خطبة الجمعة (465) 18 شهر رمضان 1432هـ – 19 أغسطس 2011م

مواضيع الخطبة:

 

الخطبة الأولى: الإنسان ما أكفره! والكفر ما أقبحه!

الخطبة الثانية: حيّا الله وعيكم – الإنتخابات التكميلية – لماذا لا؟

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأمات وأحيا، ودعا للتي هي أزكى، وأخفض عدلاً وأعلى، وَغَفَرَ كثيراً وعفا. هو الحنَّان المنَّان الرؤوف الرَّحمان الرَّحيم.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
عباد الله أوصيكم ونفسي الأمَّارة بالسوء بتقوى الله الذي لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ولا مُغني عنه، ولا مُنقذ منه، ولا قضاء لحقِّه، ولا وفاءَ لأحدٍ بشكره، ولا طاقة له بعذابه، ولنذكُرْ يوماً تتكشّف فيه الأمور، ويظهر المستور، ويعرض العمل، ويقوم الحساب، ويشتدّ العقاب، وتعظُمُ الحسرة، ولا تُجدي الندامة.
ومن تغافل اليوم عَظُمَت كبوتُه غداً، ولم تنفعه غفلته، وساءت عاقبته، وأُفجِع في مصيره.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلّم تسليماً كثيراً، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم أعذنا من أن يكون لنا هوىً في غير طاعتك، وميلٌ عن سبيلك، ورضىً بما يُسخطك، وسخط في موارد رضاك وموافقتك.
أما بعد أيها الإخوة الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فهذا عنوان حديث في هذه الخطبة:

الإنسان ما أكفره! والكفر ما أقبحه!:

لا حقيقةَ أوضح من وجود الله تبارك وتعالى، وقِيام الأشياء كلِّها وهي الفقيرةُ في ذاتها بقدرته، وحاجتِها في نظامها الدّقيق المعجِز المدهِش للعقول إلى تدبيره.
ولا أحدَ من النّاس لا يعرف من نفسه ضعفَها وفقرَها في وجودها وحياتها ابتداءً واستمراراً إلى من يَهَبُها الوجود والحياة والرّزق، وأنَّ الممكنات كلّها لا تملك شيئاً من ذلك في نفسها لذاتها أو غيرها. فماذا يعني الكفر بعد هذا غيرَ معاندة الحقّ ومكابرته، والاستكبار عليه، وغمطه وتغطيته؟!.
وهذا مقطعٌ من سورة عبس يهزُّ مشاعر الإنسان هزّاً، ويُشدِّد عليه النّكيرَ في كفره، ويُظهر له بشاعة جحوده واستكباره وتعنُّته، وهو من ما هو في حاجته وحقارة نشئته ومحدوديته، مع ما يرى من قدرة الله وهيمنته، ونفاذ إرادته، وحسن تقديره، وجميل تدبيره، وإتقان صنعه، وإحاطة علمه، وبالغ حكمته، وعظيم إنعامه وإحسانه وتفضّله.
غريب من الإنسان هذا الكفر. وهو أكبر ما يُمكن أن يأتيَ منه من جهل وغرور وسَفَهٍ وجنون وطغيان واستكبار، وطيش، وسوء موقف واختيار، وتضييع للذّات والمصير، ومعاندة للحقّ، وإنكارٍ للهدى، وإقدامٍ على الهلاك والبؤس والشّقاء(1).
يقول الكتاب الكريم:{قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ، مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ، ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ، كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}(2).
يتصدَّر المقطعَ دُعاءٌ على الإنسان يظهر غضب الخالق العظيم، ويأتي تعبيراً عنه لقبح ما يكون عليه الإنسان من الكفر بربّه الذي لا مُسوِّغ على الإطلاق للكفر به، ولا شيء من خفاءٍ في ظهوره، ولا شيءَ إلاّ ويشهد بألوهيته وربوبيته.
ويُثير تعبير الآية الأولى التعجُّب مما عليه شدّة كفر الإنسان وفظاعته وهو يجحد خالقه ورازقه ومدبّره الذي لا وجود، ولا حياة له لحظةً إلا به، ولا يستطيع أن يخرج من حكمه وقَدَرِه.
أو أنَّ التعبير كما يفهم بعضهم يُثير سؤالاً استنكارياً في وجه الإنسان عمَّا يجعله يكفر بالله الحقّ الذي لا أجلى منه، ولا ظهور لشيء إلا من ظهوره(3).
وتسأل الآية الثانية هذا السؤال {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} فهل خُلِقَ الإنسان من شيء يُغريه بالاستكبار على الله، والاستعلاء على طاعته، وهل له بداية جليلة تُطمِعه أن يُدير بظهره إلى ربّه، وتُشعره بالأنفة من الاعتراف بربوبيته، والذُّلّ بين يديه، والخضوع إلى أمره ونهيه؟(4).
وهلاّ يطرح الإنسان على نفسه هذا السؤال ليعرف قدره، ويتذكّر ضعفه أمام ربِّه؟! ويأتيه الجواب في الآية الثالثة {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}.
هذه هي البداية القريبة التي خُلِقَ منها الإنسان، نُطفةٌ ضئيلة حقيرة مَهينة تكاد تكون ضائعة، وكان يمكن أن تذهب في سيل ماء أو في أنجاس، أو خُرقةٍ تافهة فلا تُذكر(5)، ولا يكون لها شأن كبير ولا صغير على الإطلاق. وكيف بِمَن كان كذلك يبطَر ويفخَر، ويكفُر ويستعلي ويستكبر على مَنْ أخرجه من الظلمة إلى النور، ومن الضمور إلى الظهور، ومن الضياع إلى الوجود، والموت إلى الحياة؟!
وبرغم أنَّ هذه هي بداية الإنسان فقد جاء بِقُدرة الله وعلمه وحكمته مخلوقاً قويماً موزوناً وزناً دقيقاً متناسباً تناسُباً عجيباً لا يخرج في خلقِه عن حدّه الذي حدّه الله به، وعن نصيبه من القِوى والمواهب والاستعدادات التي كَتَبَها له، وعن أجله الذي أجَّله لحياته.
وإذا بنا نجد النُّطفة القذِرة إنساناً سويّاً، وعقلاً موهوباً، وقلباً وعِيّاً، ونفساً متشوِّفة، ومشاعر رقيقة دفّاقة، وأفكاراً نافذة، وأشواقاً جميلة، ومُركّباً بدنياً جذّاباً، ووجوداً معنويّاً أخّاذاً(6).
وأنقل هذه الكلمة عن مكارم الشيرازي (حفظه الله) في الأمثل(7) “وتتجلَّى عظمة تقدير الخالق سبحانه في تلك النُّطفة الحقيرة القذرة التي تتجلّى بأبهى صورها جمالاً وجلالاً حيث لو جمعنا الخلايا الأصلية للإنسان (الحيامن) لجميع البشر، ووضعناها في مكان واحد لكانت بمقدار حمّصة”(8).
ويذهب البعض إلى أنَّ {فَقَدَّرَهُ} في الآية الكريمة بمعنى أقْدَرَه( ). فالنُّطفة الواهية الضعيفة إذا بها الطّاقة الفوّارة، والقوّة الشّديدة، والعضل المفتول، والسّواعد الضّاربة، والطّيار، والغوّاص، وحملة الأثقال، وعُمّار الأرض، ومُقيمو الصّروح، والجنود الأشدّاء(10).
وإنَّ تلك النطفة قد عُبِّئت بكلّ تلك الاستعدادات المادية والمعنوية، وأُفعِمت بكلّ تلك القابليات، ورسمت خارطة طريق واصل لمستوى ذلك الموجود الكبير.
وقد يُسِّر للإنسان الطريق وهو نطفة بتقديرٍ من الله سبحانه إلى أن يبلغ غايته الجسمية، وغايته الرّوحية، وسعادته، من غير جَبْرٍ ولا قهر سالب للإرادة.
وما قَدَّرَه الله سبحانه لهذا المخلوق أن يموت بإذنه تبارك وتعالى وهو القادر، وفي أجله المكتوب، وعند ذلك يميته، وقد هيّأ له في الأرض ما يُقْبَر فيه، وهدىً لإقباره، ستراً عليه، وإكراماً له، فأقبره.
وبعد الإقبار وفيه طيٌّ وإخفاء، إذا شاء ربَّه أنشره {ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ} فيبعثه بعثاً، ويُقيمه حيّاً لِيَلْقَى حسابه وثوابه أو عقابه.
وكان المنتظر من الإنسان أن يقضيَ ما أمره ربّه به في حياته الأُولى، ويُنجز ما حُمِّله، لتبتني ذاته، ويبلغ كماله، فينال سعادته.
ولكنْ يأتي خَلْقٌ كثير من الناس يوم القيامة وقد قضوا ما لهم من حياة في الدُّنيا ولمّا يزالون لم يقضوا ما أُمروا به(11)، ولم يُعِدُّوا أنفسهم ليوم المعاد، ولم يأخذوا له معهم زاداً.
ولا ريب في أنَّ الكافر معنيٌّ للآية الكريمة {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} ومنهم من يُعمِّمُها حتى للمؤمنين بلحاظ أن لا أحد يعبد الله عزّ وجلّ حقّ عبادته، وإن اجتهد في امتثال ما أُمر به، واجتناب ما نُهي عنه.
وأخيراً نرجع فنسأل هل أشدُّ كفراً من الإنسان بربّه الذي منه خَلْقُه ورزقُه وتدبيره، وغناه وفقره، وصحته ومرضه، وخيره وشرّه، وحياته وموته، وإقباره ونشره، وحِسابه، وجزاؤه، ولا مهرب له من قَدَرِه، ولا مخرج له من ملكه، ولا استقلال له عنه في نفسه، وهو الذي أخرجه من بدايته الوضيعة في رحلةٍ دبّرها الله عز وجل تدبيراً حكيما إلى أن صار الإنسان المذكور الذي يُفكِّر ويشعر، ويُقدِّم ويُؤخِّر، ويبني ويُشيد، وينشط ويتحرّك، ويُبدع ويصنع ويزرع، ويُحدث الثورات ويقيم الحضارات، ثمَّ لا يملك أن يستمسك لحظة أمام قَدَر الموت الذي كتبه الله عليه حين يأتي أجله، ويحين موعد منيّته؟!.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تسلُبنا نعمة الإيمان، واكفنا التفريط في جنبك حتّى لا نكون من أهل طردك، واستحقاق لعنتك، والحرمان من الإيمان بك، واحمنا من النفاق، والفسق والفجور، واجعل لنا قدماً ثابتاً في دينك، وصِدقاً بالغاً في ولايتك، واصرفنا إلى محبّتك وطاعتك وعبادتك يا كريم، يا رحمان، يا رحيم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}(12).

الخطبة الثانية

الحمد لله العدل الحكيم، الذي لا يدخل عدلَه ظلم، ولا يقربُه نقص، ولا يعرضه اختلال، ولا يتجاوزه متجاوز، ولا يهرب منه هارب. أقام السّماوات الأرض بالعدل، وبه تنزّلت كتبه، وجاءت رسله، ودعا عباده للأخذ به، وإقامته، وأثاب عليه، وعاقب على مخالفته.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
أُوصيكم عباد الله ونفسي المقصِّرة وكلّنا مفتقرون إليه، محكومون لِقَدَره، خاضعون لحكمه وقهره، نعيش برزقه، ونقعُد ونقوم بقدرته بتقواه طَلباً لرحمته، والزُّلفى لديه. فمن كان له قُرْبٌ من الله، وكان أهلاً لرحمته كان ممن لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.
ولا منزلة تُطلب فوق منزلة القرب من الله(13)، وما تنافس أهل الهِمم العالية، والعقول الرَّاجحة، والقلوب الواعية، وما تنافس أهل المطالب الغالية من غيرهم كتنافسهم هم في درجات القرب من الله العليّ العظيم(14).
وماذا بعد الله سبحانه من جلال وجمال وكمال؟! وأيَّ رحمةٍ تطلب النفس بعد رحمته، وأيُّ حِمىً تطمئن إليه بعد حماه، وأيّ كرم تتطلع إليه بعد كرمه، وأيّ قرب تتشوّف إليه بعد قربه، وأيُّ أُنس أكبر من الأُنس برضاه(15).
اللهم أعذنا وإخواننا المؤمنين والمؤمنات ومن يعنينا أمره، ومن أحسن إلينا منهم من هجرك وقِلاك، وطردك وغضبك، وقرّبنا إليك، واستعملنا في طاعتك، وشرِّفنا بعبادتك، واجعل قلوبنا متعلِّقة بك، منصرِفة عمَّن سواك إليك يا أرحم من كلّ رحيم، ويا أكرم من كلّ كريم.
اللهم اغفر لنا ولجميع أهل الإيمان والإسلام، ولوالدينا وأرحامنا وقراباتنا وللؤمنين والمؤمنات أجمعين.
اللهم صلّ وسلّم على محمد بن عبدالله خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين، اللهم صلّ وسلم وزد عليه وبارك وارفع درجته عندك، اللهم صلّ وسلّم على علي أمير المؤمنين وإمام المتقين، وعلى فاطمة الزهراء الصديقة الطاهرة المعصومة، وعلى الأئمة الهادين المعصومين؛ حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك: الحسن بن علي الزكي، والحسين بن علي الشهيد، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي العسكري، ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر القائم.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، وعجِّل فرج وليّ أمرك القائم المنتظر، وحفّه بملائكتك المقرّبين، وأيّده بروح القدس ياربّ العالمين.
عبدك وابن عبديك، الموالي له، الممهِّد لدولته، والفقهاء العدول، والعلماء الصلحاء، والمجاهدين الغيارى، والمؤمنين والمؤمنات أجمعين، وفِّقهم لمراضيك، وسدِّد خطاهم على طريقك، وانصرهم نصراً عزيزاً مبيناً ثابتاً مقيماً.
أما بعد أيها الأعزاء من المؤمنين والمؤمنات فإلى بعض كلمات:

أولاً: حيّا الله وعيكم:

أيها المؤمنون، يا أبناء الشعب حيَّا الله وعيكم وصبركم وصمودكم وتضحياتكم على طريق المطالبة بحقوقكم العادلة التي لابُدَّ منها، ولا غنى عنها، ولا يمكن التنكّر لها وإهمالها.
وحيّا الله مطالبتكم الحقّة الصّادقة بإطلاق سراح الإخوة والأخوات والأبناء الأعزّاء من السُّجناء المظلومين، وعودة المفصولين من المحارَبين في اللُّقمة الشريفة إلى أعمالهم، والطُّلاب المحرومين ظلماً من دراستهم، والتوقُّف عن الاستمرار في إثم الفصل الإضراري للمدرّسين والمدرسات والمربّين والمربّيات والأساتذة، وإنهاء كل الانتهاكات للحُرُمات والحقوق، وحيّا الله مطالبتكم بالاعتراف بكلّ ما لهذا الشّعب الكريم بكُلِّ فئاته وطوائفه من حقوق ثابتة كسائر الشعوب المحترمة عند نفسها وحكوماتها.
وحيّا الله سلميتكم التي أثبتت مصداقيتها طوال هذه المحنة رغم كلّ التحديات والتعدّيات والانتهاكات التي واجهتموها، ورغم سيل الدِّماء والضّحايا من الشهداء، وكلّ العذاب وكلّ السجون.
والسّلمية التي كانت خياركم بالأمس هي خياركم اليوم وغداً، وهي وسيلة نصر لا هزيمة، ودليل انضباط لا انهيار، وشدة وعي لا سذاجة.
ولا بُدّ مع سلمية الأسلوب من نزاهة الكلمة، ومع انضباطه انضباطها.
تُدرس الكلمة التي لا مؤاخذة أخلاقية عليها، وتُدرس قيمتها، لِتُقصى كل كلمة تضرّ ولا تنفع، أو يكون ضررها أكبر من نفعها(16).
أمَّا الكلمة النّابية فلا ورود لها أساساً في قاموسكم(17)، ولا مكان لها على ألسنتكم.
وتنصبُّ الشعارات في أدبٍ جمٍّ على المطالب والقضايا والحقوق والأهداف، دون الذَّوات والأشخاص.
لا تسبوا لأنَّ الآخر يسبّ، ولا تهبط الكلمة على ألسنتكم، لأن الكلمة قد هبطت على لسان الآخر، ولا تدنوا من كلمة الفُحْش لأن الآخر يقترفها، ولا يحملنكم سوء الآخر على السوء، ولا ظلمه على الظلم، ولا سفهه على السَّفه، وعلينا بمراقبة الله عزّ وجلّ في كلِّ ما نفعل ونقول، وألاّ يعدل بنا عن حكم الشريعة وأدبها وخلق الإسلام ما نواجَه به من باطل(8).
نحن أمام وضعية سياسية مرضيّة منحرفة مؤلمة، وهدفنا العلاج لا الاستفزاز، فلا مكان لأي شعار استفزازي، ولا لشعارات الموت والتسقيط فيما أرى.

ثانياً: الانتخابات التكميلية:

أعلنت الجمعيات السياسية المعارضة مقاطعتها للانتخابات التكميلية للمجلس النيابي، ذلك أنَّ المشاركة في إنتاج مجلس نيابي يكرِّس الأزمة ويعمّقها ويُعطِّل حلّها لا تُعدّ رشداً، ولا موقفاً وطنيّاً مُشرّفاً، بل هي مشاركة في المزيد من التأزيم للوضع المتأزّم، وتعقيدٌ فوق التعقيد، وتطويل لعمر الأزمة الذي طال، ولا زال يُراد له أن يطول بمجلس نيابي لا تسود فيه إلا كلمة الحكومة، ولا حضور فيه لرأي الشّعب وإرادته.
وحماسُ الشارع المعارض أشدُّ من حماس الجمعيات السياسية التي أعلنت معارضتها؛ فماذا سيعني هذا المجلس بعد ذلك؟!.
وكيف ستُقابَل الدعوة للانتخاب المتعلق به؟.
تُحذّر بعض التصريحات الرسمية من أن يُثبّط أحد الشارع عن الانتخاب(19). وهل الشارع المعارض الرافض بقوة لأي مجلس نيابي من هذا الوزن مستعدّ لأن يسمع من أحد تشجيعاً، أو محتاج إلى أن يسمع من أحد تثبيطاً في هذا الأمر؟! الكل يعرف أن الشارع المعارض على سعته وكثافته هو المتحمّس الأول لموقف المقاطعة(20). ولا حاجة لمن يريد مقاطعة الشارع أن يُشجّعه على ذلك فقرار الشارع المعارض قد اتخذه ولم ينتظر به تشجيعاً أو تثبيطا.
أمّا الترشّح في هذه الانتخابات فيرجع إلى تقدير الشّخص الرّاغب في ذلك، ولا يُظنّ في الشّارع أبداً أن يُواجه أحداً بالقوّة لو اختار الترشّح والمشاركة، ولا ينصحه أحدٌ بذلك، بل نصيحتي شخصياً أنا على خلافه.
ولكن التمثيل الذي سيكون لأيّ مرشح عن الشارع المقاطع إنما هو تمثيل شخصي لنفسه إن لم يكن تمثيلاً عن الحكومة.
وكيف يُمثّل مرشحٌ الرأي العام الذي يتقدّم مرشحاً باسمه وقد ضرب بوجهة نظر هذا الشارع عرض الحائط منذ البداية، في تجاوز واضح له، ومضادّة صارخة لتوجُّهه؟!
هذا مرشّح لا صلة له بهذا الشّارع، ولا صلة للشّارع به.
وإنَّ ناتج انتخابات في ظلِّ المقاطعة الواسعة المتوقّعة إنّما هو مجلس نيابي من لون واحد، مجلس موالاة خالص لا مكان فيه للمعارضة، ومؤسسة حكوميّة لا صوت للشعب فيها على الحقيقة(21).

لماذا لا؟

أيّدت دول الخليج بعض الثورات العربية وتحمَّست لها، وذهبت مع تغيير النظام السياسي الذي ذهب إليه ذلك البعض من الثورات. واعترفت بوجهٍ وآخر من الوجوه بنتائج من نتائج بعضٍ آخر من الثورات التغييرية في السّاحة العربيّة نفسها كما في مصر وتونس.
وقد اقترحت على علي صالح التنحّي.
هذا كُلّه حاصل ولا نقاش لنا فيه، ولكن لماذا البحرين الخليجيّة لا يكون فيها إصلاح سياسي. ولماذا يُقابَل التحرك السياسي الإصلاحي فيها بالإعلام المضادّ، وحشد الجيوش؟!
لماذا لا إصلاح على المستوى السياسي في البحرين؟
ألأنَّ الإصلاح السياسي فيها قد وصل القِمّة، ولا يقبل المزيد؟!
أم لأنّ الشّعب من الدّونية والحقارة بحيث لا يستحق أن يُلبّى له مطلب الإصلاح؟!
أم لأنّ هذا الشعب همج رعاع لا يعرف شيئاً من سياسة، وليس بمستوى أن يشارك في حكم، وأن يقول كلمةً في مصيره، ويرى رأياً في أمر نفسه؟!
أم أنَّ الحكومة هنا إلهٌ لا يسألها الناس، وهم يُسألون؟!
أم أنّها حكومة لا تُحب الإصلاح، ولا تهتدي إليه؟!
هل نُمثّل نحن حالة استثناء من كل الأمة ومن كل العالم بحيث للجميع أن يتحرّك للأمام، وعلى الجميع أن يتقدّم، أمَّا نحن فليس لنا إلا المراوحةُ في المكان، والرّضى بالموقع الدُّون، وأخسِّ المواقع؟!
ماذا تختار الحكومة وأنصارها من تعليل؟ وهل يملك واحد من هذه التعليلات وأمثالها شيئاً من عدالة… شيئاً من مقبولية عقلية أو دينية أو واقعية… شيئاً من وجاهة؟ لا شيء من ذلك على الإطلاق.
اللهم صلّ وسلّم وزد وبارك على محمد وآل محمد، واغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (22).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- للإنسان أخطاء كثيرة، وضلالات جمّة، لكن أكبر ضلال يأتيه هو أن يكفر بالله تبارك وتعالى.
2- 17 – 23/ عبس.
3- ما أكفره مرّةً للتعجّب، ومرة يُحمل على أنه سؤال فتعني ما أكفره، ما الذي جعل الإنسان يكفر بربه سبحانه وتعالى؟ً.
4- أنملك هذه البداية الجليلة العظيمة؟.
5- هذا الفيلسوف الكبير، هذا الحاكم المتبذخ، هذا الفقيه الجليل، هؤلاء الناس الأقوياء الأشداء بدايتهم كانت نطفة يمكن أن تذهب ضياعا في خرقة.
6- أين كلّ هذا؟ من عطاء من، من إرادة من، من قدرة من؟ أنستكبر بعد هذا؟!.
7- – لابد أن يكون اعتمد فيها على أهل الاختصاص.
8- الأمثل ج19 ص257.
فسبحان الخالق العظيم.
9- يعني أعطاه القدرة فقدره. هناك من التقدير والوزن، وهنا من القدرة، فقدّره يعني أقدره ومكّنه وأعطاه.
10- كلُّ أولئك كانوا نطفة واهية ضعيفة مَهينة.
11- ذهبت الفرصة، انتهى العمر، والوظيفة لم تؤدّ، والدور لم يُنجز، والذات لم تُبنَ، والمأوى لم يُمهّد، والطريق لم يُفتح، والمصير لم يُستعدّ له.
12- سورة التوحيد.
13- أنت تكبر في نفسك، ويعظم عندك قدرك، وتتعزّز الثقة بك في ذاتك إذا قرّبك مقرِّب يعلوك قدرا في الناس، لو ارتفعت قدرا عند من تُجلّه من الناس لكان في ذلك ارتفاع قدر لك في نفسك، فأين كلّ الآخرين ممن يرتفع قدره عند الله العظيم؟!
14- ليس هناك تنافس كتنافس أهل العقول الراجحة، والعقول الواعية في السعي إلى الله، وطلب القرب منه عز وجل.
15- أتطلب أن تكون قويّاً أقوى منك وأنت مدعومٌ من الله؟ أتطلب أن تكون عزيزاً بعزّة أكبر من عزّة تستمدُّها من حِمى الله؟
16- أقول لكم ناصحاً، آخذ هذا على نفسي ما استطعت، وأقوله لكل الأعزاء ناصحاً أن علينا أن نكون مثالاً صادقاً في أدبنا، فيما نقول، فيما نفعل للإسلام، لا شيناً عليه. والكلمة السوء تُسقِط، والكلمة الضّارة لا تنفع عند الله سبحانه وتعالى، وأي ضرر تجلبه كلمة غير منضبطة انضباطا إسلاميا، وخارجة عن الحكمة لا يُعذر الإنسان فيها، هذا الضرر لا يُسجّل له، وإنما قد يصيبه من غير ثواب، قد يُعاقب الطرف الآخر، ولكنّي لا أستحق الثواب لشيء أجرّه عليّ من غير جدوى ومن غير فائدة.
17- أنتم أنظف من ذلك، وأبعد وأجلّ.
18- ونحن قد وُوجهنا ولا زلنا نُواجَه بباطل كبير وكثير.
19- ولهم ذلك حسب هدفهم.
20- ولم يكن ينتظر في الكثير منه مقاطعة الجمعيات ليقاطع.
21- وهذا ما خطّطت له الحكومة بكلّ مقدمات هذا الانتخاب.
22- 90/ النحل.

 

زر الذهاب إلى الأعلى