خطبة الجمعة (473) 15 ذو القعدة 1432هـ – 14 أكتوبر 2011م

مواضيع الخطبة:

الخطبة الأولى: التكليف الشرعي

الخطبة الثانية: أظلم الظالمين للدين – لغتان تتصارعان – الوضع المقلق للمجاهد المشيمع

الخطبة الأولى

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. جلّ عن أن يحتاج إلى معين، أو يكون له وزير، أو مشير، أو تدرك عظمته العقول، أو تحدَّ قدرته الحدود، أو يقف كمالُه عند منتهى.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي الغافلة بتقواه، وأن ننظر إلى يوم قال عنه سبحانه:{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}(1). وقال عزّ وجلّ:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً، وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً، وَيَصْلَى سَعِيراً}(2).
وقال عنه الكثير في كتابه العزيز مما تخِرُّ له الجبال، وتذوب النفوس، وتنخلع الأفئدة، ولا يَغفُله إلاّ قلبٌ سٌدّت كلّ منافذ النور إليه، واستولى عليه الصَّمَمَ.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم افتح أبصار قلوبنا على أنوار هُداك، واجعلنا نخشاك كأنّنا نراك، ولا تمتنا إلاَّ على رضاك، ولا تُشقنا بمعصيتك، وأسعدنا بتقواك، وأنلنا عفوك، ومغفرتك، ورحمتك يا أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، يا من لا يُحدّ كرمه، ولا يؤيس من رحمته، يا حنّان، يا منّان، يا مجيد.
أما بعد أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات الأعزّاء فإلى هذا العنوان:

التكليف الشرعي:

تسلسل الحديث:
التكليف لغة: مأخوذ من الكلفة، وهو ما تُحمِّل على مشقّة.
وكَلَّفته الأمر فتكلَّفه حمّلته إيّاه فتحمَّله على مشقّة.
التكليف شرعاً: هو تحميل الله سبحانه عباده مسؤولية عدد من الأفعال والتروك.
منشأ التكليف وأثره:
هناك تكليف ظالم لا منشأ له إلاَّ التسلُّط والقدرة على البطش بالمكلَّف، ويكون في العادة جُزافيّاً، ولتلهِّي المتسلِّط، ومنفعته من غير نظر إلى ما يُصيب المكلَّف من أضرار أو هلاك.
أمَّا التكليف الشّرعي لا يملكه إلاَّ الله الخالق الرّازق المدبّر العليم الخبير الرّحيم بعباده. وينطلق تكليفه لهم من رحمته بهم، ولطف تدبيره وتكميله لهم، وإبقائه على كمالِ من كَمُل بالتكليف منهم. ولا يكون هذا التكليف إلاّ لمنفعتهم؛ أما هو سبحانه فهو الغنيّ المطلق الذي يُحتاج إليه ولا يَحتاج، ويُسأل ولا يَسأل، وليس مثل كماله كمال، ولا يصل إليه كمال.
والتكليف مستتبع للحساب والعتاب والعقاب على المخالفة إمَّا حقّاً فيما لو كان التكليف من المنشأ الحقّ، وإمَّا باطلاً فيما لو كان أصل التكليف باطلاً لا منشأ له إلا الظلم.
وأما الثواب فالتكليف الباطل لا يلتزم به، وأمّا التكليف الحقّ وهو تكليف الله لعباده المملوكين له بصدق وإنْ لم يستوجب الثواب للعبد على ما يجب عليه من طاعة عقلاً إلاَّ أنَّ الله سبحانه قد أخذ على نفسه رحمةً منه وتفضّلاً وكرماً أن يثيب أهل طاعته، ويضاعف لهم المثوبة.
التكليف فلسفة:
التكليف الإلهي للعباد لا يمكن أن يكون عبثاً وجزافاً، ولا من منبعث حاجة لله عزّ وجل فهو الكامل الغني المنزّه عن الحاجات، وإنما هو ليستكمل به العبد، أو يبقى على كماله لو تمَّ له به. فإن مقتضى كمال العبد أن تصدر كل نياته، ومشاعره، وقصوده، وأفعاله في كل مساحة حياته، وأي ميدان من ميادينها طبق إرادة ربّه ومرضاته(3)، وإلاَّ لم يكن الإنسان الكامل، وتوقف التكليف له يعني الإذن له في خسارة كماله( )، وتضييعاً للهدف من أصل تكليفه، ويستحيل على الله سبحانه أن يفعل بعبده ذلك.
فالتكليف باق على ثبوته ما بقي المكلّف، وشرط التكليف، وإن تم للمكلّف بالاستجابة لله سبحانه كماله.
شرط التكليف:
العقل شرط أساس في التكليف الشرعي، ففاقد العقل الذي لا يدرك قضية التكليف ليس عليه تكليف، والقدرة على المكلّف به كذلك، ففاقد القدرة على الكلام لا يكلّف به، والفكرة التي تهجم على الإنسان من غير مقدمات اختيارية لا تتعلق بها حرمة، ولا يؤاخذ عليها، ومن صُبّ في حلقه الخمر المحرّم قهراً عليه بلا أن يستجيب إلى ذلك بإرادته، ولا يملك سبيلاً إلى دفعه لا عقوبةَ عليه على ما فعله به غيره.
وكلُّ ما قضاه الله على العبد تكويناً، وكان من خلقه سبحانه بلا دَخْلٍ للعبد فيه، فالعبد لا يتحمل مسؤوليته كمرض بدن أو نفس أو عقل، وكان من البلاء المثاب على الصبر عليه.
صفة التكليف الشرعي:
تأتي التكاليف الشرعية دون أقصى ما عليه سقف القُدرة عند الإنسان المكلّف، وبما لا يستنفدُ كلَّ قدرته، ولا يوقعه في العُسر، ولا الحرج {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(5)، {… مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ… }(6)، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ…}(7).
وعن الإمام علي عليه السلام:”اعلموا أن ما كلِّفتم به يسير، وأن ثوابه كثير…”(8)، “إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلّف يسيرا، ولم يكلِّف عسيرا…”(9)، وعن الصّادق عليه السلام:”ما أُمِر العباد إلاّ بدون سعتهم، فكل شيء أُمِر النّاس بأخذه فهم متسعون له، وما لا يتّسعون له فهو موضوع عنهم…”(10)، وعنه كذلك:”ما كلّف الله العباد فوق ما يطيقون – فذكر الفرائض – وقال: إنما كلّفهم صيام شهر من السنة وهم يطيقون أكثر من ذلك”(11).
فما من تكليف شرعي فوق الطاقة، ولاخارج عن القدرة، ولا تصل التكاليف إلى حد العسر والحرج(12).
نعم في التكليف بجهاد العدو وعدم الفرار من الزحف درجة عالية من الكُلْفة والثقل لحبّ الحياة وبغض الموت.
وقد وُضِع هذا التكليف عن مثل الأعرج الذي لا يمتنع عليه(13)، وإنما يسبب إليه الحرج.
أمّا المكلّف العادي فما يسببه له الجهاد من حرج(14) فإنما هو للنقص التربوي وما وراءه من تقصير شخصي أو اجتماعي(15)، على أنَّ الجهاد على ما فيه من كلفة خاصّة ضرورة من ضرورات قيام الحقّ، وحياة الأمم والمجتمعات، وما في تركه من إضرارٍ بليغ بالحقّ والعدل ومَحْقٍ لهما لا يقاس له الحرج الذي يتحمّله البعض بسبب ذلك النقص في التربية الفكرية والنفسية والروحية والعملية العائد إلى تقصير الإنسان فرده أو مجتمعه(16).
التكليف ثابته ومتغيره:
التكليف خطاب للإنسان، والإنسان ثابت في طبيعة تكوينه وتركيبته فهو قبضة من طين، ونفخة من روح.
هكذا كان، ولا يزال، ولا يتغير بتغير الزمان والمكان(17).
وهذا الثابت يقابله ثابت التشريع. وأوضاع الإنسان متطورة، وظروفه في حركة دائبة. وهذا المتغيّر يقابله متغير التشريع بما لا يصطدم مع ثابته.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين. اللهم اهدنا بهداك، وتولّنا برعايتك وكفايتك وكلاءتك، وثبّتنا على صراطك المستقيم.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(18).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(19).

الخطبة الثانية

الحمد لله المتفرّد بالألوهية، الحقيقي الوحدانية، المختصّ بالأزليّة والأبدية، المتعالي عن الشَّبَه والتركيب، المنزّه عن الأضداد والأنداد. خَضَعَ له كلّ شيء، وذلّ لإرادته كلّ شيء، ولا حدّ لعليائه، ولا نهاية لكبريائه.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله علينا بتقوى الله، فالنّاس اثنان: متّق لربّه العظيم منتهاه إلى الجنّة، وفاجر أثيم عاقبته إلى النّار.
والجنّة أسعد سعادة، والنار أشقى شقاء، والجنّة مسكن الأبد، والنار مثوى خلود.
فأين عقل من كان سعيه إلى النار من عقل من كان سعيه إلى الجنّة؟! وأين حكمة ذاك من هذا، ورشده من رشده؟ بل هل للأول شيء من عقل، أو حكمة، أو رشد ليُقارَن في شيء من ذلك بالثاني؟!
وهل هناك جنون وسفه وضلال أكبر من أن يُوظِّف إنسان كلّ مواهبه، وما منحه الله عزّ وجلّ من نعم وقدرات من أجل أن يصير إلى النّار؟!(20)
أعذنا ربّنا وجميع من يعنينا أمره، وإخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات من ضلال العقل، وفَقْد الحكمة، وسفه الرأي، وسوء الاختيار، وأنْ نُقدِّم غضبك على رضاك، والنار على الجنة، وأن تكون حياتنا سعياً إلى النار، وثمناً لسوء المصير، وشقاء دائم، وكرب يطول، أو لا تكون له نهاية.
ربّنا اغفر لنا ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وأزواجنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات إنك الرؤوف الرحيم، الجواد الكريم.
اللهم صل وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين الصادق الأمين، وعلى علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الهادين المعصومين حججك على عبادك، وأنوارك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
أعزّائي المؤمنين والمؤمنات إلى أكثر من عنوان:

أظلم الظالمين للدّين:

من انتسب إلى دينٍ أو مذهبٍ أساء إليه بإساءته للنّاس، وشوّههُ بممارسته للظّلم، أو مساندته له، وإذا جاءت الإساءةُ أو الظّلم أو المساندة له من عالمِ دينٍ عَظُمت بذلك الإساءة إلى الدِّين.
أمَّا أن يحدث ذلك من عالم دينٍ وباسم الدّين أو المذهب فهو من أظلم الظُّلم للدّين والمذهب، وليس هناك من هو أشد عداوة على دين أو مذهب من عالم يُسيء لخلق الله، أو يمارس ظلماً في حقّهم، أو يُعين على الظُّلم والجور والفساد بما يُفْهَمُ منه أنّ هذا بإذنهما، لما يلتمس لذلك من مبررات ينسبها للدّين والمذهب اللذَين ينتسب لهما، أو يرى الناسُ فيه أنَّه يمثلهما في قوله وسلوكه(21).
وما أكثر العلماء اليوم ممن يصدرون فتاوى تحرّم المظاهرات والمسيرات والاعتصامات ومختلف أنواع الاحتجاج السلمي ضد السياسات الظالمة، والتي تُطالب بالحقوق و الإصلاح في صالح الإسلام والمسلمين.
ولا يخلوا بلدٌ من بلاد المسلمين اليوم من علماء تعتمدهم الحكومات الجائرة لمحاربة الشعوب بفتاوى التحريم والتكفير لمن يُعلنون الإنكار على السّياسات الظالمة ويطالبون جهراً بالإصلاح بطرق الاحتجاج السلمي.
وهذا من أسوء ما يواجه الدين من مسخٍ وتشويهٍ وزيف، وعملٍ مسقطٍ لقيمة الدين، ملوِّث لنزاهته، وهو من أَحَدِّ أدوات الفتك به وأشدها فاعلية وأثراً قاتلاً له.

لغتان تتصارعان:

لغة حكومات لشعوبها أن تموت هذه الشعوب أو تنحني، أن تموت جسداً أو تموت فكراً، وإرادةً، وإنسانية، وتتنازل عن حريتها، أن تقبل الهوان، والذل، والفقر، والجهل، والمرض، وتخسر دينها.
وذراع هذه اللغة ما بَنَتْهُ ثروات الأوطان التي هي ملك الشعوب من قوة عساكر، ومؤسسات استخباراتية، وسجون، وقوى تسلُّحية، وصحافة موالية، وقنوات إعلامية تحت التصرُّف، وإمكانات هائلة، ومرتزقة، وكل ما يُستعان به لقهر الآخر وإذلاله.
أما اللغة الأخرى فهي لغة شعوبٍ أفاقت من غفوة طالت، ونفضت عنها غبار المسكنة، وتخلّصت من عقدة الخوف، وكسرت طوق رُعبها.
ولسان هذه اللغة يعلو مجلجلاً: الموت لا الانحناء… الحرية وإلاّ فالمنيّة… الموت أولى من الذّلّ والعار. وأُخذت كلمة الإمام الحسين عليه السلام التي انطلقت من روحه الأبيّة، وقَطَعَت مسافة القرون المتوالية لتملئ الساحة الثورية العربية والإسلامية الواسعة الملتهبة كلها، وتنطلق مدوّية على ألسن الملايين نصّاً أو معنى لتملئ مسمع الدنيا كلها بشعار هيهات منا الذلة.(22)
هذه اللغة سلاحها الإيمان بقيمة الإنسان وكرامته، وأن الله عز وجل يأبى للمؤمن أن يُذلّ نفسه، وأن يطئطئ لإرادة العبيد المخالفة لإرادة ربِّه، وأن يُسلّم للعبودية لغير خالقه، وسلاحها الصبر على مواجهة الموت، وبذل الرّوح في سبيل الله، وما أَذِن الله عز وجل أن يُبذل الدَّمُ من أجله.
ولغة الشعوب هذه أخذت تتحوّل إلى لغة عامة ومفهومة ومستذوَقة بل معشوقة في العالم العربي والإسلامي، وأخذت في التعمُّق والتجذّر يوماً بعد يوم في ظل ظاهرة الاستشهاد المتتابع، وبحورِ دماء شهداءِ هذه اللغة في الأرض العربية.
هذه اللغة بدأت تفرض نفسها على الأجيال الجديدة بقوة بعيداً عن العدوانية وإنما هو عِشق الحرية والكرامة، ورفض العبودية إلا لله سبحانه الذي لا يُستكثر عليه أي ثمنٍ في سبيل رضاه(23).
وما تجلّى عنه الصّراع بين اللغتين لحدّ الآن هو انتصار لغة الدم على السيف، والحق على البطش، والحرية على رغبة الاستعباد، والشعوب المطالبة بالإصلاح على الحكومات المضطهدة للشعوب(24).
ولولا الروح الاستبدادية والطاغوتية عند الحكومات، ولولا عملها على قمع الشعوب وإذلالها والاستئثار بثروات الأوطان ونهبها والتلاعب بها، ومعاداتها لوعي الأمة ونهضتها لاجتمعت القوّة التي تضع هذه الحكومات يدها المتسلِّطة عليها، ووعيُ الشعوب وصلابة إرادتها، واعتزازها بحريتها لحماية الأمة واسترداد كرامتها وموقفها الرّيادي بين الأمم، وفرض إرادة الخير في الأرض، والعمل على تعزيز مبدأ الأخوّة الإنسانية في كل العالم مكان كل التناقضات التي تهزُّ الأمن العالمي هزّاً، وتُسبِّب انتشار الرعب في كل المجتمعات(25).

الوضع المقلق للمجاهد المشيمع:

الوضع للأستاذ المجاهد مشيمع مُقلقٌ من الناحية الصّحية كما أَتَت بذلك الأخبار، والأُستاذ عزيزٌ على هذا الشعب الذي يشكر له جهاده ودفاعه عن حقوقه وعزته وكرامته(26).
والأستاذ وكل السجناء الأعزاء الذين تحت يد الحكومة تتحمّل مسئوليتهم، وهي المتّهم الوحيد لو أُصيب أيّ منهم بضررٍ أو مكروهٍ ـ لا سمح الله ـ قد يُسبّبه إيقاعُ الأذى بهم، أو الإهمال الغذائي، أو المنع عن العلاج أو الدّواء الذي تتوقّف عليه الصّحة أو الحياة.
وهذه المسئولية ثابتة ما ثبت الأذى أو الإهمال والمنع، وثابتةٌ كذلك في حين يكتنف الموضوعَ الغموض، ولا ترتفع هذه المسئولية إلا بقيام دليلٍ قطعيّ على انتفاء كلّ هذه الأسباب ما اتّخذ منها صفة إيجابية أو سلبية(27).
والوضع الصّحي للأستاذ بخصوصه محتاجٌ إلى عناية صحية دائمة، ومتابعة ومراقبة، ويضرُّ به الإهمال ضرراً بالغاً.
فحرمانه من هذه المتابعة والرّعاية يعني تسبّباً واضحاً لأي مضاعفاتٍ في مرضه، ويحمل الحكومة المحتجزة له والمصادِرة لحرّيته المسئولية المباشرة عما قد يتعرّض له من مكروهٍ. حماه الله وجميع سجنائنا المظلومين من كل سوء(28).
وفي ضوء التدهور الصحي للأستاذ المجاهد يكفي بقاؤه في السجن ولو ليوم واحد لتحمل الحكومة كامل المسئولية بشأن مصيره. والله الواقي وهو خير معين.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على حبيبك المصطفى محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين، وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم إنا نعوذ بك من كل طاغ وباغ، وساع بالسوء والفساد في الأرض، ومن كل من أراد بنا شرّا، وابتغى لنا كيدا، وقصدنا بظلم.
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، وأحلل غضبك بالقوم الكافرين والمنافقين والظالمين. اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وشهداء الإسلام في كل مكان وزمان، وأطلق سراح سجنائنا وأسرانا، واشف مرضانا وجرحانا، وارحم أمواتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (29).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- 10/ الطارق.
2- 7-12/ الانشقاق.
3- العبد الكامل لا يصدر منه شيء من ذلك إلا طبق إرادة المولى الحقّ. وهذا هو المترتّب الضروري على كماله.
4- لو أن الإنسان إذا كمل توقّف التكليف عنه لكان ذلك يعني خسارةً له في كماله.
5- 185/ البقرة.
6- 6/ المائدة.
7- 78/ الحج.
8- نهج البلاغة ج3 ص80 ط1.
9- نهج البلاغة ج4 ص17 ط1.
10- التوحيد للشيخ الصدوق ص347 ط. وتكملة الحديث:”ولكن الناس لا خير فيهم”.
11- تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج4 ص 154 ط4.
12- هناك تكليف فوق الطّاقة، هذا التكليف لا يوجد في الشريعة. التكاليف الشرعية ليست أنها لا تتجاوز الطاقة فقط، وإنما في العادة لا تستنفد الطاقة، لا تصل إلى أقصى حدٍّ للطاقة، تبقى عندك سعة من طاقتك لتحمّل ما هو أكثر من هذا التكليف.
13- الأعرج يمكن أن يجاهد، ولكن الجهاد موضوع عنه كما يُعرف.
14- حتّى الصلاة تثقُل، تثقل كثير من التكاليف لا لثقلها في حدّ ذاتها، وإنما لهبوط مستوانا عن الحدّ الطبيعي الذي يتحمّل الصلاة وما هو أكثر من الصلوات المفروضة.
15- لو أن كملت لنا التربية الإسلامية على المستوى الفكري والروحي والنفسي والعملي ودرّبتنا دولنا على حمل السلاح من الصغر لهانت علينا ساحات الجهاد.
16- لو سقطت فريضة الجهاد لكان ذلك فيه إذنٌ بمحق العدل والحقّ والقيم.
17- الإنسان الأوّل هو الإنسان الأخير في أصل تركيبته وطبيعته.
18- 90/ النحل.
19- سورة العصر.
20- كدٌّ طول العمر، سعيٌ حثيث، لا يكاد يفتر لحظة كلّ ذلك ركضٌ للنّار، وتخطيط لأن أدخل النّار؟! أهذا عقل؟!.
21- حين يرى الناس أنّ فلاناً يمثل الدين أو المذهب في قوله وسلوكه، فيأتي منه ما فيه ظلم للعباد أو إعانة على الظلم، ماذا يفهمون؟ يفهمون أن هذا بإذن الدين والمذهب، وأنّ هذا الدين والمذهب يُبرران له ما يرتكبه من ظلم.
22- هتاف جماهير المصلين بـ(هيهات منا الذلة).
كلمة قالها الإسلام من أوّل يوم، وبقيت على لسان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وفي سلوكه، وعلى لسان كلّ إمام بمعناها وبمؤدّاها، وهي باقية على لسان المسلم الحقّ إلى الأبد. (هتاف جموع المصلين بـ لن نركع إلا لله).
23- قيمة ثمنٍ الموت في سبيل الله؟
هتاف جماهير المصلين بـ(لن نركع إلا الله).
24- وذلك في أكثر من تجربة.
هتاف جماهير المصلين بـ(بالروح بالدم نفديك يا شهيد).
25- كان من الممكن جداً، والمطلوب بالضرورة أن تجتمع القوة بيد الحكومات والإرادة الإيمانية الصلبة التي تتمتع بها الشعوب على إحقاق الحق في الأرض، وإبطال الباطل، والتقدم بمستوى هذه الأمة ولكن!.
26- هتاف جماهير المصلين بـ(الله أكبر، والنصر الإسلام).
27- الصفة الإيجابية أن يوقع به الأذى، والصفة السلبية أن يمنع عنه الغذاء أو الدواء، ذاك قتل، وهذا قتل.
28- هتاف جماهير المصلين بـ(نطالب بالإفراج عن المساجين).
29- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى