولوي، الأمر السياسي، الأمر الحكم، أمر التدبير، أما الأمر التشريعي فلله تبارك وتعالى، فهو من كتاب الله وسُنة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

كان التحرك السياسي، وكانت المعركة القتالية من أجل رفع عائق الإصلاح وردم منبع الفساد. مقاومة الفساد ضرورية للإصلاح، سدُّ منبع الفساد، تعطيل قوة التخطيط وقوة التنفيذ والقوة المهيمنة على الأمّة، التي هي قوة تخدم الفساد، تعطيلها ضروري من أجل عملية الإصلاح، فلهذا كان على للحسين أن يتحرك في وجه يزيد.

فالإصلاح الشامل الكامل يحتاج ثلاثة أمور:
– منهجُ الله:
نظرية قويمة، نظرية حياة وليست سياسية فقط، نظرية كاملة للحياة، لهدف الحياة، لمنهج الحياة على مستوى الفرد، على مستوى المجتمع، على مستوى الدولة، على مستوى العلاقات الدولية، منهج كامل، وهذ المنهج الكامل لا نجده إلّا من عند الله تبارك وتعالى. الإسلام.
– قيادة من اختيار الله، ومصطفاة من الله عزَّ وجلَّ.
– احتضان الأمّة، لهذه القيادة ولهذه الأطروحة.

حين تتوفر الأطروحة الإلهية، وتتوفر القيادة الإلهية، وتتحضن الأمّة القيادة والأطروحة، تتحوّل دنيا اليوم إلى الدنيا الموعودة على يد الإمام القائم عجّل الله فرجه وسهّل مخرجه. ماذا سيصنع الإمام القائم عليه السلام؟ ما هو الجديد؟ الجديد هو أن كتاب الله برؤاه الحقيقية، بمفاهمية الواقعية، بأحكامه الشرعية الإلهية، يحيا. فالأطروحة الإلهية تتوفر على واقعها، وعلى صدقها الأصل، ومع ذلك قيادة معصومة، ثم تستجيب البشرية إلى نداء الإمام القائم عجَّل الله فرجه، بعد الحرب طبعًا، وبعد المواجهات، بعد كسر عظم الطاغوتية في الأرض، كسر رقبتها، بعد ذلك ماذا يكون؟ كما تعرفون السلام الشامل، أنّ يوم الإمام القائم عليه السلام يومٌ للسلام الشامل، قضية الرخاء وقضية الأمن الاجتماعي، والأمن على النفوس هذه تكون مطالب ميسورة جدًّا ومتاحة جدًّا، ولكن المطلوب هو صناعة الإنسان العابد بدرجاته المتفاوتة، وهذا دور دولة الإمام القائم عجَّل الله فرجه، وستغنى الأرض بذلك الإنسان العابد، وسيبقى الشذاذ هم المنحرفون عن هذا الخط.

وحين نتحدّث عن الإصلاح وعن كربلاء، فإنّ كربلاء تضعنا على خط دائمًا المطالبة بالإصلاح، وبما أنّ موسم عاشوراء هو موسمٌ لإحياء ذكرى كربلاء، فلا نستطيع أنْ نفصل بين المطالبة بالإصلاح وبين هذا الموسم وأجوائه.

والإصلاح السياسي واحد من أبعاد الإصلاح المطلوبة لثورة كربلاء وللإسلام، والإسلام في كلِّ يوم ينادينا ويوجب علينا أنْ نرفع نصوتنا بالمطالبة بالإصلاح، ولكن في ذكرى عاشوراء، وفي فوران دم عاشوراء، وفي مآسي يوم عاشوراء ما يجعل هذا النداء لاهبًا، وما يجعله أكثر انطلاقًا، ولكن ومع ذلك علينا ألّا ننقل حالة التوتر الأمني إلى أجواء الموسم. فرقٌ بين التوعية السياسية والمطالَبة بالإصلاح السياسي، والإصرار في الكلمة على العدل، وعلى المطالب السياسية التي يصلُح بها الوضع، فرقٌ بين هذا كلِّه وبين نقل حالة التوتر الأمني والمواجهات الحادّة الساخنة إلى موسم عاشوراء وأجواء عاشوراء. أقول هذا ملتفتًا إلى أكثر من بُعد يقتضي هذا القول وأكثر من حيثية ولا أريد التفصيل.

زر الذهاب إلى الأعلى